أبو العلاء المعري ولد في معرة النعمان أصيب في عامه الرابع بالجدري فعمي كان لا يأكل اللحم أبدا ولم يتزوج قط يلبس الخشن من الثياب زاهدا عن كل أمور الحياة لقب برهين المحبسين لأنه كان أعمى فحبس في ظلمة لا يبصر معها وانقطع عن الناس لا يخرج إليهم متقوقعا في ظلمة منزله
أبو العلاء الشاعر الحكيم الممتلئ تشاؤما وكرها للحياة الحاقد على كل مظاهرها ، الشاعر الذكي القوي البديهة السريع خاطرة المتمكن من كل فنون الشعر يلعب بها كما يشاء
يحكى عن قوة حفظه وذاكرته أنه كان جالسا عند باب منزله وكان يسكن بجواره رجل فارسي وكان غائبا عن داره فجاء إليه رجل من فارس يحمل رسالة له وكان لا يعرف العربية فطرق الباب وصاح به فلم يجبه أحد فناداه أبو العلاء وسأله مابه فلم يفهم عليه فأشار إليه أن قل رسالتك وما تريد من جاري الفارسي وأنا أخبره فأخبره فحفظ أبو العلاء كلامه مع أنه لم يفهم شيئا مما قال فلما جاء الفارسي جار المعري أخبره أبو العلاء بما قاله صاحب الرسالة ولم يخرم منها حرفا فتمعر وجه الفارسي فإذا هو يخبره بموت أمه
كان معجبا بشعر المتنبي يفضله على غيره من الشعراء متعصبا له لا يرضى أن ينتقص أحد من قدره فكان يوما جالسا عند الشاعر الشريف الرضي رحمه الله فكان الشريف ينتقص من المتنبي ويعيبه فقال أبو العلاء لو لم يكن للمتنبي إلا قصيدته " لك يامنازل في القلوب منازل " لكفته فغضب الشريف وقال خذوا برجل الخبيث فجر برجله وأخرج من مجلسه فلما هدأ قال أتدرون ماذا أراد قالوا لا قال أراد قول المتنبي في قصيدته هذه
وإذا أتتك مذمتي من ناقص ........ فهي الشهادة لي بأني كامل
اتهم أبو العلاء بالزندقة واالإلحاد وله قصائد يعترض فيها على أحكام الله وشرعه يقول
أنهيتَ عن قتل النفوس تعمدا ...... وبعثت أنت لقبضها ملكين؟
وزعمت أن لنا معــادا ثانيا ...... ما كان أغناها عن الحالين
ويخاطب الله متساءلا معترضا
إن كان لا يحظى برزقك عاقــل ...... وترزق مجنونا وترزق أحمقا
فلا ذنب يارب السماء على امرئ ...... رأى من ما يشتهي فتزندقا
ويعلق على تناقض بعض أحكام الفقه مثل حكم دية اليد إذا قطعت بخمسمائة دينار ذهبا وإذا سرق أحد من الناس ربع دينار تقطع يده فيعترض قائلا :
تناقضٌ ما لنا إلا السكوت ...... له وأن نعوذ بمولانا من النـار
يد بخمس مئين عسجد وديت ...... ما بالها قُطعت في ربع دينار
ويقول
دين وكفر وأنباء تقص وفــ ......رقان وتوراة وإنجيل
في كل جيل أباطيل يدان بها ...... فهل تفرد يوما بالهدى جيل ؟
ويقول
فلا تحسب مقال الرسل حقا ...... ولكن قول زور سطّروه
وكان الناس في يمنٍ رغيدٍ ......فجاءوا باالمحال فكدروه
نعوذ بالله من الخذلان ومن الحور بعد الكور ومن الكفر بعد الإيمان
ورغم امتلاء شعر أبي العلاء بالزندقة والإلحاد والكفر إلا إن له قصائد تعتبر من عيون الشعر العربي حيث يقول في ديوانه سقط الزند في قصيدته " ضجعة الموت "
غيرُ مجدٍ في ملّتـي واعتقـادي ...... نـوح بـاكٍ ولا تـرنـم شــاد
وشبيهٌ صـوت النعـيّ إذا ...... قِـيس بصوت البشير في كـل نـاد
أبَكَـت تلـكـم الحمـامـة أم غنّت ...... على فـرع غصنهـا الميّـاد
صاح هذي قبورنا تمـلأ الـرُح ...... بَ فأين القبور مـن عهـد عـاد
خفف الوطء مـا أظـن أديـم الـ ...... أرض إلا مـن هـذه الأجسـاد
وقبيـح بنـا وإن قــدُم الـعـهـ ...... د هـوان الآبــاء والأجــداد
سر إن اسطعت في الهواء رويداً ...... لااختيـالاً علـى رفـات العبـاد
رُب لحدٍ قد صار لحـداً مـراراً ...... ضاحكٍ مـن تزاحـم الأضـداد
ودفيـنٍ علـى بقـايـا دفـيـن ...... فـي طويـل الأزمـان والآبـاد
فاسـأل الفرقديـن عمّـن أحسّـا ...... مـن قبيـلٍ وآنسـا مـن بـلاد
كـم أقامـا علـى زوال نهـار ...... وأنـارا لمدلـج فــي ســواد
تعـبٌ كلهـا الحيـاة فـمـا أعـ ...... جب إلا من راغبٍ فـي ازديـاد
إنّ حزناً في ساعة الموت أضعـا ...... ف سرورٍ فـي ساعـة الميـلاد
خُلـق النـاس للبقـاء فضـلّـت ...... أمــة يحسبونـهـم للـنـفـاد
إنمـا ينقلـون مـن دار أعـمـا ...... لٍ إلـى دار شِقـوة أو رشــاد
ضجعة الموت رقدة يستريـح الـ ...... جسم فيها والعيش مثـل السهـاد
أمر عند وفاته أن يكتب على قبره قوله
هذا جناه أبي علي ... وما جنيت على أحد