من منا لا يعرف المذيع المتألق خالد مدخلي .
ومن منا لا يعرف رمز الكتابة الصحفية عبدالله المغلوث .
التقا الإثنان وجها لوجه صدفة
وكان لقاء العمالقة .
انظروا عندما يلتقي عملاقان وجه لوجه ماذا يحدث!!
اقرئوا ماذا قال عبدالله المغلوث عن خالد مدخلي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
فجعت عندما شاهدت مذيع قناة الإخبارية، خالد مدخلي وجها لوجه قبل شهرين. فلم أكن أتخيل أنه يسير بعصا وبجهاز مساند. لم أكن أتصور أن هذا الصوت الذي يزرع حقول الفرح يعرج. أن هذه الحنجرة التي تعَّد أحلامنا بالأمل تتكئ على حزن.
لم يخرج خالد من بطن أمه عام 1975، برجل ثالثة. لكن خطأ طبيا أحاله إلى مشلول. كان عمره عاما وشهرا، وقتئذ، عندما أصيب بارتفاع كبير في درجة الحرارة. حمله والده على كتفه وطار به إلى مستشفى القوات المسلحة بتبوك. كان عصر يوم أربعاء. المستشفى بدا خاليا من اختصاصي أطفال. كان أبوه يحمله بين ردهات المستشفى كغريق. يقتحم الغرف بحثا عن منقذ يكبح ألم ابنه دون جدوى. لم يأت الاختصاصي إلا في ساعة متأخرة من مساء ذلك اليوم. وبعد كشف سريع عليه سأل الطبيب الممرض أن يعطي الطفل خالد حقنة على جناح السرعة. اعتذر الممرض عن إعطائها لأسباب لم يدركها الأب آنذاك. قام الطبيب بحقن خالد بنفسه. وسرعان ما انخفضت حرارته بسرعة قياسية. أعاده والده إلى المنزل، بعد أن اطمأن عليه.
بيد أنه صدم في اليوم التالي حينما شاهد رجل ابنه تتأرجح كأنها كيس رمل. ثمة غمامة نبتت على محياه لقاء هذا المشهد، جعلته يهرع حاملا ابنه خالد مجددا على كتفه إلى نفس المستشفى. وهناك تلقى أسوأ نبأ في حياته، المتمثل بشلل ابنه إثر حقنة خاطئة.
جمع والده أشلاءه التي تبعثرت في غرفة الطبيب المناوب، وأخذ يسأل عن الاختصاصي الذي أعطاه الحقنة القاتلة. يتذكر والده الضابط المتقاعد في القوات المتسلحة، أحمد علي غليلة مدخلي، تلك اللحظات قائلا:"كنت مشتتا. لكنني تماسكت إيمانا بقضاء الله وقدره". قاوم أبوه حزنه وأخذ يتردد على المسؤولين في مستشفى القوات المسلحة لمقاضاة الطبيب. اندلع التحقيق فعليا. وتبين لاحقا أن الطبيب نفسه تسبب في إصابة خمسة أطفال آخرين بالشلل جراء حقن خاطئة. خالد، الذي يبلغ الآن 34 عاما، يرجو أن يلتقي الطبيب، الذي تسبب في إعاقته. يقول "أتمنى فقط أن أشاهده ويشاهدني". لا يعلم خالد إذا كان الطبيب عوقب جراء ما فعله أم لا. لكن يعرف شيئا واحدا ردده مرتين:"إصابتي في قدمي لم ولن تمنعني أن أحلم".
بالفعل خالد لم ينذو. فقد حقق نتائج دراسية مميزة جعلته يتخرج بتقدير ممتاز في تخصص اللغة العربية في جامعة الملك سعود.
