هأنت تعود ..
وتثبت أنك قادر على فتح أجمل الكوات على أروع العوالم ..
هأنت ترفض أن يخذلنا نبلك ..
فتطلع علينا ببذخ ..
وتفتح أبواب الذاكرة على أعطر السير ..
أبو عمر ..
من الصعب ألا أستجيب لتحريضك لي على الحديث عنه ..
لو تعرف كم أقاوم رغبتي دائما في الحديث عنه ..
لأنني أعرف أنني متى ما بدأت فسيصعب علي أن أصمت ..
لقد ذكرته يا أباعمر في سياق آخرين ..
لا أنكر روعتهم ..
لكنه مختلف ..
انه أميرهم الذي قال عنه كثير ( وهل وطأ لنا الغزل الا جميل )
لا أريد أن أقلل من قيمة كثير كعاشق ..
فأنا أحب شعره ..
لكنه لم يرق أبدا ليكون ندا لجميل وكان هو يعرف ذلك ..
هل تعرف أنه صادف عزة ذات يوم في طريق ولم يتعرف عليها لأنها كانت تغطي وجهها ..
فطاردها وتغزل بها ..
مما دفعها الى رفع غطاء وجهها وتأنيبه واتهامه بالخيانة ..
وقد تسبب هذا الموقف في قطيعة طويلة بينه وبين عزة ..
هل تقارنه بجميل الذي جاء اليه شيخ مرموق من قبيلته ببناته السبع وطلب منهن أن يظهرن لجميل دون حجاب
وخيره بينهن ..
فأعرض جميل عنهن ..
وأكد بشعره أنه لايوجد في قلبه متسع لامرأة أخرى غير محبوبته ..
لقد كان جميل بما يمتلكه من مقومات الوسامة والشاعرية وعلو النسب والفروسية هدفا تتسابق اليه الفتيات
آنذاك .. لكنه كان دوما يعرض عن كل تلك المحاولات لاغرائه واستدراجه ..
وبينما كانت بثينة متزوجة من نبيه بن الأسود ..
رفض هو أن يقترن بامرأة وكرس حياته لحبها ..
جميل ذلك الرائع الذي لم يقل من الشعر الا الغزل والفخر ..
بثينة أيضا كانت جديرة بحبه ..
ترى هل تعرف قصتها مع الشاعر المشهور عمر بن أبي ربيعة ..
كان عمر بن أبي ربيعة شاعر نزق .. يكثر من تجديد محبوباته من قصيدة الى آخرى ..
وكان يستعرض في قصائده مغامراته العاطفية معهن بتفاخر ونرجسية ..
وكأنه كان يتغزل بنفسه أكثر مما كان يتغزل بفتاته ..
وهو القائل :
وهو يروي كيف صادف ثلاث أخوات في الطريق كن مأخوذات به فقال :
قالت الكبرى أتعرفن الفتى
قالت الوسطى نعم هذا عمر
قالت الصغرى وقد تيمتها
قد عرفناه وهل يخفى القمر
هذا الشاعر المعجب بنفسه كان صديقا لجميل ..
وقد ائتمنه جميل ذات يوم على رسالة ليوصلها لبثينة .. وقد ذهب عمر الى حي بثينة
وعندما خرجت له لتعرف رسالة جميل .. صار يتودد اليها وكأنه يغازلها ..
فما كان من بثينة الا أن أعرضت عنه غاضبة وهي تقول : والله لا أكون من نسائك ياعمر ..
وهل يمكن لمن امتلكت قلبا كقلب جميل .. أن تنظر لغيره ..
آآآآآآه يا أبا عمر ..
كم أنا مشتاقة اليه والى ذاك الزمان الذي أشعر بأنني جزء منه وكأن روحي تناسخت مع روح بثينة ..
أعود الى بقية العشاق الذين أوردت سيرتهم ..
ولا شك بأنهم عظماء أصحاب سير عظيمة ..
لكن سيرهم جميعا ليست موثقة تاريخيا ودخلها كثير من المبالغات وخصوصا سيرتي
عنترة بن شداد وقيس بن الملوح ..
أما سيرة جميل فقد كانت أكثر السير حقيقة وتوثيقا بشهادة مؤرخي الأدب ..
ورغم ذلك آتساءل ..
كيف يمكن لرجل أن يكون بكل تلك الروعة والكمال ..؟
كيف يمكن لرجل أن يمتلك هذا القدر من المثالية والقدرة على العطاء ..؟
كيف يمكن لرجل أن يمنح كل هذا الحب والحنان ..؟
كيف يمكن لرجل أن يكون مجنونا هكذا ويتحدى العالم بهذا الشكل ؟
أحبه حتى آخر قطرة من دمي ..
ألوذ به وأحتمي به من جحيم الواقع ..
وأحيانا أسأل نفسي أيضا ..
من يحميني منه ؟
تمنيت أحيانا لو أتمرد عليه ..
أن أشرع أبوابي للواقع وليكن ما يكون ..
فحتى لو عدت بقلب محطم من تجربة واقعية فسيبقى لدي أمل في الشفاء ..
أما معه فلا أمل لي أبدا ..الا في الشوق ..
وبمجرد أن أخطو خارج سطوته خطوة واحدة حتى أتراجع عشر خطوات للخلف ..
ينتابني خوف شديد من أن أعود اليه يوما محطمة الفؤاد ولا أجدني جديرة به ..
كتب علي أن تنوس خطاي ..مابين عالمين ..
أعجز عن أعيش أيا منهما ..
أعتذر عن ثرثرتي ..
لكنك المسؤول ..
فقد فتحت شهيتي للكلام ..
لك كل المودة والتقدير ..