يحكى أن رجلاً من إحدى قرى صامطة كان شاباً وسيماً له قيمته مذ أن كان في بداية شبابه , وكان من أشجع شبان هذه القرية وأكرمهم .
شاء له القدر أن يرتمي في شباك حب فتاة : كان يتمناها كل من في القرية , وهي بادلته نفس ذاك الحب .
وبما أن الحب في ذاك الزمن يعني الطاهرة , فقد قرر الشاب أن يتزوجها , ووعدها بذلك , وقال لها أنه سيسافر إلى الحجاز , ليكوّن نفسه ويعود كما يتمناه كل من يحبه .
خرج إلى الحجاز , وعمل هناك وانقطعت أخباره وتأخر في عودته .
قرر الشاب العودة لكنه كان متأخراً , وحين كان في طريقه لقريته ,
كانت الفتاة متربّعة حاقنة دموعها وألمها في حفل زفافها من شاب لا يربطها به أي نوع من أنواع الحب .
دخل الشاب القرية , وسلم على أهل بيته , ورأى أن وجوه من في البيت تتهرب من النظر في عينيه , فأحس بشيء في نفوسهم لكن لم يفهمه , وخرج ليطمئن على حبيبته التي تركها , فرأى أنهم يقيمون حفل زفاف .
فسأل طفلاً يلعب : لمن هذا الهود " الزواج " ياولد ؟
فأجاب إنه زواج فلان من فلانة .
فكاد يجن , وخرج هائماً على وجهه تجاه اليمن ,
وظل يسير يسير لا يعلم أين يسوقه القدر .
فاستوقفته نفسه على أبواب الحبشة ,ثم واصل مسيره لأرض السودان .
و استقر وعمل هناك واسس نفسه
ثم تزوج من سودانية , ورُزِق بالبنين
وآتاه الله مالاً وحلالاً .
ونسي ورائه كل مايذكره بقريته , مدفوناً في قلبه .
وبعد أن شاخ الرجل , وأصبح كهلاً , ساقه الحنين للوراء ليتذكر أيام عشقه الجميل ,
وتلك الزهرة التي تركها في الجاضع .
نعم لقد كان من قرية الجاضع كما أُخْبِرت .
فقال لعائلته أنه حنّ لمكّة , ولأهله وعشيرته ويريد أن يزورهم .
وحزم أمتعته وحقيبته للسفر , وعقله مازال يحاكي زهرته .
عاد الرجل لمكة , حاجاً , وبعد أن انتهى من الحج توجه لجازان قاصداً صامطة .
رأى الأرض غير الأرض , فتعجب لـ 50 ـــين سنة قضاها بعيداً عن هذه الأرض .
حتى جنسيته سودانية , وزيه ولسانه , وكل شيء .
لم يعد ذاك الشاب الوسيم , الذي يعرفه كل من في القرية ,
لم يعد ذاك الحبّيب , الذي ساقه الزمن للسودان دون أن يخطط مسبقاً .
لقد كان وقار الزمان يغطيه , وكل شيء غير ذاك الذي كان .
إلا , قلبه .
قلبه الوحيد الذي مازال كما هو ,منطبقاً على زهرته البيضاء التي حتى عوامل التعرية ما اسْطَاعَتْ لها وصولاً .
طرق أبواب القرية , حط رحله عند أولها , وذهب بصحبته عائلته الصغيرة , ليجس النبض , هل مازال له أحد ؟ أم أن الجميع كان قد رحل ؟
فلم يجد إلا أخته الصغرى , مغطاة بالشيب وخوف الوحدة ,
لم تستوعب أنه هو .؟ دخل فسلم فاحتضنته شوقاً .
دار بينهما حديث المشتاقين ,
50 ـــون سنة أو يزيدون .
كانت كفيلة بتعريتهما من كل شيء , حتى العقول أصبحت تتآكل .
فهدأ قليلاً , ثم سأل .
ما أخبار : فلانة ؟
هل مازالت عائشة , أم أنها انتقلت لرحمة الله ؟.
فقيل له أنها عجوز مريضة , طريحة فراشها .
لم تنساه لحظة واحدة , ولو كانت تملك قلب رجل مثله , لرحلت إلى حيث يسوقها القدر , كما ساقك .
فسألها أن ينظر إليها .
فقالت له إنها مريضة ,
فسألها أخرى أريد أن أسلم عليها , أحس أني مشتاق لها .
كنت أسير في طريقي وأنا أتمنى أن أراها .
فذهبت أخته المسكينة , تستأذن له .
وكانت تلك الزهرة المريضة على شبابها , وصلها خبر أن رجل قلبها عاد .
لكنها كانت قد قررت ألا تمنحه الفرصة برئيتها .
لم ؟ لشيء في نفسها .
فعادت أخته عليها آثار الحزن والقلق أن تفقد أخيها مرة أخرى .
سألها ماذا حدث ؟
فأخبرته ,
فاغتم واصفر وجهه من شدة ما ألم به .
وتسامح من أخته .
وعاد أدراجه للسودان .
50 ـــون سنة وحب بريء لم يمت أبداً .
القصة : حقيقية سمعتها حين كنت إبن 11 سنة ,
فقمت بكتابتها أخرى بتصرف .
من قصص الجدات ,
حـــذيفــــة ,