الملتقى السنوي لشؤون المساجد والدعوة والإرشاد تطوير الدعوة في إطار ضوابط الشرع
وصفه البعض بأفضل طرق التواصل مع المسؤولين، وقال عنه البعض إنه مثال للشفافية وحُسن الإدارة، أما وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، فقد وصفته بأنه "برنامج الملتقى السنوي لشؤون المساجد والدعوة والإرشاد". والذي جرى مؤخراً في قاعة البابطين الخيرية بالرياض. هذا اللقاء السنوي، بات وسيلة حقيقية للتواصل بين الدعاة التابعين للوزارة وقمّة الهرم الوزاري، والتي كانت حريصة على حضور الفعالية، توجت بلقاء جمع سبعين داعية مع معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ، حيث ألقى كلمة مفتوحة أتاح في نهايتها المجال للأسئلة والاستفسارات، التي أثرت اللقاء، وجسّدت أهمية مصالح الدعاة في الوزارة.
بين يدي البرنامج
بدأ البرنامج بنشاط، حيث شهد لقاءات موسعة بين الدعاة بعضهم لبعض، وبينهم وبين مسؤولي الوزارة، الذين شددوا خلال اللقاء والكلمات الافتتاحية والترحيبية، على أهمية العمل الدعوي في ظل المتغيرات الحديثة، وعلى حقوق الدعاة وواجباتهم، وخصّوا الذكر بأهمية العمل الدعوي الميداني، وماذا على الداعية الميداني أن يعمل، وكيف له أن يؤثّر بشكل كبير في المجتمع الذي يحيط به، وبماذا يجب أن يتسلّح.
النهوض بالمناشط
وخلال البرنامج واللقاءات بين الدعاة والمسؤولين، ركّز المسؤولون على الأمور الشخصية والعملية المتعلقة بالدعوة والدعاة، وحاولوا من خلال اللقاءات الموسعة، والنقاشات المستفيضة، الاطلاع على ما يحتاجه الدعاة من دعم ومؤازرة من قبل الوزارة ومسؤوليها، بهدف النهوض بمناشط العمل الدعوي، وأعمالهم الدعوية والإرشادية إلى أرقى المستويات لنشر الدعوة الإسلامية بين أفراد الجاليات المقيمة في المملكة.
ومن أجل تحقيق أكبر قدر من الاستفادة من خبرات بعضهم البعض، وتجاربهم الذاتية والعملية، شهد البرنامج ورشة عمل مغلقة للدعاة، قاموا خلالها بمناقشة العديد من الأمور المتعلقة بعملهم الميداني الدعوي، وتحديد أهم ما يحتاجونه في سبيل الاستمرار بهذا العمل الجليل.
برنامج متكامل
وعن هذا البرنامج، قال الشيخ مطارد بن دخيل العنزي (المستشار بمركز الدعوة والإرشاد بالوزارة) لمجلة الدعوة: "يُعد هذا اللقاء من اللقاءات المثمرة التي تهدف إلى رفع مستوى الدعوة ومستوى الدعاة عموماً في المملكة، وهذا البرنامج هو عبارة عن برنامج يوم كامل، التقى فيه الدعاة فيما بينهم بداية، ثم مع بعض مسؤولي الوزارة. وقد ركّز البرنامج على تبيان عمل الدعاة بين الحقوق والواجبات، وتحدث فيه مسؤول الوزارة عن ما يجب على الداعية عمله تجاه العمل الدعوي الميداني، وما يحق للداعي من حقوق يفرضها عليه النظام"
وتابع الشيخ مطارد العنزي بالقول: "خلال هذا اللقاء، خرجنا ببعض الانطباعات الطيبة من قبل بعض الدعاة، الذين أثروا هذا اللقاء بمداخلات قيِّمة، نسأل الله أن تسهم في تطوير العمل الدعوي وإخراجه بالمظهر الطيب. ولا يفوتني بهذه المناسبة أن أشيد بالجهود الخيِّرة لوزارة الشؤون الإسلامية في سبيل رفع مستوى الدعاة التابعين لها، وعلى رأسهم معالي الوزير ووكلاؤه الفضلاء وإدارة الدعوة في الداخل، ونأمل أن نخرج من خلال هذا اللقاء توصيات تطبق على أرض الواقع يكون هدفها رفع مستوى الداعية والدعوة"
