بدا الظلام يغزو المكان ويتمكن منه , ويزيح الضياء من مواقعه ويرغمه على الاستسلام , وعلى ضوء المصباح اليتيم , شق ( عبد الله ) طريقه وسط الزقاق المخيف , إلى أن توقف أمام أحد العمالة صف أمامه عدة أجهزة ... كان من ضمنها جهازه .
لم يكن يدر ما سيقول لهذا الرجل الذي كان يجلس متحفزا يرمق نظرات ( عبدالله ) نحو أجهزته التي يعلم جديا مصدرها , اقترب ( عبدالله ) منه ومد يده إلى أحد الأجهزة وقال :
ـ هل هذه الأجهزة للبيع ؟
ـ لا تلمس شيئا .
أمسك ( عبدالله ) جهازه بيده , وبدا يقلب فيه يبحث عن الشريحة , والرجل الذي يبيع الأجهزة , يقول له بصوت عال :
قلت لك لا تلمس شيئا ... أعد الجهاز إلى مكانه .
بدا التجمهر حولهما و ( عبدالله ) يحاول جاهدا أن يشرح له أن هذا هو جهازه , وهو يريد فقط الشريحة الداخلية , وعندما لم يجد منه تجاوبا أمسك جهازه بيده جيدا , وهو يقرر معاملتهم بالمثل , وعندما لمح ثغرة بين المتجمهرين أطلق ساقيه للريح , وأخذ يركض بسرعة محاولا اختراق الزحام الشديد , وهو يسمع صوت صراخ العامل , والضجة التي أثارها سرعة ركضه بين العمالة , إلى أن انحرف إلى زقاق جانبي آخر , كان يظن بأنه يؤدي إلى الطريق الرئيسي , ولكن الزقاق الجديد كان مظلما , وتناثر فيه العديد من الأشخاص بأشكال مرعبة , كانت مجموعة منهم منهمكة لف الأوراق من ثم تدخينها , عاد أدراجه إلى الزقاق السابق , وهو يجاهد قدميه لكي لا تخذلانه في سباق الجري .ويتحسر على الكيلوجرامات التي اكتسبها جسمه بعد الزواج , وعلى الرياضة التي ترك ممارستها كذلك , وقبل أن يدخله فوجئ بالرجل الذي كان في أثره منذ أن قابله مع السكارى الثلاثة أمامه , فدفعه ( عبدالله ) وهو يظن أنه سيهوي سريعا بفعل المخدر الذي يسري في عروقه , غير أن الرجل لم يسقط بل تفادى ضربته بسهولة , وقبض على عنق ( عبدالله ) وهو يقول له بعربية ركيكة :
ـ ( رايح وين بالله عليك ... هي البطحاء متروكة لك ولأشكالك ! ) .
حاول ( عبدالله ) أن يحرر نفسه من قبضته , غير أن ضربة من شخص آخر على مؤخرة رأسه جعلته يسقط أرضا , والدنيا تموج أمام ناظريه ... إلى أن حل الظلام مكانها , وهوى في غيبوبة سحيقة ..
ــــــــــــــــــــ
تتمة الفصل الخامس