القيادة فن وذوق وأخلاق..!
هذا شعار ارتبط بالسلوك في الشارع في كل بلادنا العربية، ربما مع دخول السيارات وبداية انتشارها، ووجد ترجمة جميلة له في التزامنا بالقيم الأخلاقية العربية الأصيلة.. يقف الصغير للكبير اذا مر تقديرا للسن والمكانة، ومبالغات في إبراز علامات الاحترام والأدب عند التقاطعات، يتوقف أحدهما ويرسل اشارة للآخر تعني تفضل، فيرد الآخر : بل تفضل أنت أولا، وقد يطول الانتظار بالاثنين بسبب الاصرار على الأدب والذوق.. كان سلوك الشارع هو أروع الاشارات الى أخلاق الناس.
أتحدث عن زمن غير هذا الزمن، فالناس في الشوارع يتدافعون ويتسابقون دون أقل اعتبار لقيم الذوق والأدب والأخلاق، وأصبح ضحايا حوادث السير تفوق أعدادهم أعداد شهداء الحروب، وبدت الشوارع في كثير من العواصم العربية كأطباق " السلاطة " التي تختلط فيها الأشياء عشوائيا مع امتزاج ب " سلاطة " اللسان وبذاءة الحوار.. محال أن يكون لمثل تلك المشاهد علاقة بأخلاقنا العربية الأصيلة .
ليس هذا موضوعي هنا على أية حال، ولكنني دائما ما أستلهم حُكما عاما على أخلاقيات الناس من صورة السلوك في الشارع، وأرى أن " معنى" القيادة في أي مجال .. قيادة فريق عمل أو قيادة برنامج أو مشروع أو مؤسسة، لا يكاد يختلف عن قيادة الشارع.. معنى يرتبط بالقيم والضمير والأخلاق والذوق والتحضر، وتمدنا مختلف النشاطات بأمثلة لا حصر لها من العدوان المماثل لعدوان الشوارع.. بدءاً من المدير الذي يجيّر كل منجزات أعمال فريقه لنفسه، وفي هذا صعقني أن أقرأ خبرا عن واحد من الرموز البارزة والشهيرة علميا وعمليا، وصاحب منجزات مبهرة يقول الخبر إنه يواجه عديدا من القضايا تتهمه بسرقة كل جهود مرؤسيه وأبحاثهم، يطفو هو على سطح الشهرة ويغيبون هم في مجاهل النسيان، لحسن الحظ أن هذا الرجل ليس من بلدنا الكريم، وعن عضو في فريق يسطو على جهود زميله في غياب قائد الفريق وانشغاله بذاته، وعن منجزات كاذبة وتافهة تمرر من خلف وعي القائد طالما أنها ستضيف شيئا ولو قليلا لشهرته.. الأمثلة لا يمسك بها حصر ولذلك أترك لك أن تتأمل عديدا من الحالات التي عانيت أنت شخصيا منها..
لدي يقين أن الأخلاق لا تتجزأ، بمعنى أنها لا تفسد في مكان وتسمو في آخر، وبمعنى أن فردا من الناس لاتسوء أخلاقه في الشارع وتسمو في العمل، لكننا قد لا نرى ما يدور داخل دهاليز الإدارات ، فقط نستدل عليه بسلوكيات الشارع، ولن نخطئ الحكم على ما لم نر، لأن المسألة سياق شامل، ما يسوء منه بعضه يكون كذلك كله، وما يصلح جزؤه نطمئن الى صلاحه كله.. فماذا لو حملنا شعار القيادة في الشارع ( فن وذوق وأخلاق )، ووضعناه على واجهات المدارس والمستشفيات ومختلف الادارات التي تتعامل مع الناس، دون أن يبقى مجرد شعار فوق الواجهة – في اسبوع للمرور - بل أن يبقى مبدأً ودستورا للعمل يعيد لأخلاقنا وقيمنا الأصيلة ضميرها ؟