في ظل أزمة المال العالمية ...البنوك السعودية والعربية لن تشهر إفلاسها
انهيارات لبورصات عملاقة .. افلاس لبنوك ومؤسسات مالية .. انخفاض لاسعار النفط .. تذبذب لاسعار الذهب وصرف العملات الصعبة .. تلك هى الصورة المصغرة لـ «تسوماني» مالي يضرب العالم حاليا .. ترى كيف يمكن تجنيب الاقتصاديات العربية والخليجية بعض تداعيات أزمة الانهيار المالى العالمية من باب “انقاذ ما يمكن انقاذه”؟ وكيف يكون البديل الاسلامى لتجنب مفاسد الاقتصاد الرأسمالى؟... مكتب «المدينة» بالقاهرة عقد ندوة نقاشية حول تداعيات ازمة الانهيار المالى العالمية وانعكاساتها على المنطقة العربية وكيفية الخروج من المأزق الراهن بأقل الخسائر ، وحظيت الندوة بحضور اقتصاديين عرب كبار .. الدكتور أحمد جويلي الأمين العام لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية ، الدكتور محمود عبدالظاهر الخبير الاستراتيجي والأمني وأستاذ العلوم السياسية والتاريخ، الدكتور عصام خليفة خبير اسواق المال ورئيس صناديق الاستثمار في البنك الأهلي المصري،.. فإلي ما دار في الندوة:
•المدينة: هناك تطمينات من عدة حكومات عربية قللت من التأثيرات السالبة للازمة على المنطقة رغم اننا جزء من هذا العالم نتأثر به ونؤثر فيه .. فكيف تقرأون هذه التطمينات وهل هى فى موضعها ام مجرد مسكنات؟
** د.جويلى :
ما حدث بالنسبة للازمة المالية العالمية هو أشبه بالزلزال .. قوته كم؟ لا أحد يعرف قوته أو مدة استمراره وإلى أى مكان ومدى توابعه ، ومن المفروض أن هناك دائرة اقتصادية تدور بشكل طبيعي ، لكن انكسرت نقطة فى هذه الدائرة فتوقفت العجلة برمتها ولم تعد تدور .. فى الولايات المتحدة كانت البنوك تقوم بإقراض المواطنين بدون أي ضمانات ائتمانية وكانت الأمور تسير بشكل جيد ، ثم جاءت البنوك لتقوم لتحصيل تلك المديونيات لكنها لم تستطع وهو ما سبب الأزمة. ومن المخاوف التى تثيرها الازمة مسألة الاحتياطيات الدولية من النقد الأجنبي فى البنوك العربية، واستثمار بعض دول المنطقة والمستثمرين العرب جزء كبير منها في الولايات المتحدة حيث تسود مخاوف من احتمالات تعرضها للخطر خاصة وأن الأزمة ادت حتى الآن إلى اختفاء 11 بنكا من الساحة ، من بينها بنك «إندي ماك» الذى يستحوذ على أصول بقيمة 32 مليار دولار وودائع تصل إلى 19 مليار دولار ، ويتوقع الخبراء أن يتم إغلاق ما يقرب من 110 بنوك تصل قيمة أصولها إلى حوالى 850 مليار دولار بحلول منتصف العام المقبل، حيث يصل العدد الإجمالى لمؤسسات المال الواقعة تحت مظلة التأمين الفيدرالى إلى 1800 مؤسسة تستحوذ كلها على ما يقرب من 13 تريليون دولار من الأصول والممتلكات.
** د. عبدالظاهر :
انا ضد المسكنات ولكن مع المصارحة بدون تهوين او تهويل فالعالم يمر بأزمة اقتصادية ربما تعصف باقتصاديات الكثير من الدول، ويأتي في مركز الأزمة العالم الغربي، وفي القلب منها الولايات المتحدة «عملاق الاقتصاد العالمي» التي تعصف بها مشكلات اقتصادية لم تشهدها في تاريخها منذ نكسة «الكساد العظيم» في أواخر العشرينيات من القرن الماضي.
