واني أقاوم الغروب سما أخضرا
أقاوم الأقواس إذ تكسر حيث الزمن المعذب ص74
سنقف ضمن صورة الموت عند لوركا على قصيدته مرثية مصارع الثيران :
مرثية اخناثيوسانشزميخيا إن هذه المرثية كما يقول ج.ل.جيلي : هي إحدى أفضل القصائد في الأدب الأسباني المعاصر ، وقد استخدم الشاعر في كل مقطع وزنا مختلفا .
قسم هذه المرثية إلى أربعة مراحل
ـ الإنقاذ والموت
ـ الدم المراق
ـ الجسد المكفن
ـ الروح الغائبة
حاول أن يقدم فيها أدق التفاصيل لموت صديقه الحميم اخناثيو مصارع الثيران في الساعة الخامسة بعد الظهر
التي يكررها في القصيدة / 29 / مرة بحيث تشكل عنده لازمة بعد كل سطر ( في الساعة الخامسة بعد الظهر ) وذلك ليبين فداحة هذا المصاب الذي حل به ، وقسوة تلك الساعة المشؤومة التي كانت الخامسة في كل الساعات ، وكانت الظل للخامسة بعد الظهر .
إنه في المرحلة الأولى ، أو المقطع الأول ، يصور وبشكل درامي ، صورة صديقه منذ دخوله المشفى من أجل إنقاذه إلى أن مات، عندما وضع الموت بيوضه في الجرح ، في الخامسة بعد الظهر، وكأنه بتكراره هذه اللازمة الزمنية ، يريد أن يوقف الزمن عندها من أجل أن لا يمشي ، ويبقى صديقه حيا ولا يغادره فإذا بالخامسة بعد الظهر تمثل عنده رعب الساعات جميعا:
يا رعب تلك الخامسة بعد الظهر
كانت الخامسة في كل الساعات
كانت الظل للخامسة بعد الظهر ص85
وبعد هذا التصوير الدرامي نلاحظ أنه يعود بذاكرته إلى لحظات مصرع صديقه ، وكيف أنه يرفض أن يراه مضرجا بدمه، ليكرر لازمة أخرى ( لاأريد أن أراه ) ، مصورا شجاعة صديقه في مصارعة الثيران ، هذا الصراع الذي يجسد الشاعر من خلاله ـ وان كان صراعا واقعيا والحدث واقعي ـ الصراع بين الحياة والموت ، بين الوجود والعدم ، اخناثيو الذي يشبه برميثيوس ، الذي يحمل الصخرة على ظهره ، كذلك هو يحمل الموت على كتفه ، وهنا تظهر الميثولوجيا وليس بهذا المقطع فحسب ، وإنما بمجمل هذه المرثية الرائعة ، لتدلل على تلك المقدرة الكبيرة التي يمتلكها لوركا في توظيف الأسطورة والرموز القديمة والثقافة الشعبية حتى في مآسيه ، ومراثيه ، كما هي أسطورة الأرض المحمولة على قرني ثور ، ينقلها من قرن إلى قرن ، فتحدث نتيجة ذلك التغيرات في الطبيعة :
وثيران جيساندو
نصفها موت
ونصفها صخر
تخور مثل قرنين متعبين من وطء الأرض ص87
إن اخناثيو تحول في قصيدة لوركا إلى أسطورة فجائعية، تصور الصراع الأبدي ، فكان موته هزة عنيفة لذات الشاعر فجَّرت في داخله هذا الإحساس بالموت ، والعودة إلى موضوع الموت ، ومناقشة صوره وطبيعته ، ليصل في اللوحة الثالثة إلى تصوير الجسد المكفن بعد أن انتصر الموت أخيرا ، ومات الفارس ، فيرى مالا يرى غيره عندما يتأمل حجر القبر :
لوحة الحجر جبهة تئن عليها الأحلام
محرومة من الأمواه الدوارة
وشجر السرو المتجمد
الحجر كتف تحمل الزمن
حيث أشجار الدموع والأشرطة والكواكب ص90
هذه الحجر لم تكن كذلك قبل أن تحمل اسم اخناثيو ، وعندما حملته تحولت إلى كائن أسطوري أيضا ، فإذا بالشاعر يرى فيها صورة الكون ، وحركته ، وحركة الزمن وتحوله ، إنها كتف تحمل هذا الزمن الذي يتعبه ويقلقه ، مثل الموت ، لأنه الحامل للموت كما كانت الساعة الخامسة بعد الظهر حاملة لموت اخناثيو ، كذلك الساعات الأخرى يمكن أن تحمل له موت الآخرين ، بل يمكن أن تحمل موت أحلامه ، فهذه الحجر أو اللوحة الحجرية هي بمثابة الجبهة التي تئن عليها الأحلام ، مما يدل على مرض الحلم ، ودخوله في حالة من الألم عندما يصطدم بهذه الجبهة ، جبهة الموت القاسية ، المصنوعة من الصخر .
ويبدأ بتصوير فاجعة الفراق ، والنهاية ، مركزا على ما يتركه الموت من مظاهر على الجسد الميت ، فالموت غطاه بكبريت شاحب ، ووضع عليه رأس منثور أسود لينتهي كل شيء :
المطر يدخل في فمه
والهواء يغادر هائجا صدره الثائر
والحب المعجون بدموع الثلج يتدفأ على القطعان ص91
لذلك فالشاعر لا يريد أن يرى هذا الموت ، وهذه النهاية ، بل يريد أن يقرأ غير الذي يقرؤه الآخرون ، هو لا يريد أن يبكي ، بل يريد أن يرى في هذا الحجر عالما آخر ، عالما غير الموت ، وهنا أيضا تظهر الميثولوجيا القديمة وهي أن الميت لا يموت بل ينتقل إلى عوالم أخرى ( العالم السفلي ) ، أو العالم الآخر ، لذلك فالشاعر يبحث عن سبيل للنجاة لهذا القبطان المحكوم بالموت ، إذن هو لم يسلم بالموت بعد ، بل مازال يشغله سؤال إعادته مرة أخرى :
أريد هم أن يدلوني إن كان ثمة سبيل نجاة
لهذا القبطان المحكوم بالموت ص92 ................... الخ
منقول - شكرا لوركا الرائع