وختم حديثه لـ (الدعوة) بالقول: "نأمل الاستمرارية في مثل هذه اللقاءات التي فيها ثراء فكري وطرح فكري دعوي يخدم بإذن الله الدعاة والدعوة"
لقاء بين المسؤول والرعية
من جهته، أكد الشيخ عبدالرحمن بن غنام بن محمد الغنام (وكيل الوزارة المساعد لشؤون الدعوة) لـ (الدعوة) أهمية البرنامج بشكل عام، وأهمية اللقاء الذي حظي به الدعاة مع معالي وزير الشؤون الإسلامية الشيخ صالح آل الشيخ، وقال: "هذا اللقاء هو لقاء بين مسؤول ورعيته، أو مرؤوسيه. وهو لقاء تخصصي بفن الدعوة وفيما يلزم العمل به، وهو عبارة عن تقييم لأعمال الدعاة وعرض المستجدات، ورسم إستراتيجية في أذهانهم، من أجل أن يُعمل عليها من خلال ذلك على مدار السنة، والتفرغ لبعض القضايا التي تستجد وتحدث في مجال الدعوة. وهو بشكل عام لقاء من أجل رصد التوجيهات بأن على الداعية أن يكون على وعي تام بما يحيط به"
انضباط بميزان الشريعة
وعمّا إذا كانت هذه اللقاءات تحقق الأهداف المرجوّة منها، قال الشيخ عبدالرحمن الغنام: "أصل الأشياء فكرة، ثم يمر عليها خطط عمل ثم تتطور. وصولاً لشكلها الأمثل. والعمل الميداني الدعوي منذ عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم وإلى يومنا الحاضر، ويمر بمراحل وتجديدات عديدة، ويشهد إحاطة بالمحيط العام، ليكون الداعي مؤثراً في عمله. والأمور الأخرى الفنية تتطور فنياً أيضاً وتتجدد باستمرار، وينبغي على الدعاة ألا يكونوا سلبيين تجاه ما يمكن أن نقدم للأمة" وأضاف بالقول: "الأمر الثاني المهم في مثل هذه اللقاءات، أن التطوير والتحديث مستمر، والوزارة لديها مشروعات كثيرة في هذا الجانب، مثل معرض وسائل الدعوة إلى الله، وغيرها من المجالات التي تسعى من خلالها، إلى أن يستفيد الدعاة بما يحيط بهم، وبما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، وبما ينهض بالأمة عموماً.. ويجب أن يكون هذا التطوير منضبطاً بميزان الشريعة، وألا يقف الداعي عند حد معين، سواء باستخدام الأساليب أو الوصول إلى الناس، خاصة في المخاطبات التي يجب أن ترقى إلى مستويات الناس في وقتنا الحاضر، وليس مجاراتهم في أهوائهم، ولكن يجب أولاً تقديم الدعوة، وإزالة الشبهة التي تعلق بأذهان الناس، من خلال مجريات العصر الحديث"
اللقاء المفتوح
ثم التقى معالي وزير الشؤون الإسلامية والمساجد والدعوة والإرشاد، الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ، مع الدعاة المشاركين في اللقاء السنوي، بعد صلاة المغرب يوم الأربعاء، أكد خلاله الوزير أن العناية بشؤون الدعاة والدعوة في المملكة العربية السعودية تُعد من أهم الأولويات بالنسبة للوزارة، وبالنسبة للحكومة الرشيدة، التي تسعى إلى نشر الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.
وقد شهد اللقاء مناقشة العديد من النقاط الأساسية في عمل الدعاة والدعوة في المملكة، من أهمها المشاكل التي تتعلق بعمل الدعاة أنفسهم، والواجب الذي على الدعاة القيام به، وكيفية الاستفادة من تقنيات الحياة العصرية في التأثير، إذ إن أهم ما على الداعية القيام به، هو التأثير فيمن حوله.
