لونك المفضل

المنتديات الثقافية - Powered by vBulletin
 

النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: من عمالقة الخط العربي عبر العصور

  1. #1
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية أبوإسماعيل
    المشرف العام
    تاريخ التسجيل
    06 2003
    الدولة
    صامطة
    المشاركات
    28,312

    من عمالقة الخط العربي عبر العصور

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


    من عمالقة الخط العربي عبر العصور


    شيخ الخطاطين...

    حامد أيتاش الآمدي ...
    (1891 - 1982م )



    ولد عام 1309هـ - 1891م في مدينة ديار بكر الواقعة جنوب الأناضول بتركيا والتي كانت تعرف قديماً باسم مدينة "آمد"، اسمه الحقيقي موسى عزمي، واشتهر بحامد أيتاش الآمدي نسبة إلى قريته، والده "ذو الفقار آغا" وقد كان قصاباً، ووالدته "منتهى"، وكان جده "آدم الآمدي" خطاطاً، درس في الكتّاب في الجامع الكبير المسمى مسجد "أولو" بقريته.
    بدأ بتلقي دروساً في الخط أثناء تعليمه الابتدائي والإعدادي على يد "مصطفى عاكف" و"واد أفندي" ومن قريب له يسمى "عبد السلام"، وأخيراً تتلمذ على يد الأستاذ "سعيد أفندي" الذي كان إماماً في أحد المساجد، ولاهتمام حامد بالخط رسب في عامه الأول، فمنعه والده من مزاولة الخط إلاّ أن حادثة جعلت والده يتراجع عن قراره وتلك الحادثة هي (وهي مذكورة في كتاب "حرفنا العربي وأعلامه العظام عبر التاريخ":
    "أن حامدا كان يساعد بعض مدرسيه في كتابة لوحة خطية على القماش تمثل عبارة (يحيا السلطان) بمناسبة عيد جلوس السلطان عبد الحميد الثاني، فدفعه حبه للخط في هذه المناسبة أن حاول كتابة طغراء السلطان، مما حدا بالمسؤولين في ديار بكر أن يمنحوا حامداً ليرة ذهبية مكافأة له على هذا الصنيع، فطار حامد بها فرحاً ليخبر والده بالأمر...
    وفي أثناء ذلك عكف على تقليد خطوط أبرز الخطاطين مثل "الحافظ عثمان"، و"مصطفى راقم" وغيرهما.
    وفي سنة 1906م، أنهى حامد الإعدادية ثم أكمل دراسته الثانوية بـ "المدرسة العسكرية الرشيدية" بديار بكر، ثم انتقل إلى استانبول عام 1324هـ - 1908م لدراسة القانون حيث أمضى سنة واحدة في "مدرسة الحقوق" أو "مكتب القضاة" كما كانت تسمى، ثم انتقل إلى "مدرسة الصنايع النفيسة".
    في أثناء دراسته في "المدرسة العسكرية الرشيدية" تعلم خط الثلث على يد "أحمد حلمي بك"، كما تعلم الرقعة على يد "وحيد أفندي"، ويقال وفي أثناء دراسته العسكرية قلّد خريطة في أطلس مدرسي بدقة متناهية جعلت أستاذه يودعُ تلك الخريطة في متحف المدرسة إعجاباً بها وتذكاراً لصاحبها.
    وبعد وفاة والده لم يستطع إكمال دراسته... فدفعته حاجته إلى أن يبحث عن مورد رزق ليعيش منه، فعمل معلماً للخط والرسم في مدرسة "كلش معارف" وكان عمره يتراوح بين 17- 18 سنة، ثم عمل خطاطاً في "دار الطبعة"، ثم تقدم للعمل في "مطبعة الأركان الحربية العمومية" الكائنة في حي بايزيد باستانبول؛ حيث زامل الخطاط "أمين أفندي"، ثم سافر إلى ألمانيا ومكث فيها عاماً واحداً درس فيها رسم الخرائط وعمل في قوات الصاعقة بالجيش الألماني في أثناء الحرب العالمية الأولى، وعند عودته إلى استانبول تعلم النسخ والثلث وجلي الثلث من الحاج "نظيف بك" إلا أن وفاة أستاذه سنة 1913م بعد عدة دروس حالت بينه وبين الاستمرار في الدروس، فأكمل تعلم خط الثلث والنسخ على يد رئيس الخطاطين "أحمد كامل" حيث كان محط إعجابه لصبره ومثابرته على تعلم كافة أنواع الخطوط، وتعلم كتابة الطغراء من "إسماعيل حقي بك"، وتعلم خط التعليق من "خلوصي أفندي".
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    وبعد عودته من ألمانيا بدأ يكتب اللوحات ويقدّمها باسم مستعار وهو "حامد" الذي قال عنه: "لمّا عزمت على تعلّم الخط كنت عزمي، ولمّا بلغت ما بلغت حمدت الله وسميت نفسي حامداً"، ولذلك السبب منعته الجهة التي يعمل بها من الاستمرار في العمل، فترك وظيفته الرسمية عام (1338هـ- 1920م)، واستأجر دكاناً صغيراً للخط والزنكوغراف في حي "جفال أوغلو"، واتخذ لنفسه اسماً مستعاراً هو "خطاط حامد يازي أوي"، ثم شغل منصب الخطاط "عارف حكمت بك" بعد وفاته في إحدى الدوائر الحكومية، ولم يلبث أن ترك هذا المنصب وتحول إلى محل جديد في شارع الباب العالي باستانبول، واشتغل حينها بأعمال الحفر والزنكوغراف وتذهيب المصاحف.
    وقد أمضى حامد عمره الطويل في معمعة مع الخط , فلم يترك القلم من يده حتى قبل عام واحد من وفاته. غير أن الأعمال التي كتبها في السنوات الأخيرة من حياته لا تمثل المكانة الحقيقية التي بلغها لما للشيخوخة من أثر في ذلك. أما أعمالـــه في ألمع أدوار حياته الفنيـــة فهي الأعمال بين أعوام 1923م- 1965م,


