س: لماذا لم يذكر الدجال في القران الكريم ولا عن ماسيفعله من فتن ؟؟
والجواب من وجوه:
الأول: أنه قد أشير إلى ذكره في قوله تعالى: " يَوْمَ يَأتي بَعْضُ آيَاتِ ربِّكَ لاَ يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أوْ كَسَبَتْ في إيمَانِهَا خَيْراً " الأنعام: 158
قال أبو عيسى الترمذي عند تفسيرها: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا يعلى بن عبيد، عن فضيل بن غزوان " عن أبي حازم، عن أبي هريرة، عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثٌ إذا خَرَجْنَ لم يَنْفَعْ نَفْمساً إيمَانُهَا لَم تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْل اوكسبتْ في إِيمانِها خَيْراً الدجالُ والدابةُ وطلوعُ الشمس من المغربِ او من مغربها "
ثم قال: هذا حديث حسن صحيح.
الثاني: أن عيسى ابن مريم ينزل من السماء الدنيا فيقتل الدجال ، وقد ذكر في القرآن نزوله في قوله تعالى: (وقَوْلهمْ إنَّا قَتَلْنَا ألْمَسِيحَ عِيسى أبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ ومَا قَتَلُوهُ وَمَاَ صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شئبِّهَ لَهُمْ وإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْم إِلاَّ اتباع الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً وإِنْ مِنْ أهْل الكِتَابِ إِلاَّ ليُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهيداً " .النساء: 157 – 159
وقد قررنا في التفسير أن الضمير في قوله: قبل موته عائد على عيسى أي سينزل إلى الأرض ويؤمن به أهل الكتاب الذين اختلفوا فيه اختلافاً متبايناً، فمن مدعي الإِلهية كالنصارى ومن قال فيه قولاً عظيماً وهوأنه ولد ريبة وهم اليهود، فإِذا نزل قبل يوم القيامة تحقق كل من الفريقين كذب نفسه فيما يدعيه فيه من الافتراء وعلى هذا فيكون ذكر نزول المسيح عيسى ابن مريم إشارة إلى ذكر المسيح الدجال شيخ الضلال وهو ضد مسيح الهدى، ومن عادة العرب أنها تكتفي بذكر أحد الضدين عن ذكر الآخر كما هو مقرر في موضعه.
الثالث: أنه لم يذكر بصريح اسمه في القرآن احتقاراً له حيث أنه يدعي الإِلهية وهو ليس ينافي حالة جلال الرب وعظمته وكبريائه وتنزيهه عن النقص، فكان أمره عند الرب أحقر من أن يذكر وأصغر وأدخر من أن يحكي عن أمر دعواه ويحذر، ولكن انتصر الرسل بجناب الرب عز وجل فكشفوا لأممهم عن أمره وحذروهم ما معه من الفتن المضلة والخوارق المضمحلة فاكتفى بإخبار الأنبياء، وتواتر ذلك عن سيد ولد آدم إمام الأتقياء عن أن يذكرأمره الحقير بالنسبة إلى جلال الله في القرآن العظيم ة ووكل بيان أمره إِلى كل نبي كريم.
فإن قلت: فقد ذكر فرعون في القرآن، وقد ادعى ما دعاه من الكذب والبهتان حيث قال: " أنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى " النازعات: 24 ــــ وقال: " يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي " القصص: 38
والجواب: أن أمر فرعون قد انقضى ولم يكن له خوارق وتبين كذبه لكل مؤمن وعاقل؟
وأم الدجال فهذا أمر سيأتي وكائن فيما يستقبل فتنة واختباراً للعباد فترك ذكره في القرآن احتقاراً له وامتحاناً به إذ الأمر في كذبه أظهر من أن ينبه عليه ويحذر منه،
وقد يترك الشيء لوضوحه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته وقد عزم على أن يكتب كتاباً بخلافة الصديق من بعده ثم ترك ذلك وقال: يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر " .
فترك نصه عليه لوضوح جلالته وظهور كبر قدره عند الصحابة وعلم عليه الصلاة والسلام منهم أنهم لا يعدلون به أحداً بعده، وكذلك وقع الأمر، و قد يكون ظهوره كافياً عن التنصيص عليه، وأن الأمر أظهر وأوضح وأجلى من أن يحتاج معه زيادة على ما هو في القلوب مستقر، فالدجال واضح الذم ظاهر النقص بالنسبة إلى المقام الذي يدعيه وهو الربوبية، فترك الله ذكره والنص عليه لما يعلم تعالى من عباده المؤمين أن مثل هذا لايهدهم ولا يزيدهم إلا إيماناً وتسليماً لله ورسوله وتصديقاً بالحق ورداً للباطل ولهذا يقول ذلك المؤمن الذي يسلط عليه الدجال فيقتله ثم يحييه، والله ما ازددت فيك إلاَّ بصيرة. أنت الأعور الكذاب الذي حدثنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم شفاهاً
ا.هـ [ النهاية في الفتن والملاحم : 110 ] .
منقول