مشيدين بقرار إعادة تشگيلها.. المشايخ :هيئة كبار العلماء قائمة على الاجتهاد..والمذاهب السنية ممثلة فيها منذ تأسيسها!
هيئة كبار العلماء تضم نخبة من كبار أهل العلم في المملكة، وقد اضطلعت منذ إنشائها بدور كبير وقامت بواجبها خير قيام، ويقف على هرمها سماحة العلاّمة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ الفقيه والعالم المعروف، ولهذه الهيئة مصداقية في العالم الإسلامي كله ويقف كافة المسلمين على ما صدر منها ويتم تجديد أعضائها كل فترة، وقد جاء التشكيل الجديد للهيئة موفقاً ومنسجماًً مع الدور الذي ظلت تؤديه هذه الهيئة منذ إنشائها، كما أنه اشتمل على تنوع في الكفاءات والتخصصات والقدرات العلمية الشرعية. وأن التوسع في عدد أعضاء الهيئة قصد منه اتساع قاعدة العلم الشرعي والفقهي الذي يحقق مقاصد الدين ويعزز مبدأ تطبيق شرع الله.
للوقوف على أبعاد ذلك التنوع والتعدد والمغزى منه، استطلعنا آراء عدد من أصحاب الفضيلة العلماء الذين تحدثوا عن الميزات التي اشتمل عليها التشكيل الجديد لهيئة كبار العلماء.
بداية نفى الشيخ الدكتور عبدالله بن منيع عضو هيئة كبار العلماء أن يكون التشكيل الجديد لهيئة كبار العلماء، قد تم بقصد شمولي لمذاهب أهل السنة الأربعة، في أشخاص أعضاء الهيئة، وأكد أن الغرض من هذه الشمولية أن يكون أعضاء الهيئة، من ذوي القدرة الفقهية التي تمكنهم من الرجوع للمذاهب الأربعة وغيرها من المذاهب كالمذهب الظاهري مثلا، عند دراسة القضايا المعروضة على المجلس، وأن يبحثوا عن الحكم الراجح؛ سواء كان بدليل من كتاب الله وسنة نبيه صلوات الله وسلامه عليه، أو كان الحجة في ذلك هو العقل المبني على المقاصد الشرعية المتفقة مع القواعد العامة للشريعة الإسلامية.
ونفى الشيخ ابن منيع، أن تكون هيئة كبار العلماء في يوم من الأيام مقتصرة على مذهب واحد، وأكد فضيلته أن مذاهب أهل السنة المعروفة تقوم على مستندات شرعية من الكتاب والسنة، وأن اختلاف العلماء في فهم النصوص يرجع إلى احتمالات شتى، لكنهم يظلون جميعاً متفقين على الأصول وإن اختلفوا على الفروع، وهو خلاف قائم منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.

خطوة موفقة
وتحدث فضيلة الشيخ الدكتور سعد بن ناصر الشثري - عضو اللجنة الدائمة وعضو هيئة كبار العلماء - قائلاً: إن قيام خادم الحرمين الشريفين بإعادة تشكيل هيئة كبار العلماء كانت خطوة موفقة للغاية، خصوصاً أن الاختيار وقع على نخبة من أصحاب التخصصات والفنون الشرعية المختلفة والعقليات القوية المنفتحة. ورفض الشثري قول من وصف الهيئة بأنها كانت متعصبة لمذهب معين أو أحادية التفكير. وقال: الهيئة منذ تكوينها كان من أعضائها نخبة من العلماء المسلمين من أصحاب المذاهب المختلفة؛ فالعلامة محمد الشنقيطي، وهو مالكي المذهب، وكذلك الشيخ عبدالرزاق عفيفي، وهو حنفي المذهب، وأيضاً الشيخ عبدالمجيد حسن، وهو شافعي المذهب، باعتبار العلماء الذين تتلمذوا على أيديهم. وفي النهاية جميعهم - يرحمهم الله - كانوا يحكمون كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يقيدوا اجتهاداتهم بأي مذهب أو أيديولوجية معينة، وهو ديدن جميع أعضاء الهيئة منذ تشكيلها حتى الآن، مشيراً إلى أن الأسماء الجديدة المختارة تميزت باختيار شخصيات علمية، صاحبة اجتهادات منوعة وفق مقاصد الشريعة الإسلامية، ولفت إلى أن الاختيار كان من الفنون كافة (حديث، أصول، عقيدة، فقه وغيرها) وهم أصحاب خبرة وعلم في المجال الإسلامي. وقال الشيخ سعد: نحن في الهيئة منذ تكوينها لم نتقيد بمذهب واحد، وهي جزء من سياسة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - عندما رفع العصبيات ورفع التعددات المذهبية في الحرم المكي الشريف، وجاء بإمام الحرم من مصر عبدالظاهر أبو السمح.
وشدد الدكتور سعد على أن الهيئة ضمت في دوراتها الماضية عقليات اجتهادية من مذاهب مختلفة أمثال الشيخ عبدالوهاب أبو سليمان والشيخ محمد العروسي، وأضاف: ووصف الهيئة بأنها أحادية النظر أمر غير صحيح؛ فالأسماء التي تم اختيارها كانت موفقة في اختيار شخصيات أصحاب ذهنيات متحررة ومجتهدة وعارفة بالكتاب والسنة.

تحوي تنوعاً مذهبياً منذ تأسيسها
وفي ذات السياق قال الباحث الشرعي الشيخ عَبْداللَّه بن محمد زُقَيْل إنه بالرجوع إلى فتاوى هيئة كبار العلماء يجد المنصف أنها تعتمد الفقه المقارن منذ صدور أول فتوى لها، بمعنى أن الهيئة تدور مع الدليل من الكتاب والسنة من المذاهب الأربعة المعتبرة، وليس التعصب للمذهب الحنبلي المذهب الرسمي للمملكة كما تروجه بعض وسائل الإعلام، وترمي كذباً وزوراً جمود الهيئة بأنها لا تفتي إلا بالمذهب الحنبلي، وهذه في تصوري منقبة تعد لهيئة كبار العلماء، فهذه البلاد قامت على الكتاب والسنة، ولم تتعصب للمذهب الحنبلي.
لذا كان من مناقب الملك عبد العزيز - رحمه الله - أنه عندما دخل مكة سنة 1343هـ ووجد أن الصلاة في الحرم على أربعة أئمة من المذاهب الفقهية المعتبرة، والأتباع يصلون خلف إمام المذهب الذي ينتمون إليه، فأبطل هذه البدعة الشنيعة، ووحدهم على إمام واحد هو الشيخ عبد الظاهر أبو السمح - رحمه الله - .

إثراء البحث العلمي
الدكتور حاتم العوني الشريف عضو مجلس الشورى قال إن وجود علماء في المذاهب السنية الأربعة داخل هيئة كبار العلماء يثري البحث العلمي والفتوى فإذا صدرت ستصدر من تصور واضح وكامل في جميع الآراء الفقهية المعتبرة في الساحة الإسلامية ونرجو أن يكون ذلك مفعلاً لدور الهيئة وأن يجعل القرارات والفتاوى والتوجهات أكثر نفعاً وإفادة للأمة وإن كنا نتمنى أن يكون التشكيل للمذاهب الإسلامية تشكيلاً في المستقبل بصورة أكثر قوة مما عليه الآن بأن يكون هناك عدد موحد من كافة المذاهب، الحنابلة والمالكية والشافعية والحنفية حتى يكون الطرح قوياً ومؤثراً فكلما كان العدد الذي يمثلها متساوياً كان ذلك أدعى لخروج الفتوى مبنية على الدراسة الشاملة لكل المذاهب ولآرائها وأدلتها.
واستطرد قائلاً أما بالنسبة لفقه الواقع فيحتاج أن يكون المتكلم في القضية العصرية مدركاً للواقع ومعايشاً له، لذا يرجى أن يكون العلماء في الهيئة لديهم أهلية وإدراك للواقع بصورة كاملة، ولاشك أن هذا التشكيل الجديد يدل على الحرص على الإصلاح وزيادة فاعلية دار الإفتاء لأن الهيئة في الحقيقة دار للفتوى وهي المؤسسة الرسمية للفتوى بالمملكة فالسعي لتقويتها وجعلها أكثر فاعلية سعي للإصلاح وهو يدل على الفكر الديني والشرعي لدى خادم الحرمين الشريفين الذي بلغ من النبوغ والكفاية والإدراك إلى حد أن يعتني بالهيئة وإصلاحها بهذه الصورة.

فتاوى ناضجة
ثم تحدث مدير مركز القضايا الفقهية المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور عياض بن نامي السلمي قائلاً: من خلال القراءة الأولية للتشكيل الجديد لمجلس هيئة كبار العلماء يدل على أن فيه توفيقاً كبيراً ولله الحمد وأنه شكل بعناية وتأن وأضاف من المظاهر التي تلفت الانتباه أن المجلس جمع بين متخصصين في أكثر العلوم الشرعية فهناك متخصصون في الفقه وهم كثر وهناك متخصصون في أصول الفقه وفي القواعد الفقهية إلى جانب علماء لهم اهتمام بالحديث والتفسير وهذا يعطي الهيئة شيئاً من التنوع ويعينها على الاجتهاد الجماعي الموفق وإننا نلحظ فيها اختلاف المدارس الفقهية بحيث إنه وجد من فقهاء المالكية إلى جانب الفقهاء الحنابلة وصحيح أنهم هم الأكثر باعتبار أن الفقه الغالب في المملكة هو الحنبلي لكن إلى جانب ذلك يوجد فقهاء من المذاهب الأخرى ثم لا ننسى أن كثيراً من أعضاء الهيئة لم يعودوا منتسبين انتساباً تاماً للفقه الحنبلي بل هم مجتهدون يأخذون بالدليل متى ما رأوا رجحان الدليل أخذوا به فالذي يظهر أن هذا التشكيل سيعينهم على إخراج الفتاوى الناضجة وقد كانت من قبل كذلك فالتشكيل السابق كان يراعي هذا الأمر لكنه روعي أكثر في التشكيل الجديد. وأردف قائلاً: لا أظن أنه سيكون هناك تغير كبير في الفتوى لأن مرجعهم واحد وهو الكتاب والسنة والكتاب والسنة ثابتان لكن قد تختلف طريقة الأخذ منهما، وكذلك طريقة الفهم فالاختلاف بينهم لن يكون مثار إزعاج فإذا وجد خلاف فالدين يستوعب كل هذه الأمور مادام أن المرجع هو الكتاب والسنة فالاختلاف في أمر الفروع سهل.

زيادة عدد الجلسات
د. جميل بن حبيب اللويحق عضو هيئة التدريس جامعة أم القري تمنى من جانبه أن تكون هذه المقدمة في طريق التطوير المطلوب لها، وأظن أن هذا الطريق إنما يبدأ من الهيئة نفسها ممثلة في رئيسها وأمانتها ومقترحات أعضائها، وظني، ومن موقع المراقب، أن الهيئة في مرحلتها القادمة بحاجة إلى جملة أمور؛ منها زيادة عدد أعضائها أيضاً بإضافة بعض المبرزين من طلاب العلم على أساس التخصص النوعي.
وقال اللويحق إنه ليس بكافٍ أن تضم الهيئة فقهاء وأصوليين، إنما لا بد من إضافة بعض المتخصصين في أبواب معينة تتكرر الحاجة إليها، كالفقيه المتخصص في المالية المعاصرة والمتخصص في المسائل الطبية والعالم المتميز في السياسة الشرعية والمتخصص في فقه المقاصد، كذلك العالم العقدي المتخصص في المذاهب المعاصرة إلى آخر هذه القائمة، ثم إن الهيئة بحاجة إلى زيادة عدد جلساتها التي لا تزيد حالياً على جلستين اعتياديتين في العام، فلم يعد مقبولاً أن يبقى الموضوع مؤجلاً لجلستين أو ثلاث فيتأخر عاماً كاملاً أو يزيد حتى يصدر فيه موقف من الهيئة ويكون قد شرّق وغرّب في واقع الناس وصعب تدارك الأمر فيه إن كان مخالفاً.

موقع إلكتروني للهيئة
وتابع اللويحق لعل من المناسب أن يكون عدد من أعضاء الهيئة متفرغاً لأعمالها مع الباحثين الحاليين خلافاً للأعضاء المتفرغين للجنة الدائمة للإفتاء، فذلك في ظني سيكون أجود لأعمالها وأسرع في الإنجاز، وأقترح أن تعمل الهيئة على تطوير نظامها بصورة تسمح لها بأن تبادر بتناول الموضوعات الملحة باقتراح من أمانتها أو من أعضائها أو من المواطنين، فضلاً عما يحال إليها، وذلك أسوة بمجلس الشورى الذي تحقق له هذا المطلب، ومن المقترحات أيضاً أن تستقطب الهيئة عدداً من المستشارين غير المتفرغين الذين تمتلئ بهم الجامعات للاستفادة منهم في الإعداد للأبحاث المتخصصة، ومن المقترح أيضاً أن تنشئ الهيئة موقعاً إليكترونياً متميزاً في مجال عمل الهيئة يضم جهودها السابقة ويتابع جديدها.
ثم إن من الضروري أن يكون للهيئة موقف ظاهر في القضايا الكبرى التي تطرأ على الساحة والتي تطال بعض المسلمين في أنحاء العالم، لا سيما ونحن نعدها جهة مرجعية لجميع المسلمين وليس لهذا البلد فقط، كذلك الظواهر التي تطرأ على حياة المجتمع بسبب مآخذ شرعية في جوانب الغلو والتطرف أو التمييع والانفلات.
وبعد:
وبهذا يتأكد أن المذاهب السنّية هي أصلاً ممثلة في الهيئة منذ أن أُسست على يد سماحة العلاّمة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية ورئيس علمائها ورئيس الهيئات الشرعية والقضائية آنذاك - رحمه الله - .. كما أن الهيئة في مداولاتها ودراستها للقضايا والاستفسارات والأمور المطروحة عليها تراجع مذاهب الأئمة الأربعة وتراجع جميع المذاهب السنّية وتضعها في الحسبان، وبالتالي ليس هذا الأمر جديداً ولا يمكن إعطاؤه كل هذه الهالة الإعلامية وكأن الأمر يتم لأول مرة أو كأن الأمر حادث أو مستغرب..
وتبقى هيئة كبار العلماء لها مكانتها ودورها ولها حضورها العلمي الكبير بعلمائها الأجلاء وبما يصدر منها من فتاوى وبيانات هي محل ثقة واطمئنان وارتياح كل مسلم، لأنها صادرة من علماء كبار ثقات عرفهم العالم الإسلامي وعرف مكانتهم وقدرهم ومنزلتهم العلمية.