لونك المفضل

المنتديات الثقافية - Powered by vBulletin
 

النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: مشهد المراقبة في الحج...!

  1. #1
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية ا.عبدالله
    صديق الضوء
    تاريخ التسجيل
    07 2007
    المشاركات
    6,412

    مشهد المراقبة في الحج...!

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    مشهد المراقبة في الحج

    الشيخ/ محمد بن إبراهيم الحمد




    الحديث ههنا سيدور حول درس عظيم, ومنفعةٍ مشهودة تنال من الحج, وتكتسب من خلال أيامه المباركة, تلكم هي عبودية المراقبة لله - عز وجل - فالمواطن والمواضع والمناسك التي تنال منها تلك الفضيلة كثيرة جداً؛ فالحاج - على سبيل المثال - يعظِّم شعائر الله, والله - تبارك وتعالى - يقولنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) ومعنى تعظيمِها:إجلالُها، والقيامُ بها، وتكميلُها على أكمل ما يقدر عليه العبد.
    ولا ريب أن ذلك الإجلال والتعظيم, إنما يكون في القلب, لا يطلع عليه إلا الله - عز وجل -.
    وكذلك ترى الحاجَّ يخلص في هداياه وقرابينه, وهو بذلك يراقب ربه، ويستحضر شهوده واطلاعه عليه، وأنه (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ )الحج37.
    وكذلك ترى الحاجَّ يطوف في البيت العتيق سبعاً، ويسعى بين الصفا والمروة سبعاً, ويقف في عرفة في وقت محدد، وينصرف منها في وقت محدد,وهكذا مبيته في مزدلفة, ثم لا تراه يزيد في الجمار أو ينقص, ولا تراه يعمل عملاً من أعمال الحج في غير وقته, ولا يأتي محظوراً من محظورات الإحرام عالماً عامداً, وتجده إذا شك في أمرٍ ما, طفق يسأل أهل العلم هل عليه من إثم؟ وهل له من جبرٍ إذا أخطأ؟.
    لماذا؟.
    لأنه يرغب في قبول حجه, ويرهب من فساده أو رده, وما الذي يقوده إلى ذلك؟ إنه استحضار إطلاع ربه عليه.
    ولا ريب أن هذا درسٌ عظيم, يبعث المسلم إلى مراقبة ربه في شتى أحواله, وسائر شؤونه، وأعماله، وأيامه؛ فالمطلع على أعمال الحج مطلعٌ على غيرها.
    وبذلك يصل الحاج إلى أعلى مقام من مقامات العبادة, وأعلى مرتبه من مراتب الدين, ألا وهي مرتبة الإحسان؛ فالإحسان أن تعبد الله كأنك تراه, فإن لم تكن تراه فإنه يراك - كما جاء في حديث جبريل المشهور في صحيح مسلم -.
    فإذا استشعر الحاج هذا المعنى العظيم, انبعث إلى مراقبة ربه - عز وجل - في شتى شؤونه, فالذي يطلع عليه في حجه مطلع على جميع أحواله - كما مر -.
    وهذا سرٌّ بديعٌ، ودرسٌ عظيمٌ تُفِيد منه الأمةُ بعامة، ويفيد منه الأفرادُ بخاصة؛ فواجب على المصلحين وقادةِ الأمم أن يتنبهوا لهذا المعنى، وأن يحرصوا على إشاعته في الناس؛ ذلكم أن وازعَ الدين والمراقبة لرب العالمين يفعل في النفوس ما لا يفعله وازعُ القوةِ والسلطان؛ فإذا أَلِفَ المرءُ أن يراقب ربه، ويستحضر شهوده واطلاعه عليه - فإن المجتمعَ يأمنُ بوائقه، ويستريحُ من كثير من شروره.
    أما إذا كان الاعتماد على وازعِ القوة، وحارسِ القانون - فإن القوةَ قد تضعف، وإن الحارسَ قد يغفُل، وإن القانون قد يُؤَوَّل، وقد يُتَحايلُ للتخلص من سلطانه.
    لذلك تكثر الجرائم والمفاسد إذا قلّت التربية الإسلامية في مجتمع ما، فإذا أشعنا هذا المعنى في الناس وعَمدْنا إلى تربيتهم بأسلوب الدين والفضيلة أرحنا واسترحنا، ووفَّرنا جهوداً كبيرة، وقد تكون ضائعة في غير ما فائدة؛ فالمراقبة حارسٌ قويٌّ يمنع الإنسانَ من التفكير في الجرائم والشرور.
    وإذا راقب الإنسان ربَّه، واحترمه في خلواته أظهر الله فضله، ورفع ذكره؛ فالجزاء من جنس العمل، ومن يعمل سوءاً يجز به.
