اهتممت بنشر هذا الموضوع نظرا لما نلاحظه من الزيادة المطردة في نسبة الانتحار في بلادنا .. مما جعلها تأتي في
مركز متقدم بين الدول العربية في هذه النسبة ..
---------------------------------------------------------------------------------
ظاهرة الانتحار00اسبابها ودوافعها
لم تخلو امة من الامم السابقه والحاضره من مشكلات اجتماعيه معقده ومتداخله مع عوامل اقتصاديه وسلوكيه اخلاقيه وتفاعلها مع بعضها البعض ادت في بعض الاحيان الى اقدام ابنائها على الانتحار ووضع حد لحياتهم ومن ثم معاناتهم التي عاشوا معها سواء لفترات طويله ارقتهم وقضت مضجعهم ولازمتهم او كانت طارئه ومفاجئه بالنسبة لهم دفعتهم الى هذا السلوك الدموي والماساوي باتخاذهم قرار الانتحار بشتى الوسائل والطرق0
ويقول علماء الاجتماع والطب النفسي ان الكثيرين من الناس تراودهم فكرة حلم الموت والخلاص من حياتهم عندما لا يستطيعون مواصلة الحياه في ظل المعوقات والملمات التي تصاحبهم وخاصة عندما تنتابهم حالات الاكتاءاب النفسي الذي يفقد فيه الانسان أي رابطه بالحياه من خلال الظلمه التي يعيش بها في تلك اللحظه فلا يرى حلا ومخرجا لمعاناته وعذاباته سوى انهاء حياته طوعا بيده لكن القله من هؤلاء من يجروء ويمتلك القوه والاصرار على تنفيذ هذه الفكره وتصفية نفسه جسديا0
وهناك البعض منهم من يقدم على الانتحار الجزئي أي لا يكون في تفكيره وتصميمه على وضع حد لحياته حتى الموت وانما يسعى من وراء ذلك الى تفريغ ما بنفسه وروحه المعذبتان من شحنات الالم حتى يستعطف من حوله ليشعروا به وبمعاناته والاحساس به وبالتالي ليحوز على اهتمامهم ومشاركته احزانه والتخفيف عنه ومساعدته بالخروج من هذه الازمه التي المت به ولم يستطع التغلب عليها لوحده 0
ولا ننسى ان هناك حالات انتحار تكون غطاء وسترا لجريمة غالبا ما تكون جريمة شرف خاصة بالنساء وذلك بان يقدم ذوي الفتاه على تبرير حالة قتل فتاتهم ضمن سيناريو يظهر للمجتمع والجهات الامنيه المسؤوله على انها حالة انتحار 0فمثلا قد يحبس الاهل فتاتهم داخل غرفة في البيت ويشعلوا بها النار لتموت حرقا وكأن الحادث قضاء وقدرا 0او قد يدفع احدهم ابنته من على سطح البيت لتدق عنقها وتموت 0وهناك حالات كثيره اكتشف فيما بعد ان الموت الطبيعي او حالة الموت قضاء وقدرا كانت جريمة قتل مدبره على خلفية الشرف غالبا وغسل العار 0
ولكن ما يهمنا هنا هو ظاهرة الانتحار بشكل عام والدوافع الكامنه وراءها حيث ارجع علماء الاجتماع والمختصين ارتفاع ظاهرة الانتحار بالوطن العربي الى ضعف الوازع الديني والابتعاد عن القيم والاخلاق والسلكويات الاسلاميه التي بينها القران الكريم وفسرتها السنه النبويه ووضحها المجتهدين في الدين وعلماء الاجتماع والنفس وكان نتيجة هذا الاغتراب والبعد عن المجتمع الصالح والمستقيم وسيطرة حالة الاكتاءاب والعجز الفكري والقصور عن فهم الواقع والتعايش معه ومحاولة الخروج من الازمه التي يعيشها الفرد بمساعدة من حوله وان تكون له مرجعيه دينيه واخلاقيه تضبط سلوكه وتظهر الجانب الايجابي وعدم السماح لروح الفرد بالابتعاد عن مصدر الخير في قلبه حتى لا تقترب من الشر فتلوث روحه وقلبه ويكون نتيجة ذلك كله الاقدام على الانتحار 0
وقد بينت الدراسات ان اسباب الانتحار في الاعم الاغلب هو تفشي ظاهرة البطاله والعوز والفقر التي يعيشها المنتحر والظروف الاجتماعيه الضاغطه واحيانا تلعب الحاله العاطفيه دورا في زيادة نسبة حالات الانتحار بين الشباب والشابات في عمر العشرينات في حين هناك حالات انتحار تسجل بين الطلبه عندما يخفقون بالنجاح خاصة في الثانويه العامه التي تحدد مصير الطالب والطالبه في بقاءه ضمن المقعد الدراسي التقليدي المقيد وما يرافقه من مراقبه ومحاسبه على انه لا زال طفلا او طفله ضمن معايير مجتمعاتنا العربيه الاسلاميه سواء في البيت او المدرسه وطموحه الى الحياه الجامعيه الواسعه التي غالبا ما يكون فيها هامش الحريه والاستقلاليه اكبر واكثر0
ففي الاردن مثلا هناك 35-40حالة انتحار سنويا بالاضافه الى 400محاوله في السنه وفقا لاحصائيات المركز الوطني للطب الشرعي الاردني0
والانتحار لا يقتصر على فئه عمريه محدده وان كانت النسبه الاكبر ضمن فئة الشباب في العشرينات او على طبقه او مهنه فمثلا هناك حالات انتحار تسجل بين افراد لا يتطرق اليهم الشك في استقرارهم النفسي والعاطفي والعقلي والبدني والمهني على الاقل ظاهريا الا اننا نفاجاء بانتحارهم كرجال الاعمال مثلا عندما يتعرضوا للافلاس فجأة او في حالة انتحار طبيب التخدير الاردني والذي يعمل في مستشفى حكومي بسبب خلافاته الزوجيه حيث اقدم على قتل ابنته ليقتل نفسه بعد ذلك بتناولهم ماده سامه 0
وعلى الصعيد العاطفي سجلت حالة انتحار في بداية عام 1997م حيث اقدم شاب على قتل رفيقته ثم قتل نفسه بسبب رفض ذويهما الموافقه على زواجهما لاسباب خاصه بالعائلتين 0
فهل مر على خاطرك شخص كنت تجلس معه تتحادث وتتناقش في قضايا الحياة الشائكة، ويخبرك عن احباطاته في الحياة، وتخبره بأن الاحباط في الحياة موجود قدم وجود الانسان على الا رض وان ما يشعر به الان قد شعر به الملايين ممن سبقونا وقد يكون ما مروا به اكثر قتامة وقسوه مما نمر به نحن الان.. فليس هناك شيء مطلق في الحياة، فكل شخص لديه ما يكفيه من المشاكل التي تجعله يشعر بالاحباط، لكن لكل شيء نهاية ولكل طموح ترجو تحقيقه لا بد من الخطوة الاولى في كل شيء000
ففي صيف العام الماضي جمعتني جلسة مع احد الاشخاص الذين اعرفهم معرفة سطحيه ودار الحديث بيننا عن مشاكل الحياه وصعوبتها وعدم تفهم الاهل لمشاكل ابنائهم حتى لو كانوا كبارا في العمر ويفترض ان يعتمدوا على انفسهم ومن خلال الحديث قفز الرجل الذي يقترب عمره من ال40 عاما الى القول انه حاول الانتحار صباح امس بواسطة شنق نفسه 000لم التفت لكلامه اول الامر او اعي ما قال لكن وفي نفس اللحظه كشف عن رقبته الضخمه واراني موضع الحبل الذي حاول شنق نفسه فيه فنظرت فاذا رقبته كانها رقبة ثور جزت بسكين حولها كلها حيث كان الشخص ضخم الجثه ممتليء الجسم بشكل ظاهر للعيان000 عندها استدرت اليه وقلت له بلهفة واستدراج احكي لي تفاصيل محاولتك الانتحار فقال: تشاجرت مع والدي في البيت وبعدها قررت الانتحار فاخذت حبلا وخرجت من البيت مع التباشير الاولى لطلوع النهار وبحثت عن بيت مهجور لا يقطنه احد فصعدت عليه وربطت طرف الحبل في وتد من الحديد كان موجودا على السطح والطرف الثاني عقدته حول رقبتي ويقول المتحدث انه اثناء ذلك مر بطرف البيت شخصا عاديا من الماره والقى عليه السلام فرد التحيه عليه دون ان يشك الشخص بشيء واعتقده يقوم بعمل ماء ولا المنتحر شعر بالخوف من الموت ولا اثار في نفسه المار في الشارع ويقول: بعد ان ربطت الحبل حول عنقي القيت بنفسي من على سطح البيت000لكن الحبل انقطع من ضخامة جسمي وكبر وزني000فسقطت على الارض 000 ويستطرد بالقول ان الحبل ضغط على رقبته ومنعه من التنفس فاخذ يعدو بالشارع ويتوسل الى الماره ان يحلوا الحبل من عنقه فكان الناس يهربون من هول المنظر الى ان ارسلت له العنايه الالهيه من يفك له الحبل ويسقيه الماء ليستعيد بعد ذلك وعيه ويعود الى بيته00! عند ذلك سالته كيف كان شعورك وقت الانتحار واثناءه فقال: كنت انسانا طبيعيا اعي ما حولي وما افعل لكني كنت حزينا جدا واريد وضع حد لحياتي وشقائي لاسباب عائليه0قلت له : واثناء الانتحار وانت مدلى بالحبل قبل ان ينقطع بك الحبل لتنجو:قال رايت ما يشبه الضوء الابيض وهاتف يقول: ارجعوه لم يأتي دوره بعد000 000
قد عرفنا الان صور الانتحار ونماذج لمنتحرين ونقلنا صوره واقعيه لاعترافات منتحر نجى من الموت بمعجزه الهيه والان بقي علينا تلمس الحلول وابرازها والتعامل ضمن معطيات ايجاد العلاج المناسب بعد ان عرفنا الداء وسبب العله
واول هذه الحلول يقع على الاسره في البيت في مراقبة تصرفات وردات فعل ابنائهم وبناتهم ومراقبة افعالهم ونفورهم واستجابتهم للمتغيرات في حياة الاسره وما يوجههم خارج المنزل والذي غالبا ما ينعكس على التربيه ونشوء الطفل0وهناك المدرسه والجامعه التي يجب ان يكون بها مرشدين نفسيين حقيقيين وليس للسخرية فقط وتمضية ساعات الدوام بملل وتكاسل وانتظار قرع الجرس ليخرج المرشد النفسي الى بيته قبل التلميذ المريض00!
كما يقع على عاتق رجال الدين والفكر والاخلاق مسؤولية كبيره في توعية ابناء المجتمع بصوره ايجابيه ومد جسور الثقه والحب والتفاهم فيما بين الطرفين وعدم التعريض للشباب على انهم شباب موضه وتقليد فقط وزرع الثقه في انفسهم من اجل ارجاعهم الى حاضرة الدين والاخلاق والسلوكيات الحميده لتكون لهم المرجعيه الصلبه التي يستندون اليها وتقف لهم سندا وقوه عندما تدهمهم الملمات ويشعروا بالخوف والخطر على حياتهم ومستقبلهم المجهول0
يضاف الى كل ذلك ان تقوم الاجهزه المختصه في محاولة احتواء حالات الانتحار خاصة عندما يستعرض المنتحر نفسه ويبداء بالتهديد ويخاطب الجمهور بكلمات مقتضبه غير مفهومه تدل على الخوف وعدم السيطره على نفسه في هذه اللحظة وهنا يأتي دور المختصين في اجراء الحوارات اللازمه من اجل التاثير على المنتحر لثنيه عن القاء نفسه مثلا عن سطح بنايه بالاضافه الى ضرورة ايجاد كادر مدرب وله خبرته واخذ الاحتياطات اللازمه من اجل توفير سقوط آمن ومحاولة انقاذ حياة المنتحر اذا امكن لا ان نقول له انتحر وارحنا فقد طال انتظارنا لمساعدتك .!!!
اما الدوله فعليها القدرالاكبر من المسؤوليه بالقيام بواجباتها تجاه مجتمعها وابناءها وايجاد الحلول المناسبه لتخفيف معاناتهم وتوفير الاحتياجات الضروريه التي تكفل للفرد والاسره حياة كريمه تغنيه عن العوز ومد اليد لاستجداء حاجته وذلك بتوفير فرص العمل للجميع ومد يد العون للمحتاجين ودعم المواد الاساسيه في حياة الفرد من مأكل وملبس ومرافق حيويه ورعايه صحيه حتى يسهم الجميع على المحافظه على هذا الفرد الذي يشكل جزءا من المجموع الذي يشكل بالتالي المجتمع كاملا شعبا وحكومة ودوله .
تيسير خروب