الحلقة الثانية عشرة :
وصايا للراغبين في الزواج:
يعمل الإسلام على إقامة الزواج على ركائز متينة ، من التفاهم والتراضي بين الزوجين، وأهل كل منهما، حتى يتم على أساس مكين، لا تزعزعه عواصف الحياة مهما اشتدت 0 ولهذا يوصى من أول الأمر بوصايا غاية في الأهمية ، ومنها :
1ـ حسن اختيار شريك الحياة:
أول هذه الوصايا: أن يحسن كل واحد منهما اختيار شريك حياته، ولا يكون همهما المظهر البراق وحده، فالمظاهر قد تخدع، والإنسان لا يقوم بحسن مظهره، بل بحسن جوهره 0ولهذا حثت الأحاديث النبوية الشريفة ، على اختيار الزوجة الصالحة ، وإيثارها على الزوجة الغنية أو ، الزوجة الفاتنة الجمال أو الزوجة ذات النسب العريق 0
والمراد بالزوجة الصالحة: ذات الدين والخلق 0
وفي الحديث الشريف : ( الدنيا متاع وخير متاعها ، المرأة الصالحة ) 0
وقال أيضا عليه الصلاة والسلام : ( تنكح المرأة لأربع: لمالها ولنسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك ) 0
وفي حديث آخر : ( فعليك بذات الدين والخلق تربت يمينك ) 0
وكذلك حث المرأة وأولياءها على اختيار الزوج الصالح لا مجرد الزوج ذي المال أو ذي النسب والجاه 0
والزوج الصالح: هو ذو الدين والخلق 0
قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ، أو كبير 0
2ـ النظر إلى المخطوبة:
ومع هذا لا بد أن يكون كلاهما من حيث الشكل والصورة مقبولا عند صاحبه، وهذا يختلف من شخص لآخر، ولأجل هذا شرع الإسلام النظر قبل الزواج 0
وقد قال المغيرة بن شعبة رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: خطبت امرأة، فقال: ( أنظرت إليها؟ ) قال: لا، قال : ( اذهب فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما )0 وذلك لأن العين رسول القلب ، وهذا النظر قبل الزواج إذا كان معه القبول يفتح قلب كل منهما لصاحبه، ولا بأس أن يراها بغير علمها، حتى لا يجرح مشاعرها لو رآها وهي تعلم، ثم لم تعجبه 0وقد قال جابر رضي الله عنه : " كنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها " 0
ومن حق المرأة أن تنظر إلى الرجل، كما ينظر الرجل إليها، فإنه يعجبها من الرجل ما يعجب الرجل منها 0
ولا يكفي أن ينظر إليها فقط، بل لا بد أن يتحدث إليها وتتحدث إليه ، ليتعرف كل منهما على ملامح شخصية صاحبه، ولو بصورة مبدئية، والرؤية لا تكشف ذلك، إنما يكشفها الحديث والسؤال والجواب 0
ومما يؤسف له أن المسلمين في عصرنا وقعوا بين طرفي الإفراط والتفريط، فهناك من يرفض مجرد الرؤية من الخاطب لابنته، بل بعضهم يرفض أن يراها، حتى بعد العقد عليها، ولا يراها إلا ليلة البناء بها، مع أنها تذهب إلى المدرسة أو الجامعة أو السوق ، ويراها كل الناس ما عدا خاطبها 0
وهناك ـ على نقيض هؤلاء ـ من يسمحون للخاطب بالخلوة بالمخطوبة، ولم يعقد عليها بعد، والخروج متأبطا ذراعها إلى الخلوات والنزهات والأسواق ، وغير ذلك 0
وإنما يضيع الدين والأخلاق بين الغلاة والمتسيبين!
