وداعاً
أزفّ الرّحيل وحان أن نتفرّقا ... فإلى اللّقا يا صاحبّي إلى اللّقا
إن تبكيا فلقد بكيت من الأسى ... حتى لكدت بأدمعي أن أغرقا
وتسعّرت عند الوداع أضالعي ... نارا خشيت بحرّها أن أحرقا
ما زلت أخشى البين قبل وقوعه ... حتى غدوت وليس لي أن أفرقا
يوم النوى ، للّه ما أقسى النّوى ... لولا النّوى ما أبغضت نفسي البقا
رحنا حيارى صامتين كأنّما ... للهول نحذر عنده أن ننطقا
أكبادنا خفّاقة وعيوننا ... لا تستطيع ، من البكا، أن ترمقا
نتجاذب النظرات وهي ضعيفة ... ونغالب الأنفاس كيلا تزهقا
لو لم نعلّل باللقاء نفوسنا ... كادت مع العبرات أن تتدّفقا
يا صاحبي تصبّرا فلربّما ... عدنا وعاد الشّمل أبهى رونقا
إن كانت الأيّام لم ترفق بنا ... فمن النّهى بنفوسنا أن نرفقا
أنّ الذي قدر القطيعة والنّوى ... في وسعه أن يجمع المتفرّقا!..
ولقد ركبت البحر يزأر هائجا ...كالليث فارق شبله بل أحنفا
والنفس جازعة ولست ألومها ... فالبحر أعظم ما يخاف ويتّقى
فلقد شهدت به حكيما عاقلا ... ولقد رأيت به جهولا أخرقا
مستوفز ما شاء أن يلهو بنا .. .مترّفق ما شاء أن يتفرّقا
تتنازع الأمواج فيه بعضها ... بعضا على جهل تنازعنا البقا
بينا يراها الطّرف سورا قائما ... فاذا بها حالت فصارت خندقا
والفلك جارية تشقّ عبابه ... شقّا، كما تفري رداء أخلقا
تعلو فنحسبها تؤمّ بنا النّسما ... ونظنّ. أنّا راكبون محلّقا
حتّى إذا هبطت بنا في لجّة ...أيقنت أنّ الموت فينا أحدقا
والأفق قد غطّى الضباب أديمه ... فكأنّما غشي المداد المهرفا
لاالشّمس تسطع في الصّباح , ولا نرى ...إمّا استطال اللّيل؛ بدرا مشرقا
إيليا أبو ماضي