كان لأبي الأسود الدؤلي بالبصرة دار
وله جار يتأذى منه في كل وقت
فباع الدار فقيل له :
بعت دارك ؟!
قال :
بل بعت جاري . فذهبت مثلا.
إذا أساء الجار لجاره
وسلط أذاه عليه
ولم يرع حقه لا حاضرا ولا غائبا
وفرح بمسائته
وتشمت بحاله في النوازل
واغتابه وانتقص من قدره
ولاك في عرضه
فالله المستعان على من كان مثل هذا جاره.
فهنا للعيش كدر
فكدر العيش في ثلاث :
جار السوء ، والولد العاق ، والمرأة السيئة الخلق .
ولله در القائل:
يلومونني أن بعت بالرخص منزلي ولم يعرفـوا جاراً هناك ينغصُ
فقلت لهـم كفـوا المـلام فإنـها بجيرانهـا تغلو الديار وترخص
وقال أخر:
كن في البلاد إذا ما الْجارُ جارَ بِها ** كالراحِ في الكأسِ لا تبقي على مَيَل ِ
واجفُ الخليلَ وبادر بالرحيل وقــلْ ** هذا الدواء الذي يشفـي من العــلَـــل ِ
يروى أن رجلا كان جارا لأبي دلف ببغداد ، فأدركته حاجة ..
وركبه دين فادح حتى احتاج إلى بيع داره ، وطلب ثمنا لها ألف دينار ، فقالوا له :
إن دارك لا تساوي أكثر من خمسمائة دينار .
فقال : أجل ولكنني أبيعها بخمسمائة وأبيع جوارها بخمسمائة أخرى ...
فبلغ القول أبا دلف ، فأمر بقضاء دينه ... ووصله وواساه .
لقد كان الجوار حقا مقدسا ، حين كانت النفوس مشبعة بروح الأيمان
وكان الإسلام هو الجو الذي يعيش فيه المسلمون
وفي هذا الزمان تغير الإنسان عن تلك الحال
وأصبح آلة صماء تدور في فلك المادة
بدون شعور أو عواطف نبيلة
ولا معاني إنسانية سامية .
لم يفلت من ذلك المسخ الذي طمس معالم الأخلاق
إلا من تمسك بديننا القويم وتعاليمه
ويكاد يكون هولاء على أطراف المدنية المادية وصخبها وتشويهها
فما الحل إن جار الجار
وأصبح من المستحيل التحمل والبقاء ؟