    وانتشرت في كل أنحاء العالم. وقد كان له خط في كل أنواع الخطوط العربية, إلا أن شهرته كانت في الثلث الجلي, وقد تخرج على يديه العديد من طلاب الخط من شتى أنحاء العالم الإسلامي, فهو بمثابة الحلقة التي اتصلت بها حلقات أخرى هنا وهناك, وأحد الأسباب الرئيسية في ترابط عقد هذا الفن واستمراره إلى اليوم. وللآمدي كتابات كثيرة على قباب المساجد وعلى جدرانها, ولوحات معلقة بها, ومن آثاره التي يمكن مشاهدتها في تركيا ما تركه من كتابات قرآنية: في مسجد شيشلي، ومسجد أيوب، ومسجد باشباهشي، ومسجد حاجي كوشك في استانبول، وقبة مسجد كوخاتيب في أنقرة، ومساجد أخرى كثيرة في استانبول ودنزلي وشانا قلعة. كما كتب أربعين حديثاً نبوياً وكثيراً من كتب تعليم الخط والآلاف من مختلف الكتابات الإسلامية والمدائح النبوية والأشعار وغيرها. وكان قمة إنتاجه نسخ المصحف الشريف مرتين بخط يعتبر من أجمل الخطوط وقد تم طباعته مؤخراً في استانبول وبرلين وتعد من روائع المصاحف التي طبعت في العالم.
    ويعد الخطاط حامد الآمدي أحد عباقرة فن الخط وشيخ أقطاب أهل هذه الصناعة، فقد وصف أنه امتداداً للعظماء الثلاثة الذين كتبوا في تاريخ الكتابة خطاً لا يبلى وهم: "ابن مقلة، وياقوت المستعصمي، وابن البوّاب". وهو صاحب أشهر ثلاث طغراوات وهي: طغراء الملك فيصل ملك المملكة العربية السعودية، وطغراء السلطان عبد الحميد الثاني سلطان الدولة العثمانية، وطغراء الامبراطور محمد رضا بهلوي شاه إيران. ولعل أبرز أعماله الخطية لوحة سورة الفاتحة؛ وفيها قلّد الخطاط مصطفى راقم، حيث بقي يخطّها ستة أشهر كاملة فكانت آيةً من آيات الحُسن والجمال.
    وعزاؤنا في تلاميذه الذين ورثوا عنه أسرار الحرف العربي وقواعد كتابته وأصول خطه نذكر منهم: الأستاذ "حليم حسن جلبي" و"خسر" و"صوباشي" و"أحمد فاتح" و "أينجي بش أوغلو" وغيرهم الكثير.
    إجازاته
    أجاز الكثير من الخطاطين أمثال: هاشم البغدادي وقد أجازه مرّتين الأولى في (1370هـ) والثانية (1372هـ)، وأجاز عثمان طه ومحمد صالح الموصلي... وغيرهم الكثير.
    وفاته
    هذا هو حامد منذ طفولته والخط كان ظلّه، والقلم بين أصابعه حتى قبل عامٍ واحدٍ من وفاته وذلك يوم الأربعاء في الرابع و العشرون من رجب عام 1402هـ - الثامن عشر من مايو 1982م، وقد دُفن حامد بناءً على وصيته في مقبرة "قرجة أحمد" إلى جوار شيخ الخطاطين "حمد الله الآماسي أفندي".
    طرائف من حياته
    - كان صديق عمره و شقيقه الروحي الخطاط حليم، ولمّا توفي حليم رآه في المنام يكتب الثلث بسرعة كبيرة، فسأله كيف تكتب الثلث بهذه الطريقة و بهذه السرعة؟،فقال حليم: هم علّمونا في الجنة أن نكتب بهذا الشكل، ومن بعد هذه الحادثة كان حامداً دوماً يردد: "ما دام في الجنة قصب و أوراق فلا أبالي بالموت".
    - وفي لقاء بعد وفاته قال تلميذه الأستاذ حسن جلبي: "في إحدى زياراتي له لتلقي الدرس عنه أشار بإصبعه إلى لوحة كان قد كتبها لأحد الطلاب، فقلت: إذا لم يكن لها صاحب فإني مستعد لاقتنائها، وعندما سألته عن ثمنها قال: ما تعطيه. فأخرجت له جميع ما في جيبي ولو كان معي ضعف ذلك لما أوفيتها حقها مع ذلك تناول الموجود من غير اعتراض بسبب حاجته، وفي بعض الأحيان كان يحمل عدة قطع خطية من أعماله ويذهب بها إلى أشخاص يعرفهم ليبيعهم وكانوا يختارون ما يروق لهم ويشترونها منه بسعر أقل مما طلبه.
    وقد زرته في مكتبه في الآونة الأخيرة فوجدته في حال سيئة بدا كمن حبس عنه الهواء لأيام فقلت له: ما هذه الحال يا أستاذ؟ أجاب بتوجع: صحتي تتدهور يا ولدي. فلنأخذك إلى المستشفى قلت ذلك وأنا متخوف لأن السيد "أغور درمان" كان قد عرض عليه أن ينزل دار العجزة إلا أن الأستاذ قد استاء جداً من ذلك العرض حتى أنه كان يذكره بين الحين والآخر بمرارة وعتاب، لذا فإني خشيت أن يتضايق من طلبي أيضا لكنه لم يفعل فتشجعت واستعنت بالسيد "إسماعيل يازجي" في نقل الأستاذ إلى شقة مفروشة لبعض الطلاب وقد اخترت ذلك المكان لأنه سبق وأن مكث فيه بعض الوقت وكان يذكره بخير، وعندما هممنا بنزول سلم المبنى الذي فيه مكتبه لم يقدر على النزول بسهولة، ولم يسمح لنا بحمله على ظهورنا فقد كان عزيز النفس، ولكن لم تكن لنا حيلة إلا أن نحمله ونقلناه بالسيارة إلى الشقة، فمكث هناك أسبوعاً واحداً استطعنا خلاله أن نجري اتصالاتنا مع الطبيب "مفيد أكدال" مساعد رئيس الأطباء في مستشفى "حيدر باشا" ندعوه لمساعدتنا في تأمين إدخاله المستشفى، وطوال مكوثه في المستشفى كان محط رعاية واهتمام الأطباء الذين يستحقون كل الشكر والتقدير ومنهم: "م. زكي أوكودان" و"هـ.حسين بالجيش" و"على سكزين" و"علي أركين".
    وخلال فترة مكوثه في المستشفى التي بلغت سنه ونصف السنة كنت أزوره في الأسبوع مرة أو مرتين للاطمئنان عليه وقضاء حاجاته، خلال هذه المدة كان يعوده السيد "إسماعيل يازجي" والسيد "ضياء آيدن" والبروفسور "أكمل الدين إحسان أوغلو"، لذا فإن حامدا أهدى مركز الأبحاث للتاريخ والذي يقوم البروفسور بإدارته جميع ما في مكتبه من المسودات وقوالب الخطوط ونماذج البطاقات الشخصية، ولا أكون مخطئاً إذا قلت إن بقية معارفه ومحبيه لم يعودوه أكثر من مرة واحدة لكل منهم طوال تلك الفترة.
    ذات يوم من أيام المستشفى أسمعني وصيته: يوم أن أستوفي عمري أريدك أن تكتب شاهد قبري بخطك وأن يقوم بالحفر على الرخام "يوسف كوجك جاوش"، ولكنني لم أقدر على إيفاء الوصية إلا بعد خمسة عشر عاماً لأن إجراءات إدارية طويلة عرقلت إنجاز العمل في وقت أقصر، وبعد المدة تلك كان الحجار "يوسف" هو الآخر قد توفي لذا عهدنا بحفر شاهد القبر إلى حجار آخر.
    في تلك الأيام أيضا كان مركز الأبحاث قد باشر بإعداد فيلم وثائقي عن حامد، ولما حان موعد التصوير تطلب الأمر ذهابه من المستشفى إلى مقر المركز، وبالرغم من صعوبة انتقاله إلا أنه ما أن رأى القلم والحبر حتى دبت فيه الحياة والنشاط من جديد، إن شخصاً مثله قضى عمره المديد بين القلم والورق يصير كحديقة حبس عنها الماء فيبست.
    لغرض التصوير جلبت معي محبرة قديمة وقلم الخط وورقاً من نوع فاخر وكان هذا الورق من أوراق المرحوم "كامل أكدك" ومن ورثته وصلتني عن طريق المرحوم "كمال بتانآي".
    أما حامد فقد كان يعد ورقه بنفسه لأن الورق المطلي وفق الطريقة القديمة يحتاج إلى مدة سنه قبل أن يكون جاهزاً للكتابة عليه، ولكي يختصر الوقت لجأ حامد إلى طلاء الورق بمادة بيكرومات دو بوتاس أو بمادة دو أمنيوم مع بياض البيض، ليكون الورق بعد أربع ساعات جاهزاً، ولذلك يتسم هذا النوع من الرق باليبوسة ولا يسهل سير القلم عليه بالمقارنة مع الورق القديم.
    عندما وجد حامد هذه المواد بين يديه لم يطق صبراً، فتناول القلم الجلي الذي يصعب الخط به عادة وكان عرض سنه اثني عشر مليمتراً تقريباً، فكتب: "الله وحده لا شريك له" من غير أن يستخدم القلم الرصاص لتحديد مواقع الحروف والكلمات مسبقاً، ثم وقع إمضاءه على هذا الخط المرتجل وفي النهاية طلب منه رسم نقطة إشارة إلى انتهاء الفلم وأصبحت هذه النقطة نهاية حياته الفنية، وانطفأت حياته، ومما يحز في النفس أننا لم نعثر على من يساعدنا في تسلم الجنازة من المستشفى والقيام بواجباتها. وكم كان محزنا أن يكون وحيدا في مماته بعد أن فتح صدره لكل زائر من محبين ومتعلمين دون أن يرد أحداً في حياته رحمه الله".


