الطلاق تجربة قاسية في حياة الزوجين، وفي حياة العائلة ككل، ولكنها تجربة قد يكون لا مَفَرّ منها عندما يستحيل التعايُش بين الزوج والزوجة فينفصلان ويذهب كل منهما في سبيله ليجرِّب الحياة المستقلّة بعيداً عن الآخر. بعض حالات الطلاق تتحوَّل إلى فراق دائم بين الزوجين، لكنْ في كثيرِ من الحالات ينتبه أحد الزوجين، أو ينتبه الاثنان معاً إلى أن انفصالهما عن بعضهما كان خطأً، فيعودان إلى استئناف الحياة الزوجية في تجربة ثانية قد يكون مصيرها النجاح أو الفشل. فمتى يكون قرار العودة سليماً؟ وهل تعود المياه إلى مجاريها والحياة إلى سابق عهدها بين الزوجين العائدين من الطلاق، أم أن الشرخ الذي حدث في العلاقة الزوجية لن يكون يسيراً التآمه؟ في هذا التحقيق تحاول "مجلة الدعوة" الإجابة عن هذا السؤال.
نعم، هناك مطلقون عادوا بعد انقطاع طويل أو قصير لكن كيف؟ ولماذا عادوا؟
أسباب الطلاق تافهة
سماحة المفتي العام العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبدالله آل الشيخ تحدث في هذا الموضوع قائلاً: أكثر أسباب الطلاق تافهة لكنهـــا نتيجة انحرافات. يقول الله جلَّ جلاله وهو أصدق القائلين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].
البيت اللبنة الأولى في تربية المجتمع وتوجيهه نحو الخير أو ضد ذلك - والعياذ بالله - البيت هو اللبنة الأولى تنطلق الأسرة منه، فبيت أسس على تقوى من الله ورضوان، بيت أسس على الأخلاق والقيم والفضائل، بيت رعاه رجل ذو دين وتقى وصلاح واستقامة ومحافظة على الدين وسائر الفضائل، وبيت أسس على غير هدى، أسس على - { أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة: 109].
إن الإسلام اعتنى بالبيت أيما عناية، اعتنى ببيت المسلم أيما عناية، ليجعل هذا البيت بيتاً صالحاً، وبيتاً طاهراً وبيتاً يعمر بالفضائل والأخلاق مبتعداً عن الرذائل وسفاسف الأخلاق.
العودة عن الطلاق في نظر
علم النفس
يشرح الدكتور خالد السبهان المعالج النفسي الذي يستقبل الكثير من الاستشارات الزوجية أن الزوجين إن عادا بأسلوب غير صحي، لن تنجح العلاقة. فمن شروط نجاح العلاقة بعد الانفصال، أن يكون الزوجان مقتنعين أن الخطأ مشترك ولا يعاتب أحدهما الآخر في مشكلة سابقة انتهت وبدء صفحة جديدة ويجب أن تناقش الأمور وتحل، فحين يعاني أحد الأشخاص من صداع مزمن، لا يمكن أن تحل المشكلة بإعطائه مسكنات دائمة إنما يجب أن نعلم سبب الصداع ونعالجه. فمعرفة الخطأ بدقة من جانب الطرفين ووضع خطة محددة وواضحة للتعامل هما من أهم شروط نجاح العلاقة بينهما بعد ذلك ويمكن أن تكون أكثر نضجاً وقوة، فيجب أن يكون بين الاثنين جلسة مصارحة تحدد الأخطاء بالضبط وتُحدِّد بعد ذلك طرق التعامل وكأنه عقد جديد. أما من يعودون للحياة الزوجية لأجل خاطر الأبناء أو الشكل الاجتماعي فالعلاقة تظل منقوصة وظاهرية حتى أنه يمكنهم لا شعورياً إيذاء أبنائهم، الذين يجب أن يتربوا في جو صحي، فهم يتعلمون من أبويهم معنى الزواج وما فيه من مودة ورحمة واستقرار، لا أن يكون مفتقداً لكل ذلك وأن يكون مجرد قناع لإرضاء المجتمع. في هذه الحالة يشوه مفهوم الزواج لدى الأبناء وفي جميع الأحوال لا يرضي الجميع.
الآن عرفت قيمة زوجتي الأولى
قال الشاب محمد والبالغ من العمر 38 عاماً "لمجلة الدعوة" لم أعرف قيمة زوجتي الأولى إلا بعد زواجي الثاني فكنت أحلم بحياة مختلفة، ولكن فوجئت بالعكس وعدت لزوجتي الأولى فسبب طلاقي الثاني فارق العادات والتقاليد والحياة الاجتماعية فلم أستطع المواصلة وفضلت الانسحاب والعودة.
خالد موظف إحدى الشركات السعودية الكبرى قال: بعد حوالي خمسة عشر عاماً من الزواج وإنجاب طفل قررا الانفصال، وخلال فترة قصيرة قرر كل منا بدء حياة جديدة مع آخر وتزوج كل منا، وبعد فترة وزواج قصير أزاح الستار عن الكثير مما يفتقده كل منا في الآخر رغم عيوبه، لم نجد في الرفيق الجديد، وكان قرار الانفصال الثاني الذي تلاه قرار العودة للحياة الزوجية الأولى واستئناف حياتنا معاً من جديد.
