صيادلة يصرفون أدوية بدون وصفات
لا يجد أي مريض صعوبة في الحصول على الدواء الذي يريده وفي أي وقت يشاء ومن أي صيدلية دون وصفة طبية، وإذا كان البعض ينظر لهذا العمل على أنه يحقق الراحة للمريض لسهولة حصوله على الدواء ودون تكاليف مقابلة الطبيب، فإنه في ذات الوقت يمكن أن يعرضه للخطر ويرى الكثيرون أن توجههم لعيادات الأطباء يكلفهم مقابلاً مادياً كبيراً وبالتالي يمكنهم الاستغناء عن الطبيب في كثير من الحالات ويضطر المريض للتعامل مع الصيدلي لتوفير أتعاب الطبيب خاصة في الحالات غير المستعصية والآلام الخفيفة بدلاً من إنفاق ميزانية الأسرة في عيادات الأطباء، وهو بذلك قد يسبب له مضاعفات هو في غنى عنها، في هذا التحقيق نضع القضية على منضدة التشريح للوقوف على أبعادها ومخاطرها.
شبح يهدد الحياة
في البداية تحدث الدكتور محمود شكري استشاري جلديه يقول: تعد هذه الظاهرة خطيرة على المجتمع، وهي تمثل شبحا يهدد حياة المرضى، إن لم يتم علاجها بحلول سريعة ومناسبة، وهناك أسباب كثيرة تدفع العامة إلى هذه الظاهرة، منها الضعف الاقتصادي لبعض الأسر الفقيرة، أو المتواضعة الدخل، أو وجود تكاليف كبيرة من ناحية الكشف الطبي في المستشفيات الخاصة، حين لا تسمح حالته الاقتصادية دفع تلك التكاليف، لذا يلجأ إلى الصيدلي مباشرة، وهو لا يعلم ما وراء ذلك من أضرار، وربما مضاعفات عكسية على صحته العامة، حتى لو كان ذلك بعلاجات متداولة مثل مسكنات الآلام (الأسبرين)، التي يتسبب استعمالها المفرط في تقرحات حادة في المعدة والتهاب الكبد، كما يؤدي تناول الدواء بشكل عشوائي إلى حدوث مقاومة في الجسم لتأثير الدواء، فيضطر المريض إلى زيادة الجرعة، وبالتالي زيادة المضاعفات، إضافة إلى الكثير من الآثار الجانبية.
ويرى الدكتور شكري أن هناك أسباباً أخرى تساعد على انتشار هذه الظاهرة، منها قلة الوعي الصحي لدى شريحة كبيرة من المجتمع بأن صرف الدواء لابد أن يكون عن طريق طبيب متخصص، فمن المفترض على الجهات الصحية عمل نشرات توعوية وعقد ندوات في جميع الأماكن، وعن طريق الإعلام المرئي والمقروء، وإشراك المرأة في التوعية، لأنها تعتبر عاملاً مؤثراً كبيراً في هذا الجانب، بالإضافة إلى عدم إظهار الصورة الواجب توافرها في بعض المراكز الصحية، فبعض الأطباء يقومون بوصف العلاج دون توعية المريض والأخذ بحالته النفسية، فالعلاج النفسي قبل العلاج العضوي، وذلك يتمثل ببشاشة وجه الطبيب والكلمة الجملية والمعاملة الحسنة، التي تحفز المريض على مراجعة المركز بشكل مستمر، ولكن مع الأسف الكبير هناك أطباء شعارهم عبوس الوجه أمام المريض، دون مراعاة ظروفه النفسية، ومن الطبيعي أن يهرب المريض إلى الصيدلي دون مراجعة الطبيب مرة أخرى. كذلك يرى أن لعدم إحكام الرقابة التجارية والصحية على الصيدليات في منع صرف العلاج إلا بورقة من الطبيب، وعدم الإدلاء بأي استشارة طبية أو عمل أي كشف طبي في الصيدليات دورا مساعدا على تفشي هذه الظاهرة.. ويقول: الملاحظ أن بعض الصيدليات تقوم بكشف الضغط أو السكر داخل الصيدلية، وهذا خطأ، فمهما كانت براعة الصيدلي، إلا أن وضع الصيدلية ووجود بعض الزبائن الذين يبادرون بالدخول والخروج لا يعطي ارتياحاً لنفسية المريض، وربما جاءت لعوامل فسيولوجية، ضرورية في كشف وقياس ضغط الدم، لذا فإنه لا يعطي صورة دقيقة لهذا القياس، وهذا قد يدخل المريض في متاهات هو في الأساس في غنى عنها.
