للبردوني
ما أصدق السيف ! إن لم ينضه الكذب *** وأكذب السيف إن لم يصدق الغضب
بيضُ الصفائح أهدى حين تحملها *** أيد إذا غلبت يعلو بها الغلب
وأقبح النصر نصر الأقوياء بلا *** فهم سوى فهم كم باعوا وكم كسبوا
أدهى من الجهل علم يطمئن إلى *** أنصاف ناس طغوا بالعلم واغتصبوا
قالوا : هم البشر الأرقى ، وما أكلوا *** شيئاً كما أكلوا الإنسان أو شربوا
· * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
ماذا جرى يا أبا تمام تسألني *** عفواً سأروي ولا تسأل وما السبب
يدمى السؤال حياء حين نسأله *** كيف احتفت بالعدا حيفا أو النقب
من ذا يلبي أما إصرار معتصم *** كلا وأخزى من الأقشين (1) ما صُلبوا
اليوم عادت علوج الروم فاتحة *** وموطن العرب المسلوب والسلب
ماذا فعلنا ؟ غضبنا كالرجال ولم *** نصدق وقد صدق التنجيم والكتب
فأطفأت شهب الميراج أنجمنا *** وشمسنا وتحدت نارَها الخطب
وقاتلت دوننا الأبواق صامدة *** أما الرجال فماتوا ثم أو هربوا
حكامنا إن تصدوا للحمى اقتحموا *** وإن تصدى له المستعمر انسحبوا
هم يفرشون لجيش الغزو أعينهم *** ويدعون و ثوباً قبل أن يثبوا
الحاكمون وواشنطن حكومتهم *** واللامعون وما شعوا ولا غربوا
القاتلون نبوغ الشعب ترضية *** للمعتدين وما أجدتهم الخطب
لهم شموخ المثنى ظاهراً ولهم *** هوى إلى بابك الخرمي ينتسب
ماذا ترى يا أبا تمام هل كذبت *** أحسابنا أو تناسى عرقَه الذهب
عروبة اليوم أخرى لا ينم على *** وجودها اسم ولا لون ولا لقب
تسعون ألفاً لعمورية ( انتفضوا ) *** وللمنجم قالوا : إننا الشهب
قيل انتظار قطاف الكرم ما انتظروا *** نضج العناقيد لكن قبلها التهبوا
واليوم تسعون مليوناً (2) وما بلغوا *** نضجاً وقد عصر الزيتون والعنب
تنسى الرؤوس العوالي نار نخوتها *** إذا امتطاها إلى أساده الذنب
حبيب وافيت من صنعاء يحملني *** نسر وخلف ضلوعي يلهث العرب
ماذا أحدث عن صنعاء يا أبتي ؟ *** مليحة عاشقاها السل والجرب
ماتت بصندوق وضاح(3) بلا ثمن *** ولم يمت في حشاها العشق والطرب
كانت تراقب صبح البعث فانبعثت *** في الحلم ثم ارتمت تغفو وترتقب
لكنها رغم بخل الغيث ما برحت *** حبلى وفي بطنها قحطان أو كرب
وفي أسى مقلتيها يغتلي ( يمن ) *** ثان كحلم الصبا ينأى ويقترب
حبيب تسأل عن حالي وكيف أنا *** شبابة في شفاه الريح تنتحب
كانت بلادك رحلاً ظهر ناجية *** أما بلادي فلا ظهر ولا غبب
أرعيت كل جديب لحم راحلة *** كانت رعته وماء الروض ينسكب
ورحت من سفر مضي إلى سفر *** أضنى لأن طريق الراحة التعب
لكن أنا راحل في غير ما سفر *** رحلي دمي وطريقي الجمر والحطب
إذا امتطيت ركاباً للنوى فأنا *** في داخلي أمتطي ناري وأغترب
قبري ومأساة ميلادي على كتفي *** وحولي العالم المنفوخ والصخب
حبيب هذا صداك اليوم أنشده *** لكن لماذا ترى وجهي وتكتئب ؟
ماذا ؟ أتعجب من شيبي على صغري ؟ *** إني ولدت عجوزاً كيف تعتجب ؟!
واليوم أذوي وطيش الفن يعزفني *** والأربعون على خدي تلتهب
كذا إذا ابيض إيناع الحياة على *** وجه الأديب أضاء الفكر والأدب
وأنت من شبت قبل الأربعين على *** نار الحماسة تجلوها وتنتخب
وتجتدي كل لص مترف هبة *** وأنت تعطيه شعراً فوق ما يهب
شرقت غربت من وال إلى ملك *** يحثك الفقر أو يقتادك الطلب
طوفت حتى وصلت الموصل انطفأت *** فيك الأماني ولم يشبع لها أرب
لكن موت المجيد الفذ يبدؤه *** ولادة من صباها ترضع الحقب
حبيب ما زال في عينيك أسئلة *** تبدو وتنسى حكاياها فتنتقب
وما تزال بحلقي ألف مبكية *** من رهبة البوح تستحيي وتضطرب
يكفيك أن عدانا أهدروا دمنا *** ونحن من دمنا نحسو ونحتلب
سحائب الغزو تشوينا وتحجبنا *** يوماً ستحبل من إرعادنا السحب
أما ترى يا أبا تمام بارقنا *** إن السماء ترجى حين تحتجب