لونك المفضل

المنتديات الثقافية - Powered by vBulletin
 

النتائج 1 إلى 15 من 15

الموضوع: لا تَحلَمْ هذا المساء !!

  1. #1
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية علي عكور
    تاريخ التسجيل
    08 2009
    الدولة
    علي كَفّ عفريتْ
    العمر
    42
    المشاركات
    155

    لا تَحلَمْ هذا المساء !!

    ليسَ مُهِمًّا كمْ سَهْمًا تمْلكُ في جُعْبةِ أحْلامكَ , المُهِم : كمْ أطْلَقتَ منْها و أصابَتْ أهدافَها !!

    لا تَحْلمْ هَذا المَساء !!!
    مثلما يَغمرُ الربيعُ الأرض , جاءني بوَجه تَغمرهُ الفرحَة . اقتربَ مني ليُخبِرني أنه حلُمَ بأبي ليلَة البارحَة . أنا أيضًا كنتُ أحْلُمُ بأبي عندما كنتُ في عُمره و سذاجَته . و عندما أستيقظ أكونُ غاضبًا لأن الحلمَ انتهى سريعًا , مهما طالَ كنتُ أشعرُ أنه انتهى قبلَ أوانه دونَ أن أفطن أن الأحلامَ لئيمَة كالأوجاعِ , لا تَنتَهي عند حدّ بلْ تتناسَلُ كما تتناسل الأحقاد . في الليلَة التاليَة أنامُ مبكّرًا ظنًّا منّي أنني سأكملُ الحلمَ من حيثُ انتهى !! حتّى الأحلام تمارسُ الغوايَة , تُغوينا ثم تستَمتعُ بِمُطاردتنا لها . حالما نَقتربُ من لَثمِها تُشيحُ بوجوهها عنّا , و إذا اعترانا اليأسُ و قرّرنا الانسِحاب اقتربت منّا لنَشعُرَ بأنفاسِها على صَفحَة وجوهِنا المُجْدبَة . و لِسَذاجتنا لم نسألْ أنفسنا يومًا : كيفَ سَنقبضُ عليْها و نَحنُ نطاردُها بعكّازينِ خَشبيّيْن ؟
    يَصغرني بخمسَة عشَر عامًا , و بأوجاعٍ كثيرَة . مَرّرتُ يدي على شَعره الناعمِ كأحلامه , و سألتُه :
    - كيفَ رأيتَ أبي ؟
    - رأيْته يحملُ حقائبَه الكبيرَة .
    كنتُ أودّ سماعَ إجابَةٍ لا حقائبَ فيها . ما إن سمعتُ لفظةَ الحقائب حتى هبطتْ على رأسي ذكرى حقائبِ أبي , هَبَطتْ هبوطًا اضطراريًّا في أجواءٍ مُلبّدةٍ بالحزن . كانتْ حَقائِبُه مُرهَقَة و مُمْتلئة دائِمًا . و كنتُ أكرَهُها لأنها تَنْعمُ بلَمسَته الحانيَة أكثَرَ مني . أراقِبُه و هوَ يَفتَحها بِرِفق , أراقِبُه منْ بعيد . يَملؤها و يُرتبها , و أنا القابِعُ في ركنٍ ركين لا أحدَ يَملَؤني أو يُرتبني ! وحدي , فارغٌ إلا من فوضاي !! سرَقتها مرّة و اشترى غيرَها . كانت فكرة سرقَة الحقيبَة فكرة ساذجة , تشبهُ تفكيري حينها . تمضي الأيام و يتضخّم عقلي لأدرك جيدًا أن الحقيبَة كانت في رأسه لا تحتَ سريره , و أنني بحاجة إلى سرقة تلك التي في رأسه !!
    رفعتُ نظري فرأيتُ النافذة التي كنتُ أفتحها و أراقبُ منها مجيء أبي من سفره . هكذا كانوا يقولون لنا كلما سألنا عنه . يقولون : " مسافر " و لمْ يكُنْ يخطر ببالنا أنّ الكبارَ يضلّون طريقَ العودَة , تمامًا كالصغار !! أمي أيضا كانت تعرفُ هذا الشيء . لذلكَ تقول لي كلّما فتحتُ النافذة : " نحنُ في الجنوب , و الجنوبُ بعيد و الحافلاتُ لا تأتي إليه كثيرًا " كانت الحافلاتُ تحرجُ أمي , عندما تأتي و لا يأتي أبي !! مازالَ طاهرًا كورَقةٍ بيضاء أخشى أن تُنْهِكَها الأخطاء المطبعيّة . أخشى عليه من الأحلام . أخافُ أنْ يُسرفَ في تَعاطيها و تَجاوُزِ الجُرعةِ المَسْموحِ بها !!! الأحلامُ و إنْ بدَتْ جميلَة إلا أنّها تحترقُ و تقتلُ أصحابَها اختناقًا بدخانها .