الطلاق في ميزان علم الاجتماع
بيّن الاختصاصي الاجتماعي محمد الشهري أن ثقافة الطلاق في المجتمعات العربية هي عقوبة وليست حلاً لمشكلة بين الطرفين، وأن الكثيرين يستخدمونها لفرض الرأي عندما يفشل الحوار مع الطرف الآخر والطلاق هو التهديد الأنسب في هذه الحالة، قائلاً: "الطلاق هو الحل وليس العقوبة ولا يستخدم إلا بعد اتفاق الطرفين، وقد يعود سبب الطلاق إلى افتقادنا للغة الحوار والنقاش للوصول إلى حل، وللأسف الشديد بعض النساء لا يفكرن بمنطق أو عقل إلا عندما يهدد بالطلاق. وعن عودة المطلقين ذكر الشهري أن سبب العودة، في العادة هو تصحيح للحظة انفعال من الطرفين، سواء أكان طلب الطلاق من المرأة أو من الرجل. وأضاف الشهري: "عودة المطلقين هي عودة عن قرار بٌني في لحظة غضب، لأن الطرفين يشعران حينها أنهما غير راغبين في الافتراق. وقد يرى الزوج في كثير من الأحيان بأن الزيجة كلفته الكثير من الوقت والمال والجهد والتفكير فكيف يتخلى عنها بهذه البساطة، وقد نجد نوعاً من الاستهتار بحياة الآخرين، عندما يتخلى أحد الطرفين عن الآخر بحجج بسيطة كأن يعتقد الرجل بأن زوجته تربطه بالأطفال، أو تسمع لأهلها أكثر، مما تسمع إليه. وهناك الكثير من الاستثناءات في حالات الطلاق وعودة المطلقين فالسيدة تنتهي حياتها عندما تُطلق وعندما يعود إليها زوجها طالباً منها العودة، تُدرك بأنها تفعل الصواب في قرار وتعود إلى منزلها وحياتها وأسرتها، ونجد أن الرجل هو سيد الموقف في الحالتين في الطلاق وفي قرار العودة، فله حق إعادة الزوجة، وله حق تطليقها" الطلاق الزوج ولكن لم تعد الحياة الزوجية فهي علاقة على الورق، يصرف على بيته وأبنائه ويزورهما من حين لآخر.
خالتي سبب طلاقي الأول
لطيفة متزوجة منذ 15 سنة تقول كنت أشعر بسعادة بالغة مع زوجي، إلا أن الحياة لا تستمر بدون مصاعب، فبدأت مصاعبي من المقربين جداً مني وتحديداً مع خالتي شقيقة والدتي المطلقة وهي التي تعيش وحيدة في المنزل، وكانت تزورني باستمرار في منزلي فكنت أحدثها عن مدى سعادتي مع زوجي وأخبرها بأني أتمنى أن أُرزق أطفالاً صمتت ريم وعادت لتقول: "خالتي هي السبب الأول في طلاقي منذ اللحظة الأولى التي دخلت فيها منزلي وبدأت تسمع أخباري مع زوجي، وبدأت تحرضني على عدم الانصياع لأوامره لأن الرجل برأيها ذئب بشري لا يستطيع التواصل مع امرأة بدون إذلالها، لا أعرف كيف وصلت إلى نقطة اللا عودة مع زوجي عندما بدأت أُنفذ ما كانت تطلبه مني خالتي بعدم الاستماع لزوجي أو إطاعته. في هذه الفترة بدأ حملي يكبر وبدأت المشاكل تتزايد بيني وبين زوجي حتى جاء اليوم الذي لم أتوقعه وطلقني لأعود وحملي إلى بيت أهلي، لم أشعر وقتها بالانزعاج كثيراً بسبب حملي الذي أثّر على عملي وعلى علاقتي بزوجي ناهيك عن تحريضات خالتي. أنجبت طفلي يوسف وزادت تحريضات خالتي حتى استطاعت منع زوجي من رؤية ولده، وكان لها ما أرادت، بقيت عند أهلي لمدة سنة كاملة إلا أن شعرت بأن زوجي بحاجة إليّ كما أنني بحاجة إليه، بعيداً عن ضغوط العائلة وخالتي تحديداً، فتحدثت مع والدتي وأخبرتها بنية عودتي إلى زوجي، فباركت قرار العودة واتصلت بزوجي وأخبرته بذلك، فحضر في اليوم التالي وعدت إليه.
محمد قال: "لمجلة الدعوة" حياتي غير طبيعية مع زوجتي وقليلة هي الحالات التي يقرر فيها الزوج أن يعود لمطلقته، وهذا ما حصل معي، بعد شهرين على انفصالي عنها عدت إليها، والسبب هو الأولاد، كان التفاهم معدوماً منذ يوم زواجنا الأول، فعائلتي كانت السبب في زواجي من ابنة عمي، وهي السبب أيضاً في عودتي إليها، فطبائعنا مختلفة، واهتماماتنا متباعدة، وكل ما أحبه تكرهه، وكل ما يثيرها يزعجني، لكني شاب مطيع لعائلته، وهذا ما جعلني أعود إليها خوفاً من كلام الناس وحفاظاً على سمعة العائلة، وليبقى الأولاد تحت رعايتي، واليوم بتُّ أشعر بحاجة ماسة لأن أعيش حياتي مع امرأة تشبهني وتسعدني بقية حياتي، مع مراعاة زواجي الأول وكل متطلباته المادية، فبالنهاية أنا شاب ولي احتياجاتي النفسية، لذلك لا أنكر أني أفكر في الزواج ثانية لأبني حياة سعيدة لطالما حلمت بها.