وكانت شرارة الأزمة التي عرفت باسم «تسونامي الرهن العقاري» قد اندلعت حين تزايد عدد العاجزين عن سداد قروضهم العقارية في الولايات المتحدة بسبب ارتفاع أسعار الفائدة المفروضة على أرقام شراء العقارات.. وأغرى ذلك شركات الرهن العقاري لتقوم بشراء ديون المقترضين مع زيادة الفائدة وبتسهيلات في الدفع، وقامت هذه الشركات بعد ذلك بتقسيم تلك الحزم من القروض إلى أجزاء صغيرة وطرحها في صورة أسهم وسندات مؤسسية، وبيعها لكافة المؤسسات والشركات التي تبحث عن عائد إضافي، وعندما انهار السوق العقاري دون أن يتمكن الناس من تغطية قيمة الرهن أو بيع منازلهم فقدت تلك الأسهم قيمتها، وخسرت البنوك التي تحتفظ بها كجزء كبير من رأسمالها، وبدأ الهرم كله يتداعى. وأعلنت مصارف أمريكية كبرى إفلاسها كمصرف «ليمان برازر» ومصرف «أنتجرتي». ثم بدت الأزمة ككرة الثلج المتدحرجة التي انتقلت عبر القارات لتحدث تأثيرا امتد من أمريكا التي تقود اقتصاديات العالم إلى العالم الغربي والعربي.
ونالت الأزمة بنوكا غربية عريقة، منها بنكا «رويال» و «أوف سكوتلند (آر.بي.إس)» في بريطانيا، حيث مني الأخير بخسائر بلغت 691 مليون جنيه إسترليني (1.35 مليار دولار)، وأدت إلى هبوط كبير بالبورصات وأسواق المال العالمية وهروب المستثمرين من أسواق الأوراق المالية الأوروبية.. وكان نتيجة ذلك انهيارا في كل البورصات الأوروبية والعالمية.
ولم تكن المنطقة العربية بمعزل عن التأثر، فألقت الأزمة بظلالها على المؤسسات المالية اليابانية، كما أدت لانهيار في البورصات الآسيوية التي تزايدت خسائرها في تايوان وهونج كونج.
**د.عصام خليفة:
للأسف الشديد رغم التداعيات الخطيرة يخرج البعض ليؤكد أن الأزمة لن تنال من الاقتصاديات العربية، وأن تأثير أزمة الرهن العقاري محدود وهذه تصريحات ليست فى مصلحتنا حيث انها تأتي بينما بدأت البورصات العربية تتجرع مرارة كأس الأزمة، وهو أمر متوقع في ظل ارتباط الأسواق العربية بالعالمية ، ووجود كم ضخم من الودائع الخليجية في البنوك الأمريكية والأوروبية، وهو ما ينبئ عن خسارة تصل لرقم يتعدى 1.4 تريليون دولار، إضافة إلى الخسائر العربية المباشرة نتيجة امتلاك أسهم وحصص كبيرة في مؤسسات مالية وبنوك أمريكية وأوروبية. لكن وكما يقول المثل «مصائب قوم عند قوم فوائد»، كان هذا الوضع المتردي خيرا على آخرين، وتحدثت تقارير عن أنه كان فاتحة خير على بعض الدول كالبرازيل التي استفادت من انهيارات في أسواق العقارات لتبدأ في توسيع مشاريع ساحلية وتقدم تسهيلات قانونية للاستثمار العقاري في المدن. وفي المقابل كانت هناك دول لم تتأثر بالأزمة كروسيا على سبيل المثال لعدم ارتباطها بالاقتصاد الأمريكي بشكل كبير كالسوق الأوروبية والآسيوية والعربية، واعتمادها بخلاف غيرها من الدول الأوروبية على احتياطيها الضخم من البترول.
** د. عبدالظاهر : أرى أن ما تفعله أمريكا الآن بإشراك الدول الأخرى فى أزمتها هو نوع من التحميل على الدول الاخرى حتى تخرج الإدارة الامريكية من أزمتها رابحة دون أية خسارة.. أضف إلى ذلك أن هناك خمسة تريليونات دولار تم إنفاقها فى أفغانستان والعراق .. وما أريد أن أقوله هو أن الازمة ليست مالية فقط حيث إنها انعكست على السلوك الدولى والمجتمعات وأخشى ألا يدرك العرب أبعادها.