    انسلّ بخفّة من بينِ يديّ . غابَ لدقيقَة ثمّ عاد ببطاقةِ دعوةٍ لحضور مجلسِ الآباء ليذكّرني بالموعد . غدًا سيُقام في المدرسَة حفلٌ للطلاب بحضور آبائهم , و لهذا هو ممتلئٌ بالحبور . و عليّ أن أمثّلَ دورَ الأب و لهذا أنا ممتلئٌ بمزيجٍ من القلقِ و الحزن . في العام الماضي كانَ مستمتعًا بالحفل , لمْ يكنْ يعنيه كثيرًا أن الآخرينَ حضروا بصحبة آبائهم بينما حضرَ هو بصحبة أخيه . لم يُفسد الحفل سوى تذكيرِ زملائه له بعدمِ مجيء أبيه . صاحبُ الطرفِ الصناعيّ , يستمتعُ بمشاهدة العدائينَ يركضونَ في المضمار و لا يسأل نفسه لماذا لستُ مثلَهم , لقد سألَ نفسه ذاتَ السؤال و وجدَ إجابَةً مُقنعة و تصالحَ مع آلامه , لكنّه ينزعجُ كثيرًا و يتألم لو سألَه الجالسُ عن يمينه في المدرج : " هل جرّبتَ سباقَ الماراثون ؟ إنه ممتعٌ للغايَة " نبذلُ جهدًا كبيرًا لرميِ آلامنا في مربّعٍ بعيدٍ في الذاكرَة , لكنْ , هناكَ دائمًا من يُعيدها للمربّع الأول . كانوا يسألونه في ذروةِ انشغالِه بالضحك و اللعب , فيقول إجابته المعتادة و الباردَة كالأسماك المثلّجة : " إنه مسافر " ثمّ لا يحدثُ شيء سوى أنّ الحفلَ ينتهي بالنسبَة إليه . دائمًا نسألُ عن الأشياء التي نملكُها و يفقدها الآخرون . نسألُ لنشعرَ بتفرّدنا بامتلاكها . أما تلك التي لا نملكها فإننا لا نسألُ عنها , و لهذا لمْ يكنْ مصطفى يسأل ؛ لأنّ أباهُ هو الآخرُ كان مُسافرًا , و الحافلاتُ لا تأتي إلى الجنوبِ كثيرًا , و نوافذ بيتهم مفتوحَة على الأرجح !!
    في البطاقَة من الداخل بيانٌ بفقرات الحفل :
    كلمة عن الأب , قصيدة عن الأب , أنشودة عن الأب , مسرحيّة عن الأب .
    لا أدري كيفَ أقنعه أنْ لا شيْء منْ فقرات الحفل يَخصّه . هذه الفقرات أعِدّتْ للأطفال مكتملي الأعضاء و النموّ . و حضوره ـ لو كانَ يفهم ـ خطرٌ على صحته . غابَ مرّةً أخرى و أنا تلوكني أفكاري و هواجسي . فكّرتُ أنْ أثنيه عن الحضور , و فكّرتُ أخرى أن أدفعَهُ إليهِ دفعًا ليكتَسبَ مناعَةً ضد فيروسِ الألم . مريضُ النيكوتين ليسَ بالضرورَة أن يموتَ بسيجارَة , بل قد يموتُ بخطأٍ طبيّ . عادَ و بيده ورقَةٌ مُهتَرئة كأيامه , مُهترئَةٌ من كثر فتحها و طيّها , فَتحَها و أمطارُ الفَرحُ تَغسِلُ أرصِفَةَ وجهِهِ البريْء , و قال : " هذه أنشودَة عن أبي , سأنشدُها في الحفل و سيصفّقون لي " .. و أردف : " و زملائي أيضًا سيُنْشدون " .. و رغبْتُ أنْ أكملَ : " نعم , سينشدُ كلّ واحدٍ منْهم , و سيَجد في كلّ مرّةٍ يُنْشِدُ فيها كفّيْنِ تُصفّقانِ بحرارَة أكثر منْ باقي الأكفّ , و أذنيْنِ مُرهَفَتينِ أكثرَ من باقي الآذان , و عينيْنِ تُحدّقانِ بفرَحٍ أكثرَ منْ باقي الأعيُن , و شفتيْن مُنْفرجتَيْن عن ابْتسامَة أكثر صدقًا من باقي الابتِسامات , .. أما أنتَ فسَتَمتطي ظهر المسْرح و ستُنشدُ و ستَجِدُ كلّ الأعيُنِ و الآذانِ و الابتساماتِ متشابِهَهٌ كتشابُهِ أزياء الجنودِ في عروضِهم العسكريّة !!! "
    سألتُه :
    - لمنْ سَتُلقيها ؟؟
    - للحضور .
    - و لكنّ زملاءكَ ـ حينَ يُنْشدونَ أناشيدَهم ـ لا يُلقونَها للحضور !!
    لمْ يَفهم شيئًا مما قلت , و هذا شيءٌ جيّد . الفَهمُ في مثلِ هذهِ المواقف مُضرّ , مثلما يضرّ أخذُ جرعَةٍ زائدَةٍ من الدواء . في المساء و قبلَ أنْ يَنامَ جاءتْ أمي لتحكي له قصَّة كما اعتادتْ أنْ تفعلَ . اقتَرَبَتْ منْه , و دخلَتْ مَعَهُ تَحتَ بطانيّته لِتُشعرَه بالدفء . ضمّتْهُ بجِفنيْها قبلَ ذراعيْها , نظرَ إليْها و قال بهدوء و فرح : " أمي , البارِحَة حَلُمْتُ بأبي " وضعتْ أمي القصَّة جانبًا , و لقّنَتْهُ تعويذَة ما قبل النّوم !!!
    .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #2
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية قلب الوفا


