القضية :
انتشر الاستهزاء بالآخرين بين كثير من الناس نتيجة لضعف الإيمان، ما أشاع بين أفراد الأمة الكراهية المقيتة، ولا يحب البعض منهم أن يرى ما فضل الله به غيره عليه، لذلك فإن الله سبحانه وتعالى ينهى عن السخرية بالناس، وهو احتقارهم والاستهزاء بهم، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: الكِبْر بطر الحق وغَمْص الناس. ويروى: وغمط الناس. والمراد من ذلك: احتقارهم واستصغارهم، وهذا حرام، فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدرا عند الله وأحب إليه من الساخر منه المحتقر له.

وينقسم الاستهزاء إلى نوعين، الأول وهو الأشد خطورة على اعتقاد الناس، وفي حال ما قام به أحد الأشخاص، من خلال القول أو العمل الذي يحمل في طياته سخرية واضحة غير قابلة للتأويل واللبس، فإنه يخرجه من الملة، ومثال ذلك الاستهزاء بالله سبحانه وتعالى في علاه، وكذلك الاستهزاء بالأنبياء والرسل عليهم السلام، وبالقرآن الكريم.

أما النوع الثاني من أنواع الاستهزاء فهو السخرية من الآخرين والتي يمارسها بعض الناس، التي تنم عن ضعف في تقوى الله المتكبر، ما يؤدي إلى ضعف الإيمان ونشر الأخلاق الذميمة، وبخاصة الكراهية والحقد والغل والحسد والتباغض والتنافر، فتتحول الرحمة والسكينة والأمن والطمأنينة في المجتمع، إلى تباغض وفوضى وترصد بالآخر وحقد دفين، ولمعرفة الحكم الشرعي في الاستهزاء أفادتنا هيئتنا الشرعية على تساؤلنا التالي مشكورة مأجورة بما يلي:


السؤال:
ما حكم الاستهزاء في الشريعة الإسلامية؟

■ جواب الهيئة الشرعية:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فالاستهزاء في اللغة يدل على فرح في خفية، وأصله الانتقام.
واصطلاحا: طلب السخرية من شخص دون أن يفعل ما يقتضى ذلك، أو هو ابتداء السخرية بشخص دون أن يسبقه فعل من أجله يستهزأ به.
ولقباحة الاستهزاء فقد ورد ذمه والنهي عنه في (27) آية من القرآن الكريم، و (8) أحاديث فأما ما ورد في القرآن الكريم فهو ما يلي:

أولا: المستهزئون صنف فسدت طبيعتهم:

قوله تعالى : (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِئُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ * وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ) (التوبة 64 و 65).
1- قوله تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ * وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) (الحجر : 10، 11)
2- قوله تعالى: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) (الحجر : 94 و95).
3- قوله تعالى : (وَمَا يَأْتِيهِم مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون)(الزخرف: 7).

ثانيا: تهديد المستهزئين بالعذاب:

1- قوله تعالى: (وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون) (الجاثية : 33).
2- قوله تعالىنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً)(الكهف : 106).

ثالثا: الاستهزاء سبب للعقوبة

1- قوله تعالىنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي فَقَدْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ)(الأنعام: 5).
2- قوله تعالى: (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ)(هود : 8).
3- قوله تعالى : (فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ)(النحل : 34).

الأحاديث:
1ـ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رجل في غزوة
تبوك في مجلس: ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء ارغب بطونا ولا أكذب السنا
ولا أجبن عند اللقاء، فقال رجل في المسجد كذبت ولكنك منافق، لأخبرن
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ونزل القرآن، فقال عبد الله بن عمر وأنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تنكبه الحجارة وهو يقول: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقولنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون) ابن كثير : 2/ 368.
2ـ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: كان قوم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاء، فيقول الرجل من أبي؟ ويقول الرجل تضل ناقته: أين ناقتي؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية: (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) حتى فرغ من الآية كلها، فتح الباري 8/ 4622 .

حكم الاستهزاء

حكم الاستهزاء أنه محرم، لأن فيه استهانة وتحقيرا وتنبيها على العيوب والنقائص على وجه يضحك منه.

طرق الاستهزاء

1ـ المحاكاة في الفعل والقول؛ كأن يضحك على كلام غيره إذا تخبط فيه ولم يكن منظما، أو على أفعاله إذا كانت غير متقنة كالخط في الكتابة أو الصيغة.
2 ـ الإشارة والإيماء.
3ـ الاستهزاء بصورة الإنسان أو خلقته، إذا كان قصيرا أو ناقصا لعيب من العيوب، لحديث عائشة رضي الله عنها، أنها قالت (حاكيت إنسانا، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم "ما يسرني أن حاكيت إنسانا ولي كذا وكذا) أخرجه أبو داود والترمذي وصححه.

أهم أحكام الاستهزاء

1ـ وإذا كان الاستهزاء بحضرة المستهزأ به لم يسم ذلك غيبة ولكنه فيه معنى الغيبة.
-2 إذا تبسم المسلم استهزاء بأخيه فهو من الصغائر، وإذا تقهقه فهو من الكبائر.
-3 يحرم الاستهزاء بحق من يتأذى به لما فيه من التحقير والتهاون.
4 ـ من جعل نفسه مسخرة وفرح بمن يسخر منه كان ذلك من جملة المزاح.

مضار الاستهزاء على الفرد والمجتمع

أولا بالنسبة للفرد:

1-بعد الناس عن المستهزئ لخوفهم منه، وعدم سلامتهم منه.
2-المستهزئ متكبر ويحتقر الآخرين.
3-المستهزئ صاحب قلب أعمى لا يريد أن يرى ما فضل الله به غيره عليه.
4-المستهزئ على درجة كبيرة من الجهالة.
5-الاستهزاء يوصل صاحبه إلى النار وغضب الله عليه.

ثانيا بالنسبة للجماعة:

1-الاستهزاء يصرف الناس عن قبول الحق واستماع النصح.
2-الاستهزاء ينتشر بين الطغاة وسفلة الأقوام.
3-الاستهزاء يشيع في الأمة الكراهية المقيتة.