بسم الله الرحمن الرحيم
العقل أم القلب وكليهما (الدواء والداء)
موضوع رائع وفي غاية الأهمية أخي الشفق0
وأرجو أن تسمح لي بالإطالة في الرد والقصد هو أن تعم الفائدة0
هكذا هي حياة الإنسان يمر بمواقف يحتار في أمره ويصعب عليه الإختيار0
وكوننا بشر مسلمون ومكلفون قد كلفنا الله بأمور دينية ودنيوية وبعث فينا رسولنا صلى الله عليه وسلم وأنزل لنا القرآن على رسولنا القرآن الكريم الذي هو دستورنا0
ورسولنا صلى الله عليه وسلم هو قدوتنا ومثلنا بأقواله وأفعاله0
فالقرآن الكريم والسنة النبوية هما من يحكمان تصرفاتنا وفي جمع أعمالنا الدينية والدنيوية وعلاقاتنا بالآخرين من القريبين أو البعيدين0
ولنقرأ قليلا عن كلا من القلب والعقل
الدماغ هو العقل البشري
صور الدماغالعقل هو مصطلح يطلق عادة لوصف الوظائف العليا للدماغ البشري خاصة تلك الوظائف التي يكون فيها الإنسان واعيا بشكل عام مثل : الشخصية والتفكير والجدل والذاكرة والذكاء وحتى الانفعال العاطفي يعد ضمن وظائف العقل
والعقل البشري هو أعظم هبه وهبها الله للإنسان دون سائر مخلوقاته التي لا تعد ولا تحصى والعقل مناط به العلم والمعرفة وهو أساس حركة الإنسان في حياته وهو المنظم والموجهة لجميع أفعال الإنسان ولذا كان وجود العقل في حياة الإنسان وجوداً خاصاً في حد ذاته وكرماً ربانيا يتصف بأفضل الفضائل على بني آدم قال تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً) الإسراء الآية(70)
إنه التكريم والتشريف العظيم حيث يتفق المفسّرون على أن التكريم إنما هو بالعقل والمنطق وتسخير كل شيء لهذا الكائن العجيب.
إن العقل هو الدعامة الأساسية التي بنيت عليها الكثير من مقوّمات تكريم الله للبشر وبالعقل كان سر الحضارة الإنسانية وقوة الاجتماع البشري عبر الزمن فبدون العقل لا يكون هناك إنسان ولا تقدم ولا رقي ولا وعي بأي شيء كان.
وتفيد الكثير من المعاجم اللغوية بأن العقل يؤدي للإدراك والفهم والتدبر والحلال والحرام والصح والخطأ واللغة تسبغ على العقل سمة إدراك الأشياء وتحدد وظيفته في الوعي بما يثبت الحقيقة مع تضمين التأني في القيام بعمله وهو التدبر والتفكر أي عملية التعقل التي تتوجب أحياناً الصبر والتأني والعقل ملكة فطرية تؤدي وظيفتها لكونها مجبولة على العلم بضروريات اكتساب المعرفة وهي المعرفة الأولية والمنطقات الأولى التي بدونها يستحيل أن ينتظم العقل وفق معرفة ما.
محدودية العقل
إن كون العقل شيء مخلوق ففي هذا دلالة على أن قدراته لها منتهى وحدود وبحكم ذلك لا سبيل لاتصافه بالقدرة المطلقة فهي من صفات الخالق تعالى ولذلك يحب أن يقف العقل عن البحث في الأمور التي فوق طاقته مثل البحث عن ذات الله وفي الروح وأمور أخرى حفاظاً وصيانة له ورحمة به.
قال تعالى: (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً).
وقال تعالى: (يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو).
وقد ورد في الحديث الشريف: (تفكروا في خلق الله ولا في الله فتهلكوا).