    إبتسامة نقاء
    تاريخ التسجيل
    11 2007
    الدولة
    لكْ الحمُد رّبيْ بِقدر مآنسّعدْ وّ نتألمْ ?
    المشاركات
    37,290

    رد: لا تَحلَمْ هذا المساء !!


    ماشاء الله عليك علي
    ماشاء الله تبارك الله
    لروعة حلم هذا المساء لم اجد تعليقاً يليق بذلك النص
    ابدعت ويكفي


    اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الاحياء منهم والاموات.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    حينما يكون الإبداع .. يكون أبوفهـد نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    رحمك الله يا بارقه وغفر لك وأدخلك فسيح الجنان

  3. #3
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية عبدالله الحلوي
    قبس المنتدى
    تاريخ التسجيل
    10 2003
    الدولة
    النون ..
    المشاركات
    7,449

    رد: لا تَحلَمْ هذا المساء !!

    قد

    تتكسر

    وتتفتت

    وتذروها الرياح

    وتنهار معها مركبات الفرح ..!!

    لن احلم الا ان لا افقد ابي ..!!

    وسواها فلتتوقف الدنيا ..


    العكور /

    انت مختلف شكلاً ومضموناً
    متميّز وسابح فينا كالدماء

    فزد وزد ..


    مع حبي
    القبس

  4. #4
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية معاذ آل خيرات
    نبـ صامطة ـض
    نبض لمع في سماء الإشراف
    تاريخ التسجيل
    04 2006
    الدولة
    ممكن خيارات ؟!
    العمر
    39
    المشاركات
    3,381

    رد: لا تَحلَمْ هذا المساء !!


    تَمسّكنا بالأشياءِ لا يعني .. بَقاءها ..
    تمسّكنا بالأشياءِ يعني .. بقاءنا .!!



    المُوجِع / علي عكور

    أمسكتَ بنواصينا تسقِطُ الإرهاقَ يمنةً ويسرةً .!
    من عُمقِ الألمِ .. شكراً .!!



    ودٌ يمتدّ

    .
    .


  5. #5
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية نُهَى
    سائل الياسمين
    تاريخ التسجيل
    06 2009
    الدولة
    بِداخِلك..
    العمر
    36
    المشاركات
    2,900

    رد: لا تَحلَمْ هذا المساء !!

    هل تتحدّث عن الأحلام..؟
    هي فعلاً غواية!
    الأحلام من هذا النوع تُذكرني بسراب ماء في صحراء جرداء بعد العناء الطويل من العطش..
    تمناها القلب بشدّة فرأتها العين "غصباً " بالصورة التي تمنّاها ذلك القلب اللحوح..!
    كم تمنّى ذلك الطفل الصغير وجود أب _ بمعنى الكلمة _ بجانبه..
    ..ولكن لحسن حظه لم يعلم بعد عن هذه الأمنية المستقرة في نفسه..!!
    علي..
    كالعادة,, أبدعت..
    لحروفك مغناطيس يجذبني إليها دائماً..نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ﻷقعدن على الطريق و أشتكي
    و أقول مظلوما و أنت ظلمتني !

  6. #6
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية علي عكور
    تاريخ التسجيل
    08 2009
    الدولة
    علي كَفّ عفريتْ
    العمر
    42
    المشاركات
    155

    رد: لا تَحلَمْ هذا المساء !!


    قلب الوفا :

    أهلا بكِ أختي
    يكفي أنْ تمرّي هنا دونَ تعليق .
    نعم , .. يكفي من القلبِ وفاؤه و من المطر هطوله .

    عبد الله الحلوي :

    أهلا برائحة
    الودّ تفوحُ من حروفكَ الوفيّة .
    تحيّة فاخِرَة تليقُ بكَ يا حلوي .

    معاذ آل خيرات :

    و تمسّكي بكَ يا أنيق
    يعني بقائي ..
    و منْ عُمق الحبّ و الودّ
    شكرًا يا مُعاذ .

    حنان :

    الأحلام وقود
    و دونها تتوقف مراكبنا بجانب أقربِ رصيفٍ للألم و الموت .
    نحلم حتى مع يقيننا بانتهاء الوقت الضائع للأحلام و إطلاق الحكم لصافرة النهاية .
    ياسمينَةٌ لحضوركِ الأنيق أختي .

  7. #7
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية لوركا
    شخصية مهمة
    تاريخ التسجيل
    08 2009
    الدولة
    Utopia
    المشاركات
    1,621

    رد: لا تَحلَمْ هذا المساء !!

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة علي عكور مشاهدة المشاركة
    ليسَ مُهِمًّا كمْ سَهْمًا تمْلكُ في جُعْبةِ أحْلامكَ , المُهِم : كمْ أطْلَقتَ منْها و أصابَتْ أهدافَها !!
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة علي عكور مشاهدة المشاركة

