بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي من ترف التعليم في عالمنا العربي.. أصبح الطبيب والمهندس والباحث.. عاطلاً بقلم: د. زيد بن محمد الرماني*
المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

ليس هناك ثروة في العالم أكبر من ثروة البشر، فالثروة البشرية أكبر من أي ثروة أخرى.
لذا، فإن للتربية دوراً أساسياً ولكي تنجح التربية في القيام بهذا الدور، علينا إعادة صياغة أهدافها بحيث تصبح المدرسة مكاناً للتعلم وليس للتلقين!!
ولكي تكون المدرسة مكاناً لبناء الشخصية الملائمة بدلاً من أن تكون مؤسسة لتحضير الطلبة للامتحانات ولمنح الشهادات كبطاقة دخول للمجتمع.
إن الإصلاح التربوي، يبدأ في المدرسة، وداخل غرف الصف على يد المعلم الواعي لاحتياجات تنمية مجتمعه والمؤمن بأن التعلم الملائم للتنمية هو الذي لا يمكن حصره بين جدران غرفة الصف، وداخل أسوار المدرسة.
وإذا ما انحصر التعلم الملائم للتنمية بين جدران غرفة الصف وداخل أسوار المدرسة، فإن المدرسة وكذلك الجامعة لن تخرّج إلا طيوراً من خشب لا تقدر على الطيران!!
إن الطالب الذي يتخرج من الجامعة اليوم طائر لا يقوى على الطيران - على حد قول شاكر النابلسي في كتابه "الطائر الخشبي - شهادة في سقوط التربية والتعليم العربي المعاصر"، لأنه لم يزود بالعلم الذي يمكّنه من التحليق والإبداع والإنتاج في مجتمعه.
لذا، فهو أشبه ما يكون بالطائر الخشبي، العاجز عن الحركة، المسلوب الروح والإرادة!!
يقول فيكتور هوغو: افتحوا مدرسة تغلقوا سجناً. وفي استطاعتنا أن نثبت اليوم أن المدرسة نفسها هي سجن، وأن التعليم بكامله يبدو للكثيرين كورطة كبيرة تُفقد الأولاد حماستهم واندفاعهم للتعلّم، أفليس هذا اعترافاً بإخفاق الحضارة كلها؟!
وللحقيقة نقول: إن المدرسة أو الجامعة أو المعهد لم يعد مظهراً اجتماعياً في الغرب أو في الشرق كما أن الدرجات العلمية والمهنية لم تعد وساماً يعلقه المواطن على صدره في المناسبات الخاصة، كما هو الحال في العالم العربي خاصة، وفي العالم الثالث عامة.
لقد بلغ الترف في التعليم في الوطن العربي أن أصبح المهندس والطبيب والباحث عاطلين عن العمل!! ولقد قيل إن أستاذاً في إحدى الجامعات ترك مهنة التدريس الجامعي، حيث لم يستطع العيش الكريم من دخلها، وسرح مع والده الذي يعمل معلماً في تركيب البلاط والقيشاني، حيث الدخل أوفر وأكثر، وحيث الطلب على هذه المهنة أكثر من الطلب على أساتذة الجامعة.
لقد ورد عن أفلاطون في جمهوريته قوله: إن تكوين إنسان يتطلب خمسين عاماً. ومن هذه العبارة انطلقت مبادئ التربية الحديثة التي ارتكزت على ثلاثة أسس: البيت، والمدرسة، والبيئة الثالثة التي تعني الرياضة والشارع وحركات الشباب ونواديهم ومخيماتهم وفرقهم الكشفية.
فهل استطاع البيت أن يقوم بواجبه التربوي نحو الفرد؟ وهل استطاعت المدرسة أن تقوم بواجبها التعليمي نحو الفرد؟!
وهل استطاعت البيئة الثالثة أن تكون حلقة الوصل الثالثة في حلقات تربية وتعليم الفرد؟!
إن أفلاطون عندما افترض مرور خمسين عاماً، لكي يتكون الإنسان، كان ينطلق من مبادئ التربية والتعليم التي وضعها في جمهوريته. فلقد عرّف أفلاطون التربية بأنها الفضيلة التي يكتسبها الولد، وهي تبدأ من الأسرة.
إن الأسرة التي كانت تعيش في بيت كبير رحب، يجمع كافة أفراد الأسرة، من الجد والجدة والأب والأم والأولاد، حيث كان يجمعهم مجلس واحد، وحديث واحد وسفرة واحدة وربما طبق واحد. هذا الجو الأسري الحميم، الذي كانت تسوده المودة ويسوده الحب ويسوده التواصل الإنساني الذي هو أساس من أُسس الفضيلة، هذا الجو لم يعد موجوداً!
فالبيت الكبير اختفى وأصبحت الأسرة تعيش في علب من الخرسانة المسلحة، وبدلاً من البيت الكبير أصبحت هناك عدة بيوت، بيت للجد والجدة، وبيت للأب والأم، وبيت ثالث للأولاد.
وهكذا تفرقت الأسرة وبتفرقها ضعفت الروابط والعلائق الأسرية الحميمة، وأصبح الضبط في البيت غير ميسور، كالسابق.
كل هذا انعكس على الأسرة والبيت وأدى في النهاية إلى فقدان البيت لوظيفته الأساسية وهي التربية ولم يعد البيت غير مكان للسكن، ومكان للاستهلاك الغذائي، وأصبحت الأسرة عبارة عن أصدقاء التقوا مصادفة، بدلالة أن كثيرين من الآباء لا يرى أولاده إلا نادراً ولا يعلم تفصيلياً ما يدور في بيته!!
وفي المقابل، فلازالت المدرسة على حد رأي الكاتب الفرنسي بلزاك تحاول أن تعلم وتلقن الفرد ما هو بداخل اللوزة دون أن تحاول كسر هذه اللوزة، لكي تُري الطالب اللُبّ بعينه!!
ولازالت المدرسة غائبة ومغتربة عمّا يسمى بمفهوم التربية الحديثة بالاهتمام الأعلى والاهتمام الأعلى كما يسبطه أوليفيه ربول هو أن تستدرج الولد لكي يهتم بالحساب أو بالقواعد، بالحماسة نفسها التي يوجهها شطر الطوابع والألعاب المتحركة.
والمدرسة لازالت تفتقر إلى أن تلعب دوراً تثقيفياً مهماً خارج أسوارها فهي للآن لم تستطع أن تقضي أو تحل أية أزمة ثقافية، علماً بأن المدرسة نفسها هي السبب في عدة أزمات ثقافية ومنها أزمة القراءة والمطالعة، مثلاً.
فالمدرسة مسؤولة بشكل مباشر عن تدني نسبة القراء في العالم العربي وزيادة عدد مشاهدي التليفزيون والقنوات الفضائية.
إذن: متى يصبح الفرد في الوطن العربي سيّد تقدمه الثقافي والمعرفي والتقني وفاعله؟!
سؤال كبير وخطير .. أليس كذلك؟!!!