3ـ ضرورة رضا الفتاة:
ولا يجوز لأب أن يزوج ابنته ممن يريدها هو، وإن كانت هي لا تريده، بل لا بد أن توافق عليه صراحة أو ضمنا، وذلك بالسكوت إذا غلبها الحياء، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : ( الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صمتها ) 0 وقد روى البخاري عن خنساء بنت خدام الأنصارية: أن أباها زوجها، وهي ثيب، فكرهت ذلك، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحه 0
وروى أبو داود عن ابن عباس: أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت أن أباها زوجها، وهي كارهة، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم 0
ولا ينبغي للآباء أن يستبدوا بزواج بناتهن ، ويضربوا بعواطفهن عرض الحائط 0 فعن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: إن عندنا يتيمة، وقد خطبها رجل معدم ، ورجل موسر ، وهي تهوى المعدم ، ونحن نهوى الموسر،فقال صلى الله عليه وسلم: ( لم ير للمتحابين مثل النكاح ) 0 ( القرضاوي ، أنترنت ) 0
وينبغي أن يتم الزواج برضا الأطراف كلها من أسرة المرأة ، وأسرة الرجل ، لهذا اشترط الفقهاء إذن ولي المرأة بل حضوره العقد ، وجعل ذلك بعضهم أمرا مستحبا لا واجبا ، ولهم في ذلك أدلة من القرآن والسنة، تبحث في كتب الفقه 0
والأولى ألا تتزوج المرأة بغير إذن وليها ، حتى لا يلعب بها الزوج بعد ذلك ، ويضيع حقوقها ولا تجد من يدافع عنها 0
بل الأولى أن تشاور المرأة في زواج ابنتها ، كما ورد في الحديث : ( آمروا النساء في بناتهن ) لأن الأم أعرف بابنتها من أبيها ، ولأنها إذا لم توافق على الزواج فقد تنكد عيش زوج ابنتها بعد ذلك 0
يقول الأستاذ عبد الحليم أبو شقة رحمه الله في موسوعة تحرير المرأة في عصر الرسالة:
"إن حضور الولي عقد الزواج كما يثبت إقرار العائلة لهذا الزواج، يساعد على تأكيد أن رابطة الزواج لا تقتصر على علاقة حميمة بين شخصين رجل وامرأة، بل هي كذلك صلة وثيقة بين عائلتين أو عشيرتين، وكما يحضر ولي أمر المرأة فيندب حضور والد الرجل فضلا عن أقارب الزوجين حتى يكون هذا الزواج بداية التحام بين العائلتين " 0
وفي هذا المعنى يقول الإمام محمد عبده رحمه الله :
"لا يخفى أن أحكام الشريعة المقدسة ترشدنا إلى أن المصاهرة نوع من أنواع القرابة، تلتحم بها العائلات المتباعدة في النسب، وتتجدد بها صلات الألفة والاتحاد، فقد حرم الله على الشخص أن يتزوج بأمه أو أنثى من أصولها وفروعها، كما حرم عليه أن يتزوج بأخته أو أنثى من أصول نفسه وفروعه 0
وكذلك حرم على زوجته أن تقترن بشيء من أصوله أو فروعه، كأنما أنزل الله كلا من الزوجين منزلة نفس الآخر، حتى أنزل فروع كل منهما وأصوله بالنسبة إلى الآخر منزلة أصوله نفسه وفروعه 0 فهذه حكمة بالغة أقامها الشرع لنا برهانا واضحا على أن اتصال إحدى العائلتين بالأخرى بطريق المصاهرة ، مساو لنفس القرابة النسبية في الأحكام والحقوق والاحترام ، وهذا هو الموافق لما عليه طبيعة الاجتماع الإنساني 00 فمن كانت له ابنة ، وهو يميل إليها ميل الوالد إلى ولده، ثم قضت سنة الله في خلقه بأن يقترن بها شخص من الناس، فمقتضى محبة الوالد لابنته أن يطلب لها جميع الخيرات ويود لو بلغت أقصى درجات السعادة، وحيث إن سعادتها يبعد أن تكون بدون سعادة زوجها الذي هي مقترنة به ، فمن الواجب عليه أن يميل إلى زوجها ميله إلى نفسها ، ويكون عونا له على سعادتها، لتتصل بها سعادة ابنته ، وهكذا كل من ينتسب إليها بنوع من القرابة ، فعليهم أن يكونوا على طراز من المحبة لزوجها ، مثل ما هم عليه بالنسبة إليها" 0 ( القرضاوي ، انترنت ) 0
