في عتمة هذا الدرب ..
وحدي أحمل قدري .. قدر الغرباء ...
أهرب للظلمة ... لزوايا الصمت ..
أتكوم مع جرحي ( الأنا ) وآنس لأنيني ..
وأردد .. أحد .. أحد ...................... أحد أحد ..
تتقيأ ذاكرتي كل الأحداث المعاصرة .. تتقيأ كل الصور المسمومة ... ومفاهيم الغربة ..
وحدي ...
أتكوم في ذاك الركن المظلم وأحاول أن أحقن وعيي با لمصل المنقذ ...
عبير كتابي ... وحده يضيء ظلمتي ...
( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون )
وأحاول ألا أحزن ...
لكني خائفة حقا من ذاك السيرك في الخارج ..
ألمح وجها أحيانا يقتحم الظلمة .. وجه مهرج ... وآحيانا مسخ قميء ...
يتأملني باستغراب ... ويقهقه ...
أفزع لكني أتمسك بكتابي ... وبينما هو ينظر الي باستعلاء وبعض احتقار ...
( يواجه قلبي تلك النظرة .. ويحدق في عينيه وهو يهمس .. ( وأنتم الأعلون )
والمح في عيني المهرج لمحة خاطفة من ارتباك لكنه يتماسك ويعاود قهقهته ...
الوحدة صعبة ... ورغم أنني أعلم أنه مازال على هذا الكوكب بعض الغرباء .. الا أنني
لا أعرف كيف أصل اليهم ..
وفجأة دخل علي أحد كبرائهم وبما يشبه الا شفاق المتعالي ... قال لي ...
أنت مسكونة بمرض خطير اسمه عبادة الماضي ...
أنت أسيرة هاجس مرضي ... يجعلك تحلمين بأن يعود الضب ديناصورا وهذا لن يكون ...
ونحن الكائنات المتحضرة نعرض عليك فرصة العلاج ... لتشفي من أوهامك ...
وتصبحي واحدة منا ...
نحن هنا نعرض عليك المساعدة دون ثمن ... فنحن الخير ونحن النور .. ونحن الآلهة الطيبة
الجديدة لهذا العالم ...
زاد انكماشي في ركني الضيق وزاد تشبثي بكتابي ...
وعندما لاحظ ذلك قال لي ...
مهلا آنستي ..
نحن لا نريد أن نسلبك كتابك .. فاطمئني ...
لست مجبرة أن تكوني مثل هذه او تلك وأشار الى بعض الممرضات اللواتي يرتدين وجوه مومسات ..
أبدا عزيزتي ...
كوني نفسك تماما ... لكنك لست مضطرة لأن تكوني غريبة ..
المشكلة ياعزيزتي ليست في هذا الكتاب الذي تتشبثين به ... وتتحصنين بصفحاته بسذاجة ..
المشكلة هي أنك لا تفهمين حقا ما يوجد في هذا الكتاب ..
فآلهك هو آلهي ... وهو طيب ومتفهم .. ولا يريدك أن تكوني غريبة عنا ...
ان كل ما تحتاجينه يا ابنتي ... أن نخضعك لعملية جراحية بسيطة لعينيك ... لتري الأشياء على حقيقتها .. كما يريدك آلهك أن تريها ..
وأشار بيديه الى مومساته ... وقال يخاطب ذاتا وهمية قد تكون الشيطان ... من اجلك وبارادتك
سنخلص هذه الفتاة ...
وبدأت ممرضاته يجذبونني بقوة .. وأنا أتمسك بحفر تلك الزاوية الخربة المظلمة وأصرخ بملء صوتي ... ( قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ) ( رب أعوذ بك من همزات الشياطين ومن شر الانس والجن وأن يحضرون )
(اللهم رب السموات والارض كن لي جارا من شر جميع عبيدك وشر الجن والانس )
( بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم )
( اللهم اني أعوذ بك من شرورهم وأدرأ بك نحورهم .. أعوذ بك ربي أن يفرط علي أحد منهم أو أن يطغى )
وكلما زاد صراخي واستعاذتي بالله زاد خوفهم مني ... وتراجعوا جميعا الى الوراء ...
وصرخ أحد المهرجين من بعيد ... انها مجنونة تماما ولا تستحق المساعدة ...
وصرخ آخر انها ساحرة ماكرة وسحرها في لسانها ... اذا فلتجتثوا لسانها ...
وهنا نظر كبيرهم الى مساعده بتفكر وسأله مارأيك ... ؟
فأجاب ... ليست لدينا مشكلة كبيرة بامكاننا تخديرها ... واستبدال عينيها ولسانها ...
وهنا بدا في عيون الممرضات المومسات نظرة خوف وهلع ...
وقالت احداهن .. تبدو لي فتاة متوحشة تملك قوى سحرية ولا يمكننا الا قتراب منها لتخديرها ..
وبايماءة من كبيرهم خرجوا جميعا .. وحاولت أن أسمع ما يقولون ... فتسللت الى عبارات متقطعة من بعيد تتحدث عن آخر محاولة قبل اللجوء الى الحل الأخير ..
ولم أفهم ماهي المحاولة الاخيرة التي يقصدونها ولم أستطع أن أتخيل آخر الحلول لكنني تمنيت لو يكون القتل ... فهو بوابتي التي اقف عندها وأدق على بابها طويلا بانتظار أن يؤذن لي لمغادرة كوكب القردة والمسوخ ....