أتعلمون لماذا أصبحنا متفرقين أشتاتاً
سأحاول أن أجيب ولو بشيء قليل
في الماضي كنا يداً واحدة وانسان واحد في الماضي كانت روح التعاون سائدة وقلب القناعة حي وحب التضحية لأجل الأخ موجود .
ولنضرب مثلاً على ذلك بالأمس البعيد كنا في رمضان نجتمع جميعاً أبناء الحي اوالبلدة الواحدة في تلك الساحة وكل يحضر ما جاد به الرحمن من افطار من بيته نتشارك في الشكر لله والافطار من كل زاوية ومن كل صحن جزءاً وكان الغني يعرف أن هذا محتاج من دون أن يمد يده طالباً المساعدة تجده عند المساء يودع في يديه ما يعينه على قضاء حوائجه وكنا في ليلة العيد نجتمع أطفالاً وشيوخاً بعد صلاة العشاء وكل يحضر عشائه ونحن كأطفال نتحدث ماذا سنلبس غداً وكنا اذا عدنا لمنازلنا يسأل كل أب ولده من من الأطفال لا يوجد لديه لباس العيد وذلك لكي يمد يده لأخيه ويسانده .
واليوم افتقدنا كل ذلك وأصبحنا لا نعلم أجارنا لديه ما يفطر عليه أم كوب ماء وتمر ونحن نملأ زوايا صناديق القمامة بكل أصناف الطعام من الاسراف والتبذير .
واليوم أصبحنا في العيد لا نسأل لكي نساعد ولكن نسأل لكي نحضر ما هو أغلى مما أحضره جارنا ولو لم يحضر شيئاً لفقره لفرحنا وقلنا سيرى غداً ماذا سألبس ودعه يموت في غيضه ...
كنا قديماً قنوعين بكل شيء من أكل وملبس ومركب واليوم أصبحنا ننظر الى الأعلى حتى في الزوجات نتحسر لو رأينا تلك الغانية على التلفزيون ونقول لماذا لم نتوفق بمثلها علماً بأن من في البيت أصلح وأرحم .
كنا نبحث قديماً عن قوت يومنا ونفرح بسعادة يوم ولا ننظر الى غدٍ لأن أمر غدٍ باذن ربنا واليوم نفكر ماذا سنعمل بعد عشرين سنة ونتعس يومنا بهم وتفكير شقاء مستقبلنا .
كنا نعرف فلاناً طيباً ونعرف أنه لو أخطأ فانه نادم ونعرف أعذاراً له نسردها ونقول لبعضنا فلان رجل صالح ولكنه زل رغماً عنه واليوم أصبحنا نبحث عن خطايا الصالحين أتعرفون لماذا لأننا رافقنا السيئين وأخاف أننا أصبحنا سيئين .
كنا نعرف من في الحي جميعاً يجتمع آباؤنا عصراً لدى صاحب البقالة الوحيدة في الحارة ونحن كأطفال نجتمع في تلك الساحة نلعب بأي شيء تمتد اليه أيدينا وكلنا قناعة به واذا غاب رجل عن جمعة آبائنا هبوا جميعاً الى منزله لعل به بأس وحتى نحن كأطفال ان لم يحضر ولد فلان ركضنا لمنزله وببراءة الأطفال وبقلوب الآباء الصافية نسأل ماذا أخرهم واليوم لا نعرف من بالحي الا من يقربنا ولا نزور أولئك الأقارب الا في العيد .
كنا في الماضي نجتمع حول ذلك الامام في المسجد بعد كل صلاة ويقول لنا فلاناً مريض وتجد كل انسان أعطى أهله أوامراً بقسمة كل احتياجات المنزل بينهم وبين عائلة ذلك المريض لأنه لا يقوى على العمل لاحضار مستلزمات أهله واليوم اذا شاهدنا ذلك الجار القريب نازلاً من سيارته محمولاً بين أيدي ذويه لمرضه نتحاشى أن يرانا لكي لا نحرج أنفسنا بزيارته ومعرفة أحواله .
كنا حين يموت ذلك الجار نبكي جميعاً ونحزن جميعاً ويخيم الحزن على أرجاء الحي والبلدة وفي كل شروق شمس نتذكره كان يمشي من هنا كان يقول كذا كان يناديني بكذا ونختم حديثنا بــ (( رحمه الله )) وحسرة دفينة في قلوبنا لفقدانه ولا أنسى دور كبار الحي والبلدة فتجد عائلته لا تفتقد بوفاته الا لوجوده وأما مؤونة المعيشة فكلاً من الحي يحضر شهرياً ما يعين اليتامى وأما اليوم نصلي في المسجد فنجد الامام يتقدم ويقول (( الصلاة على الميت أثابكم الله )) فنقول في نفوسنا أف سنتأخر على الموعد الفلاني وتنقضي الصلاة ثقيلة علينا وعندما نخرج من المسجد نرى ذلك الجار الذي قابلناه في العيد الماضي ونسأله من المتوفي يقول لنا انه أبو فلان هل تعرفه وتجد نفسك لا تعرفه وعندما تسأل تجده جارك في الشقة السفلى في العمارة التي تسكن فيها
وعندما نصعد لسيارتنا نقول رحمه الله وهذه حال الدنيا ونشغل المذياع على الاف ام وتصدح أم كلثوم أو فيروز وننسى الموت والميت ....................
هل عرفنا كيف كنا وأين أصبحنا ......
وتقبلوا كل احترام محبكم
أبو تركي