من قال إن النفط أغلى من دمي؟
--------------------------------------------------------------------------------
سنرى كلاب الصيد تلتهم = الأجنة في البطون
سنرى حقول القمح ألغاماً = وضوء الصبح ناراً في العيون
سنرى الصغار على المشانق = في صلاة الفجر جهراً يصلبون
لا زهرة بيضاء تشرق = فوق أشلاء الغصون
لا فرحة في عين طفل = نام في صدر حنون
لا دين.. لا إيمان.. لا حق = ولا عرض مصون
وتهون أقدار الشعوب = وكل شيء قد يهون
أطفال بغداد الحزينة يسألون = عن أي ذنب يقتلون
يترنحون على شظايا الجوع = يقتسمون خبز الموت.. ثم يودعون
شبح "الهنود الحمر" يظهر في صقيع بلادنا= ويصيح فينا الطامعون...
من كل صوب قادمون = من كل جنس يزحفون
تبدو شوارعنا بلون الدم = والكهان في خمر الندامة غارقون
تبدو قلوب الناس أشباحاً = ويغدو الحلم طيفا عاجزاً
فوق رؤوسنا تعوي = ونحن إلى المهالك مسرعون..
أطفال بغداد الحزينة = في الشوارع يصرخون
يدق أبواب المدينة كالوباء = ويزحف الطاعون
أحفاد "هولاكو" = على جثث الصغار يزمجرون
جثث الهنود الحمر تطفو = فوق أعمدة الكنائس والثرى يغلي
أنهار دم فوق أجنحة الطيور الجارحات = مخالب سوداء تنفذ في العيون
مازال دجلة يذكر الأيام.. = والماضي البعيد يطل من خلف القرون
عبر الغزاة هنا كثيراً.. ثم راحوا = أين راح العابرون؟!
هذي مدينتنا.. وكم باغ أتى = ذهب الجميع ونحن فيها صامدون
ويعود أطفال العراق = أمام دجلة يرقصون
لسنا الهنود الحمر = حتى تنصبوا فينا المشانق
في كل شبر من ثرى بغداد = نهر.. أو نخيل.. أو حدائق
سنحارب الطاغوت فوق الأرض = بين الماء.. في صمت الخنادق
إنا كرهنا الموت لكن = في سبيل الله نشعلها حرائق
ستظل في كل العصور وإن كرهتم =أمة الإسلام من خير الخلائق
أطفال بغداد الحزينة = يرفعون الآن رايات الغضب
بغداد في أيدي الجبابرة الكبار = تضيع منا.. تغتصب
أين العروبة.. والسيوف البيض = والخيل الضواري.. والمآثر.. والنسب؟
في معبد الطغيان يبتهل الجميع = ولا ترى غير العجب..
البعض منهم قد شجب = والبعض في خزي هرب
وهناك من خلع الثياب = لكل جواد وهب..
يسعى الناس أفواجاً = إلى مسرى الغنائم والذهب
في الكون شيء من مآثر أهلها = ولكل مأساة سبب
باعوا الخيول.. = وقايضوا الفرسان في سوق الخطب
أطفال بغداد الحزينة يصرخون = يأتي إلينا الموت في لبن الصغار
في الحدائق.. في الأغاني = في المطاعم.. في الغبار
تتساقط الجدران فوق مواكب التاريخ = لا يبقى لنا منها.. جدار
يطل صاروخ لقيط الوجه.. = لم يعرف له أبداً مدار
ويصيح فينا: = أين أسلحة الدمار؟!
هل بعد موت الضحكة العذراء فينا = سوف يأتينا النهار؟
الطائرات تسد عين الشمس = والأحلام في دمنا انتحار
وبأي قانون = تدمر ألف مئذنة.. وتنفث سيل نار
ومن ظمأ.. إلى ظمأ = ووجه الكون جوع.. أو حصار
في وجهك الكذاب = تخفي ألف وجه مستعار
نحن البداية في الرواية.. = ثم يرتفع الستار
هل صار تجويع الشعوب = وسام عز وافتخار؟!
هل صار قتل الناس في الصلوات = ملهاة الكبار؟!
هل صار قتل الأبرياء = شعار مجد وانتصار؟!
أم أن حق الناس في أيامكم = نهب.. وذل.. وانكسار
الموت يسكن كل شيء حولنا = ويطارد الأطفال من دار.. لدار
مازلت تسأل:=أين أسلحة الدمار؟!
أطفال بغداد الحزينة = في المدارس يلعبون
كرة هنا.. كرة هناك = طفل هنا.. طفل هناك
قلم هنا.. قلم هناك = لغم هنا... موت.. هلاك
بين الشظايا = زهرة الصبار تبكي
بالأمس كانوا = كالحمائم في الفضاء يحلقون
في الكوفة الغراء = عطر من عبير المصطفى
فجر أضاء الكون يوماً = لا استكان ولا غفا
يا آل بيت محمد.. = كم حن قلبي للحسين.. وكم هفا
مهما وفى الشرفاء في أيامنا = زمن"النذالة" ما وفى..
مهما صفا العقلاء في أوطاننا = بئر الخيانة ما صفا..
بغداد يا بلد الرشيد = يا قلعة التاريخ والزمن المجيد
بين ارتحال الليل = والصبح المجنح لحظتان
ما بين أشلاء الشهيد = يهتز عرش الكون في صوت الوليد
ما بين ليل قد رحل = ينساب صبح بالأمل
لا تجزعي بلد الرشيد = لكل طاغية.. أجل
طفل صغير.. = ذاب عشقاً في العراق
كراسة بيضاء يحضنها = وبعض الفل.. بعض الشعر والأوراق
حصالة فيها قروش =من بقايا العيد.. دمع جامد
يخفيه في الأحداق = عن صورة الأب الذي
قد غاب يوماً.. لم يعد = وانساب مثل الضوء في الأعماق
يتعانق الطفل الصغير مع التراب = يطول بينهما العناق
خيط من الدم الغزير = يسيل من فمه
تخبو الملامح.. كل شيء في الوجود = يصيح في ألم: فراق
والطفل يهمس في أسى: = أشتاق يا بغداد تمرك في فمي
من قال إن النفط أغلى من دمي؟! = بغداد لا تتألمي
مهما تعالت صيحة البهتان = في الزمن العمي
في الأفق يبدو سرب أحلام = يعانق أنجمي
مهما تواري الحلم عن عينيك = قومي.. واحلمي
ولتنثري في ماء دجلة أعظمي = فالصبح سوف يطل يوماً
في مواكب مأتمي = الله أكبر من جنون الموت
والزمن البغيض الظالم = بغداد لا تستسلمي
بغداد لا تستسلمي = من قال إن النفط أغلي من دمي؟!