«مِنْ حُسْن إِسلاَمِ الْمَرْءِ: تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ»
فلهذا يظهر من الحديث عند كثيرين أن المراد به -كما ذكرتُ- القول أو السماع، فيدخل فيه إذن البحث عن أحوال لا تخصك، أو لا تعنيك في دينك، أو الحرص على معرفة الأخبار، أخبار فلان، وإيش عمل، وأيش سوَّى وقال وفعل، وخبره مع فلان، وأيش عندك من الأخبار، وأيش قال فلان، والناس أيش عملوا، ونحو ذلك، فالاهتمام بهذه الأشياء بما لا يعني هذا مخالف لما يدل عليه حسن الإسلام، فمن أدلة حسن الإسلام ترك ما لا يعني من فضول الأقوال، وفضول ما يسمع.
فإذن هذا الحديث من أحاديث الآداب العظيمة فينبغي لنا وجوبا أن نحرص على حسن الإسلام؛ لأن فيه من الفضل العظيم ما فيه، ومن حسن الإسلام أن نترك ما لا يعني من الكلام أو السماع، الكلام، الأسئلة التي ليس لها داع، يأتي يستفصل، وتارة مع من هو أكبر منه، أو من قد يحرج باستفصاله، وتدقيق في الأسئلة، تجميع الأخبار عن الناس، وهذا فَعَل، وهذا ترك، وهذا ذهب، وهذا جاء إلى آخره، والتحدث بها، وتوسيع ذلك هذا كله مذموم، ويسلب عن العبد حسن الإسلام إذا غلب عليه، ولهذا نقول: في هذا الحديث وصية عظيمة في هذا الأدب العظيم من المصطفى عليه الصلاة والسلام؛ فإنّ من حسن إسلام المرء أن يترك ما لا يعنيه، ما لا يعنيه في دينه، ما لا يعنيه في أمر دنياه، ما لا يعنيه من الأقوال، ومما يَسمع أو مما لا يُسمع، وأشباه ذلك، فإن في هذا الأثر الصالح له في صلاح قلبه، وصلاح عمله، والناس يؤتون من كثرة ما يسمعون أو يتكلمون، ولهذا قال بعض السلف في أناس يُكثرون الكلام والحديث مع بعضهم قال: هؤلاء خفَّ عليهم العمل، فأكثروا الكلام، وهذا مذموم أن نكثر الكلام بلا عمل، نجلس مجالس طويلة ساعة، ساعتين، ثلاث في كلام مكرّر، وضار لا نفع فيه والواجبات لو تأمَّلها كثيرة، تجد أنه يتوسع في مباح، وربما كان معه بعض الحرام في الأقوال والأعمال ويترك واجبات كثيرة، وهذا ليس من صفة طلاب العلم، فطالب العلم يتحرى أن يكون عمله دائما فيما فيه نفعٌ له، يعني فيما يعنيه مما أُمر به في الشريعة أو حُثَّ عليه، وأن يترك ما لا يعنيه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
من شرح الأربعين النووية للشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله على حديث
«مِنْ حُسْن إِسلاَمِ الْمَرْءِ: تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ "