قال ابن قيم الجوزية رحمه الله
في كتابه الماتع ((الجواب الكافي - (ج 1 / ص 52))
عقوبات المعاصــــــــــــــــــــــــــي
إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة
فيامن باع حظه الغالي بأبخس الثمن وغبن كل الغبن في هذا العقد وهو يرى أنه قد غبن
إذا لم يكن لك خبرة بقيمة السلعة فاسئل المقومين
فياعجبا من بضاعة معك الله مشتريها -وثمنها جنة المأوي والسفير الذي جرى على يده عقد التبايع وضمن الثمن عن المشتري هو الرسول صلى الله عليه وسلم وقد بعتها بغاية الهوان
*************
ومن عقوباتها أنها تعمي بصر القلب وتطمس نوره وتسد طرق العلم وتحجب مواد الهداية وقد قال مالك للشافعي رحمهما الله تعالى لما اجتمع به ورأى تلك المخايل إني أرى الله تعالى قد ألقى على قلبك نورا فلا تطفئه بظلمه المعصية ولايزال هذا النور يضعف ويضمحل وظلام المعصية يقوى حتى يصير القلب في مثل الليل البهيم فكم من مهلك يسقط فيه وهو لا يبصر كأعمى خرج بالليل في طريق ذات مهالك العطب ثم تقوى تلك الظلمات وتفيض من القلب الى الجوارح فيغشى الوجه منها سواد بحسب قوتها وتزايدها فإدا كانت عند الموت ظهرت في البرزخ فامتلأ القبر
ظلمة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم
ان هذه القبور ممتلئة على أهلها ظلمة وإن الله ينورها بصلاتي عليهم فاذا كان يوم المعاد وحشر العباد وعلت الظلمة الوجوه علوا ظاهرا يراه كل أحد حتى يصير الوجه أسود مثل الليل البهيم
فيالها من عقوبة لا توازن لذات الدنيا بأجمعها من أولها الى آخرها
*******************
ومن عقوباتها أنها تصغر النفس وتقمعها وتدسيها وتحقرها حتى تصير أصغر كل شيء وأحقره كما إن الطاعة تنميها وتزكيها وتكبرها قال تعالى قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها والمعنى قد أفلح من كبرها وأعلاها بطاعة الله وأظهرها وقد خسر من أخفاها وحقرها وصغرها بمعصية الله
وأصل التدسية الإخفاءو منه قوله تعالى يدسه في التراب
فالعاصي يدس نفسه في المعصية ويخفي مكانها ويتوارى من الخلق من سوء ما يأتي به قد انقمع عند نفسه وانقمع عند الله وانقمع عند الخلق فالطاعة والبر تكبر النفس وتعزها وتعليها حتى تصير أشرف شيء وأكبره وأزكاه وأعلاه ومع ذلك فهي أذل شيء وأحقره وأصغره لله تعالى
انتهى كلامه رحمه الله بتصرف يسيــــــــــــــــــر