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #2
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية أبوإسماعيل
    المشرف العام
    تاريخ التسجيل
    06 2003
    الدولة
    صامطة
    المشاركات
    28,312

    رد: من عمالقة الخط العربي عبر العصور

    رئيس الخطاطين ...

    أحمد الكامل
    (1862 - 1941م)



    إن عراقة الفنون التركية الممتدة جذورها لآلاف السنين رغم اندماجها بالفنون الإسلامية وتأثرها بها، فقد بقيت محافظة على قالبها وبصمتها، فقد تميزت في كل المجالات التي دخلت إليها، فأصبحت ذات قدرة خلاّقة قابلة لتكوين حقلاً خصباً للإبداع مما دفع الأوروبيون لأن ينسبوا لأنفسهم كثيراً من الفنون والإبداعات التركية.
    لقد حمل الأتراك مشعل الفنون الإسلامية وارتقوا به إلى أعلى المستويات، ويظهر ذلك جلياً في فن الخط والخطاطة. واعتبر إبداعهم فيه مثلاً حياً على تقدمه.
    فالمعلوم أن معظم الأمم التي تدين بالإسلام قد استخدمت الحروف العربية بجانبيها الزخرفي والتزييني، ولكن الأتراك قد برعوا بتجويده مما أكسبهم تجربة خصبة عبر العصور.
    فمنذ ألف سنة لم تستطع أمة من الوصول لما وصل إليه الأتراك في هذا المجال، فقد برع الفرس بكتابة خط التعليق (الفارسي)، وبرع العرب بكتابة الخط الكوفي وأوصلوه إلى مكانة ممتازة، مما جعلهم مبدعيه ورواده، ثم انحصر هذا التطوير والابداع في هذين النوعين من الخطوط حتى أتى عمالقة الخط العربي من الأتراك وأبدعوا في تجويد كل أنواع الخطوط وعلى أعلى المستويات، أضف إلى ذلك ابتكارهم لأنواع جديدة من الخطوط مثل الديواني، والرقعة والطغراء وغيرها. واتسع عندهم مجال الإبداع والخيال في هذا الفن حتى أوصلوا الخط العربي إلى مرحلة التعبير الشكلي للحرف، مما ميزهم عن باقي الأمم في صنع لوحة فنية متخصصة تُظهر أدق تفاصيل الحرف وتفرعاته وهذا أكسبه عظمة لم تُعرف من قبل.
    إن الآلاف من الخطاطين قد أفنوا حياتهم في هذا الفن الرفيع، واكتسب المئات منهم ميزة الإبداع والتجويد والتطوير، دون الابتعاد عن قواعد الحرف الأصلية، فقد لبس الحرف من خلالهم ثوباً جميلاً يفيض بالحيوية والجمال، مما جعل من هؤلاء رواد الاكتشافات المهمة ... فقد نما الخط على أيديهم، وترعرع فأصبح مثالاً حياً وقدوة يقتدى بها لدى باقي الأمم.
    ومنذ بدأ الأتراك الابتعاد عن الكتابة بالحروف العربية، بدأ الخط في بلادهم يترك مكاناً فارغاً، مما جعل هذه الشعلة آخذة بالانطفاء التدريجي، فمنذ أن توجهت تركيا للانخراط في مدنية الغرب محاولة الوصول لها وتقليدها، أخذوا يُفرّطون بحروف أحبوها وطوّروها عبر مئات السنين، وأجبروا على كتابة لغتهم بحروف لاتينية ... وبهذا التغيير يكون الخط العربي قد أنهى عمراً امتد أكثر من ألف سنة جاعلاً منه حالة تراثية ثانوية نادرة.
    وبالرغم من ذلك كله، فإننا لا زلنا نجد العديد من أساتذة ومبدعي هذا الفن ينشأون من الأتراك مما دفع الكثير من الدول التي تعنى بالتراث الإسلامي أن تستعين بقدرات خطاطي الأتراك المميزين، ومن هؤلاء الأعلام المبدعين اسم ترسخ بقوة المثابرة، والجد، والاعتكاف على التجويد سعياً لكشف أسرار هذا الفن ... إنّه الخطاط الكبير الحاج أحمد كامل أك دِك الملقب برئيس الخطاطين، قد عمّر ثمانين عاماً، وفي السطور القادمة تلخيص بسيط لقيمة فنه ووصف براعة وإبداع خطاطنا رحمه الله.

    من هو أحمد الكامل
    يُعتبر الخطاط الجاد أحمد الكامل من أقدر الخطاطين الذين كتبوا الخط العربي، فقد كان ذو بنية ضعيفة ولحية بيضاء وعينان كستنائيتان ينظر بهما متأملاً متفكراً، وهو صاحب ورع وتواضع ... كان محبوباً لكل من عرفه. ولد الخطاط أحمد الكامل بمدينة استانبول بمنطقة فندقلي مقابل كلية الفنون الجميلة سنة 1862، وبعد عدة سنوات احترق بيتهم، مما دفع عائلته للانتقال إلى بيتهم الجديد في منطقة الفاتح.
    تلقى تعليمه الأول في المدرسة السلطانية سنة 1873، وتعرف على الخط من خلال دروس الأولى على يد الأستاذ سليمان أفندي الذي علمه حب الخط وأخذ عنه خطيّ النسخ والثلث، ومن ثم انتقل إلى مدرسة الفاتح للراشدين وحصل منها على الشهادة الدراسية التي خولته لدخول سلك الوظيفة الرسمية عام 1877 حيث عُيّن بوزارة الداخلية بقسم المحاسبة.
    وفي عام 1894 انتقل ليشغل وظيفة رئيس قسم قلم الوزارة، وفي سنة 1909 رئيساً لديوان وزارة الدفاع، وبالرغم من تقلبه في وظيفته، فإنه لم يُهمل اللهيب المشتعل بداخله نحو الخط العربي.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    تعرف إلى الخطاط الكبير سامي أفندي منذ 1879 والذي كان يُعتبر أشهر خطاطي عصره، وامتدت هذه الصحبة معه نحو 22 سنة حتى عام 1908، ولقد كانت سنوات الجد والاجتهاد والدراسة والمواظبة على التعلم ... فكان يذهب إلى بيت أستاذه سامي أفندي ثلاث أو أربع مرات أسبوعياً ، وفي كل مرة يبقى عنده ساعتين أو ثلاث ساعات، وقد كان يُلقى من أستاذه كل احترام وتقدير وإعجاب، لما عرف عنه من شوق وظمأ للتعلم بالإضافة إلى المستقبل الباهر الذي كان يراه له أستاذه، وتوثقت من هذه اللقاءات صلة طيبة كأنها صداقة أب لابنه.
    في تلك الفترة كان يتدرب مباشرة على تمارين أستاذه، وكان يُدقق ويُحلل خطوط قدماء الخطاطين أحياناً ليكشف أسرارها، وكان يقضي أغلب ما تبقى من دروسه بالنقاش والاستفسار عن الخط والخطاطين وقدرتهم وتأثرهم وميولهم وتميزهم وأمور أخرى كان تلفت نظره وتشغل باله، مما جعله يشغل وقته بالبحث والنظر والعمل، وهكذا استمر حتى أصبح مجيداً لخطوط جلي الثلث والنسخ والديواني والطغراء والديواني الجلي.
    ومن ذلك نرى أنه تعلم على يد سامي أفندي رحمه الله جميع الخطوط، وقد أجيز فيها تباعاً.
    ولقد كان أحمد الكامل يكن كل الإعجاب لأستاذه، كان يشعر بأنه قريب منه بشكل خاص، وأن هذا الفن قد ربط بينهما كأنهما يعرفان بعضهما منذ الأزل. وقد تأثر بشدة بفن أستاذه المتمكن من فنه وإبداعه وأحبه أكثر، فعندما كان يذكره كان يقول ما تعلمت من الخط، فأنا مدين به لأستاذي رحمه الله فقد كان متقناً لجميع الخطوط.
    ومما لاشك فيه أن الأستاذ سامي كان أستاذ العمالقة من الخطاطين، فهو أمهر من كتب الخط العربي على وجه البسيطة، فمن تلاميذه الحاج كامل، محمد نظيف، حقي، خلوصي، نجم الدين والطغرائي إسماعيل حقي وغيرهم. فقد كان الأستاذ سامي صاحب شخصية محبوبة ومؤثرة ذات نظرة دقيقة شفافة وصائبة ... وقد فاق الحاج كامل أستاذه بتحليل الأبحاث الخاصة ذات الطابع التخصصي الدقيق في هذا الفن، وقد اعتاد أن يذهب إلى سوق الصحفيين ليشتري كل ما كان يصادف من مخطوطات وكتابات غالية كانت أم رخيصة من خطوط الخطاطين الأوائل ثم يعود لبيته ويقوم بأبحاث وتحاليل وتمارين لحل أسرارها وكشف خباياها مقلداً حروفها بأسلوب علمي تفحصي.
    وقد كان يقول: أن هذه المجموعة التي بحوزته من الخطوط والنماذج هي مرشده وأستاذه ومصدر إلهامه وهي مدرسته الحقيقية بعد أستاذه رحمه الله ... وبنتيجة ذلك أبدع في لوحاته أيما إبداع حتى باتت لوحاته مرجعاً مهماً ونموذجاً مميزاً في الخط العربي. حتى بدأ اسمه وشهرته تجوب الآفاق الأمر الذي دفعه سنة 1884 للبدء بإعطاء دروس الخط العربي للمبتدئين في بيته بمنطقة الفاتح، فخلال مدة بسيطة بلغ عدد طلابه المنتظمين على دروسه ستين طالباً، فقد نظم برنامجاً وأياماً معينة لكل منهم، وكان طلابه من الصغار والكبار ومن الأئمة وكان يقصد من ذلك مرضاة الله عز وجل ... دون أن ينظر إلى منفعة ماديّة على ذلك، وبالرغم من برنامجه المكثف والشاق فإن جُل اهتمامه وتركيزه كان ينصب على البحث وكشف خبايا هذا العلم والفن الأصيل، ومن أجل الإلمام بذلك فقد كان يندفع نحو أي نموذج للخط أياً كان نوعه، فقد كان يتدرب على أنواع الخطوط حتى أتقنها جميعها، وكان يعشق خطي الثلث والنسخ، وكان جُلّ همه أن يصل إلى مستوى صفوة أهل هذا الفن المبدعين، فقد كان خط النسخ في مخيلته دوماً حتى أثناء كتابته للخطوط الأخرى، ولشدة تأثره في هذا النوع من الخط أن ظل مشغولاً دوماً بالإعداد لكتابة المصحف الشريف لما في ذلك من شرف وثواب عند الله تعالى، ولما لهذه الكتابات من الاستمرارية وطول العمر. وقد اعتبر أن خط النسخ من أصعب الخطوط، وأن خبرة الخطاط تظهر جليّة فيه ... وكان يصطدم بمشكلة حقيقية لدى كتابته لخط النسخ ... ألا وهي أن خط النسخ لا يتحمل التصحيح ولا المسح، ولا حتى التعليم المسبق بقلم الرصاص ... فإذا حدث ذلك فإنه سيُفسده ويشوهه. وكان يعتبر أن خط النسخ يعكس مستوى الخطاط الحقيقي، ويحدد درجة مهارته، وبالرغم من عدم وجود نماذج كثيرة بهذا النوع من الخط لأستاذه سامي أفندي فإنه كان معجباً بأسلوبه ومتأثراً به، وكان مجمل همه ينصّب للوصول لمستوى عمالقة خط النسخ أمثال الحافظ عثمان. وقد أمضى فترة طويلة يُقلّد خط من سبقه من الكُتّاب مثل الشيخ حمد الله الأماسي مما ساعده على حفظ أسلوبه الفذ في كتابته.
    وبالرغم من المرحلة المتقدمة التي استطاع الوصول إليها إلاّ أنّه كان غير راضٍ عن مستواه، وظل ينشد المزيد من التعلم والعلم الخفي والذي يكمن مجمل سرّه في قط القلم وبريه لما لقط القلم من أهمية قصوى، فقلم النسخ إن لم يكن مقطوطاً بصورة صحيحة، وميل مناسب فلن يكون الحرف بشكله الصحيح، ولن يعطي القلم الحبر الكافي لكتابة الحرف حتى ولو كان الكاتب متقناً لعلوم الخط وكتابته .. فهذه النقطة توضح ما للقط وبري القلم من أهمية في تثبيت وكشف أسرار الحرف في خط النسخ.
    لقد جهد طويلاً في تحديد النسبة الفاضلة في قط القلم لما شكّلت له من قناعة راسخة على أهمية قط القلم ومواصفاته، ولأن مسائل الفن الأصيل لا تترك للصدفة، ولا يصح ترك جزء بسيط منها مهملاً مهما صغر ظناً منه أنه غير مهم، فقد كان يدقق بأصغر التفاصيل لأنها هي التي تظهر وجه العظمة والإبداع في الخط، ولما لها من حلقة وصل في كشف خبايا الأمور الدقيقة في الحرف، فقد كان يتدرب عليها دوماً من خلال المسودات والمشق والتكرار المتواصل ... هذا البرنامج المكثف والمفعم بالحيوية أكسبه حب وتقدير كل من عرفه، مما جعل الآخرين مجبرين على الاعتراف بقدرته الفائقة ومكانته العالية التي اكتسبها في هذا الفن الأصيل.
    في تلك الفترة أثمرت جهود بعض الخطاطين لتكوين معهد تحت اسم مدرسة الخطاطين، إضافة للمدرسة التي افتتحها الأستاذ تحسين أفندي والتي درّس فيها الأستاذ أحمد كامل خطي النسخ والثلث في بادئ الأمر، ومن ثم درّس الخطوط المتنوعة، وقد لقب بلقب رئيس الخطاطين في الديوان السلطاني كلقب وظيفي لما له من مكانة فنية في فن الخط العربي، ورغم معاصرته لكبار وعمالقة هذا الفن فقد عُهد إليه أيضاً تعليم الخط العربي في مدرسة (غلاطة سراي)، وبعد الانقلاب الذي حدث للدولة العثمانية وتغير حروف الكتابة نحو الحرف اللاتيني فقد استمر بالتدريس بمدرسة الخطاطين التي تغيّر اسمها إلى مدرسة الفنون التزينية الشرقية، وقد عُيّن مديراً لها ومن ثم مسؤولاً إدارياً وفنياً عن الخطاطين فيها، وقد كان يعمل أيضاً بهذه الفترة مدرساً في أكاديمية الفنون الجميلة في استانبول.
    دعاه ولي عهد مصر الأمير محمد علي باشا للقيام بالأعمال الكتابية لقصره المطل على النيل بحي المنيل بالقاهرة.
    لقد عاش الحاج أحمد الكامل، وهو محافظاً على شعوره النقي والنظيف في كل شيء في حياته، فشفتاه لم تعرف القهقهة مطلقاً، ولكن كان ذو ابتسامة دوماً، وبالرغم من كل الأمور التي كانت تنقصه، فلم يأبه إلى ذلك، وعزاءه في ذلك إيمانه الكبير الذي أكسبه الطمأنينة والصبر والهدوء، لقد كانت حياته قصة درامية ظهرت جلية من خلال أعماله الفنية، فقد اعتاد في الأيام التي لا عمل وظيفي فيها بأن يفيق مبكراً ويقضي وقته بالكتابة والتحليل والتدريب إلى أن تغيب الشمس دون انقطاع، مما جعله معطاءً، فقد أثرى الفن الإسلامي بآلاف الأعمال الإبداعية، ولدى تفكرنا بأن هذه الأعمال قد صرف لها الجهد الكبير في محاولاته ومسوداته قد تصل إلى مئات الآلاف، فإنّما سنجد ونستشف بأن الجهد المبذول أكبر من الأعمال التي بين أيدينا، أي أن الجهد والمثابرة الفعلية عنده كانت كبيرة، فقد كان جل همه أن يُطبق هذه الهندسة الروحانية في فنه، ومن ذلك نجد بأنه لم يبتلى ببلاء غير هذا الفن، فلم يكن مدخناً ولم يشرب قطرة من الخمر قط، ولم يكن لديه أية عادة سيئة، ولم يكن رادعه في ذلك مجرد إيمانه الديني، وإنّما انشغاله التام بهذا الفن وتعلقه به، فقد كان يخاف من شيئين بعد الله هما أن ترجف يده أو تضعف عينه، فقد كان يعتني بصحته كي تساعده في مثابرته وكدّه أثناء تدربه وتعلمه، وهو على قناعة تامة بأن صحته إن لم تكن جيدة وسليمة، فلن يستطيع تقديم الفن السليم والجميل والإبداعي مما ... سبب له من خلال هذه القناعة أحياناً حالة نفسية ... فقد كان يحرص ويخاف أن تصدع يده، وكان يبتعد عن حمل الأشياء الثقيلة مخافة أن تتأذى أعصابه، وقد حرص أيضاً ألاّ يُكثر من الأكل، وقد أمضى عمره في الصيام والتقشف، مما ساهم ببقاء زنده طبيعياً رغم شيخوخته، محافظاً على نشاطه الدراسي والكتابي بشكل رائع، فقد ساعد ذلك بالمحافظة على المستوى الطيب الذي توصل إليه في هذا الفن، كان مستعداً لبذل حياته فداءً لفنه، فلم يكن ليده عشق آخر سوى فنه، وعندما سئل عن العشق أجاب أنه لم يجد وقتاً لذلك، فبموت زوجته فقد جزءاً كبيراً من ابتسامته، فقد كانت رفيقة درب حياته خلال ثلاثين سنة ونيف، وبفقدها لم يبق لغيرها عشق في قلبه، واصفاً إياها بالصديق الروحي له ولأطفاله، وكان معجباً بالطيور ولها مكانة خاصة في قلبه لشدة إعجابه بأشكالها وأسلوب طيرانها.
    وظل للحرف العربي عاشقاً حتى توفاه الله في عام 1941 م – 1360هـ ودفن في مقبرة أيوب في استانبول.
    وستبقى خطوطه خير شاهد على عظمته وتميز فنه، رحم الله خطاطنا الزاهد المتعبد وأسكنه فسيح جناته.


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية أبوإسماعيل
    المشرف العام
    تاريخ التسجيل
    06 2003
    الدولة
    صامطة
    المشاركات
    28,312

    رد: من عمالقة الخط العربي عبر العصور

    أمير الخطاطين ...

    الشيخ محمد عبد العزيز الرفاعي
    (1288 هـ – 1871 م) - (1353 هـ -1936 م)

    يعتبر الشيخ عبد العزيز الرفاعي أحد خطاطي جيل العمالقة الذين حملوا هموم نهضة الخط العربي، ذلك الجيل من عظماء خطاطي الأتراك الذين أوصلوا راية علم الخط العربي إلى عليائه، فغدا بفضل جهودهم منبع نور سار بهديه من أتى بعدهم. لقد كان الشيخ أحد الخطاطين الذين خلفوا لنا آثاراً كثيرة، فقد كان غزير الإنتاج واسع المعرفة بكل أصول الحرف العربي، وكان رحمه الله مثال الأدب الجم، والخلق الحسن الذي ترك أثره في نفوس تلاميذه، فتعالوا بنا نتعرف إليه ...
    نشأته
    ولد الشيخ محمد عبد العزيز الرفاعى في (ماجقة) بولاية طرابزون بشمال تركيا في عام 1871، ثم رحل مع والده وهو في الخامسة إلى استانبول.
    دراسته و أساتذته
    يعتبر الخطاط الفذ الشيخ محمد عبد العزيز الرفاعى من كبار الخطاطين الأتراك في القرن العشرين، لما امتاز به من أداء بارع في الكتابة الخطية لأنواع النسخ والثلث الذي بدأ يتعلماهما منذ نعومة أظفاره على يد (الحاج أحمد عارف الفلبوى البقال)، حيث أجيز منه بحلية كتبها عام 1314هـ - 1896م عندما كان عمره 26 عاماً، بعد أن برع في تعلم الأصول الفنية والقواعد الأصولية، والنسب المتفق عليها في رسم الحروف، لأنه اكتشف أن الحروف العربية هي عناصر آيات القرآن الكريم، وهى النور المنزل من رب العالمين. ثم قام بتجويد خط التعليق على يد الخطاط حسن حسنى القرين أبادى، وجلي الثلث على يد الخطاط محمد سامي. ثم عُين موظفاً في مشيخة الإسلام في استانبول، وقام بتدريس الخط في بعض المدارس هناك. وتذكر مجلة مدرسة تحسين الخطوط الملكية أنه كان أستاذا ممتازاً بمدرسة الخطاطين في تركيا. وقد ظل الشيخ على هذا الحال حتى استدعى إلى مصر في عهد الملك فؤاد لكتابة وتذهيب مصحف لجلالته، حيث أدى هذا العمل الجليل على أكمل وجه، وعنى بنشره حتى ظهر بأبهة حلة. وعندما حان وقت عودته جاء الخبر بإلغاء وظيفته في استانبول مع إلغاء مشيخة الإسلام نفسها، فكان أن أشاروا عليه بالبقاء في مصر فبقى حيث عمل مدرساً في مدرسة خليل أغا بمنطقة باب الشعرية بالقاهرة، وعمل أيضاً في ، فقام الرفاعى بالتدريس بها لمدة بلغت أحد عشر مدرسة ساهم خلالها في إنشاء مدرستين لتحسين الخطوط العربية، فكان مديرًا لهما ومُدرسًا للخط في نفس الوقت عاماً رحل بعدها إلى استانبول، ولكنه توفى بعد سفره بعامين تقريباً في الخامس من جمادى الأولى 1353هـ - 16 أغسطس 1934م، ودُفن في مقابر (أدرنه قابى) في استانبول وكان عمره آنذاك ثلاثة وستون عاماً.
    ويقول الشيخ الكردي عند ذكر تاريخ حياته: بعد أن توفى الشيخ الرفاعى رحمه الله، أمر ملك مصر بمنح عائلته نصف مرتبه ما داموا على قيد الحياة، وقد كان يُرسل إليهم من مصر إلى الآستانة.
    تلاميذه
    محمد على المكاوى، الشيخ محمد طاهر الكردي المكي (السعودي) هو عراقي الأصل، ولكن جده لأبيه استوطن مكة المكرمة. وقد كانت أول دفعة في مدرسة الخط العربي مكونة من 5 أفراد، كان أولهم هو محمد على المكاوى، و كان أقرب المتعلمين للشيخ، فأخذ عنه فن الخط العربي في النسخ والثلث وكانوا يقولون عن المكاوى أنه الابن البكر للشيخ الرفاعى. و كان الأستاذ المكاوى خير من حمل رسالته فأكد طريقته، ورسخ تقاليده، وسار على النهج الذي يسير علي النسبة الفاضلة.
    وقال الأستاذ عبد الرازق سالم: أن الرفاعى كتب مصحفاً آخر للشعب المصري. وتذكر المصادر أنه كتب اثني عشر مصحفاً وعدداً لا يحصى من القطع الخطية، و اللوحات الفنية المركبة.

    ما كتب عنه
    في عام 1939 أصدر الشيخ محمد طاهر الكردي السعودي كتابه (تاريخ الخط العربي وآدابه) والذي طبع في القاهرة – وذكر فيه في صفحة 385 نبذة عن تاريخ حياة الشيخ الرفاعى مع صور شخصية له، إذ أن الكردي من تلاميذه فى مدرسة الخط العربي ومن خريجي الدفعة الثانية بها. وفى عام 1940 طبع الخطاط القدير محمد على المكاوى القصيدة النونية التي كتبها الشيخ الرفاعى عام 1923 ميلادية بالقاهرة.
    وفى عام 1943 صدرت مجلة مدرسة تحسين الخطوط الملكية بالقاهرة متحدثة عن بعض الشخصيات الخطية فذكر في صفحة 22 منها نبذة عن الرفاعى مع صورة شخصية له وقطعة خطية. وفى عام 1968 أصدر المهندس ناجى زين الدين العراقي مرجعه العظيم في بغداد المسمى (مصور الخط العربي) أورد به ترجمة للرفاعى في صفحة 360 تحت اسم الشيخ عبد العزيز بن عبد الحامد وذلك في ثلاثة سطور، وأورد قطعاً خطية كثيرة له. وفى عام 1970 أصدر الباحث التركي محمد كمال إينال كتاباً عن الخطاطين الأتراك، عنوانه ( son hattatlar) وكتب تاريخ حياة الرفاعى في صفحة 68 منه، مع نموذج من خطه وصورة شخصية له، والكتاب باللغة التركية. وفى عام 1988 أصدر الدكتور محى الدين سيرين التركي باستانبول كتاباً باللغة التركية عن الخطاط الرفاعى وبه بعض لوحاته الملونة. وفى عام 1990 أصدرت تركيا كتاباً عن الخط العربي تحت اسم (فن الخط) ولم تضف كلمة العربي إلى كلمة فن الخط ، وهذا الكتاب إنما صدر عن منظمة المؤتمر الإسلامى الذي تدعمه وتموله المملكة العربية السعودية، وبه تاريخ حياة وأعمال كثير من الخطاطين الأتراك الكبار الذين لهم فضل يذكر في مجال الكتابة الخطية العربية، وذكر في هذا الكتاب في صفحة 215 تاريخ حياة الرفاعى مع نماذج من خطه.
    ويلاحظ أن ترجمته في هذا الكتاب صورة مصغرة من ترجمته في كتاب الباحث محمد كمال اينال.
    أعماله
    وقد كان – رحمه الله عليه- بارعًا في كل الخطوط، وعلى رأسها الثلث والنسخ والثلث الجلى خطوط الديواني والريحاني والمحقق والتوقيعي والرقعة بكل تفصيلاته، يكتبها بسرعة وأسلوب محبب، وكان يرسم أجمل الأختام، وكان يوقع على أعماله باسم (عزيز) (عبد العزيز الأيوبي عزيز) وفيما بعد (الشيخ محمد عبد العزيز الرفاعي)؛ نظرًا لأنه كان ينتسب إلى الطريقة الرفاعية.
    كتب مصحفاً للملك فؤاد عام 1340 خلال ستة أشهر ، وذهبه و نقشه في ثمانية أشهر، مما يدل على براعته في مسك القلم و الفرشاة و السيطرة عليهما بإتقان وجدارة .
    عمل عزيز أفندي قدم عزيز أفندي من الآثار الكثير الذي يفوق الحصر، ومن هذه الآثار التي بقيت ذخرًا للأمة المسلمة: لوحتان بخط الثلث الجلى والتعليق في جامع (ألو) ببورصة، وأحد عشر مصحفًا منها: المصحف الموجود عند أمير أفغانستان، والمصحف الموجود في الخزينة الملكية في مصر (الآن في دار الكتب المصرية)، ومصحفان في مكتبة المخطوطات لآيوردى.. أما بقية المصاحف فليس معروفًا أين هي؟ وعند من؟، وثلاث لوحات محلاة بالخطوط المتنوعة، إحداها في متحف "طوبى قابى"، والأخريتان عند أكرم حقي أيوردى أفندي، وأكثر من عشرين مجموعة مشق بخطوط الثلث والتعليق.
    ومن آثاره الأخرى في أنواع الخط العربي منها "أحسن النماذج"، و"القصيدة النونية"كتبها خاصة لتعليم الكتابة الثلثية و النسخية لطلاب الأزهر ومدرسة الخط بمصر في عام 1923، وهي متضمنة الأحكام الدينية والعقائد الإسلامية، وقد كتبها الشيخ عزيز بخطي الثلث والنسخ فجاءت من أحسن ما أخرج الأئمة الخطاطون حتى عصرنا هذا..
    وكان الشيخ الرفاعى قد أرسل خطاباً لشيخ الأزهر يبين فيه أن هذين الكتابين هما نموذج للكتابة الخطية الموزونة وقد كان يقوم بالتدريس منهما لطلابه في مدرسة الخط العربي.
    ويقول الشيخ مصطفى مدكور: "عليك بدوام التدريب من القصيدة النونية و دوام النظر إليها، فإنك ستكتشف في كل مرة سراً جديداً، لأن الله سبحانه وتعالى قد أفاض على كاتبها / الشيخ محمد عبد العزيز الرفاعى فيوضات ربانية في الكتابة الخطية".
    كما أن له كتابان في التعليق، أحدهم تعليمي، والآخر بردة المديح للإمام البوصيرى. وله مصحفاً محفوظاً في مكتبة الملك فهد بالمدينة المنورة.
    شخصيته
    كان صالحا تقياً ذا هيبة ووقار. وكان ينتمي إلى الطريقة الرفاعية البكتاشية، وتذكره جميع المصادر بالتقوى والصلاح وطهارة القلب، كما تذكره بالإخلاص ونقاء السريرة.
    أعطى جُل وقته للعلم والمعرفة والفنون، كما كان مربيًا ومرشدًا، يروى ظمأ الناس إلى المعاني الروحية. كان يرسم في كل كلمة دستورًا للحياة، ويقدم في كل حركة نموذجًا حيًا لسُنة من السنن المأثورة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – يجلس في مجالسه بروح المريد وخشوعه، فيضفى إليه السكينة والخشوع، ولم يستطع أحد المصريين إخفاء دهشته من خشوعه الدائم، فأجابه عزيز أفندي قائلاً: "إن الله يراني في كل حين، وهل هناك مكان وزمان لا يراه الله؟ فأنا في حضرة الله دائمًا فكيف لي أن أفسد أدبي في هذه الحضرة؟".
    مميزات خطه
    لقبه العارفون بفن الكتابة الخطية بأمير الخط العربي في القرن العشرين يعتبر بحق، وعدته ركناً مجدداً للخط العربي في مصر. وقد ذكر في أحد المصادر انه كان يجيد اثنى عشر نوعاً من الخط إجادة تامة إلى جانب إجادته التامة لفن التذهيب والزخرفة.
    ومن مميزات الرفاعى الخطية أنه كان يقلد كبار الخطاطين تقليداً دقيقاً، ويذكر ذلك في صلب اللوحة التي يكتبها، كما كان بارعاً فى الكتابة المرسلة والمدمجة والمركبة. و لما كتب القصيدة النونية راعى فيها جميع القواعد الفنية التي يجب إتباعها في كتابة خط الثلث. وراعى في كتابته أن تشتمل على جميع أشكال الحروف التي يستعملها الخطاط في كتابته، والتي أبدعها الخطاطون السابقون من اختزالات و اختلاسات وغيرها من التصرفات. كما التزم بروح التشكيل التي يجب أن تكون سائدة في خط الثلث، وقام بالتصرف فيها بشكل يؤدى إلى جمال الكتابة والتزم بذلك. و لم يقم الرفاعى بأداء كتابة شاذة، أويغير في شكل الحروف أو ميزانها، تحت حجة التركيب وغيره من الحجج، كما يفعل غيره من الخطاطين.
    كما انه التزم بأن تكون كتاباته متسلسلة في حالة الإرسال والتركيب، فلا يقدم حرفاً على حرف ولا مقطعاً قبل مقطع، فهو ملتزم بسلوك الورعين الذين يحافظون على سلامة الكتابة القرآنية تسهيلاً يساعد على تسلسل قراءتها. والرفاعى أبدى براعته في الكتابة في جميع الإشكال الهندسية، وكتب لوحات جامعة لكل أنواع الخط العربي، كما برع في التراكيب الخطية، و كان ميزان كتابته في خط الثلث ميزاناً مضغوطاً نوعا ما، بحيث ظهرت حلاوة هذا الأسلوب في كتابته المرسلة، وغيره قد يزيد من اتساع بسط القلم مثل حامد الآمدى، بحيث لو وضعت لوحتين من كتابة هذين الرجلين لظهر الفرق واضحاً في حلاوة خط الرفاعى.
    المصادر و المراجع
    1 - دراسات في فن الخط العربي وأعلامه، حول تاريخ وأعمال أمير الخط العربي في القرن العشرين
    محمد عبد العزيز الرفاعى- إعداد : فوزي سالم عفيفي
    2 - حول مناهج تعليم الخط العربي في مدارس الخط العربي، الصف الرابع ، إعداد: فوزي سالم عفيفي.
    3 - مجلة مدرسة تحسين الخطوط الملكية سنة 1362 هجرية – 1943 ميلادية.

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  4. #4
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية قلب الوفا


    إبتسامة نقاء
    تاريخ التسجيل
    11 2007
    الدولة
    لكْ الحمُد رّبيْ بِقدر مآنسّعدْ وّ نتألمْ ?
    المشاركات
    37,290

    رد: من عمالقة الخط العربي عبر العصور


    ماشاء الله تبارك الله مسيره رااائعه لعمالقة الخط العربي
    الف شكر ابواسماعيل
    نفسي اصير مثلهم يارب


    اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الاحياء منهم والاموات.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    حينما يكون الإبداع .. يكون أبوفهـد نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    رحمك الله يا بارقه وغفر لك وأدخلك فسيح الجنان

  5. #5
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية رديمة

    *¨`*:{سيدة المكان}:*¨`*
    رحمها الله رحمة الأبرار
    تاريخ التسجيل
    10 2003
    الدولة
    منتديات صامطة
    المشاركات
    31,152

    رد: من عمالقة الخط العربي عبر العصور

    يعطيك العافيه حفيدي على هذا الموضوع القيم
    ولاتحرمنا جديدك المميز
    لاعدمناك

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    بارك الله فيك حفيدي نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •