يجيب عليها سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ
مفتي عام المملكة العربية السعودية
الصلاة لها خصوصية بين سائر الأركان
* من أجرى عملية جراحية، ولا يستطيع القيام من السرير، وفي بدنه وثوبه نجاسة، كيف يتطهر؟ هل يتوضأ بالماء؟ مع العلم بأنه يجد صعوبة في إزالة النجاسة؟
- يقول العلماء - رحمهم الله -: إن الصلوات الخمس لها خصوصية بين سائر الأركان الثلاثة، الصوم إنما يجب في كل عام، ومن استطاع وإلا صام من أيام أُخر، وإن عجز أطعم، والزكاة إنما تجب على مالك النصاب الزكوي الماضي عليه الحول، في العام مرة، والحج إنما يجب في العمر مرة على من استطاعه، أما الصلوات الخمس، فإن الله أوجبها علينا خمس مرات في كل يوم وليلة، وما دام عقل الإنسان موجوداً، فهو مطالب بهذه الفريضة، وهذه الفريضة تجب على المسافر وعلى المقيم، تجب على الخائف وعلى الآمن، تجب على المريض وعلى الصحيح، وهذه الصلوات الخمس أنت مطالب بأن تؤديها بكامل أركانها وواجباتها، هذا مع القدرة، وأن تستكمل شروطها نحو استقبال القبلة، والطهارة من الحدث والنجس، فيكون الثوب طاهراً، والبقعة طاهرة، والبدن طاهراً، وتصليها أيضاً باستكمال الأركان والواجبات، ولكن إذا عجزت عن شيء سقط عنك، فعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كانت بي بواسير، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة، فقال: (صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب)، أخرجه البخاري. إذاً المريض يصلي، فإن قدر على استكمال الأركان والواجبات فالحمد لله، وإن عجز صلى على حاله، إن أعجزه القيام، صلى جالساً، وإن أعجزه السجود والركوع أومأ بالركوع والسجود، ولو جالساً، وإن تعذَّر عليه استقبال القبلة، بأن كان سريره ليس إلى جهة القبلة، ولا يستطيع تحويله، صلى على حاله، وإن قدر على الطهارة بالماء فالحمد لله، فإن عجز عنها تيمم، ومن لا يستطيع الوضوء وليس عنده من يحضر له التراب، صلى ولو بلا تيمم. يجب أن يطهر الثوب من النجاسة، والمريض إن لم يكن عنده من ينظِّف ملابسه، وهو لا يقوى على تنظيف ملابسه، من البول والغائط أو غيرهما من النجاسات، عافانا الله وإياكم، نقول صلّ على حالك، وصلاتك صحيحة إن شاء الله { مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (6) [المائدة: 6].
ليس من منهج السلف الاكتفاء بالكتب
* نرجو أن تدلَّنا على الكتب المفيدة لطلب العلم؟
- من يريد العلم مخلصاً في ذلك لله، فليتصل بعالم ذي معتقد سليم، ومنهج قويم، وطريقة مثلى؛ لأن طالب العلم الذي على المنهج، في عقيدته وسلوكه، وأعماله، هو الذي بتوفيق الله يهديك إلى الطريق المستقيم، فتأتي لذي علم يدلُّك على الكتب النافعة، سواء في باب العقيدة، أو في باب الأحكام، أو في باب الحديث، أو اللغة العربية أو غير ذلك من علوم الإسلام، فإنك إن ظفرت بعالم ذي علم، ومعرفة، ومنهج قويم، وعقيدة مستقيمة، فسيدلك إن شاء الله على ما ينفعك ويعينك، وليس من منهج سلفنا الصالح الاكتفاء بالكتب، بل كانوا يثنون الركب عند العلماء، وفي حلقاتهم، وهم مع ذلك يطالعون الكتب، وينسخونها أو يستنسخونها، والواجب علينا السير على منهاجهم، وفَّق الله الجميع لما يحبه ويرضاه
حضانة الطفل إذا تزوَّجت أمه
* حضانة الطفل الذكر إن تزوَّجت الأم، لمن تكون بعد السنين السبع، كيف يكون وضع هذا المولود؟
- الأم إذا تزوَّجت سقطت حضانتها، لأنه صلى الله عليه وسلم قال لها: "أنت أحق به ما لم تنكحي"، والحضانة للأم، ثم أمها، ثم الخالة، فإن عدم، انتقل ذلك إلى الأب، وينبغي في جنس هذه الأمور أن يذكر الأبوان أن نزاعهما، الضحية في ذلك المولود، فليحاولا علاج القضية، بدون أمور قد تتسبب في إحداث شيء في نفس الطفل، وعدم مبالاة الأب، وبعده عن الأم، فينبغي في هذه المسائل أن يذكر الأب والأم مصلحة الابن والبنت، مصلحة الأولاد الصغار، لو تذكَّرها الأب، لما أقدم على الطلاق، بل يصبر، ويتحمَّل، ولو تعقلت الأم، لصبرت على زوجها، وتحملت في سبيل ما يجمع أولادها بأبويهم، أسأل الله التوفيق.
كل قرض جرَّ نفعاً فهو ربا
* أقرضت رجلاً مبلغاً من المال، وبعد فترة، طلب مني أن أخبره برقم حسابي، ليحوِّل عليه المبلغ، فوجدته قد زاد على المبلغ الذي أقرضته خمسة آلاف ريال، فراجعته في ذلك الأمر، فقال إنه قصد في ذلك جزاء الإحسان إليه، فهل يجوز لي أخذ هذا المبلغ؟
- الأصل أن من أقرض يأخذ قدر ما أقرض، وأما الزيادة فلا، فكل قرض جرَّ نفعاً فهو ربا، ولا شك أنه إذا دفعه إليك، وأنت لم تطلبه، ولم ترض به، وإنما هو من باب الإحسان، فالظاهر جوازه، النبي صلى الله عليه وسلم استسلف من رجلٍ بكراً، فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكرة، فرجع إليه أبو رافع فقال لم أجد فيها إلا خياراً رباعياً، قال: (أعطه إياه، إن خيار الناس أحسنهم قضاء).
الطلاق ثلاثاً بلفظ واحد
* يقول: إذا طلقت المرأة بلفظ واحد بثلاث طلقات، فالبعض من العلماء يقولون يقع الطلاق، والبعض يقولون: لا يقع. ومن يقول يقع الطلاق، يقول لا يجوز أن تعود للزوج حتى تنكح زوجاً غيره، فما الصواب والصحيح؟
- هذه المسألة، الخلاف فيها من عهد الصحابة، في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، جاءت في هذه المسألة أحاديث كثيرة، والعلماء لهم اختلاف على حسب اختلاف الأدلة، لكن جاء في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وسنتين من خلافة عمر، طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر رضي الله عنه إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم)، إذاً فإمضاء عمر إنما هو من باب التعزير، لا من باب إلغاء الحكم الشرعي السابق، وبعد هذا اختلف العلماء، فمنهم من رأى قول عمر، وقال: هذا قول أجمع الناس عليه، فلا يجوز مخالفته، ومنهم من قال: لا، هذا الحكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينسخه إلا حكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يمكن أن يلغي حكمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حكمُ عمر أو غيره، فعمر ما حرَّم، وحاشاه أن يحرِّم، ولا ألغى حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن عزَّر الناس لما تساهلوا بأمر الطلاق. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبره ركانة أنه طلق امرأته البتة فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فقال: "ما أردت بها" قال: واحدة، قال: "آلله ما أردت بها إلا واحدة قال: آلله ما أردت بها إلا واحدة، قال: فردها عليه، أخرجه ابن ماجة، والحديث فيه مقال، وأخرجه بنحوه أيضاً أبو داود في سننه أجود من إسناد ابن ماجة، فالجمهور من الأئمة الأربعة، وأتباعهم على أن الثلاث بلفظ واحد ثلاث، لو قالك أنتِ طالق بالثلاث، قالوا: حرمت عليه، وأصبحت لا تحل له، إلا بعد نكاحها زوجاً آخر، ومن العلماء من قال: لا، الثلاث بلفظ واحد، ما كان في عهد عمر فإنه تعزير، وعمر لو شاهد ما أحدث الناس بعده، لما قال هذا. يقول شيخ الإ

لو رأى عمر رضي الله عنه ما أقدم عليه كثير من الجهلة، من وضع المحلل الذي يستحلون به فرج المرأة، لما قال كذا، فعمر في زمن كان الناس ورعين عن التحليل، ولما وقع الناس بالتحليل رأى شيخ الإسلام وغيره، أن القول بإعادة الحكم على ما كان عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وصدر من خلافة عمر أنه القول الأولى والأرفق بالناس والأيسر لهم، وهو الموافق للسنَّة.
الوضوء لصلاة الجنازة
* هل يشترط الوضوء لصلاة الجنازة؟
- نعم، يشترط لها الوضوء؛ لأنها صلاة شرعية مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تُقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ"، أخرجه البخاري، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وعند مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تُقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول"
حكم قصّ الشوارب
* هل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يحلق الشوارب؟
- النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قصُّوا الشوارب وأعفوا اللحى)، فقصُّوا أمر بقص الشوارب، فأمره يدل على سنية القص، وقال "الفطرة خمس، الختان، والاستحداد، وقصُّ الشارب، وتقليم الأظافر ونتف الآباط) متفق عليه، واللفظ للبخاري.
تعوّذ بالله من مكائد الشيطان
* أنا إنسان مسلم ولله الحمد، أخاف الله، وأحاول أن أؤدي الفروض في أوقاتها، لكن تأتيني وساوس شيطانية، تحاول أن تبعدني عن ديني، فأنا أثناء أداء أي فرض من الفروض، كالصلاة مثلاً، تأتيني هذه الوساوس، وتحاول أن تبعدني عن الله، وأنا أحب الدين، فبمَ تنصحني، وكيف تذهب عني هذه الوساوس؟
- الله يقول: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: 200]، وفي آية أخرى { إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنفال: 61]، فيا أخي، كل هذا من الشيطان، ومن وساوس الشيطان، فحاول الالتجاء إلى الله، وسؤال الله أن يثبِّت قلبك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في دعائه: (يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك)، فقل: يا مقلِّب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك، يا مصرِّف القلوب، اصرف قلبي على طاعتك، اسأل الله الثبات، تعوذ بالله من مكائد الشيطان.