حقوق المعاشرة بين الزوجين:
الزواج عقد وثيق ، وشركة مقدسة ، حرص الإسلام على أن تدوم وتستقر وتتوطد، ففرض لكل من الزوجين حقوقا، وألزمه واجبات ، بحيث إذا التزماها سعاد بحياة زوجية هانئة وارفة الظلال 0
وخلاصة هذه الحقوق والواجبات تتركز في كلمة واحدة هي المعاشرة بالمعروف قال تعالى: { وعاشروهن بالمعروف } 0 وقال تعالى : { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف } ، والمعروف هنا: ما يقره العرف السليم ، ويعتاده أهل الاعتدال والاستقامة من الناس ، من الصحبة الجميلة، وكف الأذى، بل احتماله من صاحبه، وبذل الحق دون مطل ، مع البشر وطلاقة الوجه، ولا يتبعه أذى أو منة 0 والجميل حقا: أن الآية السابقة جعلت الحقوق والواجبات متبادلة بين الزوجين، فكل حق يقابله واجب 0
قال ابن عباس رضي الله عنهما: إني لأحب أن أتزين لامرأتي، كما أحب أن تتزين لي، لقوله تعالى : { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف } وهو فهم دقيق لمفهوم الآية الكريمة 0
ولكن الآية الكريمة جعلت للرجال على النساء درجة ، فما هذه الدرجة؟ بعض المفسرين ذهب إلى أنها درجة القوامة والمسؤولية عن الأسرة ، وهذه المسؤولية توجب على الرجل أعباء أكثر من المرأة 0 ولهذا نقل القرطبي عن ابن عباس في قوله تعالى : { وللرجال عليهن درجة } قال: الدرجة إشارة إلى حض الرجل على حسن العشرة ، والتوسع للنساء في المال والخلق ، أي أنه الأفضل فينبغي أن يتحامل على نفسه 0 قال ابن عطية: وهذا قول حسن بارع 0
واختار الطبري أن أولى الأقوال في تفسير الآية: أن الدرجة التي ذكرها الله تعالى هنا، هي: الصفح من الرجل لامرأته عن بعض الواجب عليها، وإغضاؤه لها عنه، وأداء كل واجب لها عليه، وذلك ليكون للرجل فضل درجة عليها 0
وهناك حقوق مشتركة بين الزوجين، مثل الاحترام المتبادل ، والتشاور فيما يهم الأسرة ، كما قال تعالى في شأن الوالدات المرضعات : { فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما } ، البقرة 0
ومنها: حقوق المعاشرة الجنسية ، فهي حق لكل منهما على صاحبه بالمعروف في حدود الطاقة، كما قال تعالى : { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن } 0 وإنما عبر عن هذه العلاقة باللباس ، لما توحي به الكلمة من الزينة والستر واللصوق والدفء 0
ومنها: حق التعاون في السراء والضراء ، على البر والتقوى ، فإذا كان ذلك مطلوبا من المسلمين جميعا ، فأولى من يطلب منهم ذلك الرجل وامرأته 0
ومنها: حق حفظ أسرار الزوجية ، فلا يجوز لأحدهما أن يفشي سر صاحبه ، ففي ذلك خيانة للأمانة المشتركة 0
ومنها: حق التجمل الذي أشار إليه ابن عباس بقوله: أتزين لامرأتي ، كما تتزين لي امرأتي 0
وأخيرا إذا كانت الأجواء الأسرية مبنية على ما قدمته أعلاه ، فإن أهل تلك الأجواء سيتمتعون بكامل الصحة النفسية ، التي أتحدث عنها منذ أول يوم في هذا الشهر المبارك 0
ولا أجد أي تعليق إلا من قلة ، ولم يثبت البعض الموضوع رغم أهميته 00 وأنا أقدم هذه الحلقات في سبعة منتديات 00 صحيح أنني لم أرد على بعض التعليقات لأني سأرد في النهاية 0


