قصة اصحاب الجنة

موقع القصة في القرآن الكريم:

ورد ذكر القصة في سورة القلم . آية
( 17 - 33 ) .

قال الله تعالى
:

((
إِنَّا
بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوالَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْرَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَأَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ فَانْطَلَقُوا وَهُمْيَتَخَافَتُونَ أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ وَغَدَوْاعَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْنَحْنُ مَحْرُومُونَ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَقَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىبَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ عَسَىرَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَكَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ))

وهذا مثل ضربه الله لكفار قريش، فيما أنعم به عليهم من إرسال
الرسول العظيم الكريم إليهم، فقابلوه بالتكذيب والمخالفة،

كما قال
تعالى:

((
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ
كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَالْقَرَار ))

القصة
:


قال إبن
عباس:

إنه كان شيخ كانت له جنة، وكان لا يدخل بيته ثمرة منها ولا إلى
منزله حتى يعطي كل ذي حق حقه. فلما قبض الشيخ وورثه بنوه -وكان له خمسة من البنين- فحملت جنتهم في تلك السنة التي هلك فيها أبوهم حملا لم يكن حملته من قبل ذلك، فراحالفتية إلى جنتهم بعد صلاة العصر,
فأشرفوا على ثمرة ورزق فاضل لم يعاينوا
مثله في حياة أبيهم. فلما نظروا إلى الفضل طغوا وبغوا، وقال بعضهم لبعض: إن أباناكان شيخا كبيرا قد ذهب عقله وخرف، فهلموا نتعاهد ونتعاقد فيما بيننا أن لا نعطيأحدا من فقراء المسلمين في عامنا هذا شيئا، حتى نستغني وتكثر أموالنا، ثم نستأنفالصنعة فيما يستقبل من السنين المقبلة. فرضي بذلك منهم أربعة، وسخط الخامس وهو الذيقال تعالى: (قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون).

فقال لهم أوسطهم
: إتقوا الله وكونوا على منهاج أبيكم تسلموا وتغنموا، فبطشوا به، فضربوه ضربا مبرحا. فلما أيقن الأخ أنهم يريدون قتله دخل معهم في مشورتهم كارها لأمرهم، غير طائع،فراحوا إلى منازلهم ثم حلفوا بالله أن يصرموه إذا أصبحوا، ولم يقولوا إن شاءالله.


فإبتلاهم الله بذلك الذنب، وحال بينهم وبين ذلك الرزق الذي
كانوا أشرفوا عليه. [تفسير القمي،ج2،ص381].


*
إنها سنة
إلهية:


ولعل في القصة إشارة إلى أن الله تعالى أجرى نفس السنة
على المترفين أو طالهم منه شيء من العذاب في الدنيا. وفي رواية أبي الجارود عنالإمام الباقر عليه السلام تأكيد لذلك، اذ قال: (إن اهل مكة أبتلوا بالجوع كماأبتلي أصحاب الجنة).


فهذه السنة تنطبق على كل من تشمل الآيات
التالية: (ولا تطع كل حلاف مهين* هماز مشاء بنميم* مناع للخير معتد أثيم* عتل بعدذلك زنيم* أن كان ذا مال وبنين* إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين* سنسمهعلى الخرطوم) [القلم/ 10-16].


بعد ذلك يقول ربنا عزوجل: (إنا
بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمونها مصبحين ولايستثنون).


أي إختبرناهم بالثروة بمثل ما إختبرنا أصحاب المزرعة
. ومادامت السنن الإلهية في الحياة واحدة، فيجب إذن أن يعتبر الإنسان بالآخرين، سواءالمعاصرين له أو الذين سبقوه، وأن يعيش في الحياة كتلميذ، لأنها مدرسة وأحداثها خيرمعلم لمن أراد وألقى السمع وأعمل الفكر وهو
شهيد
.


بهذه
الهدفية يجب أن نطالع القصص ونقرأ التاريخ. فهذهقصة أصحاب الجنةيعرضها الوحي لتكون أحداثهاودروسها موعظة وعبرة للإنسانية.
ومن الملفت للنظر، إن القرآن في عرضه
لهذه القصة لا يحدثنا عن الموقع الجغرافي للجنة، هل كانت في اليمن أو في الحبشة،ولا عن مساحتها ونوع الثمرة التي أقسم أصحابها على صرمها.. لأن هذه الأمور ليستبذات أهمية في منهج الوحي، إنما المهم المواقف والمواعظ والأحداث لمعبرة، سواء فصلالعرض أو إختصر.

*
ومكروا ومكر الله
:


فأشار القرآن
إلى أنهم كيف أقسموا على قطف ثمار مزرعتهم دون إعطاء الفقراء شيئا منها، وتعاهدواعلى ذلك. ولكن هل فلحوا في أمرهم؟ كلا..
(
فطاف عليها طائف من ربك وهم
نائمون فأصبحت كالصريم).


إن الله الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، ما
كان ليغفل عن تدبير خلقه، وإجراء سننه في الحياة. فقد أراد أن يجعل آية تهديهم إلىالإيمان به والتسليم لأوامره بالإنفاق على المساكين وإعطاء كل ذي حق حقه.. وأن يعلمالإنسان بأن الجزاء حقيقة واقعية، وإنه نتيجة عمله.


وهكذا يواجه
مكر الله مكر الإنسان، فيدعه هباء منثورا، (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين). وإذا إستطاعوا أن يخفوا مكرهم عن المساكين، فهل إستطاعوا أن يخفوه عن عالم الغيبوالشهادة؟ كلا.. وقد أرسل الله تعالى طائفة ليثبت لهم هذهالحقيقة:


(
فتنادوا مصبحين* أن أغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين
* فإنطلقوا وهم يتخافتون* ان لايدخلنها اليوم عليكم مسكين* وغدوا على حرد قادرين* فلما رأوها قالوا إنا لضالون* بل نحن محرومون) [القلم/ 21-27].


في تلك اللحظة الحرجة إهتدوا إلى ان الحرمان الحقيقي ليس
قلة المال والجاه، وإنما الحرمان والمسكنة قلة الإيمان والمعرفةبالله.
وهكذا أصبح هذا الحادث المريع بمثابة صدمة قوية أيقظتهم من نومة
الضلال والحرمان، وصار بداية لرحلة العروج في آفاق التوبة والإنابة، والتي أولهاإكتشاف الإنسان خطئه في الحياة.


ومن هنا نهتدي إلى أن من أهم
الحكم التي وراء أخذ الله الناس بالبأساء والضراء وألوان من العذاب في الدنيا، هوتصحيح مسيرة الإنسان بإحياء ضميره وإستثارة عقله من خلال ذلك، كما قال ربنا عزوجل: (فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون).


*
قصة تستحق
التأمل:


فما أحوجنا أن نتأمل قصة هؤلاء الأخوة الذين إعتبروا
بآيات الله، وراجعوا أنفسهم بحثا عن الحقيقة لما رأوا جنتهم وقد أصبحت كالصريم،فنغير من أنفسنا ليغير الله ما نحن فيه. إذ ما أشبه تلك الجنة وقد طاف عليها طائفمن الله بحضارتنا التي صرمتها عوامل الإنحطاط وال
تخلف ولو أنهم إستمعوا
إلى نداء المصلحين لما أبتلوا بتلك النهاية المريعة. وهكذا كل أمة لا تفلح إلا إذاعرفت قيمة المصلحين، فإستمعت إلى نصائحهم، وإستجابت لبلاغهموإنذارهم.


لهذا الدور تصدى أوسط اصحاب الجنة، فعارضهم في البداية
حينما أزمعوا وأجمعوا على الخطيئة، وذكرهم لما أصابهم عذاب الله بالحق، وحملهم كاملالمسؤولية، وإستفاد من الصدمة التي أصابتهم في إرشادهم إلى العلاجالناجع.


(
قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون) من هذا الموقف
نهتدي إلى بصيرة هامة ينبغي لطلائع التغيير الحضاري ورجال الإصلاح أن يدركوهاويأخذوا بها في تحركهم إلى ذلك الهدف العظيم، وهي: إن المجتمعات والأمم حينما تضلعن الحق وتتبع النظم البشرية المنحرفة، تصير إلى
الحرمان، وتحدث في
داخلها هزة عنيفة (صحوة) ذات وجهين، أحدهما القناعة بخطأ المسيرة السابقة، والآخرالبحث عن المنهج الصالح. وهذه خير فرصة لهم يعرضوا فيها الرؤى والأفكار الرسالية،ويوجهوا الناس اليها.
من هذه الفرصة إستفاد أوسط اصحاب الجنة، بحيث حذر
أخوته من أخطائهم، وأرشدهم إلى سبيل الصواب.


(
قالوا سبحان ربنا
إنا كنا ظالمين* فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون* قالوا ياويلنا إنا كنا طاغين* عسىربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون).


وقصة هؤلاء شبيه
بقوله تعالى:

((
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً
مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْبِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَاكَانُوا يَصْنَعُونَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُفَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ))

قيل: هذا مثل مضروب
لأهل مكة . وقيل: هم أهل مكة أنفسهم، ضربهم مثلا لأنفسهم. ولا ينافي ذلك، واللهسبحانه وتعالى أعلم.