صحيفة الوطن السعودية
"على قدر لحافك ابسط رجليك"
أينما تواجدنا طيلة الأشهر السبعة الأولى من العام, وتحديداً منذ أن ألقت أزمة الاقتصاد العالمي بظلالها على اقتصاديات الدول، فلا يكاد يخلو الحديث مع من نلتقيهم, سواء بمقر العمل أو في الاستراحة أو حتى بسوق الـ"البطيخ" من أحد أمرين: إما تحليل تلك الأزمة وإرهاصاتها وتباين تأثيرها على دول المنظمة عن غيرها، أو تأفف واستهجان "غلابة" المجتمع مما لحق بهم من لهيب هذه الأزمة الطاحنة، التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل, سوى اكتوائهم بنارها, لا لذنب اقترفوه بل لأنهم "غلابة" بحكم القدر، لدرجة أصبحوا معها غيرَ قادرين على الإيفاء بمتطلبات أُسرهم الضرورية، وكلن يغني على ليلاه.
ولكن, ومع انقضاء تلك الأشهر السبعة, المتزامن مع بدء إجازة الصيف من كل عام, نرى نفس تلك الفئة - الغلابة - تبدأ بالتمرد على ذاتها وظروفها، لا لشيء بل لتساير ركب الموسرين من المجتمع, فهذا العم (أبو مرزوق) باع قطيع أغنامه - رأس ماله - بمبلغ زهيد, قد لا يكفيه وأسرته لإقامة أسبوع بأبها أو جدة – علشان "برستيج" أم مرزوق -. وذاك الموظف البسيط (أبو حسين) حصل على قرض من أحد البنوك, يقوم بسداده خلال خمس سنوات, ولسان حاله يقول: (أبو مهند) رئيسي في العمل ليس بأفضل مني, يقضي إجازته خارج الحدود وأنا داخلها، "وبرضه علشان البرستيج".
والله غريب أمركم يا ناس!, أولم تكونوا بالأمس تشكون ضيق ذات اليد وتندبون الحظ وقسوة الزمن؟!
أليس منكم من كان يعجز عن توفير قيمة علبة (الحليب) لطفله الرضيع! ويعجز كذلك عن توفير "فسحة" أبنائه؟! ألهذا الحد بلغ بنا التناقض, أم هي سلطة مجتمعنا، و(حمى تقليد) وخلاص؟!
صدق المثل القائل: "أسمع كلامك أصدقك أشوف أُمورك أستغرب".
أنا هنا لست ضد السياحة والترفيه عن النفس والأبناء وتغيير الروتين، ولكن, كلٌّ بحساب, فقد ميزنا الله - عز وجل - عن سائر خلقة بنعمة عظيمة, ألا وهي العقل, نستطيع من خلاله أن نفرق بين ما ينفعنا وما يضرنا، لا أن نُتبِع النفس هواها, ونضحي بمصدر قوتنا وقوت أبنائنا, ونتحمل أعباء قروض، "تسوّد عيشتنا" خمس سنوات!, من أجل نزهة أسبوع أو شهر, وكل ذلك من أجل تقليد فلان وعلان - وعلشان برستيج أُم العيال - ثم نعود بعدها نندب ونشكو الحظ والظروف ونردد: "يا ليت اللي جرى ما كان", متناسين شطر البيت القائل: "النار ما تحرق إلا رجل واطيها".
إبراهيم عسكر آل عسكر
حقوق الطبع © محفوظة لصحيفة الوطن2009