لونك المفضل

المنتديات الثقافية - Powered by vBulletin
 

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 38

الموضوع: الإسلام والصحة النفسية ( حلقات )

  1. #1
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية ضيف الله مهدي
    شخصية مهمة
    تاريخ التسجيل
    10 2006
    المشاركات
    1,832

    الإسلام والصحة النفسية ( حلقات )

    رمضان والصحة النفسية

    الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، إيّاه نعبد وإليه نحفد وعليه نتوكل وبه نستعين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم ، وعلى آله وأزواجه وذريته وأصحابه أجمعين ، ثم أما بعد :
    أحييكم بتحية الإسلام الخالدة ، ( السلام ) فالسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، ومغفرته وطيب صلواته 00
    شهركم مبارك ، ورمضان مبارك ، ويتقبل الله من الجميع الصيام والقيام وصالح الأعمال 0
    كانت بيني وبين الأخ الأستاذ / عبد الله عكور أحد أبرز المشرفين في منتدى صامطة ، سألني بعد التحية والاحترام ، افتقدناك يا دكتور ، وينك ؟ فرديت : والله منتداكم أحب منتدى لقلبي ومشرفيكم وأعضاءكم أجمل وأفضل مشرفين وأعضاء ، ولكني قد وصلت لمرحلة الملل من المنتديات ، فحبيت ارتاح حتى أعود وأنا أكثر قوة وحبا للمشاركات 00 وأنا أضمرت من قبل في نفسي أن أعتزل المنتديات ولا أعود إلا بعد شهر رمضان المبارك 1429هـ 0 وأريد أشغل نفسي بالقرآن الكريم حفظا ومراجعة وأيضا تلاوة 0 فأخبرني ببرامج المنتدى في رمضان الكريم ، وعن ماذا أعددت له ( مشاركات يقصد في المنتدى ) فرديت الكثير ! وحقيقة لم أعد أي شيء ، فبدا من خلال صوته السرور والفرح والانشراح ، بعد ردي عليه حول المشاركات ومن هنا كان لزاما عليّ أن أفي بوعدي له ، وقمت بمراجعة ما قد قدمت من مشاركات ، فوجدت حلقات كنت قد أعددتها لقناة الأثير في العام الماضي 1428هـ ، بعنوان : رمضان والصحة النفسية ( تسع حلقات ) ولكن لم أقدمها بسبب وفاة أخي الأكبر منتصف شعبان ، وأسباب أخرى 00 فطورت تلك الحلقات المعدة مسبقا وزدتها حتى أصبحت ثلاثون حلقة وغيرت المسمى ، فأسميتها : ( الإسلام والصحة النفسية ) جمعت معلوماتها من عدة مراجع ، منها ، مما قد كتبته ونشرته في الصحف السعودية أو المنتديات الالكترونية ، وبدأت حلقتها الأولى بهذه الحلقة :ـ
    الحلقة الأولى :

    عندما يأتي رمضان :
    عندما يأتي رمضان تتداعى المعاني عندي تداعيا حرا مطلقا فأول ما يخطر في الذهن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف أنه اتخذ هذا الشهر لتعبده وتحنثه وخلوه بنفسه في غار حراء قبل أن يتنزل عليه الذكر الحكيم وبعد أن بدأ يدعو الناس إلى عبادة الله وحده أتذكر جهاده وعبادته ونصحه وإرشاده وصيامه وقيامه وغزواته وحروبه وعمره الطاهر وسيرته العطرة00 ثم تتداعى المعاني فاذكر القرآن الكريم الذي أنزله الله جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا ثم نزل بعد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مدة ثلاث وعشرين سنة حسب الوقائع والمناسبات 00ثم تتداعى المعاني فيحضرني انتصارات المسلمين في شهر رمضان بدءً من غزوة بدر إلى العاشر من رمضان 1393هـ ضد العدو الإسرائيلي 00وتتداعى المعاني فأذكر فضل شهر رمضان فهو سيد الشهور وفيه ليلة خير من ألف ليلة وإذا دخل رمضان صفدت فيه الشياطين وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار 00 وهو شهر الخيرات والصدقات والبر والإحسان وصلة الرحم وكان رسول الله يتدارس القرآن الكريم مع جبريل في هذا الشهر مرة كل سنة وفي آخر سنة من عمره الطاهر صلى الله عليه وسلم تدارس القرآن مع جبريل مرتين وهو شهر يغفر الله فيه لعباده ويعتقهم من نيرانه ويتفضل عليهم في آخر ليلة من لياليه ، وهو شهر لا يحرم فيه من الخير والرحمة والمغفرة إلا شقي محروم ، وقد ورد في الحديث الشريف نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي ر غم أنف امرئ دخل عليه رمضان وخرج ولم يغفر له فيه ) وهو شهر يقبل فيه المسلم بقلبه وعقله على الله سبحانه راجيا وطامعا في مغفرته ورحمته وفيه تكثر الصدقات والهبات وكان رسول الله أجود ما يكون في رمضان وكان أجود من الريح المرسلة وفيه يقبل الله توبة التائبين كما أنه يقبل التوبة من سائر عباده وفي سائر أيامه ولياليه وشهوره والله سبحانه يحث عباده على التوبة والعودة إليه وهو الرحمن الرحيم قال تعالى : { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم } فهي فرصة لنا جميعا أن نتوب ونعلن التوبة في كل وقت وفي رمضان أفضل 00وتتداعى المعاني فأتذكر أن في الجنة باب يقال له الريّان لا يدخل منه إلا الصائمون ويمر في ذهني الحديث القائل : ( للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربّه ) يوم يقول الله : { كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية } وأتذكر أن رائحة فم الصائم عند الله أطيب من رائحة المسك 00وشهر رمضان يمر بسرعة والعمر ينقضي بسرعة فيفرح من أحسن واتقى وقدم لنفسه الصالح من الأعمال في رمضان ويخسر الخاسرون يقول الشاعر :
    غدا توفى النـفوس مـا كسـبت
    ويحصـد الزارعون ما زرعـوا
    إن أحسنوا فقد أحسنوا لأنفسهم
    وإن أسـاءوا فبئس ما صنعـوا
    وعلينا جميعا أن نتوب ونعود إلى الله والفرصة مواتية الآن وخاصة ونحن في هذا الشهر الكريم فلنعد إلى الله ولنجدد التوبة وتتداعى المعاني فأتذكر الصحابة رضي الله عنهم وكيف يستقبلون رمضان بفرحة غامرة يقومون لياليه وفي النهار صيام وجهاد مع أئمة الكفر وصناديد قريش ويدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان فإذا ما بلغهم رمضان وصاموه وقاموه دعوا الله ستة أشهر أن يقبله منهم 00


    أثر الإيمان في حياة الأمة : ::
    لقد ظهر جليًا ما خلفته مدنية المادة ، وحضارة المتع والشهوات من علل وأمراض في مجتمعاتنا ، وما أحدثته من تخريب للأفراد والأسر ، وانحسار لكثير من القيم ، والأخلاق الإسلامية والمقاييس الربانية ، وانتشار ألوان شتى من الفساد ، وصار لزامًا على العقلاء والغيورين أن يبحثوا عن العلاج بعد تشخيص الداء 0
    الإيمان في الحقيقة هو الحياة بالنسبة للإنسان ، وبغيره يكون كالميت : قال تعالى :{ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} (الأنعام: من الآية122) 0-
    الإيمان يولد في نفس صاحبه معاني العزة والقوة ، والثقة بالله والاطمئنان إلى جنب الله ، والأمل في نصر الله ، ودفاعه عن عباده المؤمنين ، ورد كيد الظالمين عنهم 0 قال تعالى : { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } 0 المنافقون: من الآية8 0
    وقال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا } 0الحج: من الآية38 0
    الإيمان يفجر في نفس المؤمن طاقات كبيرة ، تدفع صاحبها إلى الجهاد والتضحية ، والصبر والتحمل ،وعمل الخير ، وتعينه عل تخطى العقبات ، مهما طال الطريق ، ومهما كثرت العقبات قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}0آل عمران:200 0
    الإيمان ينير الطريق يحقق الطمأنينة والراحة النفسية ،ويباعد بين المؤمن والقلق والحيرة والهم والحزن ، والتمزق داخل النفس 0 قال الله تعالى : { الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} الرعد:28 0 وقال تعالى : { وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } الحج: من الآية31 0
    كناية عن التمزق الداخلي ، وعن التيه والضياع 0الإيمان ينير الطريق لصاحبه ، فيهتدي إلى الصراط المستقيم ، ويتجنب الانحراف عنه 0 قال تعالى : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} الأنعام:153 0 وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}الحديد:28 0
    الإيمان يعصم صاحبه من المعاصي ، وارتكاب الكبائر والفواحش ويمنعه من إيذاء الغير، سواء بالسب أو الغيبة أو النميمة ، أو غير ذلك من صور الإيذاء 0 ويدعو إلى البر والإحسان ، بين المواطنين ، وإن اختلفت عقائدهم وأديانهم 0
    ويدعو إلى إنصاف الذميين وحسن معاملتهم 0 ولا يدعو إلى فرقة عنصرية ولا إلى عصبية طائفية 0 الإيمان يثمر المودة والرحمة ، والحب والإيثار بين المؤمنين ، ويحول دون الفرقة والتنازع 0 قال تعالى : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} 0التوبة:الآية71 0 وقال تعالى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة}الحجرات: من الآية10 0 وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه ، تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم )0 وقال تعالى : { وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }الحشر:9 0 وقال تعالى : { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (لأنفال:46 0
    الإيمان يدفع إلى الاهتمام بأمور المسلمين وقضاياهم ، والدفاع عنهم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو ، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) 0
    الإيمان يقوى عزم المؤمنين ويزيل أي أثر للغثائية والوهن والشعور بالضعف ، ويمنع الخوف من غير الله ، ويدعو إلى حسن التوكل على الله 0 قال الله تعالى :{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } آل عمران : 173-175 0 وقال تعالى : { وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} 0 وقال تعالى : { وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} 0
    التسلح بسلاح الإيمان ، هو العامل الأساسي لتحقق وعد الله بالنصر والتمكين لعباده المؤمنين ، من الأخذ بأسباب إعداد القوة ، قال تعالى : { وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ } 0 وقال تعالى : { الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} النساء : 76 0
    الإيمان يثمر حب الأوطان ويدعو إلى العمل المنتج المتقن ؛ للارتقاء بالوطن ، وتحقيق الاكتفاء الذاتي 0 ويدفع إلى حسن استغلال الوقت في النافع المفيد ، وتسخير ماله فيما يعود بالنفع والخير على الناس 0 قال تعالى : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ) ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاًّ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } 0
    الإيمان يولد الصبر والرضا ، والاطمئنان إلى عدل الله ، وأنه ليس بغافل عما يعمل الظالمون وأنه لهم بالمرصاد ، قال تعالى : { إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ } 0 كما أن المؤمن يرضى بقضاء الله وقدره وإن بدا أنه شر ، قال تعالى : { وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } 0وقال تعالى : { وَقَاتِلُوَهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ 0وقال تعالى : { مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ المُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } 0 وقال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ } 0وقال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} 0
    الإيمان يحقق السعادة والحياة الطيبة في الدنيا ، والنعيم والنجاة من النار في الآخرة : قال تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } 0 وقال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الفَوْزُ الكَبِيرُ } 0
    والإيمان يجعل صاحبه في معية الله ، ومن كان الله معه لم يفقد شيئاً ، ومن تخلى الله عنه ، لن يجد إلا الضياع والضلال 0 قال الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ }
    وقال تعالى : { وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ المُؤْمِنِينَ 0 هكذا نرى أثر الإيمان وعلاجه للعلل والأمراض ، التى تثمرها المادية ، 0 فإلى الإيمان الصادق وإلى العمل الصالح وإلى الربانية .

  2. #2
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية ا.عبدالله
    صديق الضوء
    تاريخ التسجيل
    07 2007
    المشاركات
    6,412

    رد: الإسلام والصحة النفسية ( حلقات )

    جزاك الله خيرا أخي الكريم ونفع بك وبعلمك

  3. #3
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية أبو نوف

    -

    الِمَايَسترو
    تاريخ التسجيل
    03 2005
    المشاركات
    27,642

    رد: الإسلام والصحة النفسية ( حلقات )

    وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته

    اولاً عظم الله اجركم واحسن الله عزاكم وغفر لميتكم

    العزاء اتى متأخراً لعدم علمي بذلك عذراً منك اخي ضيف الله

    اسأل الله ان يجعلة من اهل الجنة

    ********

    ثانياً شكراً للاخ عبدالله عكور استمالته لشخصكم حتى عدتم بطيب الكلام

    بارك الله فيك وفي علمك و قلمك انه سميع الدعاء

  4. #4
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية الشفق
    مجلس الإدارة

    أبومحمد
    تاريخ التسجيل
    01 2005
    المشاركات
    26,319

    رد: الإسلام والصحة النفسية ( حلقات )

    حياك الله يا دكتور ( ضيف الله مهدي ) في منتداك بين أهلك وأخوانك
    وعظم الله أجركم ورحم ميتكم وأسكنه فسيح جناته .
    شرف عظيم لنا تواجد هامة من هامات العلم في منطقتنا لتنير سماء منتديات صامطة
    إبداعا وثقافة ونورا بما لديها من علم وخبرة واسعة تم اكتسابها على مر السنين
    أسأل الله العلي القدير أن يكتب لك الأجر وأن ينفع الجميع بعلمك
    ويسعدنا كثيرا متابعة هذا الموضوع الرائع والمفيد
    خالص الحب والتقدير لشخصكم الكريم
    وفقك الله لكل خير

  5. #5
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية عجاج الليل

    طـيــر شــلوى

    أبـوريـاض
    تاريخ التسجيل
    10 2007
    الدولة
    بين المسافي والخبوت
    المشاركات
    14,557

    رد: الإسلام والصحة النفسية ( حلقات )

    جزاك الله خيراً ونفع بما تطرحه لنا

    دمت مبدعاً أخي/الفاضل



    سلمت الأنامــل

    لا خلا ولا عدم

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  6. #6
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية ضيف الله مهدي
    شخصية مهمة
    تاريخ التسجيل
    10 2006
    المشاركات
    1,832

    مشاركة: الإسلام والصحة النفسية ( حلقات )

    الحلقة الثانية :
    الإيمان والسعادة
    السعادة هي جنةالأحلام التي ينشدها كل بشر، من الفيلسوف في قمة تفكيره وتجريده، إلى العامي في قاعسذاجته وبساطته0 ومن الملك في قصره المشيد، إلى الصعلوك في كوخه الصغير 0 ولا نحسبأحداً يبحث عن الشقاء لنفسه ، أو يرضى بتعاستها 0
    أين السعادة؟
    ولكن السؤال الذي حير الناس من قديم هو: أين السعادة ؟ لقد طلبها الأكثرون في غير موضعها، فعادوا كما يعود طالب اللؤلؤ في الصحراء، صفر اليدين، مجهود البدن، كسير النفس، خائب الرجاء! أجل لقد جرب الناس في شتى العصور ألوان المتع المادية، وصنوف الشهوات الحسية، فما وجدوها ـ وحدهاـ تحقق السعادة أبداً، وربما زادتهم ـ مع كل جديد منها ـ هماً جديداً 0
    هل السعادة في النعيم المادي؟
    لقد ظن ذلك قوم ، فحسبوا السعادة في الغنى ، وفي رخاء العيش ، ووفرة النعيم ، ورفاهية الحياة، لكن البلاد التي ارتفع فيها مستوى المعيشة، وتيسرت فيها لأبنائها مطالب الحياة المادية، من مأكل ومشرب، وملبس ومسكن ومركب، مع كماليات كثيرة، لا تزال تشكو من تعاسة الحياة 0 فكثرة المال ليست هي السعادة ، ولا العنصر الأول في تحقيقها، بل ربما كانت كثرة المال أحياناً وبالاً على صاحبها في الدنيا قبل الآخرة، لذا قال الله في شأن قوم من المنافقين : { فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم، إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا}(التوبة: 55) 0
    والعذاب هنا هو المشقة والنصب والألم والهم والسقم، فهو عذاب دنيوي حاضر، على نحو ما ورد في الحديث الشريف : (السفر قطعة من العذاب ) وهذا ما نشاهده بأعيننا في كل من جعل المال والدنيا أكبر همه، ومبلغ علمه، ومنتهى أمله، فهو دائماً معذب النفس، متعب القلب، مثقل الروح، لا يغنيه قليل، ولا يشبعه كثير 0 وفي الحديث الذي رواه أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم، تصوير لهذه النفسية المعذبة قال : ( من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له ) رواه الترمذي من حديث أنس، وروى ابن ماجه وغيره قريباً منه من حديث زيد بن ثابت 0
    ومن أبلغ العذاب في الدنيا كما قال ابن القيم (في كتابه إغاثة اللهفان) تشتيت الشمل وتفريق القلب، وكون الفقر نصب عينيه لا يفارقه، ولولا سكرة عشاق الدنيا بحبها لاستغاثوا من هذا العذاب00 على أن أكثرهم لا يزال يشكو ويصرخ منه 0
    ومن أنواع العذاب: عذاب القلب والبدن بتحمل أنكاد الدنيا ومحاربة أهلها إياه، ومقاساة معاداتهم، كما قال بعض السلف: "من أحب الدنيا فليوطن نفسه على تحمل المصائب" ومحب الدنيا لا ينفك عن ثلاث :
    هم لازم، وتعب دائم، وحسرة لا تنقضي 0
    وذلك أن محبها لا ينال منها شيئاً إلا طمحت نفسه إلى ما فوقه كما في الحديث الشريف : ( لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالث ) 0 وقد مَثَّل عيسى ابن مريم عليه السلام محب الدنيا بشارب الخمر، كلما ازداد شرباً ازداد عطشاً 0
    هل السعادة في الأولاد؟
    حقيقة إن الأولاد زهرة الحياة، وزينة الدنيا، ولكن كم من أولاد جروا على آبائهم الويل وجازوهم بالعقوق والكفران بدل البر والإحسان، بل كم من آباء ذاقوا حتفهم على يد أولادهم طمعاً في ثرواتهم، أو لوقوفهم في سبيل شهواتهم 0 بعض من الآباء يقول لولده آسفاً آسياً :



    غذوتك مولوداً وعلتك يافعاً



    تعل بما أسدى إليك وتنهـل



    إذا ليلة تابتك بالشجو لم أبت



    لبلواك إلا ساهراً أتملمــل



    فلما بلغت الغاية التي



    إليها مدى ما كنت فيك أؤمل



    جعلت جزائي غلظة وفظاظة



    كأنك أنت المنعم المتفضــل

    وكم رأينا في الحياة صور غريبة، وسمعنا أحاديث أغرب، عن عقوق الأبناء وتعاسة الآباء، وهذا ما جعل الآباء ما برحوا على مر العصور، يشدون شعرهم حنقاً من جحود أبنائهم، حتى أن الملك "لير" صرخ على لسان شكسبير قائلاً: "ليس أشد إيلاماً من ناب حية رقطاء، غير ابن جحود" 0 وما جعل شاعراً في الشوق يصرخ ويقول :


