لعل صورة العالم حين كتبت تحتها كلمة ( سيء ) لم ولن تتغير .!
وتمخض تصوري في تلك الليلة الموجعة , وأنا أسير خارجا من مقهى بتلك المدينة الكبيرة , فالحركة لا تتوقف على مدار الساعة وهي تعج بالضجيج بآخر الليل كما لو كنتَ ذهباً إلى عملك في زحمة الخليقة وقت بزوغ العمل . كنتُ فعلا ..قد تحول تصوري نحو مشاكل المجتمع اغتربتُ لهذه المدينة من قريتي التي تبعد حوالي الثمانمئة كيلوا متراً من الغربة .
ففيها جل أنواع وأصناف وأشكال معانة الناس وما يقاسونه من جحاف الحياة لا غير .
وهنا في هذا العالم المتبدل بكل المقاييس قد وجدْتُ وجه العملة الآخر لقريتي والتي مهما وسطتْ العملة لن ترى الوجهين معاً البتة .
بعد خروجي من المقهى سائراً إلى مركبتي خلف المركاز ودهشتي كانت حول تلك الليلة فالسكون قد افترش المكان والظلمة عارمة فسرتْ في مخيلتي الرهبة استنكاراً لخمول الضجيج , وأنا أتلفت يمنة ويسرة وما إن هممت بفتح مركبي وإذا بالقشعريرة تستحوذني بلا سابق انذار حال سماعي تلك الحجرشة المنطلقة من خلف برميل النفايات المجاور لمركبتي . واطلقت ناظري لأستكشف المجهول,, وما هي برهة وإلا بذاك الشيء المعتم سواداً لأفوق من الدهشة لأغضب تدريجياً لهذا المتنكر بهذه العباءة ، و الأغرب أنه مديرٌ ظهره نحوي ، ولا يعيرني إهتماماً ، و ما إن حس بقربي منه إلا و قد تجمد منتصباً ، و هو منكس رأسه ، و أنا بين الدهشة و الفضول الذي لا زال يوبخني بعد تلك الليلة إلى ليلتي هذه .
فقابلته وجهاً لوجه ، و بادرت القول : أتبحث عن شيء ، فانطلق منزوياً على نفسه و قد جثم عند البرميل و هنا أكتمل الغضب عندي ، و أمسكت بغطاء الرأس ، و نزعته بشدة مع التحفظ لقربي ، و هنا الصاعقة ...!!
رأيت تلك الحورية المشعة بياضاً ، المكتملة الجمال ، و أنا أتمتم بين الجمال و تواجده بهذا المكان .. في هذا الزمان ، فقالت بصوت باكي ! : أسترني سترك الرب .
فقلت : ما شأنك .. و لم أنتِ هنا ؟!
وما إن همّت بالجوابِ ، إلا و بهذه العربة المتهالكة تتوقف بجانبها و بسرعة خاطفة ، تركب فيها و كأنها قد تركت جريمة هنا ، و سارت العربة تكمل طريقها و أنا أصوب النظر إليها ، إلى أن توارت بين الأزقة .
نظرت لوضعي و قد كان من السهل جداً إنتقادي في هذه اللحظة .
و لكن هناك شيءٌ بجوار البرميل ، عبارة عن كيس معقود ، كانت تمسك به ، و هنا إجتاحتني تصورات لا داعي لذكرها !!
أصابتني جرأة و تقدمت نحو الكيس ، و ليتني ما حللت عقدته .. و ليتني ما أوليتُ الصوتَ إهتماماً .. و ليتني ما خرجت في تلك الليلة .. و يا ليتني ما رحلت عن قريتي .. !!
بداخل الكيس فتات الخبز الصامط ، و بعض شتف الأطعمة ، و بعض من المشروبات قد خلطت بداخل قارورة كبيرة ...!
أراهن على هذه الحواء أنها لا تعرف الإجرام و لم تسمع به ، و لكنها لا تكف عن المحاولة بهذه الجريمة المصوبة نحوي ، و قد أتْقَنَتْها .
أ في هذه المدينة .. و في هذا الزمان تتواجد هذه الأسرة بين تطاول البنيان و أنواع النعيم و البذخ .. ؟!
عندها تنبهت أعضاء جسمي و عرفت أنه الألم .
جريمتها بسرقة النفاية .. جريمة طاهرة.
و جريمتها بتواجدها بزماني و مكاني الجرم الظالم ... .
معاذ آل خيرات
6/6/1429 هـ
مكة المكرمة .