• المدينة: وما هي انعكاسات الأزمة على اقتصاديات الدول العربية عموما والخليجية على وجه الخصوص؟
**د. جويلي: من يقول إن الازمة بعيدة عن الدول العربية لا يقول الصواب .. هناك ركود لا شك سيحدث مستقبلا .. كما أن هناك سندات عربية فى الخارج كثيرة جدا وأعتقد أنها ضاعت .. فالعرب يستثمرون فى الخارج بشكل كبير ، لكن العرب حظهم جيد عندما جاءت أحداث سبتمر جعلت العرب حريصين الا يضعوا كل أموالهم فى الخارج على عكس ما حدث أثناء الثورة البترولية عقب حرب 1973 حيث وضعوا كل أموالهم فى الخارج ، أما بعد أحداث سبتمبر نظر الغرب إلى العرب على أنهم جنس غير مرغوب فيه ، مما دفع العرب إلى توجيه بعض استثماراتهم نحو الداخل.
فعندما وقعت الازمة قالوا فى مصر مثلا إن البنوك لديها سيولة كافية واننا عملنا إصلاحا اقتصاديا ودمجنا البنوك الصغيرة مع بعضها حتى لا تقع وتفلس مثلما حدث فى أمريكا والحديث عن الإصلاح في دول مثل مصر والمملكة صحيح ونتائجه ملموسة .. لكن رغم ذلك يبقى هناك عنصر مهم سوف يؤثر على الكل وهو أن هناك 40 فى المائة من تجارة العالم عند أمريكا ، أى أن 40 فى المائة من تجارة العالم سوف تتأثر بهذه الاحداث ، أى أن حركة التجارة العالمية ستقل ، أى أن حركة المرور فى قناة السويس بالنسبة لمصر مثلا سوف تقل.
معنى ذلك أننا سنتأثر .. نعم لن يحدث أن يفلس بنك مثلا مثلما حدث فى أمريكا ، لكن هذا لا يعنى أننا لن نتأثر .. الازمة ستطالنا حتما خاصة الدول العربية التى لديها فوائض وتقوم باستثمارها فى الخارج.
** د. عصام: نعم ..إن أكثر الاقتصاديات تضررا من الأزمة هم الذين ضخوا أموالهم فى البنوك الأوروبية والأمريكية محل الأزمة ، ولا نستطيع أن نسمى بنوكا حيث إنه لم يقم أى بنك مركزى بالكشف عن الاموال المستثمرة فى الداخل أو الخارج ولم يتم الإعلان عنها حتى الآن.
كما أن البنوك الخليجية تأثرت بتلك الازمة المالية في الولايات الأمريكية بطريقة مباشرة من خلال استثماراتها الخارجية وأيضا بطريقة غير مباشرة من خلال تعاملاتها مع تلك البنوك العالمية، والخسائر قد تكون محدودة ولا تؤدي إلى الإضرار بالبنوك الخليجية وفقدان الثقة فيها من قبل المتعاملين وإن كنت ومن خلال استقرائي للأحداث يمكنني القول بأن اقتصاد المملكة وسوق المال فيها اقل تأثراً.
واعتقد انه في أعقاب أحداث 11 سبتمبر ومع انتعاش أسعار النفط أصبحت تلك البنوك تستثمر بشكل أوسع محليا وهذا ما جنبها تداعيات تلك الأزمات الخارجية، كما أن البنوك المركزية الخليجية قد تعلمت مسبقا من أزمة الرهن العقاري الأمريكي وتداعياتها ما قد يجعلها تطبق أنظمة وقوانين أكثر صرامة لتفادي أي أزمة مماثلة ، فضلا عن حرص الحكومات الخليجية على استقرار المؤسسات المالية فإنها تتبع سياسات نقدية متحفظة تحد من مخاطرة البنوك المحلية حتى لا تعصف بمستقبل اقتصادها وليست لديها القدرات الاقتصادية والمالية التي تضاهي قدرات الدول العظمى كما عملت الولايات المتحدة الأمريكية بضخ مليارات الدولارات في أسواقها المالية.
** د. عبدالظاهر : أعتقد أن هذه الازمة يمكن استغلالها بشكل جيد والسؤال هو كيف يمكن تعظيم الفائدة من هذه الكارثة؟.. يجب أن يدرك المستثمر العربي أن الاحساس بالامان فى الاستثمار أهم بكثير من الربح الأكثر نسبيا الذي سوف يتحقق إذا ما استمر فى استثمار أمواله فى الخارج ، ويجب أن يتخلى المستثمر عن فكرة الربح المباشر قصير المدى لصالح الربح مع الاحساس بالامان على المدى الطويل.
