- مرحبًا ..
انفضت من مقعدي، و التفت نحو صاحب هذا الصوت الناعم. أو بالأحرى (صاحبة) هذا الصوت.

ضحكت وهي تبتسم لي وتقول:
- هون عليك .. أنا لا أعض.

نظرت لها ثم التفت إلى الغرفة التي دخل فيها الضابط الذي قادني إلى هذا المكان، فأطل برأسه نحو الطاولة التي جلسنا عليها متقابلين، وقال لها:
- أين جيمس، لقد أرسلت في طلبه.
- لا بأس، أنا أغطي مكانه هنا.

وجه نظره نحوي غير مقتنع بهذا التبديل المفاجئ وعيناه تقولان ( أيها المحظوظ سنلتقي مرة أخرى، وعندها .. لن تنجو أبدًا).
وقال لها :
- لا بأس، هو لكِ.

عندها فقط التقطت أنفاسي والتفت إليها وابتسمت ابتسامة من خُفف عنه حكم بالإعدام.
- ما اسمك سيدي؟

انتزعني هذا السؤال من خيالاتي، قلت وأنا أعيد ترتيب أفكاري مذكرًا نفسي بأني ربما نجوت من الإعدام ولكنه مازالت أمامي محاكمة ربما تنتهي بالمؤبد.
- أنا .. اسمي محمد.
ابتسمت، وقالت:
-هذا اسم سهل للتذكر، أهلا محمد أنا الضابطة جوليا.
-جوليا؟
-نعم .
-اسم جميل.

وفي الواقع هو أبعد ما يكون عن صاحبته، فهي امرأة كبيرة سنًا في أواخر الأربعينات تقريبًا، من السكان الأصليين (الماوري)* ببشرة شديدة السمرة، وشعر أشعث، حاولت جاهدة أن يكون مرتب بشكل مقبول نسبيًا.
-شكرًا لك، الآن قل لي لماذا أتيت إلى هنا؟
وكما يقولون في الغرب هذه هو ( سؤال المليون دولار) !!
- حقيقةً وجودي هنا له سببان : الأول أنا في إجازة من عملي، والثاني أريد تقوية لغتي الإنجليزية.
هزت رأسها بدون اقتناع وهي تقول :
- حقًا؟ .. لغتك تبدو ممتازة بالنسبة لي!
- شكرًا .. ربما تبدو في الوهلة الأولى كذلك .. ولكني أحتاج لأن أزيد من حصيلتي اللغوية .

نظرت إلى نظرة أيقنت بعدها بعودتي إلى بلدي على متن أول طائرة مغادرة.


.
.
------------------------
* الماوري: أول شعب سكن نيوزيلندا قبل الاحتلال الغربي،