ومما تقدم نفهم أن عقل الإنسان محدود مهما أعطي من قوة لتسخير بعض المخلوقات وموارد الأرض وتحويلها لخدمته ومنفعته حيث اخترع كثير من الآلات والطائرات والصواريخ وسخر كثير من الحيوانات لمنفعته0
القلب
صور القلبأما القلب البشري ذلك العضو الذي لا يتجاوز حجمه قبضة اليد الواحدة إنه بالغ الأهمية لحياة الإنسان حيث لا يمكن لأي إنسان أن يعيش ولو لثواني محدودة بدون قلب مع العلم أن الإنسان يعيش بدون عين أو رجل أو يد أو أسنان ولكنه لا ولم يعيش بدون قلب ولو لثواني معدودة.
وللقلب أدوار مهمة في حياة الإنسان سواء كانت إيمانية كالإيمان والكفر والإسلام والشرك والتصديق
و التكذيب والحب والكراهية أو فطرية كاللعب واللهو00000إلخ00
ولأهمية دور القلب في حياة الإنسان فقد أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن وجعله شفاء لما في الصدور وهي(القلوب)
ومما أنزله الله سبحانه وتعالى لشفاء ما في الصدور سورة القيامة0
ولنقرأ الأتي وهو ما قاله السيد قطب في ظلال القرآن في تفسير سورة القيامة0
سورة القيامة
هذه السورة الصغيرة تحشد على القلب البشري من الحقائق والمؤثرات والصور والمشاهد والإيقاعات واللمسات ما لا قبل له بمواجهته ولا لتفلت منه تحشدها بقوة في أسلوب خاص يجعل لها طابعاً قرآنياً مميزاً في أسلوب الأداء التعبيري أو أسلوب الأداء الموسيقي حيث يجتمع هذا وذاك على إيقاع تأثير شعوري قوي تصعب مواجهته ويصعب الإفلات منه .
إنها في الآيتين الأوليين منها بإيقاع عن القيامة وإيقاع عن النفس : ( لاأقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة ) ..ثم يستطرد الحديث فيها متعلقاً بالنفس ومتعلقاً بالقيامة من المطلع إلى الختام تزاوج بين النفس وبين القيامة حتى تنتهي . وكأن هذا المطلع إشارة إلى موضوع السورة . أو كأنه اللازمة الإيقاعية التي ترتد إليها كل إيقاعات السورة بطريقة دقيقة جميلة0
من تلك الحقائق الكبيرة التي تحشدها السورة في مواجهة القلب البشري وتضرب عليه حصاراً لا مهرب منه 0 حقيقة الموت القاسية الرهيبة التي تواجه كل إنسان حي فلا يملك لها رداً ولا يملك لها ممن حوله دادفعاً0 وهي تتكرر في كل لحظة ويواجهها الكبار والصغار والاغنياء والفقراء والأقوياء والضعفاء ويقف الجميع منها موقفاً واحداً وهولا حول ولا قوة لردها ومنعها ولاحيلة ولا وسيلة ولا قوة ولا شفاعة ولادفع ولا تأجيل لها 0 مما يوحي بأنها قادمة من جهة عليا لا يملك البشر جميعا معها شيئاً . ولا مفر من الاستسلام لها والاستسلام لإرادة تلك الجهة العليا0 وهذا هو الإيقاع الذي تمس به السورة القلوب وهي تقول : ( كلا ! إذا بلغت التراقي ، وقيل : من راق ؟ وظن أنه الفراق . والتفت الساق بالساق .. إلى ربك يومئذ المساق )
ومن تلك الحقائق الكبيرة التي تعرضها السورة حقيقة النشأة الأولى ودلالتها وهو تصديق لخبر بالنشأة الأخرى وعلى أن هناك تدبيراً في خلق هذا الإنسان وتقديراً 0 وهي حقيقة يكشف الله للناس عن دقة أدوارها وتتابعها في صنعة مبدعة لا يقدر عليها إلا الله ولا يدعيها أحد ممن يكذبون بالآخرة ويتمارون فيها فهي قاطعة في أن هناك إلاهاً واحداً يدير هذا الأمر ويقدره كما أنها بينة لا ترد على يسر النشأة الآخرة وإيحاء قوي بضرورة وحتمية النشأة الآخرة تمشياً مع التقدير والتدبير الذي لا يترك هذا الإنسان سدى ولا يدع حياته وعمله بلا وزن ولا حساب 0 وهذا الإيقاع الذي تمس به القلوب وهي تقول أولها : ( أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه ؟ ) ثم تقول في آخرها : ( أيحسب الإنسان أن يترك سدى ؟ أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى ؟ ثم كان علقة فخلق فسوى ؟ فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى ؟ أليس ذلك بقادر على أن يحي الموتى ؟ ) ...
ومن المشاهد المؤثرة التي تحشدها السورة وتواجه بها القلب البشري مواجهة قوية مشهد يوم القيامة وما يجري فيه من انقلابات كونية ومن اضطرابات نفسية ويجيء الرد عن تساؤل الإنسان عن يوم القيامة في إيقاعات سريعة ومشاهد سريعة وومضات سريعة : ( بل يريد الإنسان ليفجر أمامه0 يسأل : أيان يوم القيامة ؟ فإذا برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر يقول الإنسان يومئذ : أين المفر ؟ كلا ! لا وزر ، إلى ربك يومئذ المستقر ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره ! )
ومن هذه المشاهد مشهد المؤمنين المطمئنين إلى ربهم المتطلعين إلى وجهه الكريم في ذلك الهول . ومشهد الآخرين قاطعي الصلة بالله والرجاء فيه المتوقعين عاقبة ما أسلفوا من كفر ومعصية وتكذيب وهو مشهد يعرض في قوة وحيوية كأنه حاضر لحظة قراءة القرآن وهو يعرض رداً على حب الناس للعاجلة واهمالهم للآخرة وفي الآخرة يكون هذا الذي يكون : ( كلا بل تحبون العاجلة ، وتذرون الآخرة وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناضرة ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة ! )
وفي ثنايا السورة وحقائقها تلك تتعرض أربع آيات توجيهاً خاصاً للرسول – صلى الله عليه وسلم – وتعليماً له في شأن تلقي هذا القرآن فجاء هذا التعليم : ( لاتحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه )
وهكذا يشعر القلب – وهو يواجه هذه السورة أنه محاصر لا مهرب له . مأخوذ بعمله لايفلت . لاملجأ له من الله ولا عاصم . مقدرة ونشأته وخطواته بعلم الله وتدبيره في النشأة الأولى وفي النشأة الآخرة سواء بينما هو يلهو ويلعب ويغتر ويتبطر : ( فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى ثم ذهب إلى أهله يتمطى ) ...
وفي مواجهة تلك الحشود من الحقائق والمؤثرات واللمسات يسمع التهديد الملفوف : ( أولى لك فأولى . ثم أولى لك فأولى ) فيكون له وقعه ومعناه !
وهكذا تعالج السورة عناد هذا القلب وإعراضه وإصراره ولهوه . وتشعره بالجد الصارم الحازم في هذا الشأن ، شأن القيامه ، وشأن النفس ، وِشأن الحياة المقدرة بحساب دقيق . ثم شأن القرآن الذي لايخرم منه حرف لأنه من كلام العظيم الجليل ، الذي تتجاوب جنبات الوجود بكلماته ، وتثبت في سجل الكون الثابت ، وفي صلب هذا الكتاب الكريم .
المصدر : في ظلال القرآن - سيد قطب .
ولنتأمل قوله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قبل أكثر من أربعة عشر قرنا
وعن النعمان بن بشير رَضِيَ اللَّهُ عَنهُما قال سمعت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يقول: (( إن الحلال بين، وإن الحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس. فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه؛ ألا وإن لكل ملك حمىً، ألا وإن حمى اللَّه محارمه،ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح ((الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله( ألا وهي القلب)مُتَّفَقٌ عَلَيهِ
نسأل الله العلي القدير أن يهدي قلوبنا وعقولنا لما يرضيه عنا يوم نلقاة0
و نسأل الله العلي القدير أن يهدي قلوبنا وعقولنا لما فيه خير الدنيا والآخرة0
إنه هو السمع البصير0وهو سميع الدعاء0
التعديل الأخير تم بواسطة ga3bor ; 14 -12- 2008 الساعة 10:56 PM