الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد :
يسرني ويشرفني بأن أكون أول المبتدئين في هذه المسابقة والتي سوف تكون عبارة عن خاطرة بعنوان
"الصوم بين الأمس واليوم " أرجو أن تنال إعجابكم .
كان الناس في الماضي يصومون شهر رمضان برؤية الهلال أو عن طريق مرسول ترسله الدولة لإبلاغ الناس ونظراً لقلة المواصلات فقد كانت الخيول هي الوسيلة الوحيدة التي كانت تستخدم في ذلك الوقت وكان غالباً مايتلقون الخبر بهذه الطريقة في منتصف الليل وهكذا الأعياد فقد روى لي رجل كبير السن أنه في مرة من المرات جاء مرسول من الدولة في منتصف النهار يشعرهم بالعيد
مع أن الأجداد حريصون كل الحرص على رؤية الهلال فإذا رأوه صاموا وإذا رأوه في نهاية الشهر أفطروا وودعوا شهر رمضان بعباراتهم المعهودة وداعة الله يارمضان ياشهر الصوم والغفران وياشهر الصدقات والإحسان ولن يختلف على رؤية الهلال اثنان فقد كانت الرؤية ميسرة فلا أضواء تعمي الأبصار ولا مباني عالية تحجب رؤية الهلال ناهيك عن حساباتهم ودقتهم وفطنتهم للمنازل التي تقوم عليها زراعتهم .
كما أننا متفقون جميعاً ولا أحد منا ينكر ذلك بأن الحياة عند أهل زمان كانت قاسية نظراً لبيئتهم التي كانوا يعيشون فيها والتي تتطلب منهم السعي وراء الرزق فتجد الفلاح يزاول أعماله الزراعية لأن الزراعة مصدر رزقهم الرئيسي وصاحب الماشية يزاول مهنة الرعي وجلب الأعلاف لمواشيه لكي يستفيد من ألبانها ولحومها والبعض الآخر يقوم بأعمال أخرى طلباً للرزق ومع هذه الأعمال الشاقة أيضاً لاننس الظروف المناخية وشدة الحر والأيام الطويلة التي كانوا يعانون منها أهل زمان أثناء صيامهم لأن رمضان غالباً مايكون في الصيف في تلك الأيام .
وفوق ذلك كله تجد أهل زمان يمارسون حياتهم بكل نشاط وحيوية فإذا أحس الواحد منهم بالحر وشدة العطش اغتسل ثم بلّ بعض ثيابه ووضعها على جسمه ثم نام فلا يكاد يصحو من النوم إلا وقد ذهب عنه مايجده من الحرارة والعطش .
لله درهم من رجال رغم ظروفهم الصعبة التي تواجه حياتهم المعيشية إلا أنهم يشعرون بالسعادة عندما يحل عليهم شهر رمضان لأن قلوبهم صافية مملؤة بالإيمان يعرفون فضيلة هذاالشهر شهر المغفرة تراهم يتسابقون لفعل الخير بالصدقات والتقرب إلى الله بالطاعات فلا تشغلهم أعمالهم عن تلاوة القرآن فقد كان الواحد منهم يختم المصحف في شهر رمضان مرتين أو أكثر
وقد عرف أهل زمان بأن في شهر رمضان ليلة فضيلة تسمى ليلة القدر ليلة خير من ألف شهر إذا صادفها الإنسان غُفر له ما تقدم من ذنبه فكانوا يحرصون على صلاة التراويح والقيام جماعة في المسجد طمعا في الحصول على هذه الليلة المباركة المعروفة بليلة القدر فبعزيمتهم وصبرهم ربما يحظون بهذه الليلة "ومايلقاها إلا الذين صبروا ..."
أيضاً لا ننس الترابط الأخوي بين أهل زمان وخاصة في شهر رمضان فالغني يعطف على الفقير والجار يزور جاره وإذا غاب سأل عنه والقريب يزور قريبه وكأنهم أسرة واحدة وهذا ليس بغريب على أهل زمان حتى في غيرشهر رمضان .
أيضا لاننس بأن لهم صفات مميزة بالرغم من جهلهم إلا أن الوعي العقلي متأصل في أذهانهم من بيئتهم الصافيةالتي فطروا عليها فيرون بأن التبذير قد نهى الله عنه فلا تجد للتبذيرله قابلية عندهم وعى سبيل المثال التبذير في الأكل علماً بأنه لا يكلفهم ثمناً
فحبوب الذرة أو الدخن من محاصيهم الزراعية والألبان ومشتقاتها من مواشيهم والملوخية والدجرة من الوادي والقوار من الخبت كلها متوفرة يحصلون عليها بدون ثمن اللهم إن كان هناك بعض الأشياء الأخرى الضرورية كالحوت والطماطم والبامية فهي لا تكلف ثمناً فالحصول عليها بكمية قليلة من حب الذرة أو الدخن والحب متوفر عندهم بكمية ومع كل هذه السهولة والحصول على المواد الغذائية بطرق ميسرة
نجدهم مقتصدين في أكلهم فالفطور لايلحق العشاء والعشاء لا يلحق السحور وليس هناك من فائض يُرمى عقب كل وجبة سواء في شهر رمضان أو غيرة ..لله درهم من رجال أنعم بهم وأكرم .
