بشغفٍ بالغ يتابع صديقي برامج على شاكلة "البيان الخالي"، مندفعًا مناصرًا لتوجهه الفكري، مسفهًا وناقمًا للـ"حثالة" / الفكرِ الآخر، يصبغني كلَّ مساءِ جمعة "ساعة الغروب" بملخصٍ منحازٍ لما شاهده، وكيف أنّ المتحدث الرسمي باسم تياره سحق المتحدثَ باسم التيار الآخر.
أضيقُ ذرعا بسفاهته الفكرية، ويضيق "خِلقا" بكرهي لكل تلك التيارات الوهمية، والتصنيفات "أبو ريالين"، وعبثا يحاول جرّي إلى التسليم بمقدماته وتهمِه للخصم الفكري اللعين، ولكن أنَّى لمثلي أن يكون صيدا سهلا لمثل هذه الأطروحات، فأنـــــا "ورضي الله عن أنـــــا"، حاشاي أن أكون مضربا عن هذه البرامج لأسباب فكرية، أو لقناعتي أنها محض "مماحكات" نخبوية لا تمسّ أرضَ المجتمع، بل لأسباب "جيبية" "تطفيرية" بحتة، فأنـــــا الذي يقبع في قرية نائمة أو نادمة على "جنب الجنوب" المنسيّ، هائمة بين "طعوس" الفقر، و"تغريزات" الجهل، يرقب جارته "خالة مريم" وهي تنتظر اتصالا من فلذة كبدها العسكري المرابط على تخوم "الخوبة"، تخشى أن يفجعها خط الاتصال اللعين، أقول هذا الأنـــــا الذي أقصى أمانيه أن تحل ليلة الخامس والعشرين، ليطوف بصرّاف الرجحي، ويسعى إليه، يرمي جمرات الفقر بأقساط موزعة ، لا تبقي من راتبه إلا ما يعجز عن تسديد "دكان القرية" المسمى افتراضا بقالة. أنّى لهذا الأنـــــا أن يحشر نفسه في معارك فكرية كاذبة، و"مهاوشات نخبوية" ينام بعدها أربابها في أحضان قصورهم، ونعيم خدماتهم ويبقى أنـــــا يصارع الحياة بمرّها ومرّها، فليس ثمة شيئ آخر.
اسأل رفيقي المنافح عن فكره: أيّ الفريقين أحرص على لقمة عيش المواطن البسيط؟ وأيهم يسعى لراحته؟ أي الفريقين يقدم مشروعا في صالح "الإنسان"، هذا الكائن الحيّ الذي سُميّ إنسانا لكثرة "مانُسي " في أرضي، وليس لكثرة ما يَنسى، فهو لا يَنسى فواتير قهر الكهرباء، ولا رسائل الحياة السهلة التي تذكره بها "الاتصالات" المنقطعة، ولا الراجحي الذي لا يحتاج أن يُذكّره.
هذا الإنسان الذي سمع قبل أيام عن حقل غاز كبير تم اكتشافه، فسأله أحدهم ماذا تعرف عن الغاز؟ فقال الغاز يتبخر بسرعة ويختفي، فقدرة القادر الي بخرت النفط 11 سنة، قادرة على تبخير "غاز" لا ينفع المواطن، ولا يفيده.
أنّى لهذا الـ"غلبان" أن يجد له منصة في مدرجات الفرق الفكرية "الكاذبة"، التي تتبارى لكسب أنصارٍ لا أقل ولا أكثر لفكرتها، ولو أنهم اختاروا الإنسان لاختارهم، ولكنهم فضلوا الرقص على جراحه، والتلاعب بأفكاره، وصرفه عن قضيته الكبرى، عن " ذاته" وحياته" إلى ميادين " المرأة" بين قائل يقول تسوق، وقائل يقول لا، وكاذب يقول تختلط، وكاذب يقول خطأ، وبين المرأة الحزينة أصلا زادت أحزان مجتمع يركع تحت أقدام البيروقراطية، ويرزح تحت نير التخلف الخدمي، وتفترسه أنياب الفقر، أكرر الفقر، الذي يذل أرقاب الرجال المرابطين على ثغور الضمان الإجتماعي، وجمعيات الصدقات الخيرية في بلد أغناه الله من فضله وحده.
إلى أولئك المتراشقين على تلك البرامج، كفوا عنّا سفهكم، وارفعوا عن مجتمعنا نفاقكم، واتركونا نواجه هذه الحياة ولأوائها بدون منّة لأحد منكم، ولا تشدّق أنكم حماة الفكر، ومناصري الإنسان، فما بنا يكفي، ولا وقت يزيد عن حاجة همومنا الفعلية لنصرفه في همومكم الوهمية، ما بنا يكفي، يا .............