مرضى ولكن أطباء
ويذكر الدكتور محمد سعيد أبو النجا (أخصائي جراحة عامة) أن ظاهرة اعتماد المريض على الصيدلي في تشخيص الداء وصرف الدواء بدون استشارة الطبيب تتفشى في بعض الأسر ذات الدخل المحدود بعكس الأسر الأخرى التي يصر فيها المرضى على مراجعة الطبيب، دون النظر لأتعابه، أو قيمة الدواء. وارجع الدكتور أبو النجا أسباب الظاهرة إلى عدة عوامل، على رأسها ثقة المريض في الصيدلي، وغلاء المعيشة، واعتماد صغار الأطباء على وصف ثلاثة أشياء دون تغيير، إما مضاد حيوي، أو خافض للحرارة، أو مسكن للآلام، الأمر الذي جعل المرضى أطباء، بسبب معرفتهم المسبقة بما يكتبه الطبيب. ويبدي مخاوفه من غياب الضمير في الصيدلية الذي يمارسه الكثير من غير الأطباء الصيدليين، الذين تدربوا على صرف (روشتة) الطبيب، وهم غير مؤهلين لذلك، حيث يستثمرون هذه الظاهرة بطريقة تجارية بحتة، دون الاهتمام بالحالة الصحية للمريض أو الضمير المهني، بهدف تحقيق أعلى ربح للصيدلية، حيث يلجئون في بعض الأحيان إلى صرف الدواء الأرخص، الذي يناسب نوعية المريض، مثل قرب انتهاء مدة الصلاحية، أو صرف دواء في غير محله، ليضمن تحقيق نسبة ربح مرتفعة، فقد واجهت في حياتي العملية في طب الجراحة مضاعفات كبيرة لبعض المرضى، بسبب تصرف الصيدلي من منظور خاطئ، فمرة كان هناك رجل يعاني آلاماً سفلية، وعند ذهابه للطبيب أعطاه مسكنا ودواء لمرض (البواسير)، ولكن مع مرور الأيام زادت حالة المريض سوءاً، فاضطر إلى مراجعة الطبيب، الذي اكتشف بعد ذلك أنه يعاني مرض البروستات، ولولا لطف الله، ثم سرعة معالجته لأدى إلى انتشار المرض في جسمه، ومن ثم وفاته، أليس ذلك خطرا يجب علاجه؟
دور شركات الأدوية
طارق الحمدان مراقب صحي بأحد المستشفيات يناشد المرضى ضرورة مراجعة الطبيب قبل صرف الدواء، خاصة أن شركات الأدوية تتبارى في أنواع الأدوية التي تطرحها، وجميعها متباينة التعاطي، رغم أنها مخصصة لداء بعينه، فمثلا داء الكحة والسعال، وهو أكثر من 15 دواء، والطبيب هو الوحيد الذي يحدد أي نوع يناسب الحالة الصحية للمريض.
ويؤكد أن ظاهرة الصيدلي صديق الأسرة فرضت وجودها الأمر الذي دفع بعض أصحاب الصيدليات إلى الاستعانة بأطباء مبتدئين، وأحيانا مخصصين لتشخيص الحالات الصحية، وصرف الدواء مباشرة، أو حقن المرضى بحقن العضل والوريد. ولا ننسى دور حملات الدعاية والإعلان، التي تدشنها شركات الأدوية في ترويج سلعها الطبية والعلاجية، التي تساهم بشكل رئيس وكبير في تضليل المريض، وترك سرير الطبيب ينفض غباره، لهروب عدد من المرضى. كما تقوم بعض الصيدليات بتغيير الجروح والحروق البسيطة داخل الصيدلية، وقياس الضغط ونسبة السكر في الدم، وربما صرف الدواء، وهذا بالطبع مخالف تماما للنظام، ومن المفترض وضع عقوبات صارمة على تلك الصيدليات، التي تساعد في هلاك المواطنين، في البحث عن أمور تسويقية لها.
متطفلون على الطب
الدكتور محمد أبو الليل أخصائي طب الأطفال يرجع انتشار الظاهرة إلى انعدام الأمانة الطبية، وانتشار الجشع بين ذوي النفوس الضعيفة من المتطفلين على مهنة الطب، الذين همهم الأول والأخير هو جمع المال، حتى لو كان على حساب صحة الأبرياء من الأطفال والنساء. ويرجع الظاهرة لسوء الأحوال الاقتصادية التي أدت إلى زيادة التكاليف الطبية، ويؤكد د. أبوالليل أن مراجعة الصيدلي دون استشارة الطبيب قد تؤدي إلى مضاعفات، فعلى سبيل المثال، ومن منظور اختصاصي في طب الأطفال، من بديهيات الطب عند كتابة أي وصفة طبية أن تكون الجرعة محسوبة بدقة، فهي تكتب بناء على وزن الطفل وحالته الصحية واحتياجه الفعلي لكمية الدواء، فدواء (التمبرا.. خافض الحرارة) إذا زادت جرعته، أو انخفضت فقد تزيد حالة الطفل سوءاً. وناشد المرضى ضرورة مراجعة الطبيب قبل صرف الدواء خاصة ان شركات الأدوية تتبارى في أنواع الأدوية التي تطرحها وجميعها متباينة التعاطي رغم أنها مخصصه لداء بعينه والطبيب هو الوحيد الذي يحدد أي نوع يناسب الحالة الصحية للمريض.
بدون وصفة
اعترف ماهر محمود صيدلي: بأن هناك العديد من المرضى الذين يتعاملون مع الصيدلية في صرف أدوية بدون وصفة طبيب ولكنهم يطلبون دواء محدداً وهم على علم وثقافة كبيرة بنوعية الأدوية وأعراضها الجانبية ولذلك من الصعب إقناعهم بغيره أو صرف دواء بديل وهؤلاء المرضى تزداد نسبتهم بين مرضى الحالات المزمنة كمرضى السكر الذين يلجؤون لتكرار الوصفة دون الرجوع للطبيب الذي يكرر بدوره الدواء. وأبدى مخاوفه من ارتفاع سعر الدواء حيث بدأت بعض شركات الأدوية في رفع قيمة أنواع معينة من الدواء بما لا يتناسب مع الحالة الاقتصادية لكثير من المرضى خاصة وأن هناك الكثير من المرضى يصرفون الدواء وهم بظروف اقتصادية خاصة لعدم وجود بعض نوعيات الدواء في المستوصفات أو المستشفيات الحكومية الأمر الذي جعلهم يتعاملون مع الصيدلي دون الرجوع إلى الطبيب.
دور مهم للصيدلي
الصيدلي عبدالرحمن السلطان يقول: كتب عن بعض الممارسات الخاطئة في نشاط الصيدليات الأهلية وللحقيقة فلقد صدمت من النظرة السوداوية لمهنة الصيدلة! وأود توضيح بعض الحقائق: من المعلوم أن وجود الصيادلة في أي منظومة صحية سواء حكومية أو خاصة يقلل من الأخطاء الطبية ويقلل من التكاليف العلاجية الحالية أو المتراكمة، ففي دراسة علمية شهيرة نشرت عام 1999م في مجلة Clinical Therapy بهدف قياس القيمة المادية الموفرة نتيجة تدخل صيادلة الصيدليات الأهلية في الوصفات الطبية، النتيجة كانت ارتفاعاً بسيطاً في التكلفة على المريض على المدى القصير نتيجة ارتفاع التزامه بالدواء، هذا الارتفاع كان في البداية، لكنه على المدى الطويل كان ذا نتائج اقتصادية باهرة، حيث انخفضت التكاليف المتراكمة، نتيجة عدم دخول أمراض أخرى على الخط، وتقليل فرص الأعراض الجانبية، والأهم من ذلك عدم تعقد الحالة المرضية أو زيارة غرف الطوارئ مرة