قَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ: دَخَلُوا عَلَى بَعْضِ الصَّحَابَةِ فِي مَرَضِهِ وَوَجْهُهُ يَتَهَلَّلُ فَسَأَلُوهُ عَنْ سَبَبِ تَهَلُّلِ وَجْهِهِ، فَقَالَ مَا مِنْ عَمَلٍ أَوْثَقُ عِنْدِي مِنْ خَصْلَتَيْنِ، كُنْتُ لَا أَتَكَلَّمُ فِيمَا لَا يَعْنِينِي، وَكَانَ قَلْبِي سَلِيمًا لِلْمُسْلِمِينَ ‏.
وَقَالَ الحَسَنُ‏:‏ مِنْ عَلَامَةِ إعْرَاضِ اللَّهِ عَنْ العَبْدِ أَنْ يَجْعَلَ شُغْلَهُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ ‏.‏
وَقَالَ سَهْلٌ التُّسْتَرِيُّ‏:مَنْ تَكَلَّمَ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ حُرِمَ الصِّدْقَ ‏.‏

وَقَالَ مَعْرُوفٌ‏:كَلَامُ العَبْدِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ خِذْلَانٌ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏.‏


وَمَرَّ رَجُلٌ بِلُقْمَانَ الحَكِيمِ وَالنَّاسُ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ‏:‏ أَلَسْت عَبْدَ بَنِي فُلَانٍ‏؟‏ قَالَ بَلَى، قَالَ الَّذِي كُنْت تَرْعَى عِنْدَ جَبَلِ كَذَا وَكَذَا‏؟‏ قَالَ بَلَى، قَالَ فَمَا بَلَغَ بِك مَا أَرَى‏؟‏ قَالَ صِدْقُ الحَدِيثِ، وَطُولُ السُّكُوتِ عَمَّا لَا يَعْنِينِي ‏.‏
وَمِنْهَا كَثْرَةُ الكَلَامِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ كَلَامُهُ إلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ ‏.‏
وَقَدْ قَالَ النَّخَعِيُّ‏:‏ يَهْلِكُ النَّاسُ فِي فُضُولِ الكَلَامِ وَالمَالِ ‏.

قَالَ الإِمَامُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الآدَابِ الكُبْرَى‏:‏ كَانَ الإِمَامُ مَالِكٌ يَعِيبُ كَثْرَةَ الكَلَامِ وَيَقُولُ‏:‏ لَا يُوجَدُ إلَّا فِي النِّسَاءِ وَالضُّعَفَاءِ ‏.‏

وَفِي خَبَرٍ مَأْثُورٍ‏:‏ الخَيْرُ كُلُّهُ فِي ثَلَاثٍ‏:‏ السُّكُوتِ وَالكَلَامِ وَالنَّظَرِ، فَطُوبَى لِمَنْ كَانَ سُكُوتُهُ فِكْرَةً، وَكَلَامُهُ حِكْمَةً، وَنَظَرُهُ عِبْرَةً،
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏

‏غِذَاءَ الألْبَابِ، لِشَرْحِ مَنْظُومَةِ الأدَابِ‏)