    قال أبو حازم -رحمه الله-: "لا يُحْسِن عبدٌ فيما بينه وبين الله - عز وجل - إلا أحسن الله فيما بينه وبين الناس، ولا يعِّور - أي يفسد - فيما بينه وبين الله - عز وجل - إلا عوَّر الله فيما بينه وبين العباد، ولَمُصَانعةُ وجهٍ واحدٍ أيسرُ من مصانعة الوجوه كلها؛ إنك إذا صانعت اللهَ مالت الوجوهُ كلُّها إليك، وإذا أفسدت ما بينك وبين الله شنأتك الوجوهُ كلُّها".
    وقال المعتمر بنُ سليمان -رحمه الله-: "إن الرجلَ يصيب الذنبَ في السر ّ، فيصبح وعليه مذلّتُه".
    وقال ابن الجوزي -رحمه الله-: "نظرتُ في الأدلة على الحق - سبحانه وتعالى - فوجدتُها أكثرَ من الرمل،ورأيتُ من أعجبها؛ أن الإنسان قد يخفي ما لا يرضاه الله -عز وجل- فيظهره الله - سبحانه وتعالى - عليه ولو بعد حين، وينطق الألسنة به، وإن لم يشاهده الناس، وربما أوقع صاحبَه في آفة يفضحه بها بين الخلق؛ فيكون جواباً لكل ما أخفى من الذنوب، وذلك لِيَعْلَمَ الناسُ أن هنالك مَنْ يجازي على الزلل، ولا ينفع من قدرِه وقدرتِهِ حجابٌ ولا استتارٌ، ولا يضاع لديه عمل.
    وكذلك يخفي الإنسان الطاعة، فتظهر عليه، ويتحدث الناس بها، وبأكثر منها، حتى إِنهم لا يعرفون له ذنباً، ولا يذكرونه إلا بالمحاسن، لِيُعْلَمَ أن هنالك ربَّاً لا يُضيع عَمَلَ عامل.
    وإن قلوب الناس لَتَعْرِفُ حالَ الشخص، وتحبه أو تأباه، وتذمه أو تمدحه وَفْقَ ما يتحقق بينه وبين الله - سبحانه وتعالى- فإنه يكفيه كلَّ هم، ويدفع عنه كلَّ شر.
    وما أصلح عبد ما بينه وبين الخلق، دون أن ينظر إلى الحق إلا انعكس مقصودُه، وعاد حامدُه ذامّاً".
    وقال -رحمه الله-: "إن للخلوة تأثيراتٍ تَبِيْنُ في الجلوة؛ كم من مؤمن بالله-عز وجل- يحترمه عند الخلوات، فيترك ما يشتهي؛ حذراً من عقابه،أو رجاءًا لثوابه، أو إجلالاً له، فيكون بذلك الفعل كأنه طرح عوداً هندياً على مجمر، فيفوح طيبه، فيستنشقه الخلائق، ولا يدرون أين هو.
    وعلى قدر المجاهدة في ترك ما يهوى تقوى محبتُه، أو على مقدار زيادة دفع ذلك المحبوب المتروك يزيد الطِّيب، ويتفاوت تفاوتَ العود؛ فترى عيونَ الخلقِ تُعظِّم هذا الشخص، وألسنتُهم تمدحُه، ولا يعرفون لِمَ، ولا يقدرون على وصفه.
    وقد تمتد تلك الأراييحُ -أي الروائح الطيبة- بعد الموتِ على قَدْرِها، فمنهم من يُذْكَرُ بالخير مدةً مديدةً، ثم ينسى، ومنهم من يذكر مائةَ سنةٍ ثم يخفى ذكره، ومنهم من يبقى ذكرهم أبداً.
    وعلى عكس هذا مَنْ هاب الخلق، ولم يحترم خلوتَه بالحق؛ فإنه على قدر مبارزته بالذنوب، وعلى مقادير تلك الذنوب يفوح منه ريحُ الكراهة، فتمقته القلوب".
    إلى أن قال ابن الجوزي -رحمه الله-: "قال أبو الدرداء -رضي الله عنه-: إن العبدَ ليخلو بمعصية الله-تعالى-فيلقي الله بُغْضَه في قلوب المؤمنين من حيثُ لا يشعر".
    وقال ابن الجوزي -رحمه الله-: "إنه بقدر إجلالكم لله-عز وجل-يجلكم، وبمقدار تعظيم قدره واحترامه يعظمُ أقدارَكم وحرمتكم" إلى آخر ما قال -رحمه الله-في ذلك السياق في كتابه "صيد الخاطر".
    وهكذا نستفيد من الحج ومن أيامه المباركة, عبوديةَ المراقبة، فهذا شيء من ثمرات الحج، وذلك شيء من ثمرات تلك العبودية الجليلة - أعني عبودية المراقبة - فنسأل الله-جل وعلا-أن يرزقنا خشيته في الغيب والشهادة، وأن يجعلنا هداة مهتدين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

  2. #2
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية zhoor
    تاريخ التسجيل
    10 2008
    المشاركات
    117

    رد: مشهد المراقبة في الحج...!

    جزاك الله كل خيــــر واسعدك في الدنيا والآخرة

  3. #3
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية ا.عبدالله
    صديق الضوء
    تاريخ التسجيل
    07 2007
    المشاركات
    6,412

    رد: مشهد المراقبة في الحج...!

    وإياك شكرا لمرورك

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •