وفيك بارك الله " راجية الفردوس "
يقول الإمام إبن القيّم رحمه الله في فَصْلٍ بعنوان" هَضْمُ المؤمنِ نفسَه" ومنها أنَّ شُهودَ العَبدِ ذُنوبَهُ وخطاياهُ تُوْجِبُ لهُ أنْ لا يَرى لنفسهِ على أحدِ فَضلاً, ولا له على أحدٍ حقّاً, فإنَّهُ يَشهَدُ عُيوبَ نَفسهِ وذُنوبَهُ, فلا يَظُنُّ أنَّهُ خَيرٌ مِن مسلمٍ يُؤْمِنُ باللَّه ورسولهِ, ويُحرِّمُ ما حرَّمَ ورسولُهُ, فإذا شهدَ ذلكَ مِن نَفسهِ لم يَرَ لها على النَّاسِ حُقوقاً منَ الإكرامِ يتقاضاهم إيَّاها ويذمُّهم على تَركِ القيامِ بها, فإنَّها عندَهُ أَخَسُّ قَدْراً وأقلُّ قيمَةً من أن يكونَ لها على عبادِ اللَّهِ حُقوقٌ يجبُ عليهم مُراعاتُها, أو لهُ – لِأَجْلهِ- فَضلٌ يستحقُّ أن يُكرَمَ ويعظَّمَ ويقدَّمَ لأَجْلِه, فَيَرى أنَّ مَن سلَّمَ عليهِ أو لَقِيَهُ بوجهٍ مُنبَسطٍ فَقَد أحْسَنَ إليهِ, وبَذَلَ لهُ ما لا يَستحِقُّهُ , فاستراحَ هذا في نَفسهِ, وأراحَ النَّاسَ من شِكايتهِ وغَضَبهِ على الوجودِ وأهلهِ, فما أَطْيَبَ عَيشَهُ! وما أنْعَمَ بالَهُ! وما أَقَرَّ عينَهُ!.
وأينَ هذا مِمَّن لا يزالُ عاتباً على الخَلْقِ, شاكياً تركَ قيامِهم بحقِّهِ, ساخِطاً عليهم, وهم عليهِ أسخَطُ؟!.
فَسُبحانَ مَن بَهَرَتْ حِكمتُه عُقولَ العالَمين).
نقلاً من كتاب[مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية أهل العلم والإرادة] 2/296.