    لا تَحْلمْ هَذا المَساء !!!
    مثلما يَغمرُ الربيعُ الأرض , جاءني بوَجه تَغمرهُ الفرحَة . اقتربَ مني ليُخبِرني أنه حلُمَ بأبي ليلَة البارحَة . أنا أيضًا كنتُ أحْلُمُ بأبي عندما كنتُ في عُمره و سذاجَته . و عندما أستيقظ أكونُ غاضبًا لأن الحلمَ انتهى سريعًا , مهما طالَ كنتُ أشعرُ أنه انتهى قبلَ أوانه دونَ أن أفطن أن الأحلامَ لئيمَة كالأوجاعِ , لا تَنتَهي عند حدّ بلْ تتناسَلُ كما تتناسل الأحقاد . في الليلَة التاليَة أنامُ مبكّرًا ظنًّا منّي أنني سأكملُ الحلمَ من حيثُ انتهى !! حتّى الأحلام تمارسُ الغوايَة , تُغوينا ثم تستَمتعُ بِمُطاردتنا لها . حالما نَقتربُ من لَثمِها تُشيحُ بوجوهها عنّا , و إذا اعترانا اليأسُ و قرّرنا الانسِحاب اقتربت منّا لنَشعُرَ بأنفاسِها على صَفحَة وجوهِنا المُجْدبَة . و لِسَذاجتنا لم نسألْ أنفسنا يومًا : كيفَ سَنقبضُ عليْها و نَحنُ نطاردُها بعكّازينِ خَشبيّيْن ؟
    يَصغرني بخمسَة عشَر عامًا , و بأوجاعٍ كثيرَة . مَرّرتُ يدي على شَعره الناعمِ كأحلامه , و سألتُه :
    - كيفَ رأيتَ أبي ؟
    - رأيْته يحملُ حقائبَه الكبيرَة .
    كنتُ أودّ سماعَ إجابَةٍ لا حقائبَ فيها . ما إن سمعتُ لفظةَ الحقائب حتى هبطتْ على رأسي ذكرى حقائبِ أبي , هَبَطتْ هبوطًا اضطراريًّا في أجواءٍ مُلبّدةٍ بالحزن . كانتْ حَقائِبُه مُرهَقَة و مُمْتلئة دائِمًا . و كنتُ أكرَهُها لأنها تَنْعمُ بلَمسَته الحانيَة أكثَرَ مني . أراقِبُه و هوَ يَفتَحها بِرِفق , أراقِبُه منْ بعيد . يَملؤها و يُرتبها , و أنا القابِعُ في ركنٍ ركين لا أحدَ يَملَؤني أو يُرتبني ! وحدي , فارغٌ إلا من فوضاي !! سرَقتها مرّة و اشترى غيرَها . كانت فكرة سرقَة الحقيبَة فكرة ساذجة , تشبهُ تفكيري حينها . تمضي الأيام و يتضخّم عقلي لأدرك جيدًا أن الحقيبَة كانت في رأسه لا تحتَ سريره , و أنني بحاجة إلى سرقة تلك التي في رأسه !!
    رفعتُ نظري فرأيتُ النافذة التي كنتُ أفتحها و أراقبُ منها مجيء أبي من سفره . هكذا كانوا يقولون لنا كلما سألنا عنه . يقولون : " مسافر " و لمْ يكُنْ يخطر ببالنا أنّ الكبارَ يضلّون طريقَ العودَة , تمامًا كالصغار !! أمي أيضا كانت تعرفُ هذا الشيء . لذلكَ تقول لي كلّما فتحتُ النافذة : " نحنُ في الجنوب , و الجنوبُ بعيد و الحافلاتُ لا تأتي إليه كثيرًا " كانت الحافلاتُ تحرجُ أمي , عندما تأتي و لا يأتي أبي !! مازالَ طاهرًا كورَقةٍ بيضاء أخشى أن تُنْهِكَها الأخطاء المطبعيّة . أخشى عليه من الأحلام . أخافُ أنْ يُسرفَ في تَعاطيها و تَجاوُزِ الجُرعةِ المَسْموحِ بها !!! الأحلامُ و إنْ بدَتْ جميلَة إلا أنّها تحترقُ و تقتلُ أصحابَها اختناقًا بدخانها .
    انسلّ بخفّة من بينِ يديّ . غابَ لدقيقَة ثمّ عاد ببطاقةِ دعوةٍ لحضور مجلسِ الآباء ليذكّرني بالموعد . غدًا سيُقام في المدرسَة حفلٌ للطلاب بحضور آبائهم , و لهذا هو ممتلئٌ بالحبور . و عليّ أن أمثّلَ دورَ الأب و لهذا أنا ممتلئٌ بمزيجٍ من القلقِ و الحزن . في العام الماضي كانَ مستمتعًا بالحفل , لمْ يكنْ يعنيه كثيرًا أن الآخرينَ حضروا بصحبة آبائهم بينما حضرَ هو بصحبة أخيه . لم يُفسد الحفل سوى تذكيرِ زملائه له بعدمِ مجيء أبيه . صاحبُ الطرفِ الصناعيّ , يستمتعُ بمشاهدة العدائينَ يركضونَ في المضمار و لا يسأل نفسه لماذا لستُ مثلَهم , لقد سألَ نفسه ذاتَ السؤال و وجدَ إجابَةً مُقنعة و تصالحَ مع آلامه , لكنّه ينزعجُ كثيرًا و يتألم لو سألَه الجالسُ عن يمينه في المدرج : " هل جرّبتَ سباقَ الماراثون ؟ إنه ممتعٌ للغايَة " نبذلُ جهدًا كبيرًا لرميِ آلامنا في مربّعٍ بعيدٍ في الذاكرَة , لكنْ , هناكَ دائمًا من يُعيدها للمربّع الأول . كانوا يسألونه في ذروةِ انشغالِه بالضحك و اللعب , فيقول إجابته المعتادة و الباردَة كالأسماك المثلّجة : " إنه مسافر " ثمّ لا يحدثُ شيء سوى أنّ الحفلَ ينتهي بالنسبَة إليه . دائمًا نسألُ عن الأشياء التي نملكُها و يفقدها الآخرون . نسألُ لنشعرَ بتفرّدنا بامتلاكها . أما تلك التي لا نملكها فإننا لا نسألُ عنها , و لهذا لمْ يكنْ مصطفى يسأل ؛ لأنّ أباهُ هو الآخرُ كان مُسافرًا , و الحافلاتُ لا تأتي إلى الجنوبِ كثيرًا , و نوافذ بيتهم مفتوحَة على الأرجح !!
    في البطاقَة من الداخل بيانٌ بفقرات الحفل :
    كلمة عن الأب , قصيدة عن الأب , أنشودة عن الأب , مسرحيّة عن الأب .
    لا أدري كيفَ أقنعه أنْ لا شيْء منْ فقرات الحفل يَخصّه . هذه الفقرات أعِدّتْ للأطفال مكتملي الأعضاء و النموّ . و حضوره ـ لو كانَ يفهم ـ خطرٌ على صحته . غابَ مرّةً أخرى و أنا تلوكني أفكاري و هواجسي . فكّرتُ أنْ أثنيه عن الحضور , و فكّرتُ أخرى أن أدفعَهُ إليهِ دفعًا ليكتَسبَ مناعَةً ضد فيروسِ الألم . مريضُ النيكوتين ليسَ بالضرورَة أن يموتَ بسيجارَة , بل قد يموتُ بخطأٍ طبيّ . عادَ و بيده ورقَةٌ مُهتَرئة كأيامه , مُهترئَةٌ من كثر فتحها و طيّها , فَتحَها و أمطارُ الفَرحُ تَغسِلُ أرصِفَةَ وجهِهِ البريْء , و قال : " هذه أنشودَة عن أبي , سأنشدُها في الحفل و سيصفّقون لي " .. و أردف : " و زملائي أيضًا سيُنْشدون " .. و رغبْتُ أنْ أكملَ : " نعم , سينشدُ كلّ واحدٍ منْهم , و سيَجد في كلّ مرّةٍ يُنْشِدُ فيها كفّيْنِ تُصفّقانِ بحرارَة أكثر منْ باقي الأكفّ , و أذنيْنِ مُرهَفَتينِ أكثرَ من باقي الآذان , و عينيْنِ تُحدّقانِ بفرَحٍ أكثرَ منْ باقي الأعيُن , و شفتيْن مُنْفرجتَيْن عن ابْتسامَة أكثر صدقًا من باقي الابتِسامات , .. أما أنتَ فسَتَمتطي ظهر المسْرح و ستُنشدُ و ستَجِدُ كلّ الأعيُنِ و الآذانِ و الابتساماتِ متشابِهَهٌ كتشابُهِ أزياء الجنودِ في عروضِهم العسكريّة !!! "
    سألتُه :
    - لمنْ سَتُلقيها ؟؟
    - للحضور .
    - و لكنّ زملاءكَ ـ حينَ يُنْشدونَ أناشيدَهم ـ لا يُلقونَها للحضور !!
    لمْ يَفهم شيئًا مما قلت , و هذا شيءٌ جيّد . الفَهمُ في مثلِ هذهِ المواقف مُضرّ , مثلما يضرّ أخذُ جرعَةٍ زائدَةٍ من الدواء . في المساء و قبلَ أنْ يَنامَ جاءتْ أمي لتحكي له قصَّة كما اعتادتْ أنْ تفعلَ . اقتَرَبَتْ منْه , و دخلَتْ مَعَهُ تَحتَ بطانيّته لِتُشعرَه بالدفء . ضمّتْهُ بجِفنيْها قبلَ ذراعيْها , نظرَ إليْها و قال بهدوء و فرح : " أمي , البارِحَة حَلُمْتُ بأبي " وضعتْ أمي القصَّة جانبًا , و لقّنَتْهُ تعويذَة ما قبل النّوم !!! .




