فحقق الله له الآمال الطيبة، ونشر به الدعوة، وأيد به الحق، وهيأ الله له أنصارا ومساعدين وأعوانا، حتى ظهر دين الله، وعلت كلمة الله فاستمر الشيخ في الدعوة في العيينة بالتعليم والإرشاد، ثم شمر عن ساعد الجد إلى العمل وإزالة آثار الشرك بالفعل، لما رأى الدعوة لم تؤثر، باشر الدعوة عمليا ليزيل بيده ما تيسر، وما أمكن من آثار الشرك، قال الشيخ للأمير عثمان بن معمر : لا بد من هدم هذه القبة التي على قبر زيد . وزيد بن الخطاب رضي الله عنه هو أخو عمر بن الخطاب أمير المؤمنين رضي الله تعالى عن الجميع. وكان من جملة الشهداء في قتال مسيلمة الكذاب في عام 12 من الهجرة النبوية، فكان ممن قتل هناك، وبني على قبره قبة فيما يذكرون، وقد يكون قبر غيره، لكنه فيما يذكرون أنه قبره، فوافقه عثمان كما تقدم، وهدمت القبة بحمد الله، وزال أثرها إلى اليوم ولله الحمد والمنة، أماتها جل وعلا لما هدمت عن نية صالحة، وقصد مستقيم ونصر للحق .
وهناك قبور أخرى منها قبر يقال إنه قبر ضرار بن الأزور ، كانت عليه قبة هدمت أيضا، وهناك مشاهد أخرى أزالها الله عز وجل، وكانت هناك غيران وأشجار تعبد من دون الله جل وعلا، فأزيلت وقضي عليها وحذر الناس عنها. والمقصود أن الشيخ استمر رحمة الله عليه على الدعوة، قولا وعملا كما تقدم، ثم إن الشيخ أتته امرأة، واعترفت عنده بالزنا عدة مرات، وسأل عن عقلها فقيل إنها عاقلة ولا بأس بها، فلما صممت على الاعتراف، ولم ترجع عن اعترافها، ولم تدع إكراها ولا شبهة وكانت محصنة، أمر الشيخ رحمة الله عليه بأن ترجم فرجمت بأمره، حالة كونه قاضيا بالعيينة، فاشتهر أمره بعد ذلك بهدم القبة، وبرجم المرأة، وبالدعوة العظيمة إلى الله، وهجرة المهاجرين إلى العيينة.
وبلغ أمير الأحساء وتوابعها من بني خالد سليمان ابن عريعر الخالدي أمر الشيخ، وأنه يدعو إلى الله، وأنه يهدم القباب، وأنه يقيم الحدود، فعظم على هذا البدوي أمر الشيخ، لأن من عادة البادية- إلا من هدى الله- الإقدام على الظلم، وسفك الدماء، ونهب الأموال، وانتهاك الحرمات، فخاف أن هذا الشيخ يعظم أمره، ويزيل سلطان الأمير البدوي، فكتب إلى عثمان يتوعده، ويأمره أن يقتل هذا المطوع الذي عنده في العيينة، وقال: إن المطوع الذي عندكم بلغنا عنه كذا، وكذا!! فإما أن تقتله، وإما أن نقطع عنك خراجك الذي عندنا.!! وكان عنده للأمير عثمان خراج من الذهب، فعظم على عثمان أمر هذا الأمير، وخاف إن عصاه أن يقطع عنه خراجه أو يحاربه، فقال للشيخ: إن هذا الأمير كتب إلينا كذا وكذا، وإنه لا يحسن منا أن نقتلك، وإنا نخاف هذا الأمير ولا نستطيع محاربته، فإذا رأيت أن تخرج عنا فعلت، فقال الشيخ: إن الذي أدعو إليه هو دين الله، وتحقيق كلمة لا إله إلا الله وتحقيق شهادة أن محمدا رسول الله، فمن تمسك بهذا الدين، ونصره وصدق في ذلك نصره الله وأيده وولاه على بلاد أعدائه، فإن صبرت واستقمت، وقبلت هذا الخير فأبشر، فسينصرك الله ويحميك من هذا البدوي وغيره، وسوف يوليك الله بلاده وعشيرته. فقال: أيها الشيخ إنا لا نستطيع محاربته، ولا صبر لنا على مخالفته.
فخرج الشيخ عند ذلك وتحول من العيينة إلى بلاد الدرعية، جاء إليها ماشيا فيما ذكروا، حتى وصل إليها في آخر النهار، وقد خرج من العيينة في أول النهار مشيا على الأقدام، لم يرحله عثمان ، فدخل على شخص من خيارها في أعلا البلد يقال له محمد بن سويلم العريني ، فنزل عليه ويقال إن هذا الرجل خاف من نزوله عليه، وضاقت به الأرض بما رحبت، وخاف من أمير الدرعية محمد بن سعود فطمأنه الشيخ وقال له: أبشر بخير وهذا الذي أدعو الناس إليه دين الله، وسوف يظهره الله. فبلغ محمد بن سعود خبر الشيخ محمد .



رد مع اقتباس