سيدة جازان دوشة جغدمي قادتها الصدفة الى فتى الأحساء عبدالله المغلوث
تعرف عليها حتى ضننا بأنه أحد افراد أسرتها ,,,
عندما يلتقيك القدر بالرائع عبدالله المغلوث تكون هناك كلمات ليست ككل الكلمات
أستمتعوا معي بكلمات عبدالله المغلوث عن سيدة جازان دوشة جغدمي ,,,
أمضت دوشة علي محمد جغدمي 14 عاما وهي تغسل كليتها. كانت تذهب 3 مرات أسبوعيا (السبت، والثلاثاء، والخميس) إلى مستشفى الملك فهد بجازان قادمة من قرية الرد التي تبعد 80 كيلومترا عن مركز الغسيل. كانت تخرج قبل موعدها بأربع ساعات بحثا عن سيارة تقلها وصغيرها محمد إلى المستشفى. كادت الشمس أن تحرقهما أثناء الانتظار غير مرة لولا لطف الله ودعواتها التي تكافح عبرها الفاقة وقلة الحيلة.
كانت الرحلة إلى المستشفى تكلفها 100 ريال وأحيانا تزيد حسب مزاج السائق. وعورة الطريق وتهور المسافرين المجاورين يزيدان من أوجاعها وقلقها خلال ترحالها الدائم. تركل ألمها باحتضان يد ابنها محمد وتلاوة المعوذات بصوت خفيض طوال الطريق.
تصل المستشفى في كل مرة وهي منهكة، تخرج الكلمات من فمها بصعوبة كأنها تلد الحروف. ويتضاعف تعبها بعد عملية الغسيل حتى يخيل لابنها أنها ستغادر الدنيا بمعيته وهي في طريق العودة إلى منزلها.
عندما تغمض دوشة عينيها وتمسك بيد ابنها تقترب منها الممرضة لتشرع في عملية الغسيل. تخرج دمها من جسمها وتمرره عبر جهاز الإنفاذ الذي يقوم بتنقيته ثم يعيده إلى جسمها مجددا. وخلال هذه العملية التي تستغرق 4 ساعات يقوم محمد بقراءة القرآن على مسامع أمه التي تبكي تارة وتحتضنه تارة أخرى.
ثم يقوم بقراءة قصائد للمتنبي والإمام الشافعي والمعري بصوت عال لأمه وجيرانها حتى تبتسم و تنام ليبدأ مراجعة دروسه التي يغادرها عندما تستيقظ أمه وينتهي الغسيل.
فور أن تستيقظ يساعدها محمد والممرضة على النهوض من سريرها. ثم يصبح عكازها يساعدها على المشي. تتكرر معاناتهما في الذهاب وفي الإياب أيضا عندما يلوحان هو وأمه للمسافرين أمام الإشارة الضوئية المتاخمة للمستشفى ليحملاهما إلى قريتهما. لا تقف السيارات لهما. تكشهما أبواق المركبات عن الطريق. وتدوسهما نظرات المارة. يعتقدون أنها متسولة كاللاتي ينتشرن برفقة أطفالهن في الشوارع وبمحاذاة المساجد. فعباءتها تكسرت من السفر وخطواتها تعثرت من الإرهاق، ووجه ابنها لا يشي إلا بالجوع والفقر.
أصبحا لا يلوحان بأيديهما بل بمئة الريال التي تسيل لعاب بعض السائقين الذين يتوقفون ويحملون الأم وابنها إلى قريتهما النائية.
فور أن تستقل الأم السيارة تضع رأسها على فخذ ابنها محمد وتنام حتى تصل من فرط ألمها وضعف جسدها في حين يعود محمد إلى حقيبته المدرسية التي تواسيه في سفره.
حينما يصلان إلى منزلهما تستحم أمه ثم تتحامل على نفسها لتعد العشاء لزوجها وأبنائها محمد، وموسى، ومريم، وعبدالله. بعد أن تأكل وأطفالها تذهب معهم إلى السطح ليناموا فلا مكيفات تهدهدهم ولا كهرباء تؤنس وحدتهم.
كبر محمد، وبلغ 21 عاما وذاكرته لا تحمل في أمعائها سوى صور السيارات التي تحمله إلى ومن المستشفى. تلك السيارات التي طالما لوثته بسعالها وسعال سائقيها. تلك السيارات التي كانت منزلا لدموع أمه وجراحها.
كبر محمد دون أن يصرف خميسا واحدا مع أصدقائه كبقية الأطفال. عطلته كان يقضيها بجوار الأدوية وأجهزة غسيل الكلى.
كبر محمد دون أن يشارك في الدوريات التي يتابعها وتقام في حارته لأنه لا يستطيع أن ينتظم، لا يستطيع أن يلتزم في ظل ارتباطه مع أمه، وفي ظل انشغال والده بتأمين لقمة العيش له ولأشقائه.
رحلت أمه دوشة قبل عامين إثر نوبة قلبية. في نفس هذا الوقت، في شهر رمضان المبارك قبل أن تضاء قريتهم بالكهرباء. قبل أن تفرح بدخول ابنها ورفيقها محمد أحمد ناصر مسودي إلى الجامعة، بفضل البرنامج التعليمي لجمعية الأمير فهد بن سلمان الخيرية لرعاية مرضى الفشل الكلوي.
رحلت أمه قبل أن تشاهد ولدها البكر يحصل على شهادة البكالوريوس في تخصص الحاسب الآلي الذي يعشقه.
لكن محمد عازم على ألا يخذلها في قبرها، وأن يحقق لها كل أمنياتها التي كانت تعتقد أنه ليس بوسعه تحقيقها بسبب تضحياته من أجلها. فهو يعدها بأن يتفوق في الجامعة، وأن يحصل على وظيفة تجعله يقتني سيارة، وثلاجة، وغسالة أتوماتيكية.
رحم الله دوشة وتغمدها بواسع رحمته وأسكنها فسيح جناته. ورزق الله القائمين على جمعية الأمير فهد بن سلمان الخيرية لرعاية مرضى الفشل الكلوي وفي مقدمتهم الأمير عبدالعزيز بن سلمان كل خير. فهم لم يضيئوا منزل دوشة فحسب بل أضاءوا قلوبنا أجمعين.