فالخسارة التى سمعنا عنها اليوم والتى وصلت إلى 150 مليار دولار لدول الخليج هو رقم ليس بالقليل ، فى وقت كانت التوقعات بأن الناتج المحلى الاجمالى في دبي مثلا سيصل إلى 12 تريليون دولار بحلول عام 2010 .. لكن فى ظل هذه الازمة مؤكد أن الوضع سيختلف.
فإذا قسمنا دول العالم الان فإننا نجد أن التقسيم سيكون على أساس الناحية الاقتصادية والمالية.. هذه دولة اشتراكية وتلك رأسمالية .. انهار الاتحاد السوفيتي وظلت الرأسمالية هى الأمل ، لكن مع هذه الأزمة نجد أن كل الخطوات التى اتخذت عندما نقوم بتحليلها نجد أنها خطوات اشتراكية من حيث تدخل الدولة بالشراء وضخ السيولة وخطط الانقاذ.
ففي الولايات المتحدة الامريكية قامت الإدارة الأمريكية بوضع 700 مليار دولار فى يد وزير الخزانة لإنعاش السوق .. كذلك فعلت إنجلترا حيث ضخت 100 مليار استرليني فى السوق .. كل هذه الاجراءات من جانب التحليل السياسي تؤكد أنها إجراءات اشتراكية .. فإذا نظرنا أيضا إلى مجموعات الدول السبع ، والثمان ، والعشرين ، وهى دول رأسمالية ، ثم نجد دعوات بانضمام دول مثل الصين والمكسيك والبرازيل إليها وكذلك مصر والمملكة إلى دول الثمان، إنما يؤكد على ضرورة التنسيق الكامل بين دول مختلفة فى نظمها الاقتصادية من أجل المصلحة.
• المدينة: هل لنا أن نعرف ما حجم تأثر المملكة بالأزمة؟
** د. عصام: المملكة كغيرها من الدول العربية تتأثر على قدر الاموال المودعة فى البنوك الخارجية وليس هناك تأثير على المصارف السعودية بشكل كبير.
• المدينة: وهل من الضروري تدخل الدولة عبر فتح سيولة نقدية والمزيد من الشفافية؟
** د. جويلي: أرى أن الركود المتوقع حدوثه يمكن معالجته بالتوسع فى الاستثمارات الداخلية ، لذلك أقول إن الاستثمار العيني داخل الدول العربية هو العلاج .. فإذا كانت هناك أرض عربية فإنه يجب زراعتها ، وإذا كانت هناك حاجة لبنية أساسية يجب البدء فيها.
فالكساد الكبير الذى حدث فى أمريكا فى ثلاثينيات القرن الماضى كيف تمت معالجته؟ علاجه أن قامت أمريكا بعمل بنية أساسية فى جميع أنحاء البلاد ، فقامت بشق الطرق وبناء الكباري ، فأسهم ذلك فى تشغيل المواطنين أى أنه قضى على البطالة التى تصاحب عملية الركود الاقتصادى ، أى يكون هناك تشغيل للمواطنين ، أى أموال لديهم ، أى دخل ، أى أنهم سيستهلكون سلعا وغيرها، فتبدأ القطاعات الاخرى فى العمل وتبدأ الدورة من جديد ومن هنا تنتهى حالة الركود .. إذن هذا هو الاساس ولذلك يجب على الدول العربية أن تستثمر أكثر الفترة القادمة فى الاقتصاد العيني.
• المدينة: وهل هذا يدفع مجلس الوحدة الاقتصادية إلى تشجيع الدول العربية على الاستثمار فى السودان مثلاً؟
** د. جويلي: خريطة الزراعة فى المنطقة العربية كبيرة وأساسها السودان بما تمتلكه من أرض خصبة ومياه وغيرها .. وموضوع الامن الغذائى أصبح ملحا ، كما أننا نتكلم الان عن الوقود الحيوي الذي تسعى الدول الكبرى إليه على حساب غذاء العالم ، ونشير هنا إلى ما صرح به باراك أوباما مرشح الحزب الديمقراطى الامريكي عندما قال إنه إذا ما فاز ، فإنه سيجعل أمريكا خلال عشر سنوات تستغنى عن البترول العربي تماما من خلال الاعتماد على الوقود الحيوي .. وهم إذا أرادوا أن يفعلوها سيفعلونها لأن العرب يمرون بحالة من الضعف .. فهم يستسهلون ذلك ويقومون بشراء أغلب البترول العربي .. فأمريكا تشترى ثلاثة ملايين برميل من العراق يوميا.. أي أنهم ليسوا فى حاجة الان إلى أن يجهدوا أنفسهم بحثا عن النفط لانهم يجدونه ، أما إذا ما شعروا بأن العرب سيرفضون بيع النفط ، فمن المؤكد أنهم سيلجأون إلى البحث عن طاقة بديلة.