أخرى! فمثلاً في حالة مرضى الربو الشعبي، لوحظ أن مقدار التوفير قد وصل ما بين 143- 194 دولاراً لكل مريض في كل شهر، وهذا مبلغ كبير جداً إذا ما علمنا مقدار الانتشار الكبير للمرض في الكثير من شرائح المجتمع حالياً. أما في دراسة علمية أخرى نشرت عام 1999م في مجلة JAMA الشهيرة فلقد تطرق الباحثون إلى دور الصيادلة الحقيقي والبناء في مجال الحد من الأعراض الجانبية للأدوية، ومحاولة خفضها إلى أقل درجة ممكنة، وبينت نتائج الدراسة أنه بعد تمكين الصيادلة من القيام بأدوارهم الحقيقة لمدة ستة أشهر لوحظت النتائج التالية: تخفيض معدلات الإصابة بالعوارض الجانبية للأدوية بنسبة 66% وتوفير ما يزيد عن 270 ألف دولار كان من الممكن صرفها على علاج مشاكل طبية ناتجة عن الأعراض الجانبية للأدوية. "لوحظ أن 366 من 400 تدخل للصيادلة في الخطط العلاجية يعود إلى أخطاء طبية فادحة للأطباء"! تداخلات الصيادلة توزعت على الكثير من الوظائف مثل: إكمال خطط علاجية ناقصة، أخطاء في الجرعات أو عدد مرات الاستخدام، اختيار أدوية خاطئة، إضافة أدوية زائدة أو مضاعفة التأثير. لوحظ مقدار التقبل الإيجابي الكبير من أعضاء الفريق الصحي بخصوص الصيادلة، وان 99% من الأطباء يمتثلون لتوصيات الصيادلة المشاركين معهم في الفريق.
تأهيل علمي ومهني
رغم اعتراضنا على قيام القلة من الصيادلة بدور الطبيب في التشخيص إلاّ أنني أحب أن أؤكد على أحقية الصيدلي في صرف قائمة محددة من الأدوية دون وصفة طبية، يطلق عليها قائمة أدوية OTC وهي قائمة رسمية معتمدة تصدر عن وزارة الصحة بشكل دوري، صدر منها حتى الآن خمسة إصدارات. الصيادلة مؤهلون بشكل علمي ومهني مناسب، رغم حاجتنا النوعية نحو إدخال مزيد من المهارات السريرية في المناهج الدراسية، أما تحول بعض الصيدليات الأهلية للعمل أكثر من اثنتي عشرة أو أربع وعشرين ساعة يومياً، فهو أمر يبعث على الارتياح وليس على التوجس والخيفة، ويعد بمزيد من الخدمة المميزة، فمنذ زمن ليس بالبعيد كنّا نعاني من ندرة الصيدليات العاملة طوال ساعات اليوم، وكان المريض حين يحتاج إلى دواء محدد في وقت متأخر عليه الانتظار ساعات طويلة حتى منتصف النهار حين تبدأ إحدى الصيدليات عملها، كما أن ساعات العمل الطوال تفرز فرصاً وظيفية أكثر خاصة مع افتتاح كليات صيدلة جديدة عبر المملكة، وأن وجود صيدليات فخمة أو شبه فخمة لا يؤثر على سعر الدواء المباع للمريض، ذلك لأن الدواء مسعرّ من وزارة الصحة ومطبوع على العلبة، ولا يمكن التلاعب بذلك أبداً. أما القول إن وجود أرفف راقية وأضواء ومعروضات لها جاذبية تجعل من يدخل يشتري أدوية لا تلزمه، كلام غير دقيق لأن الأدوية في الصيدلية تعرض في رفوف خاصة خلف الصيدلي، ولا يمكن للمريض الوصول لها أبداً، بينما الرفوف الأخرى فهي لمستلزمات العناية الشخصية والأطفال ومواد التجميل ونحوها،
كما أن هذا الحديث يلمح إلى وجود مستوى وعي صحي متدنٍ لدى المواطنين وهذا الأمر غير صحيح.
من جهة أخرى فإن استعانة بعض الصيدليات بأي شخص آخر دون الصيادلة في صرف الأدوية يعد مخالفة نظامية وتستحق العقاب، ونحن الصيادلة نعارض هذا الخطأ الشنيع بكافة صوره. غير أن صرف الأدوية بدون وصفة طبية يعد مشكلة مؤرقة لا تزال موجودة لدى الدول النامية، وزارة الصحة بالمملكة سبق وأن أصدرت تعميماً يحظر مثل هذه الممارسات، ولكن ضغط المجتمع وعدم الالتزام الكامل أجهض الفكرة الرائعة، ولكنني أحب أن أشير إلى أن عدداً متنامياً من الصيدليات الأهلية بدأ بتطبيق عدم صرف الأدوية دون وصفة طبية. أن مجرد طرح بعض الظواهر السلبية في منظومة العمل الصحي سوف يساهم في تحسين مستوى رعايتنا الصحية الشاملة، فضلاً عن أن الصيادلة والصيدلانيات مطالبون بالعمل على الاجتهاد المهني والتواصل العلمي وتطبيق مفاهيم أخلاقيات المهنة، نحو تحسن الصورة وبناء ممارسة صيدلانية مميزة،
أزمة الدواء ووزارة الصحة
الكاتب الصحفي راشد محمد الفوزان قال عن هذا الموضوع: حجم تجارة الدواء لدينا يقدر بمليارات الريالات، حتى أنه الآن لدينا توجه لتأسيس شركة تختص فقط بتوحيد الشراء للدواء، واستهلاك الدواء لدينا يعد الأعلى بالمقاييس العالمية كما تصنفها وزارة الصحة، بمعنى شراء أكثر من الاحتياج، بل من النادر أن تجد من يستخدم العلاج لآخر حبة أو ملعقة في علبة زجاجية إلا أن تكون أمراضاً مزمنة، وبما أن المواطن والمقيم لدينا يستطيع أن يذهب لأي صيدلية لدينا أيا كان مكانها وموقعها، ويشتري أي دواء حتى لو كان يريد كامل الصيدلية فلن يوقفه شيء أو يمنعه شيء، بل سيرحب به وفرصة تجارية لا تعوض.
ويضيف: حدثني صديق عاش التجربة، حين كان في رحلة سياحية، وكان يريد دواء لابنه ولكن الصيدلي رفض صرف الدواء، استغرب صاحبي هذا الرد لأنه يتوقع بماله يشتري كل شيء، ولكن الصيدلي طلب وصفة طبية، ولم تكن لدى صاحبي، وأصر الصيدلي على الرفض ليس خوفاً على صاحبي أو خطورة العلاج، بل لأن القانون لديهم يمنع صرف الدواء بدون وصفة طبية، وبعد محاولات رفض الصيدلي تماماً، وحين توجه للمستشفى وشرح حال ابنه قال الطبيب هذا يحتاج استشاري وليس طبيباً عاماً، في النهاية أتى الطبيب العام ووصف له العلاج وصرف له الدواء. الآن، ماذا لو طبق لدينا هذا النمط من صرف الدواء أي بوصفة طبية ويمنع الصرف عشوائيا أو لمن يطلب الدواء لمجرد أن الصيدلي أصبح "لدينا" طبيباً الآن ويصرف دواء، لك أن تذهب لأي صيدلي وتصف أنك تعاني من كذا وكذا وستجده يصرف لك الدواء بكل رحابة صدر.