وما أجمل حياتهم حتى وإن كانت حياة بسيطة تعروها بعض الصعاب والمشقات إلا أنها وجدت في نفوس أهلها حباً لها و طعماً خاصاً يميز أصالتها بعيدة عن الحضارة المزيفة .
حقيقة لقد استهواني الحديث عن الصوم أيام زمان فلو أطلقت لقلمي العنان لطال الحديث عن الصوم أيام زمان ولكن سوف أكتفي بهذاالقدر حتى لايكون الحديث طويلا مملا على القاريء.
وبالمقابل فإن الصوم في وقتنا الحاضر يختلف اختلافا كثيرا عما كان عليه في الماضي بسبب الحضارة التي طرأت على حياة الحاضرة ربما أفسدت متعة الصوم ناهيك عن الخمول والكسل
الذي يشعر به الصائم في شهر رمضان سهر بالليل ونوم بالنهار قد يظن البعض بأن ذلك من وسائل الراحة التي ينعم بها الإنسان في ظل التقدم الحضاري عندما تحجب عنه لهيب الشمس وحرارتها فلا يشعر بالضمأ بفعل التقدم الحضاري
من وسائل تكييف وغيرها والتي أصبحت متوفرة في البيت والعمل وحتى أثناء سيرك في الشارع فياترى عندما تغرب الشمس هل سيكون الصائم متلهفاً لشرب الماء ؟وهل ستعلوه الفرحة عند فطره ؟"للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه "
أيضا لا ننس نظرة الصائم في الوقت الحاضر بأن شهر رمضان قد أقبل عليه ليشعره بتوفير أصناف عديدة من المأكولات والمشروبات كان البعض منها قد خُصت بشهر رمضان فتجد الواحد يبحث هنا وهناك ثم يكلف نفسه فوق طاقتها من أجل توفيرها وكأنه إذا عجز عن توفيرها
يُعد صومه ناقصا ومما يزيد الطين بلة توفير تلك الأطعمة بإسراف وتبذير ربما البعض منها ليست ضرورية ولايحتاج إليها الصائم عند الأكل فترمى في الزبائل وفي الليلة الثانية يكرر نفس الشيء وهكذا حتى ينتهي شهر رمضان فياترى كم يحتاج إلى رصيد من المال خاص بشهر رمضان رغم الأسعار المرتفعة ؟
أليس هذا هو التبذير بعينة والذي قد نهانا الله عنه في محكم كتابه "ولاتبذروا..."؟
ومن هذا المنطلق والمتأمل بعقلانية يجد الفرق شاسعا بين الماضي والحاضر في الصيام وغيره .
وإني أقول وغيري يقول بأن ما كنا فيه من العيش الرغيد ومن خبز التنور من ذرة ودخن تلك الاقراص الجميلة والمفيدة في نفس الوقت أنها قد ذهبت وذهبت نساؤها اللاتي ينتجنها لأنفسهن ولأزواجهن وأبنائهن فترى الابن ينشأ قوياًجلداً يستطيع السفر على ساقيه إلى أي بلد يريد ويستطيع الكفاح ومواحهة المواقف الصعبة .
ولم يبق الآن إلا جيل انغمس في مواكب الحضارة التي طرأت عليه فانجرف معها بحجة انه في عصر تقدم فنسي ماضيه بما فيه من عادات وتقاليد حتى أصبح لا يعرف عنها شيئاً وإن عرف بعضها ربما لايتقنها فالبنت اليوم لاتعرف المطحنة ولا تستطيع أن تطحن حبوب الذرة ولاتعرف الخبيز ولاتتحمل يدها حرارة التنور للخبيز كما كانت تفعل أمها وجدتها وأهل حيها خلاص انتهى ولم يبق لنا سوى الخبز في الفرن المفرود والتميس والصامولي وشيئاً قد تقبله النفس وقد لا تقبله .
أكتفي بهذاالقدر من خاطرتي عن الصوم بين الأمس واليوم .
شكرا لمتابعتكم وكل عام وأنتم بخير .
زهير عكور