وتقدم مباشرة لإدارة التعليم والثقافة في وزارة الدفاع على وظيفة معلم. لكن طلبه رفض لأنه معاق. ثم قدم أوراقه إلى وزارة الإعلام . واجتاز المقابلة الشخصية التي شارك فيها كبار المذيعين في التلفزيون، وقتئذ، وهم: غالب كامل، وإبراهيم الصقعوب، وحسن التركي، وعبد المحسن الحارثي. وسألوه خلال المقابلة أن يقرأ خبرا موجزا. وبعد أن خرج من المقابلة. ناداه مهندس الصوت، عبد الرزاق الحمدان. وسأله:"هل تركت رقم هاتفك؟". وأجابه خالد بالإيجاب. فرد عليه الحمدان باقتضاب:"إذن، إن شاء الله خير".
ورغم أن المؤشرات إيجابية على قبوله على وظيفة مذيع في وزارة الثقافة والإعلام إلا أن خالد لم يكن متفائلا حينها كون عدد المتقدمين تجاوز 400 شخص، والمطلوب 20 فقط. يفسر تشاؤمه: "أنا جيزاني، وليس لدي واسطة، ومعاق، كيف سأحصل على هذه الوظيفة؟". وحتى لا ينتظر ما لا يجيء على حد تعبيره، قدم أوراقة إلى وزارة التربية والتعليم. وقد واجه هناك موقفا كوميديا يراه خالد "حلقة مناسبة لطاش المنتظر". فقد طلب منه المسؤول خلال المقابلة أن يصعد الدرج ويهبط منه ثلاثا وأن يصعد على الكرسي ثلاثا. ونهره المسؤول حينما استعان بيده ليصعد على الكرسي. قال له بصوت عال: "لا تستخدم يدك". حينها انصرف خالد من المقابلة منكسرا، لكنه فوجئ باسمه مقبولا في الصحف في الوظيفتين كمعلم وكمذيع. واختار التلفزيون جراء الانطباع السلبي الذي يحمله تجاه وزارة التعليم بعد المقابلة الشخصية.
وأكثر ما يحزن مدخلي هو إيقافه مرتين، ما يهدد مستقبله وأسرته. فخالد، الذي توظف كمذيع على المرتبة السادسة، براتب 4500 ريال فقط، يشعر أنه لا يحصل وزملاؤه على الأجر والتقدير الذي يتناسب وجهدهم. يشعر أن مستقبله غائم.
فخالد أوقف أول مرة حينما عرض لقاؤه مع الشيخ صالح بن حميد، عندما كان رئيسا للشورى، دون أن يعرف السبب. والغريب في الأمر على حد قول مدخلي هو أن رئيسه، وأحد أكثر الداعمين له، محمد التونسي، رئيس القناة السابق، كان في غرفة الكنترول، أثناء الحلقة، وطلب منه أن لا يتراخى في اللقاء. كما أنه صدر أمر على الهواء بتمديد الحلقة لمدة ساعة. ولم تلبث الحلقة أن تنتهي حتى تلقى سيلا من التهاني من داخل وخارج القناة. لكنه فوجئ في اليوم التالي بنبأ إيقافه، الذي لم يكن يعرف سببه حتى التونسي.
والمرة الثانية التي أوقف فيها مدخلي كانت بسبب حلقة قدمها عبر برنامج (المجلس) عن الإعلام والإصلاح.
وكان السبب "غير منطقي" على حد تعبيره لأنه استضاف المذيع الإذاعي سلامة الزيد، الممنوع من الظهور تلفزيونيا. يحتج:" أنا لا أعرف أنه ممنوع من الظهور. لماذا لم تبلغني الإدارة. فهي التي وافقت على أسماء ضيوفي قبل انطلاق الحلقة".
سيظل خالد مدهشا بحنجرته ومهنيته رغم كل الظروف التي تحاصره، متمنيا فقط أن يرمي عصا الحزن التي يمسكها، مرددا مع القصيبي: ارمِ عصاتكَ ! ما أنت أعرج... إنما نحنُ جوقة العرجان.