    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي











    أظنني التقيت بك في مادة ساخره





    في كل نص تزداد تجاعيد دهشتي بك

    أنت متخذ الافق قاع لك

    محلق يا علي وحدك

    فليتنا نطير فقط

    أتمنى لك حلمي لليلة البارحه ....> لا تجزع كان رائع نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    سأتركني هنا

    الى اللقاء
    التعديل الأخير تم بواسطة لوركا ; 14 -10- 2009 الساعة 02:15 PM

  8. #8
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية محمدالقاضي
    نبـ صامطة ـض
    نبض لمع في سماء الإشراف
    تاريخ التسجيل
    01 2007
    الدولة
    ياما حكيتك للمواني !
    المشاركات
    6,053

    رد: لا تَحلَمْ هذا المساء !!

    الأحلامَ لئيمَة كالأوجاعِ , لا تَنتَهي عند حدّ بلْ تتناسَلُ كما تتناسل الأحقاد .
    ياه ,
    كم تمنيتُ ألاّ تنتهي ,
    لديك لغة فخمة ياسيدي ,
    وتجيد التمثيل بالكلمات , في حين يظلّ القارئ يصفّق منذ أوّل حرف , حتى آخر زفرة !

    ممتنٌ لك أيها الهادئ جداً ,
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  9. #9
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية علي عكور
    تاريخ التسجيل
    08 2009
    الدولة
    علي كَفّ عفريتْ
    العمر
    42
    المشاركات
    155

    رد: لا تَحلَمْ هذا المساء !!


    لوركا :

    بلْ أنت المُحلّق في سماء الكَلمَة
    و أنا المُتشَبّثُ بجناحيك و المُستِمتعُ بِخفقِهما ..

    تحية مضمّخة بعطر الفل .

    محمد القاضي :

    لُغتي المُهترئة
    بعضُ أبجديّتك الفاتنَة .
    و مروركَ كختمِ وزارَة الصحّة .
    ممتنٌّ لك أيها القمرُ الجنوبيّ .

  10. #10
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية وجدان

    .. طيف عابر ..
    تاريخ التسجيل
    09 2008
    المشاركات
    4,749

    رد: لا تَحلَمْ هذا المساء !!


    عكووور
    وأخيرًا !!
    طاوع الحرف لهفة لتشاركك العزف على سيمفونيّة هذا الألم
    حيث عجزَتْ مرارًا وتكرارًا في تضميده .

    آه يا علي
    في أحايين كثيرة
    نحاول عنوةً باستجلاب الأحلام
    وحَشْر أنفسنا فيما لايخصنا !!
    ليس بحثًا عن الوجع الذي يتوالد
    ولا عدم إدراك لضرر ماقد يحيق بنا،
    بل لنوهم قلوبنا بالفرح المؤقت
    أو لنقل المستحيل
    بخلاف مايسكن في ذهن طفلك الساذج !!

    علي عكور
    تستشف حزن الجميع بمهارة ،
    انتهى على إثرها الدمع من بؤرة العين
    وارتسمت بحافة المآقي حمرة
    وانحفر على الخد خندق بفعل الاشتعال
    الذي انسكب من محبرة الأحلام اللئيمة.

    لم يتبقَّ ما أخسره بعدك يا أمي،
    رحيلك هو كل خسائري !!


  11. #11
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية السااااهر
    تاريخ التسجيل
    01 2007
    الدولة
    أزقـة الجسد .!
    المشاركات
    2,442

    رد: لا تَحلَمْ هذا المساء !!

    علي مررتُ هنا "
    كما عودتني حين أطوف حول حرفك , تقول لي كان يكفي مرورك دون تعليق .!
    إقرأ ما أكتب هنا ،،،
    http://www.samtah.net/vb/showthread.php?t=60434&page=10

  12. #12
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية حامد الجدعاني
    تاريخ التسجيل
    10 2008
    المشاركات
    197

    رد: لا تَحلَمْ هذا المساء !!

    أخي المبدع /علي عكور
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    لقد مررت بالعنوان أكثر من مرة و لم يقدر لي تصفحه
    و لعل الله أراد بي خيراً إذ لم أقرأه إلاَّ اليوم فيتسنى لي أن أستمتع به و أعيد قراءته لمرات
    أشكرك بقدر ما استمتعت به في هذا الصباح
    و أستأذنك في أن أقرره على تلاميذي ليقرأوه و يدرسوه

    تحياتي

  13. #13
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية مجروح القلب
    تاريخ التسجيل
    07 2011
    المشاركات
    42

    رد: لا تَحلَمْ هذا المساء !!

    ماشاء الله تبارك الله

  14. #14
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية روومنسي تووت
    تاريخ التسجيل
    07 2011
    المشاركات
    47

    رد: لا تَحلَمْ هذا المساء !!

    فعلا أبدعت ....عجز الكلام عن الوصف والأقلام عن الكتاابه

    رووووووووووووعه سلمت يمناك

  15. #15
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية الهزازيه
    تاريخ التسجيل
    09 2010
    الدولة
    عـہےـنہيدهہے
    المشاركات
    1,568

    رد: لا تَحلَمْ هذا المساء !!

    *ماشاء الله تبارك الله*
    أخ علي..
    كالعاده.. أبدعت..

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •