نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي






توقير العلماء على الرغم من وجود الخلافات الفقهية بينهم


على الرغم من وقوع الخلاف بين العلماء، إلا أن هذا الخلاف يعتبر من النوع السائغ، و لم يتطور للتنازع أو الشقاق المذموم، وكان الخلاف دائما بين العلماء في الحدود المقبولة.

ومن الحقائق التي يجب أن ندركها جميعاً ونؤكد عليها:
أن أكابر أهل العلم والأئمة في هذه الأمة يختلفون فيما بينهم في مسائل العلم والفقه في الدين، ويتناظرون ويرد بعضهم على بعض، ولا يفسد ذلك للود قضية، ولا يضر اختلافهم هذا الأمة شيئاً، لأنهم إنما يختلفون بأدب، ويتحاورون بلطف، ولا يخرجون في اختلافهم عن الأصول والضوابط الشرعية.

فإن الاختلاف في مسائل العلم ومسائل الدين والفقه له أصوله وآدابه، والمناظرات لها ضوابطها، ولذلك لا يضر اختلافهم الأمة، بل يفيدها فاختلاف العلماء المجتهدين: رحمة ونعمة، وله فوائد ومنافع، بينما اختلاف الجهال كارثة ونقمة، لأنهم يقولون بدون علم، و يتكلمون بغير بصيرة، ويختلفون بلا أدب أو ضوابط، وكذلك غالباً ما يؤدي اختلافهم واختلاف المبتدئين وأنصاف المتعلمين إلى التنازع والتشاحن والبغضاء، أما العلماء المجتهدون فإنهم لبعد نظرهم وخبرتهم بالعلم والفقه، فإن اختلافهم منفعة ومصلحة للأمة، ولذلك أمر ربنا عز وجل بأن نرجع في حل المسائل والمشكلات إلى علمائنا فقال سبحانه وتعالىنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيوَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً )النساء:83. فأولو الأمر في هذه الآية المراد منهم: العلماء، وخصّت الآية منهم طبقة عالية لها مكانة رفيعة وهم الراسخون في العلم، وصفتهم بأنهم من أهل الاستنباط: (الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) وهؤلاء هم الفقهاء. فإن توقير العلماء والأئمة من الواجبات الشرعية، التي فيها طاعة لأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم يأثم من أخل بها، قال الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يوقر كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه"(1).

وروي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه أمسك الركاب يوماً لزيد بن ثابت وهو على فرسه, احتراماً وتبجيلاً وتوقيراً لزيد، وزيد بن ثابت من علماء الصحابة وفقهائهم، وابن عباس هو المعروف بالعلم والفقه ولكنه يتعلم ممن هو أكبر منه سناً وأكثر منه علماً، فأمسك الركاب عند قدمي زيد، فقال له زيد: تنح يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و ابن عباس ممسك بالركاب، وزيد قال له: تنحّ يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كره أن يراه في هذا الموقف، تعظيماً لصلته برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ابن عباس: لا، بل هكذا أمرنا أن نفعل بالعلماء (2)، وظل رضي الله عنه واقفاً عند رجلي زيد ممسكاً بالركاب, فهكذا كان احترام السلف لعلمائهم.

رفع الملام عن الأئمة الأعلام:
و على الرغم من وقوع الخلاف بين العلماء , فلا يجب على المسلمين إلا العمل على توقيرهم وحفظ مكانتهم والدعاء لهم والترحم عليهم, وموالاتهم بعد موالاة الله تعالى وموالاة رسوله صلى الله عليه وسلم: فهم ورثة الأنبياء, والمبلغون عن الله تعالى, وجعلهم الله عز وجل كالنجوم يُهتدى بهم في ظلمات البر والبحر.

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في رفع الملام عن الأئمة الأعلام أيضاً: "وليعلم أنه ليس أحد من الأئمة المقبولين عند الأمة قبولا عاماً يتعمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من سنته دقيق ولا جليل, فإنهم متفقون اتفاقاً يقيناً على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم, وعلى أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن إذا وجد لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه فلا بد له من عذر في تركه, وجميع الأعذار ثلاثة أصناف: أحدها: عدم اعتقاده أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله.
الثاني: عدم اعتقاده إرادة تلك المسألة بذلك القول.
الثالث: اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ ".(3) ثم شرح شيخ الإسلام هذه الأمور التي ذكرنا بعضاً منها؛ لتوضيح أسباب وقوع الخلاف في العصور المتقدمة, أو في العصور التالية لها، وأيضا لرفع الملام عن أئمة الدين إذا اختلفوا أو لم يعمل أحدهم بحديث صحيح وبيان أسباب ذلك مع عرض الأمثلة.

الإحالات (الهوامش):
1. رواه الحاكم في العلم ب : في توقير العلماء1/122وصححه ووافقه الذهبي , ورواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم 1/235(261) , ورواه أحمد والطبراني وحسن المنذري إسناد أحمد, وراجع أيضا صحيح الترغيب والترهيب للألباني 1/152(101) .
2. رواه الحاكم في ترجمة ابن عباس 3/423 وصححه ووافقه الذهبي , ورواه الطبراني في الكبير 5/107 ــ 108(4746) , ونقل المحقق تصحيح الهيثمي له في مجمع الزوائد , ورواه الخطيب الفقيه والمتفقه (307ـ308), وصححه ابن حجر في الإصابة 1/543 .
3. انظر رفع الملام عن الأئمة الأعلام لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 5,6 وانظر أيضا مقدمة كتاب اختلاف العلماء للمروزي تحقيق السيد صبحي السامرائي ,ط أولى 1405هـ =1985م ط عالم الكتب بيروت , ص7 .