شعرت باستياء شديد وأنا أقرأ قصة السيدة السعودية التي تزوجت بشيخ له باع في العلم الشرعي, ثم طلقها بعد ست ساعات, بعد أن طلب منها مغادرة الفندق والذهاب إلى منزل والدتها بحجة أنه ذاهب إلى المطار لإحضار حقيبة, تذكر فجأة - بعد أن قضى حاجته - أنه نسيها! والأمر العجيب أنه أعاد تلك المسكينة إلى عصمته ليعود فيطلقها مرة أخرى بنفس الأسلوب الذي تفوح منه رائحة الغدر!
قرأت هذه القصة وشعرت بالحنق الشديد, فهذه القصة ذكرتني بقصة مشابهة, بطلها أستاذ في قسم الدراسات الإسلامية, خبير في علم التفسير والحديث وأصول الفقه, تتلمذ على يديه عشرات من مريدي العلم الشرعي, من هؤلاء بطلة القصة, فقد تعرفت إلى الشيخ الجليل أثناء تلمذتها على يديه لتحصل على درجة الدكتوراة, بهرها علمه الغزير, وصوته الرقيق, وكانت كلما نهلت منه علماً ازدادت إعجاباً به, وكلما مرت بهما السنون ازدادا تعلقاً ببعضهما البعض, حتى جاء اليوم الذي صارحها فيه بحبه لها وطلبه الزواج منها, تصف صاحبة القصة هذا الموقف بأنه الأجمل في حياتها, فهي تعلم أن الشيخ الوقور له معجبات كثر, لكنه اختارها هي بالذات, تقول: كاد يغمى علي من شدة السعادة, وهول المفاجأة, حتى إني أبعدت الهاتف وسجدت شكراً لله, ثم عدت لسماعة الهاتف فإذا به يفتقد وجودي, ويقول لي: أريد أن أسمع رأيك في العرض, قالت: عفواً أعد عرضك علي لأني لم أسمعه. قال: هل توافقين على أن أتزوجك بنية الطلاق؟ فوجئت المسكينة رغم أنها لم تفهم شيئاً! إلا أنها سمعت ضمن العرض كلمتين متضادتين لا يمكن أن تجتمعا في طلب واحد, (الزواج) و(الطلاق) قالت: لم أفهم! ثم ما معنى الزواج بنية الطلاق, فأنا مع خبرتي في أمور الشريعة وطوال دراستي للعلم الشرعي وتفحصي للنصوص الشرعية من قرآن وسنة, لم تقع عيناي على شيء من هذا القبيل؟! فبدأ أستاذ التفسير يفصّل لها القول في باب الزواج بنية الطلاق, وفي عرضه, وكان من ضمن إغراءاته الرخيصة أنه مرتبط بمؤتمر خارج المملكة, وأنه ينوي الارتباط بها ليلة السفر, ثم يأخذها معه لمدة أسبوع, بعد ذلك يطلقها, إلا إذا أراد الله عز وجل لهما غير ذلك! وانتهى العرض (المغري) ليس فقط برفضه, بل وبرفض أستاذيته معاً!.
هاتان القصتان مرفوضتان, ليس من حيث الأحكام الشرعية, فالزواج حلال في الإسلام, وكذلك الطلاق, لكن من حيث تطبيق هذه الأحكام التي لا أشك مطلقاً في أن البطلين استغلا معرفتهما بالنصوص الشرعية للاستمتاع قدر الإمكان (بالمرأة) ولا أقول الزوجة, لأن الاثنين على ما يبدو لا يريدان زوجات, بل مجرد امرأة للاستمتاع المباح, وشرعية الزواج في الإسلام تتنافى مع ما قاما به.
فإذا كان الأول يبرر فعلته بأن الزواج حلال والطلاق أيضا حلال, والثاني يبرر عرضه بأنه قد عثرعلى نص يحلل هذا النوع من الزواج, فماذا ترك هذان الشيخان للجهلة الذين لا علم لهم بالإسلام وروح الإسلام؟! ألم يفصل الشرع الأمر في الزواج والحكمة منه؟! فضلاً عن نهيه المتواصل عن الظلم والغدر والخيانة؟! أهذه وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم, حين قال: "استوصوا بالنساء خيراً"؟! ألم يسمعا نصيحته لمن أراد أن يطلق زوجته, لأنه كره منها أمراً فنصحه بألا يفعل, فربما أحب منها خلقاً آخر - أو كما قال عليه الصلاة والسلام - وهذا المنقب في النصوص الذي عثر على نص يبيح له الزواج بنية الطلاق, ألم تقع عيناه أثناء التنقيب على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم, ما أكرمهن إلا كريم, وما أهانهن إلا لئيم؟!. وإلا ماذا يمكن أن يوصم به هذا العرض؟!
إلا أنها الأخلاق والرجولة الحقة التي يجب أن تخبرها المرأة وأسرتها قبل عقد الزواج, وإلا لاكتفى الحبيب المصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدين كمعيار للزوج الصالح, ولما قرن الدين بالخلق حين قال: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه"!.
هاتان صورتان من صور استغلال المرأة يقوم بهما أناس متدينون, وربما هناك صور أكثر بشاعة, تغتصب فيها حقوق المرأة بطرق ملتوية, لها أصل في الشرع, من يقوم بها يستند على نص قابل لأن يؤول بما يخدم مصلحته, غافلين أو متغافلين عن القاعدة الصريحة الواضحة التي أوجزت الكلام في أي تعامل يبنى على الظلم أو الغبن أو الإجحاف, والتي تنص على: كل ما أخذ بحد الحيلة أو السيف أو الحياء فهو غصب والغصب حرام!
المصدر
منقوووووووووووول