• المدينة: وما هي الإجراءات المصرفية التى يجب أن تتخذ؟
** د. عصام: ليست هناك إجراءات يمكنها منع التأثر بالأزمة، لكن توجد إجراءات تقلل من آثار الأزمة قدر الإمكان ، وانحسار توابع الأزمة المالية بالدول العربية يعود لقلة ارتباط المؤسسات المالية العربية بالمؤسسات العالمية، وكذلك عدم معاناة القطاع المالي العربي من أزمة رهن عقاري أو ائتمان مثلما حدث في الولايات المتحدة والإجراءات الواجب اتباعها من قبل المصارف المركزية العربية لتفادي الأزمات المالية هى الحيطة والحذر، ومتابعة المؤسسات المالية العربية خاصة بالنسبة للرهن العقاري، وعدم إدخال أدوات مالية جديدة إلى السوق حاليا وأيضا أن تضخ المصارف المركزية السيولة في النظام المصرفي الذي يعاني من نقص في هذه السيولة عبر عدة وسائل، منها إيداع مبالغ كبيرة كودائع في البنوك العاملة في النظام، بجانب توفير قروض لهذه البنوك بأسعار منخفضة للغاية.
• المدينة: وما مدى كفاية إجراء ضخ الأموال لمواجهة الأزمة المالية وقدرته على حماية الاقتصادات العربية من الوقوع في براثن الأزمة المالية العالمية؟
** د. عصام: ضخ الأموال هو الإجراء الميسر كون ضخ السيولة لا يحتاج إلى سن تشريعات أو اتخاذ إجراءات غير معتادة .. أما مدى ملاءمة هذا الإجراء لمواجهة الأزمة من قبل المصارف المركزية فإنه يختلف من دولة لأخرى بحسب ظروف نظامها المصرفي، وأحد أدوار المصرف المركزي هو تنظيم السيولة لضمان وجود سيولة كافية وضخ الأموال في الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية ربما يكون غير كاف لأننا نتحدث عن أزمة تكاد تكون عالمية، فحتى الآن لم يتم تحديد حجم الأزمة ومدى عمقها، وبرغم تدخل الحكومات لحلها فما زالت تتساقط المؤسسات المالية الكبرى.
أما بالنسبة للدول العربية فإن الأزمة ربما لا تكون بالحدة التي تعاني منها الدول الكبرى فالمؤسسات المالية الكبرى قليلة في كل بلد عربي وقليل من هذه المؤسسات ما هو مرتبط بالمؤسسات المالية العالمية ولا بد من العمل من أجل المحافظة على سلامة النظام المصرفي في العالم العربي، وحمايته من الوقوع في مثل هذه الأزمة.
• المدينة: هل هناك إجراءات عربية يمكن اتخاذها قبل عقد قمة الكويت وما هى؟ وهل ستطرحون موضوع الازمة على أجندة المؤتمر؟
** د. جويلي: لقد كان هذا السؤال احد محاور اجتماعات اللجان المعنية بالتحضير لقمة الكويت.. ولاشك أن الأزمة ستنعكس على فعاليات القمة ... ثم دعونا نرجع إلى الوراء قليلا لنرى الخريطة العالمية والعربية كيف تسير .. منذ فترة حدث تم إدماج لموضوع الاستثمار فى المنطقة العربية وكان هناك تفاؤل ، وعندما جاءت أحداث سبتمبر اتضح أن الاستثمار خارج المنطقة قد يكون أكثر ربحا ، لكنه أقل أمانا وأكثر مخاطرة ، والعكس استثماراتك داخل المنطقة العربية قد تكون اقل ربحا لكنها أكثر أمانا ، وهذا هو الشعار الذى رفعناه قبل أحداث سبتمبر وجاءت أحداث سبتمبر لتؤكد هذا الاتجاه .. وبعدها فى عام 2002 بدأت الطفرة البترولية ، كما بدأت أيضا طفرة فى الناتج المحلى الاجمالى.
