بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الملتقــــى الجنـــــة :
عن رافع ابن عبد الله قال : قال لي هشام ابن يحيى الكناني : لأحدثنك حديث رأيته بعيني وشهدته بنفسي
قلت :حدثني يا أبا الوليد , قال غزونا أرض الروم سنة 38 وكنا رقة من أهل البصرة وأهل الحجاز
وكنا نتناوب الخدمة والحراسة واعداد الطعام , كان معنا رجل يقال له سعيد ابن الحرث , ذو حظ من
عبادة يصوم النهار ويقوم الليل , وكنا نحرس على تخفيف النوبة عليه لطول قيامه وكثرة صيامه فكان
يأبى الا القيام بكل المهمات , وما رأيته في ليل ولا نهار الا في حالة جد واجتهاد , فأدركني واياه النوبة
ذات ليلة في الحراسة وكنا قد حاصرنا حصن من حصون الروم فاستصعب علي , فرأيت من سعيد في
تلك الليلة من الجلد والصبر على العبادة ما جعلني أحتقر نفسي ,انه فضل الله يؤتيه الله من يشاء فلما أصبح
الصباح ولم ينم قلت له : خفف على نفسك فلنفسك عليك حق والنبي صلى الله عليه وسلم قال "اكلفوا من
العمل ما تطيقون " فقال لي : يا أخي انما هي أنفاس تعد , وعمر يفنى , وأيام تنقضي , وأنا رجل انتظر
الموت في أي لحظة , فبكيت لجوابه ودعوة الله لي وله بالعون والثبات , ثم قلت : نم قليلا لتستريح فانك
لا تدري ما يحدث من أمر العدو, فنام تحت ظل خيمة وتفرق أصحابنا في أرض المعركة, وأقمت في
موضعي أحرس رحالهم وأصلح طعامهم , فبينما أنا كذلك اذ سمعت كلاما يأتي من ناحية الخيمة ,
فعجبت ! فليس هناك الا سعيد نائما ظننت أن أحدا قد جاءه ولم أره , فذهبت الى جانب الخيمة فلم أرى
أحدا وسعيد على حاله نائما الا انه كان يتكلم في نومه ويضحك , أصغيت اليه وحفظت كلامه ثم مد يده
وهو نائم كأنه يأخذ شيئا ثم ردها بلطف وهو يضحك , ثم قال : فليلة اذا , ثم وثب من نومه واستيقظ
وهو يرتعد خائفا , فاحتضنته الى صدري حتى سكن وهدأ , وجعل يهلل ويكبر ويحمد الله , فقلت :
ما شأنك ؟ لقد رأيت منك عجبا وسمعت منك عجبا , فحدثني بما رأيته , قال :أعفني من ذلك , فذكرته
حق الصحبة وقلت : لعل الله ينفعني بما تقول , فحدثني عما رأى في منامه قال : جاءني رجلان لم أرى
قط مثل صورتهما كمالا وحسنا . فقالا : أبشــــــر يا سعيــــــــد........... أبشـــــــر يا سعـــــيد,
لقد غفـــــر ذنبك ........... وشكر سعيك ............واستجيب دعائك...... وعجلت لك البشرى في
حياتك , فانطلق معنا حتى ترى ما أعد الله لك من النعيم , فقال : قال : أتينا على حور وقصور وجواري
وغلمان وأنهار وأشجار , فأدخلوني في قصر ثم الى دار فيه حتى انتهيت الى سرير عليه واحدة من
الحور العين كأنها اللؤلؤ المكنون , فقالت لي : قد طال انتظارنا اياك , فقلت لها : أين أنا ؟ قالت :
أنت في جنة المأوى , قلت ومن أنتي ؟ قالت انا زوجتك الخالدة , فمددت يدي اليها , فردتها بلطف
وقالت : أما اليوم فلا , انك راجع الى الدنيا , قلت : لا أريد الرجوع ....... لا أريد الرجوع , فقالت:
لا بد من ذلك وستقيم هناك - يعني في دينا - ثلاثا ثم تفطر عندنا ان شاء الله تعالى , فقلت بل الليلة
قالت انه كان أمرا مقضيا , ثم قامت من مجلسها فوثبت لقيامها , فاذا أنا قد استيقظت , وأنا أسألك بالله
لا تحدث بحديثي هذا ما حييت , قلت أبشر , فلقد كشف الله ثواب عملك , ثم قام فتطهر وأغتسل ومس
طيبا ثم حمل سلاحه ونزل لأرض القتال وهو صائم وظل يقاتل حتى الليل , فلما صرف أصحابه وهو
فيهم قالوا : ياأبا الوليد , لقد رأينا من هذا الرجل عجبا , حرس على الشهادة وطرح نفسه تحت سهام
والرماح وكل ذلك يصرف عنه , قلت في نفسي : لو تعلمون خبره لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا , قال :
فأفطر على قليل من الطعام وبات ليلته قائما , فلما أصبح صنع كصنيعه بالأمس وفي أخر النهار عاد
هووأصحابه وذكروا عنه مثل ما ذكروا بالأمس, حتى اذا كان اليوم الثالث انطلقت معه وقلت لا بد أن
أشهد أمره وأرى ما يكون , فلم يزل يقاتل ويكبدالأعداءالخسائر وينكل فيهم ويصنع الأعاجيب ,
وهو يبحث عن القتل والموت , وانا أراه وأرعاه بعيني ولا أستطيع الدنو منه حتى نزلت الشمس
للغروب وهو أنشط ما يكون , فاذا برجل من أعلى الحصن قد تعمده بسهم فوقع في نحره فخر صريعا
وانا انظر اليه , فصحت بالناس فحملوه وبه رمق من حياه , وجاءوا به يحملونه , فلما رأيته قلت له :
هنيئا لك ما تفطر عليه الليلة............ هنيئا لك ما تفطر عليه الليلة, يا ليتني كنت معاك فأفوز فوزا
عظيما , فعظ شفته السفلى وأومأ ببصره وهو يضحك وقال :أكتم أمري ......أكتم أمري ... والملتقى
الجنـــة , ثم قال : الحمد لله الذي صدقنا وعده , فوالله ما تكلم بشئ غيرها , ثم فاضت روحه وآيات الله
تنادي ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون , فرحين بما أتاهم الله
من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم )
الملتقى الجنة / للشيخ الفاضل خالد الراشد, مفرغ
م.ن