ما كان المسرح سيئاً في شمال النمسا. فقد شاهدت المسرحيات المحتلفة في سن الثانية عشر ، وبعض اعمال الاوبرا كذلك.

كل هذه العوامل دفعتني لرفض العمل الذي اراد والدي اعدادي له . ايقنت انني لن استطيع الوصول للراحة النفسية في أي وظيفة حكومية. ساكون رساماً، ولن تقدر أي قوة في العالم على جعلي موظفاً.

ومع ذلك ، تحولت مع مرور الاعوام الى حب المعمار اكثر من الرسم.

وعلى كل حال ، فقد تدخل القدر، واصيب والدي بالجلطة، وانتهت رحلته الدنيوية، وتركنا جميعاً في حالة من الحزن العميق. لقد كان طموحه الاخير مساعدة ابنه حتى لا يعاني كما عانى ويكرر ذات الاخطاء. وان لم ينجح الا ان البذور التي زرعها لعبت دورها في خلق مستقبل لم يستطع هو - ولا انا- ادراكه آنذاك.

وقد رغبت امي في ان استمر في الدراسة كما اراد والدي. ثم اصبت بمرض ساعدني على التغلب على هذا الصراع المنزلي. اذ اكد الطبيب انني لا استطيع البقاء في مكتب ، والح على ابتعادي عن المدرسة لعام كامل. وهكذا حققت لي الاقدار الهدف الذي سعيت له.

وافقت امي مكرهة اخيراً على ان ادرس في المعهد الفني. كانت اسعد ايام العمر امامي - الا انها بقت احلاماً لان والدتي توفيت بعد وفاة والدي بعامين نتيجة لمرض قاتل اصابها على حين غرة. احترمت والدي، ولكنني احببت امي، وقد احزنني رحيلها كثيراً.

وهكذا وجدت نفسي مضطراً لاتخاذ قرارات صعبة. الاموال القليلة المتبقية كانت قد اُنفقت في علاج امي، وما قدمته الحكومة للايتام ما كان كافياً حتى لشظف العيش . وهكذا كان امامي مسؤولية الاستقلال الاقتصادي.

وضعت ثيابي القليلة في حقيبة ، وفي قلبي ارادة جديدة، واتجهت الى فيينا. مثل والدي، قررت ان انتزع من القدر مصيراً ميزاً ، وان اكون شيئاً خاصاً ، أي شيء ، باستثناء موظف حكومي.



..

.
.
.