ونحن نؤكد هنا على ضرورة عمل إصلاح وتشجيع الاستثمار العربي .. فمنطقة الخليج تتركز فيها الفوائض العربية .. بمعنى «أنت معك أموال استثمر فى مكانك سواء فى المملكة أو قطر أو غيرها من دول الخليج ، وفى حالة وجود فوائض لديك وجهها إلى الاقتصاد العيني الاخر واستثمر فى مصر أو السودان أو سوريا أو الاردن”.
ولكى يمكن توجيه هذه الفوائض المالية إلى تلك الدول لاستثمارها يجب أن يكون المناخ الاستثمارى مواتيا .. ومن هنا بدأت الدول العربية تعزز من برامجها فى الاصلاح الاقتصادى فحدث تحسن كبير جدا فى مصر والسودان وسوريا وتونس والمغرب وهى الدول التى لا يوجد لديها فوائض كبيرة من البترول.
فإذا نظرنا إلى الاستثمارات البينية العربية فى الفترة من 1985 وحتى 2000 كان المتوسط السنوى مليار دولار ، وبعد أحداث سبتمبر طفرت هذه الاستثمارات إلى 17 مليار دولار ، أى زادت 17 ضعفا ، ورغم أن الزيادة تعد جيدة ، إلا أنها ليست كافية حيث يحتاج العرب أن يستثمروا بينيا حوالى 60 مليار دولار فى العام الواحد على مدار عشر سنوات ، أى حوالى 600 مليار دولار حتى تحدث نهضة شاملة فى التعليم والصحة والمرافق والخدمات .. فهناك تحسن لكن الازمة المالية الحاصلة تطالبنا بالمزيد من هذا التحسن خاصة الاستثمار فى الاقتصاد العيني خاصة الأمن الغذائى فى ظل ارتفاع أسعار السلع الغذائية.
أما بالنسبة للاستثمار فى الدول التى تعانى من أزمات سياسية مثل السودان فهى ليست عائقا أمام المستثمر .. فخلال عام أو عامين أو أكثر سوف تحل المشكلة ، كما أن السودان ليس إقليم دارفور فقط .. هناك أرض خصبة فى جميع أنحاء السودان فى كسلا والنيل الأزرق وهناك مساحات مطرية سهلة الزراعة وتأتى بمردود سريع.
• المدينة: هل يمكن أن نحدد فى نقاط كيفية تجنب الدول العربية لانعكاسات الأزمة خلال المرحلة القادمة؟
** د. جويلي: أولا المشاكل التى ستحدث فى المنطقة العربية لن تكون مشاكل سيولة كما حدث فى الدول الاوروبية وأمريكا .. الدول الخليجية عندها سيولة كافية ودولة مثل مصر تسير فى طريق الاصلاح الاقتصادى ، إنما على الدول العربية أن تزيد من أساليب الرقابة على البنوك حتى لا يحدث تعثر للديون والاقراض مثلما حدث فى الولايات المتحدة الامريكية .. كما يجب أن يكون هناك إحجام للرقابة على البنوك والبورصات التى تهبط أسهمها وترتفع بلا داعٍ أحيانا .. فالرقابة مهمة جدا.
ثانيا: اتجاه الدول العربية إلى الاستثمار إما فى داخلها أو فى المنطقة العربية ككل والتوسع فيه بحيث تتوسع وتعوض الانكماش المتوقع حدوثه عقب هذه الازمة داخل المنطقة العربية مثلما سيحدث فى العالم كله .. فالانكماش نعوضه بتوسع فى الاستثمار.
ثالثا: يجب أن تعتمد الدول العربية على نفسها فى أشياء كثيرة جدا منها موضوع الأمن الغذائي وهو موضوع حرج الآن وسيكون حرجا أكثر خلال السنوات القادمة وخاصة تجاه دول كثيرة يجب عليها أن تتجه إلى السودان لتستثمر فيها أو فى العراق أو سوريا.
رابعا: يجب على الدول التى تتجه بثرواتها إلى الخارج للاستثمار فى مجال البورصة والعقارات أن تتوقف عن ذلك وتتجه إلى داخل المنطقة العربية ويكفى المراهنات على أشياء كثيرة فى الخارج.