    أرى ولد الفتى ضرراً عليه



    لقد سعد الذي أمسى عقيماً



    فإمـــا أن يربيه عدواً



    وإمـا أن يخلفه يتيمـــاً



    وإمـــا أن يوافيه حمام



    فيترك حزنه أبداً مقيمـــاً

    ثم ما حيلة الذين حرموا من الأولاد؟ أحكم عليهم بالشقاء المؤبد والتعاسة الدائمة 0
    السعادة في داخل الإنسان :
    السعادة إذن ليست في وفرة المال ، ولا سطوة الجاه ، ولا كثرة الولد ، ولا نيل المنفعة ، ولا في العلو المادي 0السعادة شيء معنوي لا يرى بالعين ، ولا يقاس بالكم ، ولا تحتويه الخزائن ، ولا يشترى بالدينار ، أو بالجنيه أو الدولار 0 السعادة شيء يشعر به الإنسان بين جوانحه صفاء نفس ، وطمأنينة قلب ، وانشراح صدر ، وراحة ضمير 0
    السعادة شيء ينبع من داخل الإنسان ولا يستورد من خارجه 0حدثوا أن زوجاً غاضب زوجته فقال لها متوعداً : لأشقينك ، فقالت الزوجة في هدوء : لا تستطيع أن تشقيني ، كما لا تملك أن تسعدني 0 فقال الزوج في حنق : وكيف لا أستطيع ؟ فقالت الزوجة في ثقة : لو كانت السعادة في راتب لقطعته عني ، أو زينة من الحلي والحلل لحرمتني منها، ولكنها في شيء لا تملكه أنت ولا الناس أجمعون ! فقال الزوج في دهشة : وما هو ؟ فقالت الزوجة في يقين : إني أجد سعادة في إيماني ، وإيماني في قلبي ، وقلبي لا سلطان لأحد عليه غير ربي ! هذه هي السعادة الحقة ، السعادة التي لا يملك بشر أن يعطيها ، ولا يملك أن ينتزعها ممن أوتيها ، السعادة التي شعر بنشوتها أحد المؤمنين الصالحين فقال : إننا نعيش في سعادة لو علم بها الملوك لجالدونا عليها بالسيوف ! وقال آخر وهو ثمل بتلك اللذة الروحية التي تغمر جوانبه : إنه لتمر علي ساعات أقول فيها : لو كان أهل الجنة في مثل ما أنا فيه الآن لكانوا إذن في عيش طيب ! والذين رزقوا هذه النعمة يسخرون من الأحداث وان برقت ورعدت، ويبتسمون للحياة وان هي كشرت عن نابها ، ويفلسفون الألم ، فإذا هو يستحيل عندهم إلى نعمة تستحق الشكر، على حين هو عند غيرهم مصيبة تستوجب الصراخ والشكوى 0 كأنما عندهم غدد روحية خاصة، مهمتها أن تفرز مادة معينة تتحول بها كوارث الحياة إلى نعم 0
    القدر المادي اللازم لتحقيق السعادة :
    ولا نجحد أن للجانب المادي مكاناً في تحقيق السعادة، كيف؟ وقد قال رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم : ( من سعادة ابن آدم: المرأة الصالحة ، والمسكن الصالح، والمركب الصالح)رواه أحمد بإسناد صحيح من حديث سعد بن أبي وقاص 0
    بيد أنه ليس المكان الأول ولا الأفسح، والمدار فيه على الكيف لا على الكم، فحسب الإنسان أن يسلم من المنغصات المادية التي يضيق بها الصدر، من مثل: المرأة السوء، والمسكن السوء، والمركب السوء، وأن يمنح الأمن والعافية، ويتيسر له القوت في غير حرج ولا إعنات. وما أصدق وأروع الحديث النبوي الشريف ( من أصبح آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ) رواه البخاري في الأدب المفرد والترمذي وقال: حسن غريب، وابن ماجه 0
    وإذا كانت السعادة شجرة منبتها النفس البشرية، والقلب الإنساني، فإن الإيمان بالله وبالدار الآخرة هو ماؤها وغذاؤها، وهواؤها وضياؤها 0 لقد فجر الإيمان في قلب الإنسان ينابيع للسعادة، لا يمكن أن تغيض، ولا أن تتحقق السعادة بغيرها 0 تلك هي ينابيع السكينة، والأمن، والأمل، والرضا، والحب، وسنخص كلا منها بالحديث فيما يلي من الصفحات 0

    وأختم بقول الشاعر :
    ولست أرى السعادة جمع مال
    ولكن التقي هو السعيد

  7. #7
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية الشفق
    مجلس الإدارة

    أبومحمد
    تاريخ التسجيل
    01 2005
    المشاركات
    26,319

    رد: الإسلام والصحة النفسية ( حلقات )

    شكرا أستاذنا الفاضل على هذا المجهود الرائع
    يا عزيزي من المؤكد إن السعادة في الإيمان الذي يؤدي إلى الطمأنينة وراحة البال والنفس
    ولكن لي سؤال كيف نعمق أثر الإيمان في نفس المسلم ؟؟

  8. #8
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية ضيف الله مهدي
    شخصية مهمة
    تاريخ التسجيل
    10 2006
    المشاركات
    1,832

    مشاركة: الإسلام والصحة النفسية ( حلقات )

    الحلقة الثالثة :
    مفهوم الصحة النفسية في القران الكريم والحديث الشريف :
    إن علماء النفس المحدثين، في محاولتهم لفهم شخصية الإنسان والعوامل المحددة لها، قد عنوا بدراسةأثر كل من العوامل البيولوجية والاجتماعية والثقافية في الشخصية ، وفي دراستهم لتأثير العوامل البيولوجية على الشخصية، قد اهتموا بدراسة أثر كل من الوراثة والتكوين البدني، وطبيعة تكوين الجهاز العصبي، والجهاز الغدي وما يفرزه من هرمونات متعددة، وفي دراستهم لتأثير العوامل الاجتماعية والثقافية على الشخصية، فقد اهتموا بدراسة تأثير خبرات الطفولة وخاصة في الأسرة وطريقة معاملة الوالدين، كما اهتموا بدراسة تأثير الطبقات الاجتماعية، والثقافات الفرعية المدرسة، المؤسسات الاجتماعية المختلفة، وجماعات الرفاق والأصدقاء 0غير أن علماء النفس المحدثين قد أغفلوا في دراستهم للشخصية تأثير الجانب الروحي من الإنسان في شخصيته وسلوكه، مما أدى إلى قصور واضح في فهمهم للإنسان وفي معرفتهم للعوامل المحددة للشخصية السوية وغير السوية ، كما أدى إلى عدم اهتدائهم إلى مفهوم واضح دقيق للصحة النفسية 0 وأدى ذلك بالتالي إلى عدم اهتدائهم إلى الطريقة المثلى في العلاج النفسي لاضطرابات الشخصية0
    وقد لاحظ اريك فروم المحلل النفسي قصور علم النفس الحديث وعجزه عن فهم الإنسان فهما صحيحا بسبب إغفاله دراسة الجانب الروحي في الإنسان 0 ويبدو ذلك واضحا من قوله : "إن التقليد الذي يعد السيكولوجيا دراسة لروح الإنسان دراسة تهم بفضائله وسعادته ـ هذا التقليد نبذ تماماً ، وأصبح علم النفس الأكاديمي في محاولته لمحاكاة العلوم الطبيعية والأساليب المعملية في الوزن والحساب ـ أصبح هذا العلم يعالج كل شيء ماعدا الروح ، إذ حاو ل ، هذا العلم أن يفهم مظاهر الإنسان التي يمكن فحصها في المعمل ،وزعم أن الشعور ـ وأحكام القيمة، ومعرفة لخير والشر، ما هي إلا تصورات ميتا فيزيقية تقع خارج مشكلات علم النفس 0 وكان اهتمامه ينصب في أغلب الأحيان على مشكلات تافهة تتمشى مع منهج علمي مزعوم، وذلك بدلا من أن يضع مناهج جديدة لدراسة مشكلات الإنسان الهامة 0 وهكذا أصبح علم النفس علما يفتقر إلى موضوعه الرئيسي وهو الروح، وكان معنياً بالميكانيزمات،وتكوينات ردود الأفعال والغرائز، دون أن يعنى بالظواهر الإنسانية المميزة أشد التمييز للإنسان: كالحب والعقل والشعور والقديم "0وهذا القصور في فهم علماء النفس المحدثين للإنسان قد دفع أبرا هام ماسلو أيضا إلى اقتراح تصنيف جديد لدوافع الإنسان! يشمل الدوافع الروحية التي يغفلها عادة علماء النفس المحدثون قي دراستهم لدوافع الإنسان . إننا لا نستطيع أن نفهم الإنسان فهما واضحاً دقيقاً ، كما لا نستطيع أن نكون مفهوماً دقيقاً وسليما عن صحته النفسية دون أن نفهم جميع العوامل المحددة لشخصية الإنسان، سواء أكانت عوامل بيولوجية أم روحية أم اجتماعية أم ثقافية .
    تكوين الإنسان:
    يتكون الإنسان كما أخبرنا القرآن الكريم من جسم وروح، وروح الإنسان قبسة من روح الله سبحانه وتعالى ، تميز بها عن سائر الحيوان ، وهي التي خصته بالاستعداد لمعرفة الله والإيمان به وعبادته وتحصيل العلوم وتسخيرها في عمارة الأرض، والتمسك بالقيم والمثل العليا، وبلوغ أعلى مراتب الكمال الإنساني، وهي التي تؤهله لخلافة الله سبحانه وتعالى في الأرض0
    ولكل من الجسم والروح حاجات، ويشارك الإنسان الحيوان في حاجاته البدنية التي يتطلبها حفظ الذات وبقاء النوع، وما تثيره فيه من دوافع فسيولوجية مختلفة كالجوع والظمأ والدافع الجنسي إلى غير ذلك من الدوافع الفسيولوجية الأخرى، غير أن للإنسان أيضا حاجاته الروحية التي تشمل في تشوقه الروحي إلى معرفة الله سبحانه وتعالى والإيمان به وعبادته . وهذه الحاجة فطرية في الإنسان ، فالإنسان يشعر في أعماق نفسه بدافع يدفعه إلى البحث والتفكير في خالقه وخالق الكون، وإلى عبادته والالتجاء إليه، وطلب العون منه 0 وترى بعض آيات القرآن الكريم إلى أن دافع التدين فطري في الإنسان. قال تعالى: { فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون }0
    ففي هذه الآية الكريمة إشارة واضحة إلى أن في فطرة الإنسان استعدادا لمعرفة الله سبحانه وتعالى وتوحيده وعبادته0قال الله تعالى: { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين }0
    وتبين هذه الآية أن الله جل شأنه أخرج من صلب آدم وبنيه ذريتهم نسلاً بعد نسل على هيأة ذر، وأشهدهم على أنفسهم بربوبيته تعالى حتى لا يقولوا يوم القيامة إنهم كانوا عن هذا التوحيد غافلين وجاء في الحديث الشريف أيضاً ما يؤكد أن دافع التدين فطري في الإنسان. فقد جاء في صحيح مسلم عن عباس ابن عمار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله: ( إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم )0وجاء في حديث رواه الإمام أحمد وأخرجه النسائي في سننه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ألا إنها ليست نسمة تولد إلا ولدت على الفطرة ، فما تزال عليه حتى يبين عنها لسانها فأبواها يهودانها وينصرانها) 0
    الصراع بين الجانبين المادي والروحي في الإنسان:
    يتضمن الإنسان إذن في شخصيته صفات الحيوان التي تتمثل في حاجاته البدنية التي يتوقف على إشباعها حفظ ذاته وبقاء نوعه، كما يتضمن في شخصيته أيضاً صفات الملائكة التي تتمثل في تشوقه الروحي إلى معرفة الله تعالى والإيمان به وعبادته 0 وقد يحدث بين هذين الجانبين من شخصية الإنسان صراع ، فتجذبه أحياناً حاجاته البدنية ومطالب الحياة الدنيوية الأخرى، وتجذبه أحياناً حاجاته وأشواقه الروحية ومطالب الاستعداد للحياة الأخرى الباقية 0 ويشير القرآن الكريم إلى هذا الصراع النفسي بين الجانبين المادي والروحي في الإنسان، وذلك في قوله تعالى: { فأما من طغى واثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى }0
    ويشير القرآن الكريم أيضا إلى الصراع بين الجانبين المادي والروحي في الإنسان في وصفه تعالى لخروج قارون على قومه في زينته، مما جعل بعض كل الناس يتمنون أن يكون لهم مثل ما لقارون من ثروة، فيرد عليهم البعض الآخر من ذوي العلم والتقوى بأن ما عند الله خير وأبقى .
    قال تعالى : { فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا ياليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذوحظ عظيم () وقال الذين أتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاهاإلا الصابرون }0
    وتشير آيات أخرى كثيرة إلى هذا الصراع في الإنسان بين الجانبين المادي والروحي. ومن أمثلة ذلك: قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون }0
    وقوله تعالى : { إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجرعظيم }0
    إن الصراع النفسي بين الجانبين المادي والروحي في الإنسان هو الصراع النفسي الأساسي الذي يعانيه الإنسان في هذه الحياة وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك فيقوله تعالى : { لقد خلقنا الإنسان في كبد }
    إن إغفال المطالب الروحية للإنسان، يجعل حياة الإنسان خالية من المعاني السامية التي تجعل للحياة قيمة، وتفقده شعوره برسالته الكبرى في الحياة كخليفة لله تعالى في الأرض، فتضيع منه الرؤية الواضحة لأهدافه الكبرى في الحياة وهي عبادة الله0والتقرب إليه، ومجاهدة النفس في سبيل بلوغ الكمال الإنساني 0 ويتملك الإنسان في هذه الحالة الشعور بالضياع ويصبح فريسة للقلق وقد صور القرآن الكريم حالة الصراع والقلق التي تنتاب الإنسان الذي يفقد إيمانه بالله سبحانه وتعالى بالحالة التي يشعر بها الإنسان الذي يخر من السماء فتتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق ، قال تعالى : { ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق }0
    ويصور النبي عليه الصلاة والسلام الصراع بين الجانبين المادي والروحي في الإنسان تصويراً واقعياً بقوله عليه الصلاة والسلام : ( مثلي كمثل رجل استوقد ناراً فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب التي في النار يقعن فيها وجعل، يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها،قال: فذلكم مثلي أو مثلكم أنا آخذ بحجزكم عن النار هلم عن النار هلم عن النار فتغلبوني وتقحمون فيها )0 رواه مسلم 0
    ففي هذا الحديث الشريف تصوير بارع للصراع بين الشهوات الحسية ومغريات الحياة الدنيوية، وبين الوازع الديني الذي يمنع الناس من الانغماس في ملذاتهم وشهواتهم 0ولعل مشيئة الله تعالى قد اقتضت أن يكون أسلوب الإنسان في حل هذا الصراع بين الجانبين المادي والروحي في شخصيته هو الاختبارالحقيقي الأساسي الذي وضعه الله جل شأنه للإنسان في هذه الحياة 0 يقول تعالى:
    { الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً }0
    وقال الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا المعنى : ( إن الدنيا خضرة حلوة وان الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فان أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ) رواه مسلم 0
    وقال عليه الصلاة والسلام أيضا : ( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني )0 رواه الترمذي وأحمد والحاكم.
    فمن استطاع أن يوفق بين الجانبين المادي والروحي في شخصيته، وأن يحقق بينهما أكبر قدر مستطاع من التوازن، فقد نجح في هذا الاختبار، واستحق أن يثاب على ذلك بالسعادة في الدنيا والآخرة.
    وأما من انساق وراء شهواته البدنية وأغفل مطالبه الروحية، فقد فشل في هذا الاختبار، واستحق أن يجازى على ذلك بالشقاء في ا لدنيا والآخرة: قال تعالى : { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى }0
    وقال تعالى : { والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر }0
    وقد كان من رحمة الله سبحانه وتعالى بالإنسان، ومن نعمه العظيمة عليه، أن أمده بجميع الإمكانات اللازمة لحل هذا الصراع، واجتياز هذا الاختبار الصعب، بأن وهبه العقل ليميز بين الخير والشر، وبين الحق والباطل 0 كما أمده سبحانه بحرية الإرادة والاختيار ليستطيع أن يبت في أمر هذا الصراع وأن يختار الطريق الذي يريده لحل هذا الصراع 0 وأن حرية إرادة الإنسان في اختيار الطريق الذي يحل به هذا الصراع إنما يمثلان مسئوليته وحسابه ، كما أنهما يضعان الأساس سعادته وشقائه قال تعالى : { وهديناه النجدين }0
    وقال تعالى : {إناهديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا }
    وقال تعالى : { وقل الحق ، من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر }
    وقال تعالى : { ونفس وما سواها () فألهمها فجورها وتقواها () قد أفلح من زكاها () وقد خاب من دساها}0

  9. #9
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية الشفق
    مجلس الإدارة

    أبومحمد
    تاريخ التسجيل
    01 2005
    المشاركات
    26,319

    رد: الإسلام والصحة النفسية ( حلقات )

    الإيمان
    جزى الله الإيمان عنا خيراً ، فلولاه لثقلت على عواتقنا هذه الهموم التي نعالجها ، ولولاه لعجزنا عن أن نتنفس نفس الراحة
    الذي يعيننا على المسير في صحراء هذه الحياة القاحلة ، فهوا النجم الخافق الذي يلمع من حين على حين في سماء الليلة
    المظلمة المدلهمة فينير أرجاءها ، وهو الدوحة الفينانة التي يلجأ إليها المسافر من حرور الصحراء وسمومها ، فيجد في
    ضلالتها راحته وسكونه ، وهو الجرعة الباردة التي يظفر بها الظامئ الهيمان فينقع بها غلته ، ويفثا لوعته ،
    وهو المطرة الشاملة التي تنزل بالأرض القاحلة ، فتهتز تربتها وتحيي ترابها ، وتبعث في صميمها القوة والحياة .
    وهل كنا نستطيع أن نبقى لحظة واحدة في هذه الدار التي لا نفلت فيها من هم إلا إلى هم ، ولا نفرغ مصيبة إلا إلى مصيبة
    لولا يقيننا أن هذه الطريق الشائكة التي نسير فيها إنما هي سبيلنا الوحيد الذي يفضي بنا إلى النعيم الذي أعده الله في
    جواره للصابرين من عباده ؟ وهل كان في استطاعة مريضنا الذي يئس من الشفاء ، وفقيرنا الذي عجز عن القوت ،
    وثاكلتنا التي فقدت واحدها من حيث لا ترجو سواه ، أن يحتفظوا بعقولهم سليمة ، ومداركهم صحيحة ، وعزائمهم متماسكة
    لولا أنهم يعلمون أن حياتهم لا تنقضي بانقضاء أنفاسهم على ظهر الأرض ، وأن هناك حياة أخرى في عالم غير هذا العالم
    لا سقم فيه ولا مرض ، ولا بؤس ولا شقاء ...


