صديقتي الأمريكية (جيكسا) وصديقة وفاء زوجتي ذهبتا يوما للغداء ..كانتا لوحديهما..جيسكا تريد تعلم ثقافة مختلفة وعادات مختلفه وأفق مختلف عن هذا الجزء من العالم .
وفاء تريد أن تتعلم اللغة الأنجليزية التي تعرف قليلا منها..وتريد أن تعرف جزء من الثقافة الأمريكيه .
جيكسا تسأل وفاء ..أن كانت تزوجت عمرو عن قصة حب..؟
تجيب وفاء بلغتها المكسره وبلغة الأشاره وتعابير الوجه..أن لا أنه زواج مرتب عن العائلة .. وتشير بيدها مرارا للسماء وبتعابير كفيها دليل العجز وقلت الحيله والتسليم المطلق بالقدر والنصيب .
تصرخ جكسا :
?what? come again please
you marry umro without knowing him ??
we American women well try even a brand new pair of shoes for a while,’ & we'll get the money back if we didn't feel comfortable in it..
how about a life time husband?? poor lady
تعود وفاء مهمومة ومشوشة ..تقول ان جيكسا تحدثت اليوم عن الزواج والرجال ولم تفهم سوى كلمة جزم وأزواج وعلامات دهشه.
يااااااااااه يبدو أن تعلم اللغة مشكلة ليس سهلة
أتصلت بجيكسا اسأها عن محور حديثها اليوم مع وفاء..؟
ضحكت جيكسا كفرس تصهل في سهوب حرة وطليقه وقالت أنها قالت بما معناه أنها فقط إذا ارادت أن تشتري زوجا من الأحذية فأنها حتما ستجربه وتمشي به وإذا لم يرق لها حتما ستعيده وتسترد نقودها..فكيف بزوج تعبر معه العمر..تتزوجه دون أن تعرفه أو ربما لم تسمع به.
لا أعادها الله من معرفة يا جيكسا..ولا ثقافه..
سألتني وفا عن فحوى الحديث..قلت لها أن رأي جيكسا (وهي حرة) أن من يتزوج دون حب جدير بأن يضرب بالجزم .
ولكن كيف حصلت وفاء على زوج الأحذيه ..(أ نا) كيف) ؟؟
بعد تهشم زواجي السريع كنت نذرت نفسي للعمل والقراءة والغياب..اكتشفت وبثمن مؤلم أن مؤسسة الزواج ليست أحلاما تهبط من السماء ..وليس شخصان يلتقيان ليشربا السعادة المبذولة . لكنه أكبر من ذلك وأعمق .. أنه قيم وعادات والتزامات ومسؤوليات ومحاذير وفوق كل ذلك وعي بقدسية فضاء الآخر و حلفا مقدساً بالسير معاً نحو الحياة والموت حتى خط النهاية دون تلفت للوراء..ودون كشف حساب للربح والخسارات.
وقررت أني لن أتزوج..الناس يتزوجون عندما توقعهم الطبيعة بإسم الحب (كما يرى سبينوزا) لحفظ النوع ليس إلا .. ولا حب في حياتنا وفي الجبيل لا أمل في الحب ولا نساء وحتى زواج الحب يتحطم أيضاً..ذلك أننا لا نجد من نحب فنحب من نجد ونمضي العمر كل العمرمتخمين بشعور الندم وهاجس التعويض وردم الحسارات ونشقى ونشُقي من نحب.
وأبحرت عاما أو بعض عام وحيداً في الجبيل إلا من صداقات موزعه..وأنتظار لما لن يأتي..
ومرة آخرى تتدخل العائله..والدي ..اختي وأخي الأكبر..كانا يخافان أن أدمن التوحد والترحال وأن ابتعد عنهما وعن القرية والعائلة..كانا يخافان أن أوغل في الغياب.
ـــ تزوج يا عمرو.العمر يسرق ..وأنت وحيد. كل الناس يتزوجون ويفشلون ويعيدون التجربه
المجتمع أيضاً يرفضك عندما تكون رجلا غير متزوج..
والجبيل أيضا موحشة وممله,
بأختصار ..هزمت
وقررت إعادة التجربة..لوحدي..ودون تدخل أو مساعدة من العائله حتى يكون الكل بعيداً على الحرج في ما لو تكسر هذا الزواج أيضاً..كنت أقامر دون وعد كبير بالأمل.
وعن طريق أحد زملاء العمل و عن طريق والدته ..تعرفت على عائلة طيبة من مكه أنا القادم من جازان . جازان ـــ الجبيل ـــ مكه,
مثلث طول كل ضلع من أضلاعه الفا كيلو متر وأختلافات كبرى في كل شىء .
وكررت التجربه.
لكن وفاء بوعيها الحضاري وعائلتها (وللعائلة دور كبير في النصر والهزيمة) كانت ايضا مصرة على هزيمة اختلافات المسافات والعادات والثقافة .. كانت مصرة على أبقاء هذا المركب طافيا ومبحراً رغم كل شىء.
وأبحرنا معاً.
والحب بعد الزواج نوع آخر من الحب ..ليس ذلك العشق المتطلب ولا الهوى الصاعد ولا الخيول الجامحة في سهوب التخيل ..حب هاىء ورصين ينمو صامتاً ويسري كسريان الماء في الشجر, كالعافية في روح السقيم ..يكبر ولا يصغر يبنى ويصان ويتجذر .
لم أكن أبدا وما زلت زوجا مريحيا من الأحذيه ..لكني أيضاً اصبحت أدرك على الأقل أني غير مريح وكنت مصراً على النجاح... البديل هو النهاية.
كنت قرويا فضاً أمتلك تصورات مسبقة وربما مغلوطة عن الدور الأسمى للزوجة , فقيراً لعبارات المجاملات معدما من أنجيل التسامح وعنيدا كصخره ربما طيباً و لكن بحماقات صغيرة ومتكررة تهزم كل تبصر.
وكانت وفاء أبنة مكة ذات الثقافات المتعددة والتنوع الغني والرقة الحجازية العابقه.. كنا نقيضين.
لكنها وبصبر الشهداء عبرت معي الرحله.. رافضة الهزيمة كانت تؤمن أن من هذه الجريدة القاسية حتما سيخلق مزمارا للغناء.
لم تفرض رأيا فقط كانت توحي الي بما تريد بروية وأصرار لا يتبدل وتعبر حماقاتي الصغيرة والكثيرة بتسامح وعطاء لا يتبدد ..ربما رأت في شىء يستحق الرهان .. لا أعرف.. لكنني أعرف اننا ومنذ خمسة وعشرون عاما ونحن نتقاسم الرؤى والاحلام والمسرات وحتى الألم ونمضي بيدين متشابكتين الى الأمام
لم نعد زوجين فقط .. غدونا أصدقاء.
وأذا كان هناك من معجزة فهي من صنعها..أنا كنت وما زلت فقيراً من المعجزات.
ورغم اننا لم نحظى بأطفال فأننا لم ننظر لذلك أبدا كمعظلة تسمم حياتنا بقدر ما كان كهدية من السماء .. فقد بقينا خفافا من القيود ومن قلق الخوف على ما نملك, مبذولين لبعضنا وأكثر .
سافرنا معا شرقا وغربا وتقاسمنا شجن الاغتراب ولحظات السعاده وتجولنا في شواطىء وغابات على مساحة الكون وصنعنا صداقات بأتساع الدنيا ونزلنا بلادا سحرية بأمتداد الفضاء وما زل المركب يمضي.
ولو وجدنا جيسكا ذات يوم ربما تبدل رأيها في ثقافة الأحذية..وربما تقول عنا فقط أنه الشرق
الشرق بلاد الأساطير والمعجزات.
لكننا معاً صنعنا المعجزة معجزة الحب الذي لا يعرف الذبول.