مسؤولية الصحة
وزارة الصحة تتحمل كامل المسؤولية في فتح صرف الدواء بلا رادع أو قانون، دور وزارة الصحة أكبر وأهم لأنها مصير أرواح وهدر أموال ضخمة جداً، ولماذا لا تقوم الوزارة بدلاً من هذا الهدر في الدواء من حيث العبوات أن تضع عبوات تستخدم بعدد الأيام أي، علاج لمدة يومين يصرف له بما يوازي عدد الأيام، وليس ما يوازي شهراً. دور وزارة الصحة مفقود في معالجة أزمة الدواء لدينا، فاستهلاك عالٍ كشراء، ولكن كاستخدام مفقود، وفتح الصيدليات وكأنها سوبر ماركت وضعها تجارة، فلا تجد محطة بترول لدينا إلا وبجانبها صيدلية، وتجد أربع وخمس وعشر صيدليات بشارع واحد، فمن يرخص هنا وزارة الصحة أم وزارة التجارة؟ لم أجد في كل دول العالم عدداً كبيراً للصيدليات كما هي لدينا، وهذه دلالة على سوء استهلاك واستخدام، وأنها تجارة رابحة ومغرية في ظل غياب للنظام والقانون المنظم لها، ويعامل الدواء لدينا وكأنه "أرز" وليس متعلقاً بصحة بشر، قد يفقد حياته أو سوء استخدام يؤدي به لنتائج لا تحمد عقباها فمن المسئول هنا؟ الغريب حين تريد إنشاء مصنع بسيط وصغير قد لا يظهر هذا المصنع على السطح إلا بعد سنوات وقد لا يظهر بسبب عماله وتراخيص، ولكن حين تريد افتتاح مشروع صيدليات ستجد الأبواب مفتوحة وسهلة، يثير هذا الكم الهائل من الصيدليات بكل شارع وعمارة سكنية سؤالاً، من المسئول عن هذا العبث؟ الذي أصبح الصيدلي فيه طبيبا، والدواء على الأرصفة، وبأغلى الأثمان، ابحث عن وزارة الصحة أين هي من كل ذلك؟
موقف الطبيب
شايع النفيسة يقول: ألاحظ كثيراً من الصيادلة يضع نفسه في موقع الطبيب المختص ويقوم بصرف الدواء دون أي تشخيص للحالة من قبل الطبيب، وخصوصاً أن بعض الصيادلة كما يقول لا يهمه سوى بيع مخزونه بعيداً عن مراعاة صحة المريض بدقة متناهية.
تهاون
سعد الخالد يقول: اضطررت يوماً للاستعانة بأحد الصيادلة لأن احد اطفالي ظهرت في جسمه حبوب وشرحت للصيدلي الحالة وقام بصرف دواء عبارة عن كريم أضعه على موقع ظهور هذه العلامات وقمت بالفعل بما نصحني وازدادت الحالة سوءاً إلى أن ذهبت إلى أحد المستشفيات وقام الطبيب استشاري الأطفال بصرف دواء مغاير لما صرفه لي الصيدلي محذراً من استخدامه مرة أخرى لكونه لا يتناسب مع حالة طفلي الصغير، ويضيف: اتساءل عن سر هذا التهاون الغريب في صرف مثل تلك الأدوية وقد أكون مخطئاً بذهابي للصيدلي مباشرة ولكن ما أعرفه أن الصيدلي طبيب أيضاً، وما دفعني للذهاب إليه اختصاراً لذهابي إلى الدكتور الأمر الذي أوقعني في أكبر من ذلك.
الطبيب أولاً
محمد المحرج يقول: انه لا يبادر إطلاقاً إلى الذهاب للصيدلي في حال لا قدر الله أصيب هو أو أحد أفراد أسرته بأي عارض صحي بل يذهب إلى أحد المستشفيات لمقابلة طبيب مختص ويؤكد على أهمية الذهاب إلى الطبيب ولو في أبسط الأمور الصحية وليس من حق الصيدلي أن يشخص المريض ولا يخالفه في الرأي ويشدد على أهمية عدم الذهاب إلى الصيدلي تحاشياً لعدم إعطائه الدواء الذي يتناسب وحجم الحالة الصحية خوفاً من الاجتهادات التي يقوم بها بعض الصيادلة. تحدث عن أحد المواقف المؤلمة التي تعرض لها أحد أقاربه ويقول: فوجئنا بعد أخذنا الدواء عن دور الجهة الرقابية في وزارة الصحة على منع تداول مثل تلك الأدوية في سوق الصيدليات رغم منعها.
أما علي الصالح معلم فلا يرى مانعاً في أن يذهب إلى الصيدلي للأمور التي يقول عنها بسيطة كالصداع والحرارة وخلافه أما الأمور المعقدة فيفضل أن يلجأ فيها إلى الطبيب المختص.
الوعي وظيفة الصيدلي
نورة إبراهيم تقول: ألجأ للصيدلي أملاً في تشخيص الداء وصرف الدواء المناسب كما يراه بسبب الحالة الاقتصادية فدخلي وزوجي الموظف في احدى الشركات الخاصة لا يتحمل تكلفة الذهاب إلى الطبيب بل اختصر في كثير من الأحيان قائمة الدواء التي يرى الصيدلي أنها مناسبة لحالتي المرضية بهدف التوفير طبعاً والاقتصاد في ظل غلاء المعيشة.