انفتاح على الجميع
وتساءل معالي الوزير: "ما هو الواجب تجاه هذه المسيرة للدعوة؟"، إلا أنه قبل المضي في الإجابة على هذا السؤال، أشار إلى أن عدد الدعاة الميدانيين في الوزارة، يعدّ قليلاً، وأن الذين يقومون بواجب الدعوة بشكل حقيقي أقل من الرقم المعلن. مشدداً على أهمية التركيز على المؤثرين من الدعاة، والتركيز على العمل الذي يتجاوز التحديات التي تقف في وجه الدعوة.
وقال معاليه: "إن الوزارة منفتحة على الجميع، ولديها هم كبير، وهو كيف تستطيع التواصل في مجال الدعوة إلى الله مع الجميع" ومن أجل ذلك، أكّد معاليه على أهمية أن يحسن الدعاة الاستفادة من جميع المجالات المفتوحة لديهم، كونهم موجودين في مؤسسات رسمية أو أهلية، مستفيدين من الخدمات الحديثة، من الإنترنت، ووسائل الإعلام والمجلات والصحف، والاستفادة من أي وسيلة مؤثرة.
التصنيف لا يحرمنا من التأثير
أمام عالم اليوم المليء بالتقنيات الحديثة، ووسائل الإعلام، والقدرة على التواصل والتأثير، يشدد وزير الشؤون الإسلامية على أهمية أن يكون الداعية، مؤثراً بالدرجة الأولى، فبدون تأثير قد لا تتم الدعوة.. ومن أجل ذلك قال خلال اللقاء المفتوح مع الدعاة: "كثير منكم، بحكم عمله وغيرها، يستطيع أن يؤثر من خلال وسيلة معيّنة، بما لا يستطيع آخر أن يقوم بها، لأن لديه قدرة على الإقناع مثلاً، أو على التأثير، أو على غيرها. إذن ما هو الواجب تجاه هذه المسيرة الدعوية؟"
ويضيف بالقول: إنه على جميع الدعاة، السير خلف ما يمكن أن يحقق لهم هدفهم، ويساعدهم في طريقة تأثيرهم، لذلك نصح بأن يهتم أصحاب القلم بالكتابة، وأصحاب الرأي بإجراء المقابلات والحوارات، وأن يشارك القادرون في برامج الإذاعة، أو التلفزيون، أو عبر شبكات الإنترنت، بما يحقق هدف الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وخلال هذا المحور قال معاليه: "يجب ألا يحرمنا التضييق من التأثير"، مؤكداً على أن التأثير يمكن أن يتم عبر طرق عدة، يجب الأخذ بها، طالما أنها منضبطة بضوابط الشرع والدين الحنيف.
الضغط المصلحي
وانتقل معاليه للحديث عن وضع الدعوة في عالم اليوم، العالم المتغيّر، الذي يشهد انفتاحاً واسعاً على العالم، وقال: "العمل الإسلامي اليوم على مستوى العالم، يشهد تغييراً كبيراً، وهذا التغير قد يظهر بعد سنين عديدة، وأنا أخشى من التغيرات السلبية التي قد يكون لها أثر، بسبب الضغط العالمي أو الإقليمي أو الضغط المصلحي الموجود عند البعض، ولذلك من أوتي الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً، فمن المهم جداً وزن الأمور بميزانها، بحيث يستطيع طالب العلم أو الداعية أن يحقق بعض المتطلبات ويحافظ على الأصل في العمل الدعوي ضمن هذه الظروف وصعوبتها. رغم أن مواصلة المسيرة أمر صعب، وتوزيع الأدوار في الحصول على النتيجة المرضية هو أمر متروك، فقد يكون للبعض دور غير الدور الذي للبعض الآخر"
مواكبة العصر ومتطلبات التأثير
شدد معالي الوزير على أهمية أن يكون الداعية جزءاً من التطور الذي يحدث في العالم، وأن يقف خلف الركب، فيما تجري الحياة إلى الأمام. وقال: "لا يصلح أن يلوم بعضنا بعضاً لأن النظرة المصلحية الشرعية لها متطلبات، والمحافظة على الشأن العام وشأن الدين والمدافعة بما يصنعه الإنسان للمحافظة حتى لا يكون التغير أكبر هو أمر مطلوب، لكن العمل الإسلامي بعامة مقدم على تغييرات كبيرة، لذلك لا بد من المزيد من الاتصال في العالم، وزيادة المؤثرين فيه، ومعرفة ما يجري من خلال الاتصالات الشخصية أو عبر مواقع بحثية أو إنترنت وغيرها"
وأكد على أهمية أن يكون الداعية مثالاً للتأقلم مع المستجدات الحديثة، وقا: "إن الاستباق خير من الاستدراك بعد وقوع الشيء ... وحبذا لو يكون عند الإخوة جميعاً الرغبة في الاستعداد للمشاركة في أي مكان منفتح عام، فمن لديه القدرة على المشاركة في الإذاعة فليوطِّن نفسه على المشاركات الإذاعية، ومن لديه القدرة على المشاركة في الكتابة، فليحتسب ولو تعب، فالأثر كبير والمتابعة مطلوبة، والذي لديه القدرة على التأثير عبر موقع على الشبكة فليفعل، والذي لديه قدرة على التأثير في المحطات فليفعل، إذ لا بد أن تصل كلمة الحق إلى الناس، ولا بد أن نستبق التغييرات علينا وعلى غيرنا، عبر فعل محمود نقدمه للناس"
في مواجهة تشويه الدعوة السلفية
لم يغب عن بال معالي الوزير الحديث عمّا يمكن أن يكون تحدياً حقيقياً في عالم اليوم، المنفتح على الفضائيات والإنترنت والتواصل مع العالم كله، في مواجهة العمل الدعوي، إذ بدأت تتكشف للكثيرين الأعمال التي يحاول من خلالها البعض، تشويه صورة السلفية في العالم، وما يجب على الداعية أن يعمله في مواجهة ذلك، وأكد على أنه من المفيد وضع إستراتيجية عمل داخلية وخارجية للدعوة والدعاة، مشيراً إلى أنه من الضروري بمكان في هذا الزمن، أن يتم تجديد الخطط والعمل، لمواجهة للأخطار المحدقة بالعمل الدعوي. وقال: "اليوم توجد جهات عديدة لتشويه الدعوة السلفية أو ما يسمونها بالوهابية، وقد شوهها البعض بالفعل عبر وسائل كثيرة جداً"
اختراق استخباراتي
وأكد معاليه حدوث اختراقات استخباراتية في بعض الجماعات الإسلامية المنحرفة، التي طُلب منها أن تحمل اسم الدعوة السلفية. مؤكداً أن حتى تنظيم الجهاد وتنظيم القاعدة مخترق من قبل بعض الاستخبارات من جهة ما. وقال: "تعدّ الدعوة السلفية، من أقوى الحركات الدعوية التي جاءت في هذا العصر للتأثير على الناس، ومن المعروف أن أقوى الدعوات هي الدعوة السلفية ودعوة الإخوان المسلمين. هذه أقوى حركتين للتأثير على المسلمين والعالم، وتأثيرات الجماعات الأخرى أضعف بكثير، والآن يتجه كل من الجهتين ألا يكون لها ما يضعفها أو يؤثر عليها، وهذه المسألة كبيرة ويجب عليكم أن تكونوا على دراية واطلاع، ويجب أن يكون لديكم قراءة لبعض التقارير السياسية الدعوية المتعلقة بالدعوة"
وقد اقترح معاليه أن يكون هناك مركز إرشيفي بالوزارة، يتسنى للدعاة الاطلاع من خلاله على المعلومات والتقارير العربية والمترجمة.
وقال: ما ينشر بالأخبار والقنوات، ليس بالضرورة أن يكون صحيحاً، إذ إن هذه القنوات شيئاً، ويراد به شيء آخر، وبعض القنوات المحسوبة على بعض الاتجاهات التي تنشر بعض الأخبار المسيئة للإسلام والمسلمين، وبعض القنوات في بلد تستهدف دولة أخرى، وترى أن هناك توجهاً لتفتيت الدعوة إلى الله، واستطاعوا من خلال بعض المؤسسات أن يفعلوا ما يفعلوا"
واختتم معاليه لقاءه مع الدعاة، بدعوتهم إلى أن نحيا في سبيل الله، وفي طاعة الله، وقال: "فاتقوا الله ما استطعتم، فاتقوا الله ما استطعتم، فاتقوا الله ما استطعتم"