,,, سأبدأ بما قلتهُ لك ذات لقاء , إن الخلل يكمنُ في " بعض " من يمثل هذا التيار , وليس التيار ذاته , لذا من الطبيعي أن يوجّه النقد إلى بشر مخلوق , فلا أحد فوق النقد أو دونه ,
إنّ الصراع على سيادة الساحة الفكرية بين ممثلي التيارات الإسلامية , والآخر , صراعٌ يعيدنا إلى عصر ماقبل الثورة الفرنسيّة في أوروبا كاملة , حين كانت الإمتيازات الإقطاعية للطبقة الفوقية أو الأرستقراطية , وبسط النفوذ الديني الكاثوليكي يده على مساحة شاسعة من الخارطة الأوروبّية ,
وبدأت شرارة التنوير تسطع في سماء أوروبا , وظهرت ملامح الثورة على جيل المفكرين الذين قاسوا وعانوا مرارة الظلم الديني والإستبداد الفكري , فانتشرت الحركات الفكرية والمدارس التنويرية , وعملت على إيجاد بيئة ساعدتها على الوصول للجيل الناشئ , فآمنت الشعوب الأوروبّية بنداءات مونتسكيو إلى علمنة الدول وفصلها عن الكنيسة , وبدأت دعوات جان روسو إلى تطبيق المساواة تجد لها صدى في نفوس العامة , إضافة إلى خُطب فولتير وحربه على التمييز الطبقي والعنصري , وقاد جاك رينيه الصحافة إلى فضاءات من النقد لكلّ من يجب النقد في حقه , وكان جاك ضحية وفداء لتعاليم الثورة , وكانت نهايته الإعدام !
بعيداً عن أوروبا وقريباً من عصر النبوة , لم يكن هناك ما يُسمى برجل دين ورجل دولة , وكانت الأمور مردّها إلى النبي صلى الله عليه وسلم , الذي مثل رجل السلطة الدينية السياسية في آن واحد , ومع ذلك كان المجال متاح لإبداء الرأي من كافة أوساط الشعب , وحين انتهى العصر الراشدي , وبدأ يظهر عصر المُلك , احتاجت الدولة الإسلامية إلى مراجع دينية فقهية , قضائية في أغلب الأوقات , وكانت السلطة إلى ذلك الوقت في يد الملك " الخليفة " , حتى ظهر على الساحة أئمة يحملون توجهات فكرية ذات أبعاد سياسية , لهم نفوذ وشعبية هائلة في الأوساط المتعلمة والجاهلة , هنا بدأت ملامح انتزاع السلطة من رجل الدولة إلى رجل الدين مع العلم أن العالم الإسلامي لم يخلق لنا مفكراً أو فيلسوفاً أو كاتباً في بدايات وجودنا , حاول أن يقاوم رجالات الدين , وأن يمرر أفكاره إلى الشعب , وحين ظهروا من يسمون أهل الكلام , كفرهم أهل الدين , ورموهم بالزندقة والشعوبية , ومارسوا معهم الإقصائية حتى حشدوا العامة إلى طردهم وعدم السماع لهم أو الجلوس معهم !
ووصولاً يانايف إلى المشهد السعودي المعاصر , نجد أن الدولة قامت على معاهدة رجل دين ورجل دولة , واستمرت هذه الرؤية حتى عصرنا الحاضر , حين أُنشأت هيئة عامة للإفتاء , ومفتي عام للديار , وأعضاء لهم صلاحيات خاصة , ومع ذلك سارت الأمور بشكل سليم حتى بدأت علامات رجل الدين هي جواز مرور لكل من أراد الدخول إلى عقول الناس وربما أفئدتهم , فبرزت لنا فلول لبعض التنظيمات السابقة , وبعض من يدعون التنوير , وبعض من ييبحثون فعلاً عن الشهرة والمنصب , ومرروا أفكارهم بطريقة وبأخرى إلى عامة الشعب , لتجد لها قبول وصدى بين تلك الأوساط ليس لذات الشيخ ولكن لهيئته !
إنّ الإقصائية التي مارسها _ ومايزال _ التيار الإسلامي , تعد طعنة في خاصرة الفكر والثقافة والتنوير , وهي بلا شك سببٌ رئيسي في الإبتعاد بشكل كبير عن العوالم المتحضرة التي خطت خطوات جبارة وكبيرة في مسيرة العلم والفكر , ومازالت مجتمعاتنا كافة , ومجتمعنا السعودي بالخصوص يبحث عما يثبت للآخرين غبائنا وتخلفنا من خلال أكبر كبسة , وأطول ناطحة سحاب , وأضخم فانوس , وأكبر ثوب , وأكبر مطار !
هذه الصراعات المناوشات الفكرية وغيرها , ألهت الشعب عن قضايا مصيرية , فغرقت جدة في سيل , في عصرٍ باتت فيه الزلازل والبراكين عند بعض الدول مجرد أرجوحة أو مساج , وقتل البرد والجوع أطفالنا في نفس الوقت الذي تحطّ بها طائراتنا كافة أرجاء المعمورة محمّلة بالإغاثات , وفتكت الطرق ببناتنا وأولادنا , ومازالت المشاريع الجبارة ترواح مكانها , في حين سيتم الإنتهاء من مشروع قطار سريع على نفقتنا في دولة المغرب الحبيبة في 2013 م , تم إعادة إعمار جنوب لبنان في فترة الحرب مع إسرائيل في زمن قياسي وبتكلفة خيالية , بينما يسكن أبناء الخوبة في مخيمات إيواء وفي شقق مهجورة ,
بعيداً عن كلّ شيئ يانايف , وقريباً من قلمك , أجدك تبلسم فكرنا وعقولنا , وتفتح لنا مساحات واسعة للتحدث بحرية , وصدقني ياصديقي كنتُ بحاجة إلى أن أتحدث بدون قيود , حتى وإن كنا نخشى القيود جداً !
قوافلٌ من الودّ من هنا إليك في أستراليا , قوافلٌ لاتعيق حريتها إمبريالية أو توسعيّة إسرائيلية ,
خالص الودّ