    من روائع المنفلوطي

  10. #10
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية ضيف الله مهدي
    شخصية مهمة
    تاريخ التسجيل
    10 2006
    المشاركات
    1,832

    مشاركة: الإسلام والصحة النفسية ( حلقات )

    الحلقة الرابعة :
    حالات النفس الثلاث:
    حينما يتغلب الجانب المادي في حياة الإنسان، فينساق وراء أهوائه وشهواته، ويهمل مطالبه الروحية، فإنه يصبح في معيشته أشبه بالحيوان، بل أضل سبيلا لأنه لم يستخدم عقله الذي ميزه الله سبحانه وتعالى به على الحيوان : قال تعالى : { أر أريت من أتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا أم تحسب أن كثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا }0
    والإنسان الذي يعيش هذا النوع من المعيشة يكون غير ناضج الشخصية، ويكون أشبه بالطفل الذي لا يهمه إلا إشباع حاجاته ورغباته، ولم تقو إرادته بعد، ولم يتعلم كيف يتحكم في أهوائه وشهواته، ويصبح خاضعاً لترجيه "نفسه الأمارة بالسوء ! " قال تعالى : { وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي كفور رحيم }0
    وحينما يبلغ الإنسان مرتبة أعلى من النضوج والكمال، يبدأ ضميره في الاستيقاظ، فيستنكر ضعف أرادته وانقياده لأهوائه وشهواته وملذات الحياة الدنيوية مما يوقعه في الخطيئة والمعصية، فيشعر بالذنب، ويلوم نفسه ويتجه إلى الله سبحانه وتعالى مستغفراً ، فإنه يصبح في هذه الحالة تحت تأثير" النفس اللوامه " 0قال تعالى : { لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة }0
    وإذا أخلص الإنسان بعد ذلك في توبته، وأخلص في تقربه لله تعالى بالعبادات والأعمال الصالحة، والابتعاد عن كل ما يغضب الله، وتحكم تحكما كاملا في هوائه وشهواته وقام بتوجيهها إلى الإشباع بالطريقة التي حددها الشرع فحقق بذلك التوازن التام بين مطالبه البدنية ومطالبه الروحية، فإنه يصل إلى أعلى مرتبة من النضوج والكمال الإنسانية، وهي المرتبة التي تكون فيها النفس الإنسانية في حالة اطمئنان وسكينة، وينطبق عليها وصف " النفس المطمئنة" قال تعالى : { يأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي}
    ويمكن أن نتصور هذه المفاهيم الثلاثة للنفس، وهي النفس الأمارة بالسوء، والنفس اللوامة، والنفس المطمئنة على أنها حالات تتصف بها شخصية الإنسان في مستويات مختلفة من النضج التي تمر بها أثناء صراعها الداخلي بين الجانبين المادي والروحي من طبيعة تكوينها 0 فحينما تكون شخصية الإنسان في أدنى مستوياتها الإنسانية بحيث تسيطر عليها الأهواء والشهوات الملذات البدنية والدنيوية، فإنها تكون في حالة ينطبق عليها وصف النفس الأمارة بالسوء ، وحينما تبلغ الشخصية أعلى مستويات النضج والكمال الإنساني حيث يحدث التوازن التام بين المطالب البدنية والروحية فإنها تصبح في الحالة التي، ينطبق عليها وصف النفس المطمئنة 0 وبين هذين المستويين مستوى آخر متوسط بينهما يحاسب فيه الإنسان نفسه على ما يرتكب من أخطاء، ويسعى جاهداً للامتناع عن ارتكاب ما يغضب الله ويسبب به تأنيب الضمير، ولكنه لا ينجح دائمـاً في مسعاه، فقد يضعف أحياناً ويقع في الخطيئة ، ويطلق إلى الشخصية في هذا المستوى النفس اللوامة 0
    الشخصية السوية :
    إن الحل الأمثل للصراع بين الجانبين المادي والروحي في الإنسان هو التوفيق بينهما، بحيث يقوم الإنسان بإشباع حاجاته البدنية في الحدود التي أباحها الشرع، وتقوم في الوقت نفسه بإشباع حاجاته الروحية 0 ومثل هذا التوفيق بين حاجات البدن وحاجات الروح يصبح أمراً ممكناً إذا التزم الإنسان في حياته بالتوسط و- الاعتدال ، وتجنب الإسراف والتطرف سواء في إشباع دوافعه البدنية أو الروحية. فليس في الإسلام رهبانية تقاوم إشباع الدوافع البدنية وتعمل على كبتها 0 كما ليس في الإسلام إباحة مطلقة تعمل على الإشباع التام للدوافع البدنية دون ضبط وتحكم، وإنما ينادي الإسلام بالتوفيق بين دوافع كل من البدن والروح، واتباع طريق وسط يحقق التوازن رين الجانبين المادي والروحي في الإنسان 0 وفي هذا المعنى يقول القرآن الكريم: { وابتغ في آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا }0
    ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا المعنى أيضا: ( إن الرهبانية لم تكتب علينا )0 رواه أحمد 0
    وعن أنس رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم ، قد غفر له ما تقدم من ذنب وما تأخر، فقال أحدهم : أما أنا فإني أقوم الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر ، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( أنتم الذين قلتم كذا وكذا ،أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأقوم وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني رواه الشيخان والنسائي 0
    وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : ( أخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار) ، قلت: إني أفعل ذلك قال: ( فإنك إذا فعلت ذلك هجمت عينك ونفهت نفسك وإن لنفسك عليك حقا ولأهلك حقا فصم وأفطرا وقم ونم )0 رواه الشيخان 0
    وحينما يتحقق التوازن بين البدن والروح تتحقق ذاتية الإنسان في صورتها الكاملة السوية، والتي تمثلت في شخصية النبي صلوات الله عليه وسلامه- التي توازنت فيها القوة الروحية الشفافة، والحيوية الجسمية الفياضة، فكان يعبد ربه حق عبادته في صفاء وخشوع تامين، كما كان يعيش حياته البشرية مشبعا لدوافعه البدنية في الحدود التي رسمها الشرع 0 ولذلك فهو يمثل الإنسان الكامل، والشخصية السوية النموذجية الكاملة التي توازنت فيها جميع القوى الإنسانية البدنية منها والروحية 0 وفي الحديث الشريف : ( حبب إلى من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة )0 روإه النسائي وأحمد والحاكم 0
    إن الشخصية السوية في الإسلام هي : الشخصية التي يتوازن فيها البدن والروح ، وتشبع فيها حاجات كل منهما 0 إن الشخصية السوية هي التي تعني بالبدن وصحته وقوته ، وتشبع حاجاته في الحدود التي رسمها الشرع، والتي تتمسك في نفس الوقت بالإيمان بالله ، وتؤدي العبادات، وتقوم بكل ما يرضي الله تعالى، وتتجنب كل ما يغضبه 0 فالشخص الذي ينساق وراء أهوائه وشهواته شخص غير سوي0 وكذلك فإن الشخص الذي يكبت حاجاته البدنية، ويقهر جسمه ويضعفه بالرهبانية المفرطة والتقشف الشديد، وينزع إلى إشباع حاجاته وأشواقه الروحية فقط ، هو أيضا شخص غير سوي وذلك لأن كلا من هذين الاتجاهين المتطرفين يخالف الطبيعة الإنسانية، ويعارض فطرتها 0 وحينما يتحقق التوازن بين الجانبين المادي والروحي في الإنسان تتحقق ذاتية الإنسان في صورتها الكاملة السوية، والتي ينعم فيها الإنسان بكل من الصحة البدنية والنفسية، ويشعر فيها الإنسان بالأمن النفسي والطمأنينة والسعادة 0
    والتوازن وشخصية الإنسان بين البدن والروح ليس إلا مثالا للتوازن الموجود في الكون بأكمله 0 فقد خلق الله سبحانه وتعالى كل شيء بمقدار وميزان 0 قال تعالى : { والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون } 0
    وقال تعالى : { وكل شيء عنده بمقدار }0
    وقال تعالى : { إنا كل شيء. خلقناه بقدر }0
    وقال تعالى : { وخلق كل شيء فقدره تقديرا } 0

    إن الصحة النفسية تهدف إلى تنمية الفرد وجعله قادرا على نشاط مثمر وربط علاقات سوية مع الغير مع التمتع بإرادة ثابتة وعقيدة مثلى ليعيش في سلام وسعادة مع نفسه وذويه والمجتمع بصفة عامة. وإن الصراعات الباطنية التي يخوضها المرء طيلة حياته من شأنها أن تتسبب في اضطرابات نفسية شديدة إن لم يقع حلها بصفة مرضية وأخطر الصراعات تتمثل في الأنانية المفرطة والرغبات الملحة لتحقيق الشهوات مهما كانت الطرق والحيل المستعملة لهذا الغرض. وقد أجمع الكثير من العلماء على أن الخطأ هو في الذنب والألم الذي يشربه الإنسان نتيجة ما ارتكبه من أعمال سيئة وقذرة. وتعتبر هذه العقدة كعنصر أساسي لتكوين العصابات يعني الأمراض العصبية باعتبار أن مظاهر سوء التوافق النفسي تمثل أمراض الضمير بل هي حيلة دفاعية للهروب من تأنيب الضمير. ومن أهم الأعراض النفسية المرضية مشاعر القلق والحصر والشعور بالذنب والخطأ أو بالعكس العدوان الظلم والسلوك المضطرب، والمنحرف الخارج عن الإقليم والمقاييس الاجتماعية 0 وتحث القيم الدينية على التحكم في الدوافع والتغلب عليها بسيطرة النفس الفاضلة الضمير وهو الأنا الأعلى عند فرويد . ونفهم إذن كيف في مجتمعنا العربي الإسلامي ، أن نتماشى مع هذه القيم الدينية الأصيلة التي لا تزال قائمة في النفوس بشكل من الأشكال، وتعالج عادة الفرد من الصراع الذي يتخبط فيه انطلاقا من هذه المقاييس 0 والمريض يفهم خطابنا هذا ولا يفهم كلاما آخر مثل الكلام الغامض المعقد الذي نستخرجه من بعض النظريات شبه العلمية الغربية المصدر والتي لا تنفك باقية يوما بعد يوم عرضة إلى الانتقاد والمراجعة في المجتمع الغربي نفسه 0 زد على ذلك كشرط تقني أساسي للتشخيص والعلاج، ضرورة فهم المريض من الداخل والتماشي معه يعني مع اعتقاداته وقيمه وإجمالا مع قواعد شخصيته الأساسية وهو السبيل الأفضل لمعاينته الدقيقة ولتركيز تشخيص مرضه بصفة قويمة ثابتة 0 هذا وإن الدين الإسلامي يكون وسيلة لتحقيق الإيمان والسلام النفسي وهو إيمان وأخلاق وعمل صالح وهو الطريق إلى سيطرة العقل وإلى المحبة والسبيل القويم إلى القناعة والارتياح والطمأنينة والسعادة والسلام 0وقد كتب وحلل وألف الكثير من الأطباء والعلماء المسلمين في مجال السعادة النفسية، وإن كل المذاهب الفلسفية الإسلامية التي تعرضت إلى فهم الروح وتحليل جوهرها وماهيتها قد أتت كما هو معلوم بتعاليم قيمة لتحقيق الاطمئنان للأفراد والجماعات، عبر الزمان والمكان 0

  11. #11
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية ضيف الله مهدي
    شخصية مهمة
    تاريخ التسجيل
    10 2006
    المشاركات
    1,832

    مشاركة: الإسلام والصحة النفسية ( حلقات )

    الحلقة الخامسة :
    منهج الإسلام في تحقيق الصحة النفسية:
    يتبع الإسلام في تربيته للإنسان منهجا تربويا هادفاً يحقق التوازن بين الجانبين الروحي والمادي في شخصية الإنسان ، مما يؤدي ، إلى تكوين الشخصية السرية التي تتمتع بالصحة النفسية 0 ولما كان معظم الناس يميلون إلى الانشغال بتحصيل السعادة العاجلة في هذه الحياة الدنيا، ويغفلون عن العمل لتحصيل السعادة الآجلة في الحياة الآخرة، كان الإنسان في حاجة إلى منهج تربوي خاص يتضمن أسلوبين من التربية:
    الأسلوب الأول ــ هو تقوية الجانب الروحي في الإنسان عن طريق الإيمان بالله وتقواه ، وأداء العبادات المختلفة 0
    الأسلوب الثاني ــ هو السيطرة على الجانب البدني في الإنسان كما يتمثل ذلك في توجيهات الإسلام الخاصة بالسيطرة على الدوافع والانفعالات والتحكم في أهواء النفس 0
    أولا ـ أسلوب تقوية الجانب الروحي في الإنسان:
    أ ـ الإيمان بالله : يدعو الإسلام إلى الإيمان بالله وتوحيده وعبادته 0 ويؤدي الإيمان بالله إلى تحرر الإنسان من الخوف من الأشياء التي يخاف منها معظم الناس فالمؤمن الصادق الإيمان لا يخاف من الفقر أو المرض أو مصائب الدهر أو الموت أو الناس 0 فهو يعلم أن عمره ورزقه بيد الله تعالى وانه لن يصيبه إلا ما هو مقدر له 0قال تعالى : { وفي السماء رزقكم وما توعدون }0
    وقال تعالى : { كل نفس ذائقة الموت } 0
    وقال تعالى : { ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير } 0
    وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( يا غلام إني أعلمك كلمات أحفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله وأعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف )0رواه الترمذي ب ـ التقوى : وتصاحب الإيمان الصادق بالله تقوى الله 0 والتقوى هي أن يقي الإنسان نفسه من غضب الله وعذابه بالابتعاد عن ارتكاب المعاصي والالتزام بمنهج الله تعالى، فيفعل ما أمره الله تعالى به،ويبتعد عما نهاه عنه 0 ويتضمن مفهوم التقوى أن يتوخى الإنسان دائما في أفعاله الحق والعدل والأمانة والصدق، وأن يعامل الناس بالحسنى ، ويتجنب العدوان والظلم 0 ويتضمن مفهوم التقوى كذلك أن يؤدي الإنسان كل ما يوكل إليه من أعمال على أحسن وجه، لأنه دائم التوجه إلى الله تعالى في كل ما يقوم به من أعمال ابتغاء مرضاته وثوابه 0 وهذا يدفع الإنسان دائما إلى تحسين ذاته، وتنمية قدراته ومعلوماته ليؤدي عمله دائما على أحسن وجه 0 إن التقوى بهذا المعنى تصبح طاقة موجهة للإنسان نحو السلوك الأفضل والأحسن ونحو نمو الذات ورقيها، وتجنب السلوك السيئ والمنحرف والشاذ 0 فالتقوى إذن من العوامل الرئيسية في نضوج الشخصية وتكاملها واتزانها، وفي بلوغ الكمال الإنساني ، وتحقيق السعادة والصحة النفسية0
    ج ـ العبادات: إن القيام بالعبادات المختلفة من صلاة وصيام وزكاة وحج إنما يعمل على تربية شخصية الإنسان وتزكية نفسه، وتحليه بكثير من الخصال المفيدة التي تعينه على تحمل أعباء الحياة، والتي تساعد على تكوين الشخصية السوية التي تتمتع بالصحة النفسية 0 فالقيام بهذه العبادات المختلفة تعلم الإنسان الصبر وتحمل المشاق، ومجاهدة النفس والتحكم في أهوائها، وقوة الإرادة وصلابة العزيمة، وحب الناس والإحسان إليهم، وتنمي فيه روح التعاون والتكافل الاجتماعي.
    ثانيا ــ أسلوب السيطرة على الجانب البدني في الإنسان:
    أ ـ السيطرة على الدوافع: يدعو الإسلام إلى السيطرة على الدوافع والتحكم فيها0 ولا يدعو الإسلام إلى كبت الدوافع الفطرية، كما أشرت إلى ذلك من قبل ، و إنما يدعو إلى تنظيم إشباعها والتحكم فيها، وتوجيهها توجيهاً سليما تراعى فيه مصلحة الفرد والجماعة 0 ويدعو القرآن الكريم والسنة الشريفة إلى نوعين من التنظيم في إشباع الدوافع الفطرية ، وهما :
    التنظيم الأول ـ هو إشباعها عن الطريق الحلال المسموح به شرعاً ومن أمثلة هذا التنظيم إباحة إشباع الدافع الجنسي عن طريق الزواج فقط، وتحريم الزنا 0قال تعالى : { و ليستعف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله }0
    وفي الحديث الشريف : ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) رواه الشيخان 0
    التنظيم الثاني ـ هو عدم الإسراف في إشباعها لما في ذلك من إضرار بالصحة البدنية والنفسية 0 قال تعالى: { يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين }0
    وفي الحديث الشريف : ( كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة )0 رواه البخاري 0
    ولا يعنى القرآن الكريم بتوجيه الإنسان إلى السيطرة علي دوافعه الفسيولوجية فقط، وإنما يعنى القرآن الكريم كذلك بتوجيهه إلى السيطرة على دوافعه النفسية أيضا 0 ففي كثير من المواضع يحث القرآن الكريم على السيطرة على دافع العدوان ودافع التملك ، وأهواء النفس وشهواتها المختلفة سواء كانت بدنية أو نفسية 0 وقام الرسول عليه الصلاة والسلام أيضا بتوجيه الناس إلى التحكم في دوافعهم وشهواتهم 0 قال عليه الصلاة والسلام : ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ) 0 رواه البخاري 0 وقال عليه الصلاة والسلام أيضا : ( حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات ) 0 رواه مسلم 0
    ب ـ السيطرة على الانفعالات: ويدعو القرآن الكريم الناس إلى السيطرة على انفعالاتهم والتحكم فيها 0 وقد سبق القرآن الكريم لا ذلك العلوم الطبية والنفسية الحديثة التي بينت أن اضطراب الحياة الانفعالية للإنسان من الأسباب الهامة في نشوء كثير من أعراض الأمراض البدنية 0 ومن أمثلة ما جاء في القرآن الكريم من دعوة إلى السيطرة على الانفعالات نذكر الآيات التالية التي تدعو إلى السيطرة على انفعال الغضب 0قال تعالى : { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين () الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين }0
    وقال تعالى : { فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون }0
    قال تعالى : { ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور}0
    وقال تعالى : { فاصفح الصفح الجميل } 0
    وقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم الناس أيضا إلى التغلب علي انفعال الغضب فقال عليه الصلاة والسلام : ( ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب )0رواه الشيخان 0وقال صلى الله عليه وسلم أيضا: ( ألا إن الغضب جمرة توقد في جوف ابن آدم ، ألا ترون إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه ، فإذا وجد أحدكم شيئا من ذلك فالأرض الأرض ،ألا إن خير الرجال من كان بطيء الغضب سريع الرضا، وشر الرجال من كان سريع الغضب بطيء الرضا) رواه الترمذي والبخاري وأحمد 0 وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله : أوصني قال : ( لا تغضب) فكرر السؤال ثلاث مرات
    وكرر الرسول عليه الصلاة والسلام الجواب نفسه 0 رواه البخاري 0
    ويدعو ا القرآن الكريم والسنة الشريفة إلى السيطرة على جميع الانفعالات الأخرى والتحكم فيها 0 ففي القرآن الكريم آيات كثيرة تدعو إلى السيطرة على انفعالات الحزن والفرح والحب والكراهية وتنهى عن الزهو ،والكبرياء والتعالي على الناس 0 كما نجد أيضا في الحديث الشريف دعوة إلى السيطرة على كثير من هذه الانفعالات.
    إن توازن الشخصية والصحة النفسية بهذين الأسلوبين ، أسلوب تقوية الجانب الروحي في الإنسان عن طريق الإيمان بالله وتوحيده وعبادته، وأسلوب السيطرة على الجانب البدني في الإنسان عن طر يق التحكم في الدوافع والأهواء والشهوات والانفعالات ، يستطيع الإنسان أن يحقق التوازن بين الجانبين الروحي والبدني في شخصيته، مما يؤدي إلى شعوره بالأمن والطمأنينة، ويحقق له الصحة النفسية والسعادة في الدنيا والآخرة بإذن الله تعالى 0
    • قواعد التربية الدينية في الإسلام :
    إن التربية بمعناها الواسع تشمل عادة صفة من صفات التربية الدينية لاسيما في بلادنا العربية والإسلامية وهي منبثقة سواء من الأبوين أو من المدرسة ، ذلك أن تربية الشخص تتضمن تقويمه في حدود إطار أخلاقي للسلوك 0 وإن القيم الروحية والأخلاقية المنبثقة من تعاليم الإسلام كثيرا ما تهدي الفرد إلى الاستقامة والسلوك السوي ولقد قيل " من يسلك بالاستقامة يسلك بالأمان " وفي كل الأحوال يبقى مشكل ، سلوك الإنسان مرتبطا بمكارم أخلاقه إن الأخلاق ، المستمدة من الدين تنظم سلوك الإنسان وتهديه إلى الصراط المستقيم وتحاسبه إن هو أخطأ أو انحرف 0 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) وقال الإمام على بن أبي طالب رضي الله عنه : " نعم الحسب الخلق الحسن " 0 وحسن الأخلاق يتماشى مع الاستقرار النفسي وترضية الضمير والكف عن السباق نحو شهوات الدنيا وما ينتج عن ذلك من حسد وحقد وصراع بين الأشخاص وفي نفسيه الفرد بذاته 0
    • شخصية المسلم واطمئنان النفس :
    لو استعراضنا سمات شخصية المسلم كما حددها الدين لاستغرقنا في الحديث، طويلا فلنكتف ببعض نماذج تستخلص من كلام الله عز وجل وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم حول سمات شخصية المسلم 0
    1ـ الإيمان بالقدر: قال تعالى : { قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون } 0 وهنا ينبغي أن يفسر هذا القول دوما بصفة إيجابية كحث على قبول المصائب بصدر رحب دون الالتجاء إلى مظاهر اليأس والوهن والانهيار أو دون الالتجاء إلى السلوك العدواني المعاكس أو التهجمات المفرطة التي لا يحمد عقباها، ويعني ذلك الاستسلام بل العمل على أن نتعدى أمرنا ونقفز بعد ذلك إلى الأمام لنتغلب على الشدائد والمصائب 0
    2ـ مسئولية الاختيار: قال تعالى: { بل الإنسان على نفسه بصيرة } ، وهنا تتجلى حرية الفرد في اختيار مواقفه وسلوكه بكل دراية وهو هدف عديد من العلاجات النفسية المعاصرة 0
    3ـ طلب العلم: قال الله تعالى : { فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما } 0 ويتضمن ذلك قابلية المؤمن للتوعية والإرشاد 0
    4ـ الصدق : قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } 0 والصدق فضيلة هامة جدا يرتكز عليها اطمئنان النفس إلى حد بعيد ، ويقاس به مدى انهيارها إذا خلفت ذلك، من ذلك أن بعض الأخصائيين في علم النفس الحديث قد اخترعوا ركائز لقياس مقدرة الفرد على الصدق والإخلاص (استخبار الصدق لهنري باروخ ) 0
    5ـ التسامح : قال الله تعالى : { ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه كأنه ولي حميم } 0 والتسامح من الفضائل الهامة لاطمئنان النفس ونيل الارتياح0
    6ـ الأمانة : قال تعالي : { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا } 0
    7ـ الرحمة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء )0 وهذه الخصال الحميدة لها وزن كبير في سلوك الأفراد الأسوياء والمرضى في آن واحد ، ولنذكر هنا بطاعة الوالدين والعناية بهما وبضرورة حسن معاملة الأولياء لأبنائهم ولذويهم على أسس المحبة والرحمة 0
    8ـ التعاون : قال الله تعالى : { وتعاونوا على البر والتقوى } ، وقال تعالى أيضا : { إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون } ، وقال تعالى أيضا : { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم } 0 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )0 وفي ذلك أعظم العبر وأسمى التعاليم للتوافق الأسري والاجتماعي الذي ترتكز عليه قواعد الصحة النفسية 0
    9ـ القناعة : وهي من أفضل الخصال البشرية التي تنهي عن التناطح العنيف نحو تحقيق السعادة المادية التي لا حد لها ، والتشبع بقيم التنافس القاسي الذي لا رحمة فيه لأحد والذي يتصف به من سوء الحظ عديد من مظاهر المجتمعات العصرية المرتكزة على قاعدة الاستهلاك شرقا وغربا، وقد ازدادت في هذه المجتمعات الأمراض النفسية في الكم والكيف كما هو معروف . أما القناعة فهي تعالج الاضطرابات النفسية الناجمة عن الحقد والغيرة وكراهية الغير المنافس ، ومن جهة أخرى السلوك المنحرف الناتج عن الإحباط وما ينتج عنه من سوء التوافق الفردي مع الذات ومع الغير ، وإن كان المسلم يحمد الله فليس لغرض غير ،غرض السعادة الروحية والاطمئنان وقبول حالته بصدر رحب مع الملاحظ أن ذلك لا يعني الاستسلام والفشل والركود في الذل والخسارة والخصاصة بل إن القيم الأخلاقية الإسلامية تشجع كما هو معروف من جهة أخرى على الإقدام والابتكار لكن بدون أن تستعمل في ذلك وسائل القهر والعنف والحيل الظالمة والرذائل المكروهة بصفة عامة 0
    10ـ الصبر : قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين } وقال تعالى : { وبشر الصابرين } 0 ويا لها من عبرة فائقة في هذا الصدد حيث تتكاثر الأمثلة في مجال الطب النفسي التي تبرهن على أهمية الصبر والتحكم في النفس على هذا الأساس 0
    11ـ العفة : قال الله تعالى : { وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى } 0 ومن هنا يتجنب الفرد الشر والرذائل على مختلف أنواعها 0
    12ـ القوة والصحة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كل خير ) 0 وقال عليه الصلاة والسلام : ( إن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء ) 0 وفي ذلك تشجيع على تقوية النفس وتسييرها نحو الإقدام والشجاعة ومزيد من الفاعلية والتفاؤل للخير مستقبلا وكذلك بقصد تجنب كل بوادر اليأس والانهيار 0

  12. #12
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية علي بن حمود
    مشرف سابق

    صديق الضوء
    تاريخ التسجيل
    04 2007
    الدولة
    طزستان !
    العمر
    37
    المشاركات
    4,457

    رد: الإسلام والصحة النفسية ( حلقات )

    أين كُنت عن هذا ؟؟

    ضيف الله
    تابع وسأكون من التابعين لك
    دمت بحفظ الباري

  13. #13
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية ضيف الله مهدي
    شخصية مهمة
    تاريخ التسجيل
    10 2006
    المشاركات
    1,832

    مشاركة: الإسلام والصحة النفسية ( حلقات )

    الحلقة السادسة :
    الحاجة إلى العقيدة :
    الإنسان مخلوق ضعيف وخلق الإنسان ضعيفا ويرتد ضعفه إلى خصائص فيه وإلى خصائص في البيئة التي تؤويه فمهـما تعاظم الإنسان فلن يخرق الأرض ولن يبلغ الجبال طولا 00 ومهما تزايدت قوته فلن يكون أقوى من الريح التي تعصف الرعد الذي يبرق أو البحر الذي يزبد أو غيرها من قوى الطبيعة التي تغلبه لا محالة ورغم هذا فهو في حاجة إليها في طعامه وشرابه وملبسه ومسكنه وموطنه وملعبه وغير ذلك مما يميزه عن الطبيعة من حوله 0 والخلاصة أن الإنسان ضعيف ضعف التكوين ، وضعيف ضعف الاحتياج ، وضعيف ضعف المقارنة والمجالدة ، وضعيف بتسبيب الكون وأسبابه وظواهره وبواطنه موتا وحياة بمستقبله وبعلمه بقواعده وقوانينه ، وضعيف بالجهل بالمستقبل وما يجري فيه 0 ومن منطلق هذا الضعف بدأ اتجاه الإنسان إلى القوة والسيطرة على الدنيا بمخلوقاتها وبدأت رحلته في بحثه عن القوة إلى الالتجاء إلى غيره من البشر فكانت الجماعات والقبائل غير أن هذه القوة المضافة لم تؤثر كثيرا على قدرته في مواجهة الطبيعة بقسوتها وشراستها.. واستمر ضعفه كما هو فاتجه إلى محاولة استرضاء هذه الطبيعة بما يتصور أنه علاقة بينه وبينها يستطيع أن ينميها فيخضعها ، وفشلت هذه المحاولة في الوصول إلى غرضها في الوصول إلى القوة ومن ثم الطمأنينة والأمان 0وفي بحثه الكوني اتجه إلى تصور القوة الأكبر لله التي تسيطر على كل هذه القوى الأصغر المناوئة له والتي تثير خشيته وخوفه ، وكما حدث فيما ذكره القرآن الكريم عن الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، قال تعالى : { وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين } 0 فكانت الملاحظة التي وجهه إليهـا الله ، ملاحظة الكون سماء وأرضا ليصل في النهاية إلى اليقين ، قال تعالى : { فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين () فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين () فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يقوم إني بريء مما تشركون () إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين () وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون }0
    وأخيرا اهتدي الإنسان بخبرته إلى وجود خالقه وخالق الكون الرازق القادر القاهر المصور لكل ظاهرة الباري لأسبابها وهكذا بدأت محاولات الإنسان في البحث عن العقيدة من خلال البحث عن الله أملا في طمأنينة وأمن ، وتحقيقا لاحتياجات ورغبات وهكذا بدا أن الاحتياج إلى العقيدة احتياج أساسي ملازم للحياة 0 ومع الإحساس الفطري للإنسان بوجود الله الخالق نزلت الديانات السماوية تترا لتنتهي بالعقيدة الكاملة ، قال تعالى :{ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } 0
    العقيدة والعلوم النفسية :
    إن العقيدة تشمل البشر جميعا ، فلا يوجد إنسان بلا عقيدة بمعنى أنه لا يوجد إنسان بلا مفهوم ينظم العلاقة بينه وبين القوى الحاكمة في الكون والحياة أي قوة الله، وهذه العقيدة نجدها في البشر الذين يؤمنون بالديانات السماوية كما نجدها في غيرهم من البشر الذين لا يؤمون بالديانات السماوية 0 ومن هنا فالعقيدة فطرة فطر الله الناس عليها ومن هنا كان الحديث الشريف : ( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ؟ ) 0 أي أن نوعية العقيدة هي التي تحدد بالظروف الاجتماعية التي تحكم الإنسان أما الأصل والعقيدة والاتجاه إليها ففطرة إنسانية0 والدراسة النفسية للعقيدة لا تضيف إليها شيئا بينما هي تضيف الكثير إلى العلوم النفسية إذ إنها تبحث في أسباب التدين ولزومه وهو حقيقة ثابتة ثبات الشمس لا تحتاج لكثير من جهد لإثبات وجودها 0 ونلاحظ أن اهتمام العقيدة والعلوم النفسية بالإنسان اهتمام متبادل وقديم، ففي المرحلة الأولى من حياة البشرية كانت ترد بعض الأمراض النفسية إلى أسباب دينية كما كانت ترد أحيانا إلى أسباب طبيعية وهكذا نشأت ، دراسات علم النفس الديني والطب النفسي الديني في محاولة لفهم الإنسان من خلال معطيات الدين فالمرض في ضوء هذه المفاهيم سواء كان جسمانيا أو نفسيا ما هو إلا نتيجة للخطيئة أو التلبس بالشيطان وعلم النفس في علاقته مع العقيدة والدين اتجه اتجاهين الاتجاه الأول إلى دراسة فلسفة الدين والاجتماع البشري للدين وتطبيقاته العملية في مجال الوقاية والعلاج وهذه تعرفنا على تسميته علم النفس الديني 0 والاتجاه الثاني درس قضية التدين أي انتماء الفرد إلى عقيدة وكيف يتم ذلك وأسباب ذلك الانتماء وتأثيره على سلوك الفرد والجماعة 0 وهذا الاتجاه أصبح يعرف بعلم نفس التدين 0 ويمكن أن يرد ظهور هذين الاتجاهين العلميين إلى أواخر القرن الماضي 0
    الديناميكيات والوظائف النفسية للدين :
    من المؤكد أن الطقوس الدينية تقوى القدرة على التحكم في الغرائز والدوافع وخاصة تلك الدوافع التي تكسر الحدود الاجتماعية للسلوك . وقد يصل "فرويد" إلى الرأي بأن الدين يقلل من إحساس الفرد بالقلق كما يحمي من القلق الناتج عن الإحساس بعدم القدرة في مواجهة قوى الطبيعة والدين يشبع احتياجات الإنسان. كما إنه يتصور أن مصير الإنسان يحدده سلوكه في الدنيا وعلى هذا الرأي فإننا نستطيع أن نفترض أن الدين يؤكد اختيار الإنسان لسلوكه وبالتالي لمصيره وهكذا يدفع الإنسان إلى تأكيد اجتماعية وتعديل سلوكه الاجتماعي لمزيد من التكيف وذلك من أجل تحقيق المكاسب لذاته سواء في الدنيا أو الآخرة 0 كما يعتقد فرويد أن العقيدة تحمي الإنسان من اليأس بإعطائه الفرصة لتأكيد علاقته بالله واعتماده عليه 0 وإن كان قد صور هذا الاعتماد بأنه اعتمادية الطفل على والديه تعاد إليه في الكبر بشكل اعتمادية الفرد على الله ، وبصرف النظر عن هذا الوصف المبين فالحقيقة أن الدين يدعوه إلى مزيد من الاعتماد على الله 0 كما أن الدين بتأكيده على الحياة الأخرى يقلل الخوف من الموت كما يقدم الوسائل للتكفير عن الخطيئة كما يعطي الإنسان المهرب التأملي المتسامي من متاعب الحياة 0 ومن الواضح أن الدين الإسلامي بالإضافة إلى هذه الميزات التي يحققها الدين للبشر يؤدي إلى نوع من التنظيم الاجتماعي فالمجتمع هو الأصل والأفراد من مكونات المجتمع 0 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ) 0 وإذا كان فرويد قد افترض وجود العواطف لتربط المجتمع وأن المجتمع لا يعمل ولا يؤدي وظائفه بمجرد وجوب العواطف وإنما كما يفترض الإسلام لابد من وجود القدوة في شخص القائد الاجتماعي 0 قال تعالى : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الأخر } 0
    والافتراض بأن الإيثار في الإسلام هو سمة الفرد في مواجهة مجتمعه فإن المجتمع الإسلامي يكون أكثر ترابطا وأقدر على التلاحم والعمل . ومن المؤكد أن التنظيم الإنساني للمجتمع في الوقت الحاضر قد زاد تعقدا عن التنظيم الذي بدأ به الإسلام غير أن هذه الرؤية لم تكن غائبة عن الإسلام فالرسول المعصوم عليه الصلاة والسلام هو الذي يقول : ( أنتم أعلم بشئون دنياكم ) 0 وعلى قاعدة المنافع المرسلة فإن تنظيم المجتمع بصورة أكبر يقبله الإسلام ورسوله 0 كما أن عدم الفصل في الإسلام بين الدين والحكم إذ أن الرسول عليه الصلاة والسلام هو أول حاكم مسلم وخلفاؤه أمراء المسلمين 0 عدم الفصل هذا أكد على قوة التنظيم الذي يدعو إليه الإسلام للمجتمع وأعطاه نوعا من القدسية التي انتشرت في سلوكيات المجتمع 0 ومن تنظيم المجتمع الذي يدعو إليه الإسلام تنظيم الأسرة والزواج والطلاق وحماية المجتمع من الجريمة من خلال الحدود وتطبيقها ليأمن الإنسان على نفسه وعرضه وماله. وهكذا تزداد الطمأنينة النفسية للفرد في المجتمع الإسلامي 0 ومن النقاط الأساسية في التنظيم الإسلامي للمجتمع رفضه لمبدأ الرهبانية التي تترك الدنيا بما فيها في تصور أن هذا هو طريق الخلاص فرسول الله يصوم ويفطر ويقوم وينام ويعاشر النساء ويقرر : ( فمن رغب عن سنتي فليس مني )0 ورفض الإسلام للرهبانية ينبني على الأسس الآتية :
    1ـ إن للإنسان دوافع بيولوجية ونفسية واجتماعية والإسلام باعتباره دين الفطرة لا يمكن أن يمنع إشباع هذه الدوافع مادامت في الإطار الاجتماعي الذي وضعه الإسلام لتنظيم المجتمع 0
    2ـ أن الرهبانية ابتعاد عن العمل الإيجابي تحت افتراض أنه إيجابية في اتجاه العبادة والإسلام يفترض أن المشاركة في بناء المجتمع أكثر فائدة في غير ترك للاتجاه إلى العبادة ، في الحديث الشريف : ( اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا ) 0 ولهذا فقد اتخذ الموقف الوسط ، قال تعالى : { وكذلك جعلناكم أمة وسطا 000} 0 لأن التوسط أقرب إلى غالبية البشر من التطرف، والإسلام دين الجميع 0
    3ـ إن الرهبانية تطرف في العمل الأخروي وكما قدمنا فإن الإسلام دين الجميع وليس دين التطرف ، قال تعالى : { وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا }0 وإن كان الإسلام باعتباره دين الأبد أن يتميز وأن يميز أبناءه والتمايز صفة لازمة لكل جماعة ولكل مجتمع ولكل منظومة ، وعدم التميز يفقد المؤسسة الاجتماعية أيا كان مستواها علوا إلى الدين أو انخفاضا إلى الأسرة باعتبارها اللبنة الاجتماعية الأولى بفقد المؤسسة الاجتماعية حقيقيا وكيانها وتكوينها 0 والتمايز الإسلامي بالعبادة ، قال تعالى : { سيماهم في وجوههم من أثر السجود }0 والتميز بالتقوى ، قال تعالى : {إن أكرمكم عند الله أتقاكم } 0 والدين والدولة يطالب كل منهما المنتمون إليهما بالولاء والانتماء فعندما تتعرض الدولة للاعتداء أو للكوارث الكونية فإن المواطنين فيها يتجمعون للدفاع عنها 0 وقد يفقد الفرد اهتمامه بالجماعة ويتجه كلية إلى الاهتمام بمصالحه وحياته الخاصة أي أنه يجري وراء متعه الخاصة 0وقد يترك جماعته وينتظم في جماعة أخرى0 وقد يشارك في جماعات الرفض التي تهدف إلى تغيير نظام الحكم0 ومثل هذه الاتجاهات تساعد على انتشار القلق النفسي في المجتمع وخاصة في أوساط الشباب 0 أي إذا اتزن العطاء العاطفي والمادي للأفراد في المجتمع مع العائد الذي يقدمه المجتمع فإن المجتمع يستمر ويقل القلق النفسي بالتالي 0 وفي الدين الإسلامي فإن الاتزان بين معطيات الأفراد للدين ومعطيات الدين للفرد يقع تماما بشكل مستمر وكأنه قاعدة مضطردة الأمر الذي يخفض تأثيرات القلق في الجماعة المسلمة 0 ويحدث ذلك فيما يلي :
    1ـ الاتزان في العلاقة بين الفرد المسلم والله سبحانه ، قال تعالى : { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } 0 وفي الصلاة لا يحل الله من الصلة بالإنسان حتى يحل الإنسان نفسه 0 وفي الآيات الله يساند الإنسان عن قرب ، قال تعالى : { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } 0 غير أن التعامل له جانبيه التقويميين ، قال تعالى : { نبىء عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم } 0
    2ـ الاتزان بين الفرد والحاكم المسلم هذا الاتزان قائم على أساس أن مسئولية الحاكم عن كل فرد تحتم أن يحقق له حقه ولو كان في أبعد بلاد المسلمين وحتى بدون طلب ولا ننسى العربية التي خلعت قلب عمر رضي الله عنه ، بتذكيره مسئوليته " يتولى أمرنا ويغفل عنا" فعلى قدر السلطة يكون البذل والعدل ولنذكر الشعار الإسلامي ( إن رأيتم في اعوجاجا فقوموني) يقوله الحاكم ، فيرد المحكومون " لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا"0
    3ـ الاتزان في العلاقة بين المسلم والمسلم: إن تعامل المسلم في مجتمعه يلزم أن يرعى فيه وجه الله سواء كان هذا التعامل في التعامل العملي في المعاملات أو في التعامل الإيثاري "الزكاة.. وغيرها" قال تعالى : { فأينما تولوا فثم وجه الله }0والله مطلع على عباده، ولا يرضى من عباده الكفر0
    4ـ الاتزان في العلاقة بين المسلمين وغيرهم من الطوائف : ويعتمد هذا الاتزان على النصوص القرآنية ، قال تعالى : { لا إكراه في الدين } 0 كما يعتمد على العدل معهم حتى من المنتسب إلى السلطة ويكفي أن نتذكر قصة عمر رضي الله عنه مع ابن عمرو بن العاص رضي الله عنه وموقفه من القبطي ، وقوله اضرب ابن الأكرمين ، وأمره عندما اشتكى له ذمي عجوز الفاقة فأمر للذمي بما يكفيه من مال المسلمين ويقول ما معناه ما عدلنا إذا أكلنا شبابه ولم نرحم شيخوخته 0
    مناهج الإسلام والصحة النفسية :
    الإسلام يقوم على ركيزتين أساسيتين ، وهما :
    1ـ العبادات والعقائد 0
    2ـ المعاملات 0
    في حلقة غدا إن شاء الله تعالى

  14. #14
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية ضيف الله مهدي
    شخصية مهمة
    تاريخ التسجيل
    10 2006
    المشاركات
    1,832

    مشاركة: الإسلام والصحة النفسية ( حلقات )

    الحلقة السابعة :
    العبادات وتأثيرها على الناحية النفسية :
    بني الإسلام على خمس أركان وهي :
    الركن الأول ـ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله 0
    الركن الثاني ـ إقام الصلاة 0
    الركن الثالث ـ إيتاء الزكاة 0
    الركن الرابع ـ صوم رمضان 0
    الركن الخامس ـ الحج إلى البيت الحرام لمن استطاع إليه سبيلا 0
    1ـ الشهادتان :
    * شهادة أن لا إله إلا الله ، إنها الإقرار بالوحدانية لله وعلى هذا اعتباره هو القوة الوحيدة الحاكمة ويؤدي هذا الإقرار إلى ما يلي :
    أـ الإحساس بالتجانس في الكون واتساق القوانين المنظمة لهذا الكون لأن مصدرها واحد وبالتالي سيؤدي هذا الإحساس بعدم التناقض بين القوى الدنيا في تفاعلها مما يجعل الإنسان يحس بالاستقرار ثم الاطمئنان النفسي ، وذلك من خلال الاطمئنان إلى حكم الله الواحد والرضا بقضائه ، ( من لم يرض بقضائي فليخرج من تحت سمائي ) 0
    ب ـ الإحساس بقدرة الله الواحد في خلق هذا الكون الأمر الذي يؤدي إلى الاطمئنان إلى هذه القدرة والرضا بقضاء الله خيره وشره ، مما يؤكد على مزيد من الاطمئنان النفسي 0
    ج ـ الإحساس بحاكمية الله وما كان الله ليحكم من غير حكمه وعلى هذا نستقبل الإنسان وحياته وقدره مضمون ومحكوم بالحكمة الإلهية ، مما يزيد الإنسان ثقة في نفسه وحاضره ومستقبله ، مما يقلل من قلقه ويدفع إلى مزيد من الاطمئنان 0
    * شهادة أن محمدا رسول الله :
    كما سبق أن ذكرنا فإن الإنسان في حاجة دائمة لتقويم ذاته في علاقته المعقدة مع غيره ومع نفسه ومع الله ، ومن هنا كان الإقرار بنبوة محمد هو اختيار للنموذج الذي نقيس إليه أنفسنا ، هذا النموذج الذي اتصف بأنه الرحمة المهداة ، والأسوة الحسنة ، قال تعالى : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين }0
    ومحاولة الوصول إلى صفات هذا النموذج من خلال الممارسة كان للارتفاع بالأداء الإنساني إلى :
    أ ـ أسمى درجات الكفاءة في العمل 0
    ب ـ أفضل المناهج الأخلاقية في التعامل مع البشر في التسامح ، والإيثار والعدل 0
    ج ـ أفضل المناهج في تقويم الذات ، بالاعتراف بالخطأ وتربية الذات بالتحكم في رغباتها غير المشروعة 0
    د ـ أفضل المناهج في التعامل مع الحياة ، فالتفاؤل هو القاعدة استنادا إلى التوكل على الله القادر ، قال تعالى : { وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتهـا الأنهار }0
    ومن هنا تكون حياة المسلم أكثر كفاءة وتفاؤلا وعلى أكبر اتساق مع القيم 0
    2ـ إقام الصلاة ، قال تعالى : { إن الصلاة كانت عل المؤمنين كتابا موقوتا }0
    والصلاة مخ العبادة وهي بهذا المفهوم تربية سلوكية على جملة خصال :
    أ ـ الانتظام واحترام الوقت والزمن ،والتعامل في الحياة عل أساس زمان مقرر فلكل صلاة وقتها0
    ب ـ تعود النظافة من خلال عمليات الطهارة والوضوء 0
    ج ـ تعود الارتباط بالجماعة من خلال صلاة الجماعة 0
    د ـ تعود الطاعة في غير المعمية من خلال متابعة الإمام 0
    هـ ـ تعود الاستماع ، من خلال الاستماع إلى تلاوة القرآن 0
    و ـ تعود النظام من خلال الوقوف والركوع والسجود 0
    ز ـ تعود الخشوع والاتجاه إلى الله الأمر الذي يرفع قدرة الفرد على التسامي 0
    ح ـ تعود الإحسان في العمل من خلال الأداء المنضبط للصلاة ثم من خلال النوافل تأكيدا للعمل ، وازديادا في القرب من الله 0
    وهكذا فإن الصلاة تدريب سلوكي يصحح كثيرا من أخطاء البشر في التعامل ويمهد الإنسان لصحة نفسية أفضل وأسلم 0
    3ـ إيتاء الزكاة :
    الزكاة هي تدريب على عادات سلوكية إيجابية محددة ومع تكرارية التدريب تصبح هذه العادات جزءً لا يتجزأ من سلوك الإنسان 0
    هذا السلوك الذي يتصف بجملة من المفاهيم والصفات أهمها :
    أ ـ قيمة المال: قيمة المال ليست قيمة مادية نهائية متناهية وإنما قيمته فيما يؤديه من وظائف وأعمال دنيوية ودينية فالزكاة طهارة للمال بالمعنى الديني 0
    ب ـ قيمة التكافل الاجتماعي من أفراد المجتمع غنيهم وفقيرهم في مقابل القيمة السلبية للفردية على إطلاقها 0
    ج ـ قيمة الإيثار في مقابل قيمة الأثرة 0
    د ـ التعود عل الأخذ والعطاء 0 في حركة ديناميكية إيجابية تمتد لتشمل كل إمكانات الحياة وليس المال فقط 0
    ومن المفيد أن نقرر أنه رغم تقرير الإسلام لمبدأ الزكاة إلا أنه دفع القيمة السلبية الناتجة عنه وهي الاعتماد على الآخرين من جانب غير القادر 0 ولذلك قرر الرسول عليه الصلاة والسلام : ( أن اليد العليا خير من اليد السفلى ) 0 كما قرر : ( لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب خيرا له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه )0 فحق الفقير في الزكاة نظمه شجب المسألة وتفضيل العمل ، : ( فالمسلم القوي خير وأحب إلى الله من المسلم الضعيف ) ، سواء كانت هذه القوة بدنية أو نفسية أو اتحادية أو إيجابية أو غير ذلك 0
    4ـ صوم شهر رمضان المبارك :
    يقول الله تعالى في الحديث القدسي : ( كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ) 0والصوم عبادة حقيقية إذ من العسير على الرائي أن يحدد صدق الفرد في صومه 0ولكن الفرد نفسه يعرف حقيقة صومه 0 ومن هنا كانت قيمة الصوم في أنه يناسب بين المشاعر الداخلية والنية الحقيقية من ناحية والسلوك الخارجي العام من ناحية أخرى 0 هذا الاتساق يفتقده البشر ، وانعدامه هو أساس النفاق في المجتمع 0 فكانت إحدى القيم الحقيقة للصوم هي البعد عن النفاق كسلوك ونحن نعلم أن النفاق من الناحية النفسية يترك الإنسان في حالة من التفسخ بين ما يراه صحيحا وما ينطق عنه بلسانه الأمر الذي يجعله يحس بعدم التجانس النفسي وعدم الوفاق الداخلي تحقيقا لمنفعة 0وانعدام التجانس الداخلي يزيد من توتر الإنسان وقلقه خاصة في انتظاره لثمرات قد لا تأتي من خلال سلوكه الثقافي 0
    والصوم من الناحية النفسية يضيف سلوكيات جديدة للإنسان مثل :
    أ ـ الصبر على احتياجات الجسد وإمكانية تأجيلها ، ونحن نعلم أن تأجيل إشباع الاحتياجات العضوية والنفسية والاجتماعية أحد الميكانيكيات الدفاعية الإيجابية لحل التوتر وتحقيق الاطمئنان النفسي 0
    ب ـ الإحساس بالانتماء لأفراد الجماعة 0 وهذا الإحساس بالانتماء تغذيه كل العبادات في الإسلام ، فالكل يمارس كل العبادات 0
    ج ـ يولد الهدوء في المشاعر والغرائز ، فيترك ملذاته وشهواته ، رغبة في الحصول على الأجر والمثوبة من الله ، وهذا يولد الراحة النفسية والاطمئنان 0
    5ـ الحج إلى بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا :
    الحج إلى بيت الله الحرام عبادة منفردة ، وذلك في أن تركيزها الأصيل على :
    أ ـ تأكيد الإيمان بالله وحده 0 وتلبية لنداء الله سبحانه ، قال تعالى : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين } 0
    ب ـ التأكيد على وحدة الأمة 0في تعاملها وتحقيقها لمنافعها الدينية والدنيوية على حد سواء 0
    وتتبين هذه الوحدة في المظاهرة الآتية :
    ـ الإحرام 0
    ـ توحيد الطقوس في الزمان والمكان والمناسك بالنسبة للجميع 0
    ـ توحد زمن انتهاء الحج 0
    ـ تعرف الناس على بعضهم البعض وتعارفهم جماعات وأفرادا 0
    وكأن الحاج يقول الله سبحانه واحد وأمته واحدة ، قال تعالى : { إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون } 0 وإذا كان الإيمان بالله الواحد يبدأ مع الشهادة ، إلا أن وحدة الأمة تعني من الناحية النفسية :
    أ ـ إشباع دوافع انتماء الفرد للجماعة وأنه فرد واحد في هذه الأمة الكبيرة 0
    ب ـ إشباع دافع إحساس الفرد بتقدير الجماعة 0
    ج ـ إشباع دافع العمل الجمعي لتحقيق الأهداف الكلية 0
    وهكذا فإنه مع إشباع هذه الاحتياجات الاجتماعية يزداد الاطمئنان النفسي والثقة بالنفس في المسلم وفي جماعته 0
    يقول الله سبحانه وتعالى : { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود } 0 سورة البقرة 0
    فأول ما يقع بصر الإنسان على الكعبة المشرفة ، ويراها يشعر باطمئنان عجيب وغريب ، لم يكن يشعر به من قبل ، ويجد راحة نفسية ، وهدوء نفسي ، لا يعادلهما أي شيء 00 وتتجلى صحته النفسية وتكون في ذروتها ، وعندئذ تكون صحته النفسية في أعلى مستوياتها ، فهو يكون في المكان الآمن ، وبجوار بيت الله العتيق ، وقريب من الله سبحانه وتعالى 0
    ويقول الله سبحانه وتعالى : { قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين (95) إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين (96) فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين } 0سورة آل عمران 0
    إن الإنسان عندما يكون داخل الحرم الشريف وبالقرب من الكعبة المشرفة ، ويشاهد ما فيه من الآيات ، مقام إبراهيم ، وزمزم ، والحطيم ، والصفا والمروة ، والحجر ، فهو يكون في قمة نشوته وصحته النفسية حتى أن ذلك ينعكس عليه نفسه فتزداد طاقته وصحته البدنية ، حتى أننا نرى الكبير في السن والطفل والمرأة يطوفون حول الكعبة جميعا متحملين المشقة والتعب الحاصل من الازدحام ، لا وفوق ذلك لا يؤذون أحدا ويحاولون ألا يكونوا سببا في جلب المتاعب لأحد من الطائفين ، ولا تنظر أعينهم إلا إلى الكعبة والحجر وما جاورهما من آيات تلهج ألسنتهم بذكر الله والدعاء ، ثم يتحول هؤلاء الذين كانوا قبل دخولهم إلى المسجد الحرام لا يستطيعون السير أو المزاحمة أو الجري ، إلى الصفا والمروة ويبدؤون في السعي لسبع مرات من الصفا إلى المروة ومن المروة إلى الصفا ، من أعطاهم هذه القوة ؟ ، إنه الله سبحانه ، ولكن هذه القوة والطاقة أتت بفضل تحسن صحتهم النفسية ، وتحسن صحتهم النفسية كان بسبب دخولهم إلى الحرم الشريف ورؤية الكعبة المشرفة ، وما حولها من آيات يقول الله سبحانه وتعالى : { وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين (195) وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ومن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب (196) الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب (197) ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين (198) ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم (199) فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباؤكم أو أشد ذكرا فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق (200) ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار (201) أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب (202) واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون } 0سورة البقرة 0
    هذه الآيات بما فيها من التوجيهات الربانية الكثيرة ، وخاصة الذكر والدعاء ، فإن لذكر الله سبحانه وتعالى ، ودعائه ، واللجوء إليه أثرا نفسيا إيجابيا عاليا ، لا يعرفه إلا من عايشه ، وإن من فرط الذكر والدعاء تزداد الصحة النفسية عند الإنسان بشكل كبير ويصبح في أعلى مستويات الصحة النفسية 00 وهكذا نجد الحاج تزداد صحته النفسية ، وتزول كل علله النفسية ، ذلك لأن الحاج يقول إن الله واحد ، وأمته واحدة ، { إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون } 0
    وهكذا فإنه مع إشباع هذه الاحتياجات الاجتماعية يزداد الاطمئنان النفسي والثقة بالنفس في المسلم وفي جماعته ، وبعد عودته من حجه نجد معظم متاعبه النفسية قد زالت ، وذلك بفضل الله ، ثم بفضل الحج الركن الخامس من أركان الإسلام 0
    هذا بالنسبة للحاج ، أما بالنسبة لغير الحاج ، فإن لكل مواسم الإسلام دور كبير في تقوية الصحة النفسية ، ولعشر ذي الحجة دور كبير في زيادة الصحة النفسية عند المسلم ، لما فيها من البركة وما يكسبه الإنسان من ثواب ونعيم تزيد فيه حسناته وتغفر سيئاته وزلاته ، قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( أفضل الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القرّ ) 0 أخرجه أبو داود 0 وقيل يوم عرفة أفضل منه 0 وهذا هو المعروف عند أصحاب الشافعي ، قالوا : لأنه يوم الحج الأكبر ، وصيامه يكفر سنتين 0 وما من يوم يعتق الله فيه الرقاب أكثر منه في يوم عرفه ، ولأنه سبحانه وتعالى يدنو فيه من عباده ، ثم يباهي ملائكته بأهل الموقف 0 وفي سنن أبي داود بأصح إسناد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يوم الحج الأكبر يوم النحر ) 0 وكذلك قال أبو هريرة وجماعة من الصحابة 0 ويوم عرفة مقدمة ليوم النحر بين يديه فإن فيه يكون الوقوف والتضرع والتوبة والابتهال والاستقالة ثم يوم النحر تكون فيه الوفادة والزيارة ، ولهذا سمي طوافه طواف الزيارة لأنهم قد طهروا من ذنوبهم يوم عرفة ، ثم أذن لهم ربهم يوم النحر في زيارته والدخول عليه إلى بيته ، ولهذا كان فيه ذبح القرابين وحلق الرؤوس ورمي الجمار ومعظم أفعال الحج 0 وعشر ذي الحجة أفضل الأيام ، وقد ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من أيام العمل الصالح فيه أحب إلى الله من هذه الأيام العشر) قالوا : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ( ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه وماله ، ثم لم يرجع من ذلك بشيء ) 0 وهي الأيام العشر التي أقسم الله بها في كتابه بقوله : { والفجر وليال عشر } 0 ولهذا يستحب فيها الإكثار من التكبير والتهليل والتحميد 0 وروى الإمام أحمد رحمه الله تعالى عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي عليه الصلاة والسلام قال : ( ما من أيام أعظم ولا أحب إلى الله العمل فيهن من هذه الأيام فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد ) 0 وروى ابن حبان رحمه الله تعالى في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي عليه الصلاة والسلام : ( أفضل الأيام يوم عرفه ) 0 ومن أفضل الأعمال في عشر ذي الحجة 00 أداء الحج والعمرة ، وهو أفضل ما يعمل ويدل عليه عدة أحاديث منها قوله عليه الصلاة والسلام : ( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) 0 ولغير الذي لا ينوي الحج ، يفضل صيام هذه الأيام ، أو ما تيسر منها ، وبالأخص صيام يوم عرفة 0 وروى مسلم رحمه الله تعالى عن قتادة عن النبي عليه الصلاة والسلام قال : وقد سئل عن يوم عرفه ( يكفر السنة الماضية والباقية ) 0 وروى أبو داود والنسائي وابن ماجة والترمذي رحمهم الله تعالى : ( صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي بعده والسنة التي قبله ) 0 ومن الأعمال كذلك ، التكبير والتهليل والذكر ، وروى البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما أنهما كانا يخرجان إلى السوق في العشر فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما 0 وكان الكثير من فقهاء التابعين رحمهم الله تعالى كانوا يقولون في أيام العشر : ( الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد ) 0 ويستحب التوبة والإنابة والإقلاع عن المعاصي وجميع الذنوب ، وكذلك كثرة الأعمال الصالحة ، من نوافل العبادات ، كالصلاة والصدقة وقراءة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 0 كما تشرع الأضحية في يوم النحر وأيام التشريق ، وهي سنة أبينا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام ، وقد ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام قد ضحى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده الكريمة وكبر وسمى ووضع على صفاحهما 00 متفق عليه 0 وقال النبي عليه الصلاة والسلام : ( إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره ) ، وفي رواية : ( فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره حتى يضحي ) 0
    بعد كل ما قدمت فإنني أجزم أن كل من لديه علة نفسية ، أو يشعر بتعب أو ألم نفسي ، فإن كل تلك سوف تزول وسيصبح في أعلى مستويات الصحة النفسية 00 متعكم الله بالصحة النفسية والجسمية وتقبل من الجميع صالح الأعمال ، إنه سميع مجيب 0

  15. #15
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية ضيف الله مهدي
    شخصية مهمة
    تاريخ التسجيل
    10 2006
    المشاركات
    1,832

    مشاركة: الإسلام والصحة النفسية ( حلقات )

    الحلقة الثامنة :
    المعاملات في الإسلام والصحة النفسية
    1ـ علاقة الإنسان بالمال في الإنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    الإنسان مستخلف من الله على ما يملك في نظر الإسلام 0 قال تعالى : { إني جاعل في الأرض خليفة } 0
    والمال مال الله الذي آتاكم 0
    والاستخلاف أو التوكيل بالمعنى المتداول لا يلغي ملكية الأصل أو حقه في التصرف ، ومن هنا كان التصرف في المال في الإسلام نابعا من أوامر الله ونواهيه 0 وفكرة الاستخلاف تضعف بالتالي من العلاقة بين الإنسان والمال الأمر الذي يسهل عليه تقبل تعاليم الله فيه 0 والإسلام يقر بمبدأ الملكية الفردية ويحدها بالزكاة وهي حق المجتمع 0 فالمال وظيفة اجتماعية قبل أن يكون ملكية 0
    وهذه الفطرة المتوازنة تؤدي إلى جملة مظاهر :
    أ ـ المال للمسلم ، ليس رِباً بعد وإنما هو وظيفة يشاركه فيها المجتمع ،الأمر الذي يزيد ، من الاتجاه إلى التكافل الاجتماعي 0
    ب ـ نظرة الأبناء ، قال تعالى : { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}0 يؤكد معنى التكافل 0
    والتكافل الاجتماعي يؤدي إلى وحدة الأمة وجدانيا وبالتالي إلى استقرارها وأمنها ومن هنا نصل إلى كثير من الطمأنينة النفسية للقادر وغير القادر 0
    2ـ التعامل في المال :
    حرص الإسلام على تأكيد حرمة المال أي حق الإنسان فيما استخلفه الله فيه ، قال تعالى : { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } 0
    كم نهى عن غش الناس في التعامل ، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام : ( من غشنا فليس منا ) ، وقال تعالى : { ويل للمطففين } 0كما أمر بأداء الأمانات ، قال تعالى : { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها }0
    كما أن الله سبحانه أمر بكتابة التعاملات ، قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه 00}0
    كما حرص على احترام التعاقدات ، قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا وأوفوا بالعقود 00}0
    كما حرص على الشهادة لتأكيد الحقوق ، قال تعالى : { ولا يـأب الشهداء إذا ما دعوا} 0 وقال تعالى : { ولا تكتموا الشهادة } 0
    كما أكد على وجوب التنمية ، قال تعالى : { هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور } 0 وهكذا يأمن المجتمع فيأمن الفرد وكل هذه التعاليم تساعد على التداول السليم للأموال وبالتالي إلى استقرار المجتمع والفرد 0
    3ـ المواريث :
    إن نظرة الإنسان إلى المواريث هي امتداد لنظرة الاستخلاف في المال وتوزيع الميراث على الورثة طبقا للقواعد الإسلامية المعروفة يؤكد ما يلي :
    أ ـ معنى العدل ، في التقسيم على المستحقين 0
    ب ـ مراعاة الاحتياجات في منح الذكر مثل حظ الأنثيين 0
    وهكذا يرسي الإسلام مزيدا من القواعد لاستقرار المجتمع الأمر الذي يؤدي إلى مزيد من الاطمئنان النفسي 0
    3ـ قواعد السلوك في المجتمع :
    والقواعد التي وضعها الإسلام للسلوك الاجتماعي يطول شرحها إلا أننا من الممكن أن نوجز بعضا منها فيما يلي :
    أـ قاعدة العلو والوصول إلى حقيقة المعلومة ، ويدخل في ذلك المعلومة الاجتماعية التي تؤثر على العلاقات 0 قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا }0
    ب ـ قاعدة التعاون ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له الأعضاء بالحمى والسهر ) 0
    ج ـ قاعدة الإيثار والسماحة ، قال تعالى : { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } 0 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا قضى وإذا اقتضى ) 0
    د ـ قاعدة القدوة الحسنة ، قال تعالى : { ولكم في رسول الله أسوة حسنة }0 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا خبيثة ) 0
    هـ ـ قاعدة العدالة : قال تعالى : {اعدلوا هو أقرب للتقوى }0
    و ـ قاعدة التناصح لتصحيح السلوك 0
    وهذه القواعد السلوكية وغيرها التي تستمد تأثيرها على الفرد من إيمانه بالعقيدة كفيلة بإيجاد المجتمع الفاضل الذي ينتج الإنسان الفاضل ، وهكذا تتحقق سعادة المجتمع ومن ثم سعادة الفرد النفسية 0
    • الحدود والصحة النفسية :
    الحدود هي العقوبات التي فرضها الله سبحانه وتعالى على مرتكبي الجرائم في المجتمع الإسلامي 0 ويلاحظ أن العقوبات في المجتمع الإنساني مرت بفترة كانت فلسفتها هي فلسفة الانتقام للمعتدي عليه 0 ولذلك كانت تقع أحكام غريبة مثل الحكم بتفتيت الحجر الذي تسبب سقوطه في إصابة شخص 0وهكذا ثم مرت فترة كانت فلسفة العقوبات هي إصلاح حال المجرم 0 وفي هذه الفترة اتجه المشرع إلى تخفيف العقوبات وحتى إلى إلغاء الإعدام على جريمة القتل وتحسين أوضاع المجرمين في السجون وتعليمهم ما ينفعهم ، غير أن الإسلام لم يأخذ بأي من الاتجاهين في موضوع الحدود إذ أن الفلسفة التي تحكم الحدود جميعا هي إصلاح المجتمع من خلال ما يلي :
    أـ علانية تنفيذ الحد ليتعظ الأفراد 0 وهكذا يبتعدون عن الجريمة0
    ب ـ التشدد في العقوبات البدنية كالرجم والقطع والقص أو القتل بالسيف وذلك حتى لا يترك لذوي النفوس الضعيفة الذين يطمعون في سماحة المجتمع أي فرصة للتفكير في ارتكاب أي من الجرائم 0
    ج ـ الربط بين الحدود وإرادة الله ، قال تعالى : { تلك حدود الله فلا تعتدوها }0
    ونظرا لشدة العقوبات في الإسلام فإن القاعدة الشرعية تنص على درء الحدود بالشبهات 0 وهكذا لابد من اليقين لتوقيع الحدود 0 وطبيعي أن التوازن الاجتماعي في الإسلام يقدم مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد وقد كان التطبيق لهذه الحدود صوناً للأمن في المجتمعات الإسلامية 0وهكذا يتحقق ما يلي :
    1ـ الأمن للمجتمع 0
    2ـ الاتعاظ لأفراد المجتمع 0
    3ـ استبشاع الجريمة من خلال استبشاع عقوبتها على أساس شرطي 0
    وهكذا تتحقق مصلحة الفرد من خلال تحقق مصلحة الجماعة والمجتمع 0

  16. #16
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية ضيف الله مهدي
    شخصية مهمة
    تاريخ التسجيل
    10 2006
    المشاركات
    1,832

    مشاركة: الإسلام والصحة النفسية ( حلقات )

    الحلقة التاسعة :
    • العلاقة بين الإسلام والصحة النفسية :
    العلاقة بين الإسلام والصحة النفسية تكمن في مفهومين وهما :
    1ـ هي علاقة الكل بالجزء 0
    2ـ هي علاقة الثابت بالمتغير 0
    وعلى هذا ، فحدود الإسلام تشمل الصحة النفسية وحدود الصحة النفسية لا تشمل الإسلام والإسلام دين خالد باق ، والصحة النفسية قواعدها متغيرة تختلف مع تقدم العلم والمعرفة وتختلف مع العمر من مرحلة إلى مرحلة وتختلف مع الزمن من جيل إلى جيل ، ومن مفهوم أو مدرسة إلى مفهوم ومدرسة 0
    الإسلام عقيدة والصحة النفسية علم والعقيدة دين لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والصحة النفسية كعلم معرض للخطأ والصواب تحكيما وطريقا وتعديلا 0
    • الإسلام والنفس :
    ابتداء ينبغي أن نقرر أن القرآن كتاب عقيدة وليس كتاب علم وأن ما ورد به من معارف علمية كانت على سبيل ضرب الأمثال ، قال تعالى : { ويضرب الله الأمثال للناس } سورة النور 0 وعلى هذا فلا نتصور أن الإسلام بالتالي علم يتصدى للقضايا العلمية 0 وإنما هو منهج حياة وأنه في هذا المنهج يعتمد على جملة قضايا يحددها سبيلا واضحا 0 قال تعالى : { وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه } 0 سورة الأنعام
    ونورد هنا نظرة الإسلام إلى بعض المفاهيم النفسية كما نتصور ، وهي محاولة للاجتهاد فنعرض للصواب والخطأ 0
    أ ـ مفهوم النفس : النفس كما يتحدث عنها علم النفس مشكلة موضع خلاف فبعض الباحثين يعرفون النفس على أساس تركيبي وبعضهم يعرفها على أساس وظيفي 0
    1ـ الأساس التركيبي : أكثر التوصيفات التركيبية شيوعا للنفس هي ما أشارت إليه مدرسة التحليل النفسي أن اعتبار النفس تركيب من أجزاء هي : الهوID ، و الأنا Ego ، والأنا الأعلى Superego ، وأن هذا التركيب بمكوناته هو ما يمكن أن نعتبره النفس ومن الطبيعي أن يكون لهذا التركيب البسيط جزئيات وتفريعات وتطويرات تشمل الكثير من الأفكار والمدارس0
    1ـ الأساس الوظيفي : وبعض الباحثين يسقطون الجانب التركيبي للنفس نظرا للاختلاف البين في مجاله حيث أنه يضيف تركيبا مجردا لا جسم له ، ويلجؤون إلى تعريف النفس باعتبارها التركيب الذي يؤدي الوظائف النفسية الأساسية وهي :
    أ ـ الوظيفة المعرفية بدءً من الإحساس والانتباه والإدراك والتفكير والتصور والتذكر 0
    ب ـ الوظيفة الوجدانية بمكوناتها من المشاعر والانفعالات والعواطف 0
    ج ـ الوظيفة النزوعية بمكوناتها من الحركة والكلام والإرادة والقدرات العامة والخاصة والدوافع 0
    ب ــ النفس في المفهوم الإسلامي : إن النفس في القرآن وردت بمفهوم الذات ، قال تعالى : { وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم } 0 سورة البقرة
    وقد ورد في القرآن صنوف النفس أتصور أنها جزء من مكونات النفس ، وهي :
    1ـ النفس الأمارة : قال تعالى : { إن النفس لأمارة بالسوء } سورة يوسف 0
    2ـ النفس اللوامة : وقد أقسم بها الله ، قال تعالى : {ولا أقسم بالنفس اللوامة } سورة القيامة وفي تصوري أن وجود هذين التكوينين في النفس الإنسانية يتوازى مع مفهوم ( الهو ) في التحليل النفسي وتعني الجزء من النفس الذي يشمل الغرائز والرغبات وغيرها و (الأنا الأعلى ) ، وهو ما يمثل الضمير الذي يشمل نتاج التربية والتعليم من الوالد للأبناء 0 ونتاج الاختلاف بين التركيبين النفسيين هو ما تواضع الباحثون على تسميته بالصراع النفسي الذي ينتهي باتخاذ السلوك موقفا إلى جانب أي من الطرفين وهو ما أشار إليه القرآن في قوله تعالى : { وهديناه النجدين } سورة البلد ، وقوله تعالى : { إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا} سورة الإنسان 0
    وبينما أخذت نظرية التحليل النفسي بحتمية السلوك الإنساني ، أخذ الإسلام بمنهج اختيارية السلوك كما قال تعالى : { وهديناه النجدين } سورة البلد 0
    ومن هنا كانت مسئولية الاختيار تقع على عاتق الإنسان الفرد 0 وقد ذهب المفهوم الإسلامي خطوة أوسع فاعتبر أن السلوك هو محل الحكم قال تعالى : { فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشئمة والسابقون السابقون } سورة الواقعة 0 وفي تقويمنا لسلوك الآخرين فإن الإسلام اتجه إلى التقدير على ظاهر السلوك ، قال عليه الصلاة والسلام : ( أمرت أن آخذ الناس بالظواهر وعلى الله البواطن ) 0 بينما اتجه التحليل النفسي إلى البحث عن الدوافع وتقويمها في اللاوعي الأمر الذي يوقع الإنسان في كثير من الأخطاء لان ما بالداخل ما هو إلا دليل قطعي عليه وما هو إلا رأي الباحث وظنه 0 وفي صراع الإنسان النفسي بين النفس الأمارة واللوامة فإنه يصل في النهاية إلى تغليب جانب الخير في نفسه وهنا يصل إلى درجة من الاطمئنان النفسي يؤكدها إيمانه بالله وغيبه وقضائه وقدره واليوم الآخر والملائكة والنبيين . وهنا تصبح ذاته مطمئنة تستحق أن توصف بلفظ ( النفس المطمئنة ) فإن النفس المطمئنة هدف يقصده كل إنسان خروجا من الصراع النفسي الذي يعيشه 0 وتقويم القرآن للنفس على أساسها أنها الذاتي قد يلزمنا أن نذكر بعض الشيء عن سيكولوجية الذات كمنهج دراسي 0
    والدين هو الذي يعرف الإنسان : إلى أين يسير بعد الحياة والموت؟ إنه يعرفه أن الموت ليس فناء محضا ، ولا عدما صرفا ، إنما هو انتقال إلى مرحلة أخرى . . إلى حياة برزخية بعدها نشأة أخرى توفى فيها كل نفس ما كسبت ، وتخلد فيما عملت ، فلا يضيع هناك عمل عامل من ذكر أو أنثى ، ولا يفلت من العدل الإلهي جبار أو مستكبر ، قال تعالى : { يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم () فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره () ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } بهذا يعيش الإنسان بوجدانه في الخلود ، ويعلم أنه خلق للأبد ، وإنما انتقل بالموت من دار إلى دار 0 والدين هو الذي يعرف الإنسان : لماذا خلق؟ ولماذا كرم وفضل؟ يعرفه بغاية وجوده ، ومهمته فيه ، إنه لم يخلق عبثا ، ولم يترك سدى ، إنه خلق ليكون خليفة الله في الأرض ، يعمرها كما أمر الله ، ويسخرها لما يحب الله ، يكشف مكنوناتها ، ويأكل من طيباتها ، غير طاغ على حق غيره ، ولا ناس حق ربه 0 وأول حقوق ربه عليه أن يعبده وحده ، ولا يشرك به شيئا ، وأن يعبده بما شرع ، على ألسنة رسله ، الذين بعثهم إليه هداة معلمين ، مبشرين ومنذرين ، فإذا أدى مهمته في هذه الدار المحفوفة بالتكليف والابتلاء ، وجد جزاءه هناك في الدار الآخرة: قال تعالى : { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا } 0 بهذا يدرك الإنسان سر وجوده ، ويستبين مهمته في الحياة ، بينها له بارئ الكون ، وواهب الحياة ، وخالق الإنسان 0 إن الذي يعيش بغير دين ـ بغير عقيدة في الله ـ إنسان شقي محروم حقا 0 إنه في نظر نفسه مخلوق حيواني ، ولا يفترق عن الحيوانات الكبيرة التي تدب على الأرض من حوله والتي تعيش وتتمتع ثم تموت وتنفق ، بدون أن تعرف لها هدفا ، أو تدرك لحياتها سرا ، إنه مخلوق صغير تافه لا وزن له ولا قيمة ، وجد ولا يعرف ، كيف وجد ، ولا من أوجده؟ ويعيش ولا يدرى ، لماذا يعيش؟ ويموت ولا يعلم لماذا يموت ؟ وماذا بعد الموت ؟ إنه في شك ـ بل في عمى ـ من أمره كله ، محياه ومماته ، مبدئه ومنتهاه ، كالذين قال الله فيهم : { بل أدارك علمهم في الآخرة () بل هم في شك منها () بل هم منها عمون }0
    إن حاجة الإنسان إلى الدين تنبثق ـ قبل كل شيء ـ من حاجته إلى معرفة حقيقة نفسه وإلى معرفة حقائق الوجود الكبرى ، وأول هذه الحقائق وأعظمها: وجود الله تعالى ووحدانيته وكماله سبحانه، فبمعرفته والإيمان به ـ جل شأنه ـ تنحل عقد الوجود، ويتضح للإنسان الغاية والوجهة ، ويتحدد المنهج والطريق 0

  17. #17
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية ضيف الله مهدي
    شخصية مهمة
    تاريخ التسجيل
    10 2006
    المشاركات
    1,832

    مشاركة: الإسلام والصحة النفسية ( حلقات )

    الحلقة العاشرة :
    حاجة الإنسان إلى الصحة النفسية والقوة الروحية :
    وثمة حاجة أخرى إلى الدين : حاجة تقتضيها حياة الإنسان وآماله فيها ، وآلامه بها ، حاجة الإنسان إلى ركن شديد يأوي إليه ، وإلى سند متين يعتمد عليه ، إذا ألمت به الشدائد ، وحلت بساحته الكوارث ، ففقد ما يحب ، أو واجه ما يكره ، أو خاب ما يرجو، أو وقع به ما يخاف ، هنا تأتي العقيدة الدينية ، فتمنحه القوة عند الضعف ، والأمل في ساعة اليأس ، والرجاء في لحظة الخوف ، والصبر في البأساء والضراء ، وحين البأس 0 إن العقيدة في الله وفي عدله ورحمته ، وفي العوض والجزاء عنده في دار الخلود ، تهب الإنسان الصحة النفسية والقوة الروحية ، فتشيع في كيانه البهجة ، ويغمر روحه التفاؤل ، وتتسع في عينه دائرة الوجود ، وينظر إلى الحياة بمنظار مشرق ، ويهون عليه ما يلقى وما يكابد في حياته القصيرة الفانية ، ويجد من العزاء والرجاء والسكينة ما لا يقوم مقامه ولا يغنى عنه علم ولا فلسفة ولا مال ولا ولد ولا ملك المشرق والمغرب 0 ورضي الله عن عمر إذ قال : " ما أصبت بمصيبة إلا كان لله علي فيها أربع نعم ، أنها لم تكن في ديني ، وأنها لم تكن أكبر منها ، وأنني لم أحرم الرضا عند نزولها ، وأنني أرجو ثواب الله عليها " 0
    أما الذي يعيش في دنياه بغير دين ، بغير إيمان ، يرجع إليه في أموره كلها وبخاصة إذا ادلهمت الخطوب ، وتتابعت الكروب ، والتبست على الناس المسالك والدروب ، يستفتيه فيفتيه ويسأله فيجيبه ، ويستعينه فيعينه ، ويمنحه المدد الذي لا يغلب ، والعون الذي لا ينقطع 0 إن الذي يعيش بغير هذا الإيمان يعيش مضطرب النفس ، متحير الفكر ، مبلبل الاتجاه ، ممزق الكيان ، شبهه بعض فلاسفة الأخلاق بحال ( راقاياك ) التعس ، الذي يحكون عنه أنه اغتال الملك ، فكان جزاؤه أن يربط من يديه ورجليه إلى أربعة من الجياد ، ثم ألهب ظهر كل منها ، لتتجه مسرعة ، كل واحد منها إلى جهة من الجهات الأربع ، حتى مزق جسمه شر ممزق 0 هذا التمزق الجسمي البشع مثل للتمزق النفسي الذي يعانيه من يحيا بغير دين ، ولعل الثاني أقسى من الأول وأشد في نظر العارفين المتعمقين ، لأنه تمزق لا ينتهي أثره في لحظات ، بل هو عذاب يطول مداه ، ويلازم من نكب به طول الحياة 0 ولهذا فإن الذين يعيشون بغير عقيدة راسخة يتعرضون أكثر من غيرهم للقلق النفسي ، والتوتر العصبي ، والاضطراب الذهني ، وهم ينهارون بسرعة إذا صدمتهم نكبات الحياة ، فإما انتحروا انتحارا سريعا ، وإما عاشوا مرضى النفوس ، أمواتا كالأحياء 0 وهذا ما يقرره علماء النفس وأطباء العلاج النفسي في العصر الحديث وهو ما سجله المفكرون والنقاد في العالم كله 0 يقول المؤرخ الفيلسوف ( آرنولد توينبى ) : " الدين إحدى الملكات الضرورية الطبيعية البشرية ، وحسبنا القول بأن افتقار المرء للدين يدفعه إلى حالة من اليأس الروحي ، تضطره إلى التماس العزاء الديني على موائد لا تملك منه شيئا " 0 ويقول الدكتور ( كارل بانج ) في كتابه ( الإنسان العصري يبحث عن نفسه ) : " إن كل المرضى الذين استشاروني خلال الثلاثين سنة الماضية ، من كل أنحاء العالم ، كان سبب مرضهم هو نقص إيمانهم ، وتزعزع عقائدهم ولم ينالوا الشفاء إلا بعد أن استعادوا إيمانهم"0 ويقول ( وليم جيمس ) فيلسوف المنفعة والذرائع : " إن أعظم علاج للقلق ـ ولا شك ـ هو الإيمان" 0 ويقول الدكتور ( بريال ) : " إن المرء المتدين حقا لا يعاني قط مرضا نفسيا " 0 ويقول ( ديل كارنيجي ) في كتابه ( دع القلق وابدأ الحياة ) : " إن أطباء النفس يدركون أن الإيمان القوي والاستمساك بالدين ، كفيلان بأن يقهرا القلق ، والتوتر العصبي ، وأن يشفيا من هذه الأمراض " 0 وقد أفاض الدكتور( هنري لنك ) في كتابه ( العودة إلى الإيمان ) في بيان ذلك والتدليل عليه بما لمسه وجربه من وقائع وفيرة ، خلال عمله في العلاج النفسي 0
    ولا شك أن التمسك بالدين الإسلامي وبكل ما جاء به يمنح الفرد الإيمان الكامل ، والذي تتولد عنه الصحة النفسية في أعلى مستوياتها 0

    الأسرة المستقرة نفسيا :
    ويوصي الإسلام بالأسرة المستقرة وينهي عن الانفصال بين الأزواج ، ويضع قواعد الاستقرار ويضيق فرص الطلاق إلى أبعد درجة. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أبغض الحلال عند الله الطلاق ) 0 وقامت في الأيام الأخيرة علاجات شتى للأسرة وتقدم هذا النوع من العلاج، وأصبح له دوره الهام في العلاج النفسي عن طريق علاج الأسرة 0 ونجد أن القرآن الكريم يوصي عند بدء الشقاق والخوف من استفحاله في الأسرة بتدخل كبار أعضائها بالتوفيق بين الزوجين حفاظاً على كيان الأسرة واستقرارها النفسي الهام 0 ويقول سبحانه وتعالى : { وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا }.
    ووضع الإسلام للأسرة مسئوليات وحمل كل أعضائها قسطا من هذه المسئوليات وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته 000 الحديث ) 0 وحمل الأبناء مسئولية احترام الآباء والعطف عليهم ، وقرن عبادة الله عز وجل بالإحسان للوالدين في قوله تعالى : { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً } 0وتبلغ التوصية بإكرام الوالدين أ قصاها من قوله تعالى حاضاً على استمرارية الاحترام والمعروف في علاقة الأبناء بالآباء : { وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً } 0 وهذا هو قمة الحفاظ على العلاقات الأسرية لما لها من أهمية في ميدان الصحة النفسية 0

    الإسلام والعمل: حث الإسلام على العمل ووضع له آداباً وقوانين عديدة ، وفضل العاملين على غير العاملين وأجزل الثواب للعاملين المحسنين، وحذر المتهاونين الكسالى قال تعالى : { وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون } 0 وقال تعالى : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً } وحث على استمرارية الصبر في العمل وبين بجلاء أن الصبر كفيل بتحقيق وكفيل النجاح وكفيل بزيادة الإنتاج 0 ومعلوم أن الصبر من مقومات الصحة النفسية كما ينمي الطاقات البشرية ويزيد من رصيدها ومن إفراز المواد التي ، اكتشفت حديثاً والتي تزيل الآلام وتؤدي إلى استقرار الصحة النفسية 0

    بناء الأسرة الصالحة:
    كما هدف الإسلام إلى تكوين الفرد أو الإنسان الصالح، بوصفه اللبنة الأساسية في البنيان الاجتماعي للأمة، هدف كذلك إلى بناء الأسرة الصالحة، التي هي الخلية الأولى والضرورية لقيام المجتمع الصالح 0
    ولا خلاف أن الزواج ـ الذي يربط بين الرجل والمرأة برباط مقدس ـ هو أساس تكوين الأسرة المنشودة، فلا مكان لقيام أسرة صالحة، أو أسرة حقيقية بغير الزواج، كما شرعه الله تعالى 0
    أفكار منحرفة عارضت الزواج:
    عرفت الإنسانية في القديم والحديث أفكارا ومذاهب تعارض فكرة الزواج 0
    ففي فارس ظهرت قبل الإسلام فلسفة "ماني" الذي يزعم أن العالم ملئ بالشر، ويجب فناؤه، ومنع الزواج أقرب وسيلة إلى المسارعة بفناء العالم 0
    وفي ظل النصرانية ظهرت "الرهبانية" العنيفة، التي تفر من الحياة، وتلجأ إلى الأديرة، وتحرم الزواج، لأن المرأة فتنة مجسمة، وشيطان في صورة إنسان، والقرب منها خطيئة تلوث الأرواح، وتبعد عن ملكوت السماء 0
    وفي العصر الحديث وجد في الغرب فلاسفة متشائمون، صبوا جل سخطهم على المرأة، وقالوا: إنها حية تسعى لين مسها، قاتل سمها، والزواج يعطيها فرصة لتتحكم في الرجل، وتثقله بالقيود والتكاليف، فلماذا يضع الرجل ـ باختياره ـ الغل في عنقه، وقد خلق حرا؟
    ومن المؤسف أن بعض شبابنا "العصريين" غرتهم هذه الأفكار، فأعرضوا عن الزواج، لما وراءه من مسئوليات وتكاليف وقيود، وهم يريدون أن يعيشوا العمر كله أطفالا يعبثون، لا يحملون عبئا، ولا يتحملون تبعة، فإن غلبتهم الشهوة، ونادتهم الغريزة، ففي مباءات الحرام الخبيث، ما يغنيهم عن طيب الحلال 0
    إن بالزواج السعيد ترتفع مؤشرات الصحة النفسية عند الأفراد 0

  18. #18
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية ضيف الله مهدي
    شخصية مهمة
    تاريخ التسجيل
    10 2006
    المشاركات
    1,832

    مشاركة: الإسلام والصحة النفسية ( حلقات )

    الحلقة الحادية عشرة
    الإسلام يرغب في الزواج:
    أما الإسلام فقد رفض تلك الأفكار المنحرفة ، والمذاهب المتشائمة ( المذكورة في نهاية الحلقة السادسة ) ولم يقبل الرسول صلى الله عليه وسلم الرهبانية في الإسلام ، ونهى عن التبتل (الانقطاع عن الزواج للعبادة ) ووجه نداءه إلى الشباب يحثهم على الزواج : ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ) 0
    وكان صلى الله عليه وسلم إذا علم من بعض أصحابه نزوعا إلى التبتل ، وإغراقا في التزهد والتعبد ، نهاهم عن الغلو، وأمرهم بالقصد ، وردهم إلى صراط المستقيم، وحكمه الوسط العدل0
    روى الشيخان عن أنس رضي الله عنه قال جاء رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا ( أخبرتهم زوجاته ) كأنهم تقالوها (اعتبروها قليلة ) فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر 0فقال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا ، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء ، فلا أتزوج أبدا ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟أما والله إني لأخشاكم لله ، وأتقاكم له ، ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ) 0
    مقاصد الإسلام من الزواج:
    1ــ سنة الله في هذا الكون أن لا شيء فيه يستطيع أن يؤدي مهمته وحده، بل خلقه الله محتاجا إلى الاتصال بغيره من نوعه ليكمل به ويكمله، فلا بد أن يتصل الموجب بالسالب في عالم الكهرباء حتى يحدث التيار، وآثاره من الضوء والحرارة والحركة وغيرها، وكذلك لا بد أن يتصل الإلكترون بالبريتون في عالم الذرة 0 ولا بد من اتصال حبوب التذكير بحبوب التأنيث في عالم النبات حتى ينتج الزرع والشجر، ويخرج الحب والثمر، ولا بد من اتصال الذكر والأنثى في عالم الحيوان حتى يحدث الدر والنسل 0
    وإلى هذه السنة الكونية العامة أشار القرآن الكريم، فقال تعالى: { ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون } 0
    وقال تعالى :{ سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون }0
    واستجابة لهذه السنة شرع الله سبحانه في عالمنا الإنساني لونا رفيعا كريما من الاتصال بين الرجل والمرأة يليق بمكانة الإنسان وكرامته ، وهو ما نسميه ( الزواج ) 0
    لقد أودع الله صدر الرجل حنينا إلى المرأة وأودع صدر المرأة حنينا إلى الرجل، فلا يزال كل منهما يحس بحاجة تناديه فوق المأكل والمشرب، يشعر بفراغ في كيانه النفسي لا يملؤه إلا هذا اللقاء على شرع الله وسنته ( الزواج ) فيستقر بعد اضطراب ، ويطمئن بعد قلق ، ويجد كلاهما في صاحبه السكون والمودة والرحمة، تغمر جوانحه، وتضئ جوانب حياته، وهذه آية من آيات الله الكبرى في هذا الوجود، لفتنا إليه الكتاب العزيز قال تعالى : { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } 0
    2ـ وبالزواج يحدث النسل ، الذي يمتد به وجود الإنسان، فيطول عمره ، ويتصل عمله ، بذريته الصالحة من بعده ، ولهذا امتن الله على عباده فقال سبحانه وتعالى : { والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات } 0
    ولهذا دعا نبي الله زكريا عليه السلام ربه فقال كما قال تعالى : { رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين } 0
    وقال تعالى : { فهب لي من لدنك وليا، يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا }0
    ودعا أبو الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام ربه فقال كما قال تعالى : { رب هب لي من الصالحين، فبشرناه بغلام حليم } 0
    وقال تعالى : { الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء }
    وذكر القرآن الكريم من أوصاف عباد الرحمن : { والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين } 0
    وبالنسل تنمو الأمة ، ويكثر عددها، فتعمر أرضها وتستغل كل طاقاتها ، وتقوى على مجابهة أعدائها ، ولا شك أن لكثرة العدد قيمة في ميزان القوى العالمية 0ومن هنا امتن الله على قوم بالكثرة، فقال على لسان شعيب عليه السلام لقومه : { واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم }، وقال صلى الله عليه وسلم : ( تزوجوا، فإني مكاثر بكم الأمم، ولا تكونوا كرهبانية النصارى ) 0
    وبالنسل يبقى النوع الإنساني كله ، وتستمر حياته على الأرض إلى ما شاء الله من أجل معلوم0 قال تعالى : { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء } 0
    وقال تعالى : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا}0
    3ـ الزواج تمام الدين للمرء المسلم، به يغض بصره، ويعف نفسه ، ويجد متنفسا لشهوته في الحلال، فلا يفكر في الحرام، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم عن الزواج : ( أنه أغض للبصر وأحصن للفرج ) 0
    وقال صلى الله عليه وسلم : ( من رزقه الله امرأة صالحة ، فقد أعانه على شطر دينه ، فليتق الله في الشطر الباقي ) 0
    والشطر: النصف 0
    4ـ الزواج ليس حفظا للدين فحسب ، ولكنه أيضا من مقومات السعادة الدنيوية ، التي لا يكرهها الإسلام ، بل يحبها لأتباعه ، ويوفرها لأبنائه ، ليفرغهم لما هو أعظم، من السمو بالنفس ، والاتصال بالملأ الأعلى قال صلى الله عليه وسلم : ( الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة ) 0
    وقال صلى الله عليه وسلم : ( أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء ) 0
    وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من سعادة ابن آدم ثلاثة، ومن شقاوة ابن آدم ثلاثة ، من سعادة ابن آدم: المرأة الصالحة ، والمسكن الصالح ، والمركب الصالح ، ومن شقاوة ابن آدم: المرأة السوء ، والمسكن السوء ، والمركب السوء ) 0
    5ـ الزواج هو الطريق الوحيد لتكوين الأسرة التي هي نواة المجتمع ، وأساس بنائه ، ولا يقوم مجتمع إنساني كريم ، إلا إذا قامت قبله الأسرة ، ففي ظلال الأمومة والأبوة ، والبنوة والأخوة ، تغرس المشاعر الطيبة والعواطف الخيرة من المحبة والإيثار والعطف والرحمة والتعاون 0
    6ـ بالزواج تنمو الصلات الاجتماعية ، فيضم الإنسان عشيرة إلى عشيرته ، وأسرة إلى أسرته ، أولئك هم أصهاره وأخوال أولاده وخالاتهم 0وبذلك تتسع دائرة الألفة والمودة، والترابط الاجتماعي ، فقد جعل الله المصاهرة لحمة كلحمة النسب ، قال تعالى : { وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا، وكان ربك قديرا } 0
    7ـ بالزواج تتاح الفرصة الملائمة التي تكتمل بها شخصية الرجل بتحمله مسئوليته زوجا وأبا ، وتكتمل شخصية المرأة بتحمل مسئوليتها زوجة وأما 0
    إن كثيرا من الرجال يفرون من الزواج ، لأنهم يريدون أن يعيشوا عمرهم أطفالا كبارا، دون رباط يربطهم، أو بيت يضمهم، أو تبعة تلقى على كواهلهم 0 ومثل هؤلاء لا يصلحون للحياة، ولا تصلح بهم الحياة ، أما الزواج فإنه رباط وميثاق غليظ، ومسئولية مشتركة بين الرجل والمرأة من أول يوم ، قال تعالى : { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة } وقال تعالى : { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم، فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله } 0
    وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته: فالرجل راع في أهل بيته وهو مسئول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها 000) 0
    8ـ بالزواج يتفرغ الرجل لإتقان أعماله في خارج البيت، مطمئنا إلى أن في بيته من يدبر أمره، ويحفظ ماله، ويرعى أولاده 0وفي هذا ما يعينه على إحسان العمل وزيادة الإنتاج، بخلاف ذلك القلق المضطرب المشغول ، الموزع بين عمله وبيته ، وبين هم شغله في الخارج وهم مطعمه ومشربه وملبسه في الداخل 0
    وقديما قيل :
    إذا لم تكن في منزل المرء حرة تدبره ، ضاعت مصالح داره !

    بعد ما قرأتم بماذا خرجتم ؟

  19. #19
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية ضيف الله مهدي
    شخصية مهمة
    تاريخ التسجيل
    10 2006
    المشاركات
    1,832

    مشاركة: الإسلام والصحة النفسية ( حلقات )

    الحلقة الثانية عشرة :
    وصايا للراغبين في الزواج:
    يعمل الإسلام على إقامة الزواج على ركائز متينة ، من التفاهم والتراضي بين الزوجين، وأهل كل منهما، حتى يتم على أساس مكين، لا تزعزعه عواصف الحياة مهما اشتدت 0 ولهذا يوصى من أول الأمر بوصايا غاية في الأهمية ، ومنها :
    1ـ حسن اختيار شريك الحياة:
    أول هذه الوصايا: أن يحسن كل واحد منهما اختيار شريك حياته، ولا يكون همهما المظهر البراق وحده، فالمظاهر قد تخدع، والإنسان لا يقوم بحسن مظهره، بل بحسن جوهره 0ولهذا حثت الأحاديث النبوية الشريفة ، على اختيار الزوجة الصالحة ، وإيثارها على الزوجة الغنية أو ، الزوجة الفاتنة الجمال أو الزوجة ذات النسب العريق 0
    والمراد بالزوجة الصالحة: ذات الدين والخلق 0
    وفي الحديث الشريف : ( الدنيا متاع وخير متاعها ، المرأة الصالحة ) 0
    وقال أيضا عليه الصلاة والسلام : ( تنكح المرأة لأربع: لمالها ولنسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك ) 0
    وفي حديث آخر : ( فعليك بذات الدين والخلق تربت يمينك ) 0
    وكذلك حث المرأة وأولياءها على اختيار الزوج الصالح لا مجرد الزوج ذي المال أو ذي النسب والجاه 0
    والزوج الصالح: هو ذو الدين والخلق 0
    قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ، أو كبير 0
    2ـ النظر إلى المخطوبة:
    ومع هذا لا بد أن يكون كلاهما من حيث الشكل والصورة مقبولا عند صاحبه، وهذا يختلف من شخص لآخر، ولأجل هذا شرع الإسلام النظر قبل الزواج 0
    وقد قال المغيرة بن شعبة رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: خطبت امرأة، فقال: ( أنظرت إليها؟ ) قال: لا، قال : ( اذهب فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما )0 وذلك لأن العين رسول القلب ، وهذا النظر قبل الزواج إذا كان معه القبول يفتح قلب كل منهما لصاحبه، ولا بأس أن يراها بغير علمها، حتى لا يجرح مشاعرها لو رآها وهي تعلم، ثم لم تعجبه 0وقد قال جابر رضي الله عنه : " كنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها " 0
    ومن حق المرأة أن تنظر إلى الرجل، كما ينظر الرجل إليها، فإنه يعجبها من الرجل ما يعجب الرجل منها 0
    ولا يكفي أن ينظر إليها فقط، بل لا بد أن يتحدث إليها وتتحدث إليه ، ليتعرف كل منهما على ملامح شخصية صاحبه، ولو بصورة مبدئية، والرؤية لا تكشف ذلك، إنما يكشفها الحديث والسؤال والجواب 0
    ومما يؤسف له أن المسلمين في عصرنا وقعوا بين طرفي الإفراط والتفريط، فهناك من يرفض مجرد الرؤية من الخاطب لابنته، بل بعضهم يرفض أن يراها، حتى بعد العقد عليها، ولا يراها إلا ليلة البناء بها، مع أنها تذهب إلى المدرسة أو الجامعة أو السوق ، ويراها كل الناس ما عدا خاطبها 0
    وهناك ـ على نقيض هؤلاء ـ من يسمحون للخاطب بالخلوة بالمخطوبة، ولم يعقد عليها بعد، والخروج متأبطا ذراعها إلى الخلوات والنزهات والأسواق ، وغير ذلك 0
    وإنما يضيع الدين والأخلاق بين الغلاة والمتسيبين!
    3ـ ضرورة رضا الفتاة:
    ولا يجوز لأب أن يزوج ابنته ممن يريدها هو، وإن كانت هي لا تريده، بل لا بد أن توافق عليه صراحة أو ضمنا، وذلك بالسكوت إذا غلبها الحياء، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : ( الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صمتها ) 0 وقد روى البخاري عن خنساء بنت خدام الأنصارية: أن أباها زوجها، وهي ثيب، فكرهت ذلك، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحه 0
    وروى أبو داود عن ابن عباس: أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت أن أباها زوجها، وهي كارهة، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم 0
    ولا ينبغي للآباء أن يستبدوا بزواج بناتهن ، ويضربوا بعواطفهن عرض الحائط 0 فعن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: إن عندنا يتيمة، وقد خطبها رجل معدم ، ورجل موسر ، وهي تهوى المعدم ، ونحن نهوى الموسر،فقال صلى الله عليه وسلم: ( لم ير للمتحابين مثل النكاح ) 0 ( القرضاوي ، أنترنت ) 0
    وينبغي أن يتم الزواج برضا الأطراف كلها من أسرة المرأة ، وأسرة الرجل ، لهذا اشترط الفقهاء إذن ولي المرأة بل حضوره العقد ، وجعل ذلك بعضهم أمرا مستحبا لا واجبا ، ولهم في ذلك أدلة من القرآن والسنة، تبحث في كتب الفقه 0
    والأولى ألا تتزوج المرأة بغير إذن وليها ، حتى لا يلعب بها الزوج بعد ذلك ، ويضيع حقوقها ولا تجد من يدافع عنها 0
    بل الأولى أن تشاور المرأة في زواج ابنتها ، كما ورد في الحديث : ( آمروا النساء في بناتهن ) لأن الأم أعرف بابنتها من أبيها ، ولأنها إذا لم توافق على الزواج فقد تنكد عيش زوج ابنتها بعد ذلك 0
    يقول الأستاذ عبد الحليم أبو شقة رحمه الله في موسوعة تحرير المرأة في عصر الرسالة:
    "إن حضور الولي عقد الزواج كما يثبت إقرار العائلة لهذا الزواج، يساعد على تأكيد أن رابطة الزواج لا تقتصر على علاقة حميمة بين شخصين رجل وامرأة، بل هي كذلك صلة وثيقة بين عائلتين أو عشيرتين، وكما يحضر ولي أمر المرأة فيندب حضور والد الرجل فضلا عن أقارب الزوجين حتى يكون هذا الزواج بداية التحام بين العائلتين " 0
    وفي هذا المعنى يقول الإمام محمد عبده رحمه الله :
    "لا يخفى أن أحكام الشريعة المقدسة ترشدنا إلى أن المصاهرة نوع من أنواع القرابة، تلتحم بها العائلات المتباعدة في النسب، وتتجدد بها صلات الألفة والاتحاد، فقد حرم الله على الشخص أن يتزوج بأمه أو أنثى من أصولها وفروعها، كما حرم عليه أن يتزوج بأخته أو أنثى من أصول نفسه وفروعه 0
    وكذلك حرم على زوجته أن تقترن بشيء من أصوله أو فروعه، كأنما أنزل الله كلا من الزوجين منزلة نفس الآخر، حتى أنزل فروع كل منهما وأصوله بالنسبة إلى الآخر منزلة أصوله نفسه وفروعه 0 فهذه حكمة بالغة أقامها الشرع لنا برهانا واضحا على أن اتصال إحدى العائلتين بالأخرى بطريق المصاهرة ، مساو لنفس القرابة النسبية في الأحكام والحقوق والاحترام ، وهذا هو الموافق لما عليه طبيعة الاجتماع الإنساني 00 فمن كانت له ابنة ، وهو يميل إليها ميل الوالد إلى ولده، ثم قضت سنة الله في خلقه بأن يقترن بها شخص من الناس، فمقتضى محبة الوالد لابنته أن يطلب لها جميع الخيرات ويود لو بلغت أقصى درجات السعادة، وحيث إن سعادتها يبعد أن تكون بدون سعادة زوجها الذي هي مقترنة به ، فمن الواجب عليه أن يميل إلى زوجها ميله إلى نفسها ، ويكون عونا له على سعادتها، لتتصل بها سعادة ابنته ، وهكذا كل من ينتسب إليها بنوع من القرابة ، فعليهم أن يكونوا على طراز من المحبة لزوجها ، مثل ما هم عليه بالنسبة إليها" 0 ( القرضاوي ، انترنت ) 0
    حقوق المعاشرة بين الزوجين:
    الزواج عقد وثيق ، وشركة مقدسة ، حرص الإسلام على أن تدوم وتستقر وتتوطد، ففرض لكل من الزوجين حقوقا، وألزمه واجبات ، بحيث إذا التزماها سعاد بحياة زوجية هانئة وارفة الظلال 0
    وخلاصة هذه الحقوق والواجبات تتركز في كلمة واحدة هي المعاشرة بالمعروف قال تعالى: { وعاشروهن بالمعروف } 0 وقال تعالى : { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف } ، والمعروف هنا: ما يقره العرف السليم ، ويعتاده أهل الاعتدال والاستقامة من الناس ، من الصحبة الجميلة، وكف الأذى، بل احتماله من صاحبه، وبذل الحق دون مطل ، مع البشر وطلاقة الوجه، ولا يتبعه أذى أو منة 0 والجميل حقا: أن الآية السابقة جعلت الحقوق والواجبات متبادلة بين الزوجين، فكل حق يقابله واجب 0
    قال ابن عباس رضي الله عنهما: إني لأحب أن أتزين لامرأتي، كما أحب أن تتزين لي، لقوله تعالى : { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف } وهو فهم دقيق لمفهوم الآية الكريمة 0
    ولكن الآية الكريمة جعلت للرجال على النساء درجة ، فما هذه الدرجة؟ بعض المفسرين ذهب إلى أنها درجة القوامة والمسؤولية عن الأسرة ، وهذه المسؤولية توجب على الرجل أعباء أكثر من المرأة 0 ولهذا نقل القرطبي عن ابن عباس في قوله تعالى : { وللرجال عليهن درجة } قال: الدرجة إشارة إلى حض الرجل على حسن العشرة ، والتوسع للنساء في المال والخلق ، أي أنه الأفضل فينبغي أن يتحامل على نفسه 0 قال ابن عطية: وهذا قول حسن بارع 0
    واختار الطبري أن أولى الأقوال في تفسير الآية: أن الدرجة التي ذكرها الله تعالى هنا، هي: الصفح من الرجل لامرأته عن بعض الواجب عليها، وإغضاؤه لها عنه، وأداء كل واجب لها عليه، وذلك ليكون للرجل فضل درجة عليها 0
    وهناك حقوق مشتركة بين الزوجين، مثل الاحترام المتبادل ، والتشاور فيما يهم الأسرة ، كما قال تعالى في شأن الوالدات المرضعات : { فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما } ، البقرة 0
    ومنها: حقوق المعاشرة الجنسية ، فهي حق لكل منهما على صاحبه بالمعروف في حدود الطاقة، كما قال تعالى : { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن } 0 وإنما عبر عن هذه العلاقة باللباس ، لما توحي به الكلمة من الزينة والستر واللصوق والدفء 0
    ومنها: حق التعاون في السراء والضراء ، على البر والتقوى ، فإذا كان ذلك مطلوبا من المسلمين جميعا ، فأولى من يطلب منهم ذلك الرجل وامرأته 0
    ومنها: حق حفظ أسرار الزوجية ، فلا يجوز لأحدهما أن يفشي سر صاحبه ، ففي ذلك خيانة للأمانة المشتركة 0
    ومنها: حق التجمل الذي أشار إليه ابن عباس بقوله: أتزين لامرأتي ، كما تتزين لي امرأتي 0
    وأخيرا إذا كانت الأجواء الأسرية مبنية على ما قدمته أعلاه ، فإن أهل تلك الأجواء سيتمتعون بكامل الصحة النفسية ، التي أتحدث عنها منذ أول يوم في هذا الشهر المبارك 0
    ولا أجد أي تعليق إلا من قلة ، ولم يثبت البعض الموضوع رغم أهميته 00 وأنا أقدم هذه الحلقات في سبعة منتديات 00 صحيح أنني لم أرد على بعض التعليقات لأني سأرد في النهاية 0

  20. #20
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية ضيف الله مهدي
    شخصية مهمة
    تاريخ التسجيل
    10 2006
    المشاركات
    1,832

    مشاركة: الإسلام والصحة النفسية ( حلقات )

    الحلقة الثالثة عشرة :
    حقوق الزوجة :
    1ـ المهر: وهو خالص حق المرأة، فلا يحل للزوج أن يمطلها به إذا طلبته، أو يسترده منها ـ كله أو بعضه ـ بعد دفعه لها، فإذا تنازلت له عن شيء منه راضية غير مكرهة فلا بأس بأخذه0 قال تعالى : { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة، فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا } 0
    وإذا رضي الزوج بالزيادة على ما تراضيا عليه فلا حرج في ذلك 0قال تعالى : { وآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } 0وأجورهن أي مهورهن
    2ـ النفقة: فالزوجة لا تلزمها نفقة نفسها وإن كانت غنية، وإنما تلزم الزوج، لأنه هو الراعي المسئول عنها، وقد أصبحت تحت رعايته وحمايته، مكلفة بتدبير بيته، والقيام بمطالبه، وتربية ولده 0
    وتشمل هذه النفقة:
    أ ـ الطعام والشراب الكافيان 0
    ب ـ الكسوة للشتاء والصيف 0
    ج ـ المسكن الملائم 0
    د ـ العلاج إن مرضت 0
    هـ ـ خادم، إن كانت ممن يخدم مثلها عرفا 0
    و ـ مؤنسة إن كانت في مكان موحش تخشى فيه على نفسها من عدو أو لص 0
    والأصل في إيجاب هذه الأشياء: أن تركها ينافي المعاشرة بالمعروف التي أمر الله بها 0
    وفي الحديث الشريف : ( اتقوا الله في النساء، فإنهن عوان عندكم، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) ، والمعروف هو قدر الكفاية التي يعرفها العرف، بحسب قدرة الزوج، ومكانة الزوجة 0
    قال تعالى : { لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما أتاه الله، لا يكلف الله نفسا إلا ما أتاها } 0
    وإذا كان الزوج موسرا ولكنه يقتر على زوجته وولده، وقدرت على الأخذ من ماله، فلها الأخذ منه بغير إذنه، بقدر كفايته وكفاية ولدها منه، لما روى البخاري ومسلم: أن هندا امرأة أبي سفيان قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي، فقال صلى الله عليه وسلم : ( خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ) 0
    وإنما رخص لها بأخذ كفايتها بدون إذنه، لأن الحاجة قاضية بذلك، إذ لا غنى عن النفقة ولا قوام إلا بها، وهي تتجدد بتجدد الزمن، فتشق المرافعة بها إلى الحاكم ، والمطالبة بها كل يوم0 والمرأة إذا نشزت وتمردت على زوجها سقطت نفقتها، لأنها لم تف بحقه عليها، فلم تستحق نفقته 0
    وإذا عجز الزوج عن الإنفاق على زوجته ، وتعذرت عليها النفقة بالاستدانة وغيرها، كان لها الحق في أن تطلب فسخ الزواج، إذ لا حياة بدون نفقة، وقد قال تعالى : { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } 0 وقد تعذر الإمساك بالمعروف، فتعين التسريح بالإحسان، لحديث : ( لا ضرر ولا ضرار ) 0 وإذا أمكنها أن تصبر فهو أولى ، لأنه من مكارم الأخلاق 0
    3ـ التلطف والمؤانسة : وليست حاجة المرأة من زوجها مادية تقتصر على النفقة والكسوة ونحوها، فحسب، بل لها حاجة نفسية أن يتلطف بها، ويطيب نفسها ويدخل السرور عليها، فهذا من تمام المعاشرة بالمعروف 0
    ولا يظن أحد أن هذا مما ينافي وقار الرجل ويسقط من هيبته 0فقد كان سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم يسابق عائشة زوجه فتسبقه مرة، ويسبقها أخرى ويقول لها : ( هذه بتلك )0
    وقالت عائشة رضي الله عنها : " كنت ألعب بالبنات العرائس أو ألعب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته ، وكان لي صواحب يلعبن معي ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل ينقمعن ( يستخفين ) هيبة له فيسربهن إلي فيلعبن معي" 0 وقالت : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه، وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد، حتى أكون أنا الذي أسأمه، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن، الحريصة على اللهو" 0
    4ـ صيانة كرامتها : وعلى الزوج أن يعرف لزوجته حرمتها ويصون كرامتها، فلا يؤذيها بسب أو قول خارج ، ولا يفضي سر ما بينهما أمام الناس، ولا ينتقص أهلها، ولا يتجسس عليها ويتتبع عثراتها، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم المسافر أن يطرق أهله ليلا عند عودته يتخونهم أو يطلب عثراتهم، لما في ذلك من سوء الظن، وإفساد المودة 0
    ومن حق الزوج أن يغار على زوجته ، ولكن دون إفراط، ولئلا يساء الظن بها، وترمى بالشر من أجله ، والخير في الوسط، وكل أمر زاد عن حده انقلب إلى ضده ، وفي الحديث الشريف:
    ( إن من الغيرة ما يحب الله، ومن الغيرة ما يبغض الله، فأما الغيرة التي يحب الله، فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يبغضها الله فالغيرة في غير الريبة ) 0
    والريبة: أن يرى على سلوك المرأة قرائن ودلائل تقتضي الشك والارتياب، فلا يجوز أن يسد أذنا من طين وأخرى من عجين، حتى لا يكون ( ديوثا ) 0
    5ـ الصبر والاحتمال : والمرأة ليست ملاكا ـ كما يتوهم بعض السابحين في الخيال ـ وإنما هي إنسان يحسن ويسيء، ويصيب ويخطئ ، وعلى الرجل أن يصبر ويحتمل حفاظا على الحياة الزوجية أن تنهدم 0
    وفي الحديث الشريف ( استوصوا بالنساء خيرا ) ( أن المرأة كالضلع (أي لا تخلو من عوج)، إن ذهبت تقيمها كسرتها، وإن استمتعت بها، استمتعت بها وفيها عوج ) ، ويراد بالعوج في المرأة: غلبة الجانب العاطفي عليها أكثر من الرجل، فلا بد من مداراتها والصبر عليها، استبقاء لدوام العشرة، وإلا فتقويم الضلع لا يكون إلا بكسره، وهو أمر غير مرغوب ولا محمود 0
    وفي الحديث الآخر : ( لا يفرك ـ أي لا يكره ـ مؤمن مؤمنة، إن سخط منها خلقا رضي منها آخر )0 وبذلك ينظر إليها نظرة عادلة، يذكر محاسنها، كما يذكر عيوبها، وأي إنسان سلم من العيوب؟!
    إن الرجل المسلم حقا هو الذي يغلب الواقع على الخيال ، ويحكم العقل في العاطفة ، حتى أنه ليضغط على نفسه مع شعوره بالكراهية ، لتستمر الحياة الزوجية ، استجابة لقول الله تعالى :
    { وعاشروهن بالمعروف ، فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا }0
    حقوق الزوج:
    وللزوج على زوجته حقوق يجب أن ترعاها، لتتم المعاشرة بالمعروف كما أمر الله تعالى، أهمها:
    1ـ الطاعة في المعروف : وذلك أن كل شركة لا بد لها من رئيس مسئول، والرجل قد رشحته الفطرة، ورشحه ما يدفعه من مهر ونفقة أن يكون هو سيد البيت والمسئول الأول عن الأسرة، فلا عجب أن يكون له حق الطاعة ، قال تعالى : { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم } 0 وهذه القوامة والمسئولية هي الدرجة التي ميز بها الرجل عن المرأة ، قال تعالى : { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ، وللرجال عليهن درجة } 0
    ويحرم عليها أن تعصي زوجها أو تتركه بغير سبب شرعي ، وفي الحديث الشريف : ( إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع ) متفق عليه 0 وأكد الإسلام حق الزوج في ذلك، فلم يجز لها أن تتطوع بصلاة أو صوم وهو حاضر إلا بإذنه 0قال صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ) متفق عليه 0
    2ـ أن تحفظه في غيبته في نفسها وماله : قال تعالى : { فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله } 0
    وفي الحديث الشريف المتفق عليه نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي المرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها )
    ومن حفظه في نفسه أن تصون أسراره، ولا تأذن بالدخول في بيته لمن يكره من الناس، وقد ذكر الرسول من صفات الزوجة الصالحة : ( إذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله ) 0
    ومن حفظه في ماله ألا تبسط يدها بالإنفاق مسرفة مبذرة، ولا بأس أن تتصدق منه بما جرت به العادة، وهما شريكان في مثوبة الله، وفي الحديث الشريف : ( إذا أنفقت المرأة من بيتها زوجها غير مفسدة، كان لها أجرها، وله مثله بما كسب ) 0
    3ـ أن تعاونه بالمعروف : وقد ذهب كثير من الأئمة إلى أن المرأة ليس عليها خدمة زوجها في عجن وخبز وطبخ وغسل ونحوه من أمور البيت 0وإن كان الأولى لها فعل ما جرت به العادة0 ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية أوجب عليها أن تعاونه بالمعروف من مثلها لمثله0وهذا هو مقتضى قوله تعالى : { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف } 0 وإن كان التعاون مأمور به في كل حال فهو بين الزوجين أولى وأوكد 0
    4ـ تأديبها عند النشوز أو ترك الفرائض : قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة } 0
    وقال تعالى أيضا : { وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها } 0
    ومادام الرجل هو سيد البيت المسئول أمام الله وأمام الناس ، فمن حقه أن يردعها عن ارتكاب المحرمات، أو إهمال الفرائض، أو التهاون في حقوق الزوجية، حتى لا تتعرض الأسرة للانهيار 0 ولكن ذلك يتم في إطار المحافظة على إنسانية المرأة وكرامتها 0
    وإذا كانت هذه الحقوق والواجبات تؤدى كما ينبغي ، فإن تلك الأسرة وأبنائها ، سيعيشون متمتعين بالصحة النفسية 0

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •