أما كونه يورث الفراسة فهذا ما قد وقفت عليه بنفسي..
فقد رأيت من أمر إحدى الأخوات عجبا ..
لا أزكيها على الله فقد منحها الله علما وخلقا ودينا وكفافا وعفافا
وغض بصر كان لها سمة بين قريناتها .
ووالله قد أعطيت من الفراسة فضلا كبيرا ..
فالعين مرآة القلب، فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته وإرادته، وإذا أطلق العبد بصره أطلق القلب. شهوته وإرادته، ونقش فيه صور تلك المبصرات، فيشغله ذلك عن الفكر فيما ينفعه في الدار الآخرة.
وقال أيضا : الإمام ابن القيم: أمر الله تعالى نبيه أن يأمر المؤمنين بغض أبصارهم وحفظ فروجهم، وأن يعلمهم أنه مشاهد لأعمالهم مطلع عليها: "يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور " [غافر:19]، ولما كان مبدأ ذلك من قبل البصر جعل الأمر بغضه مقدما على حفظ الفرج، فإن كل الحوادث مبدؤها من النظر، كما أن معظم النار من مستصغر الشرر، تكون نظرة.. ثم خطرة.. ثم خطوة.. ثم خطيئة، ولهذا قيل: من حفظ هذه ا لأربعة أحرز دينه: اللحظات، والخطرات، واللفظات، والخطوات.
قال: والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان، فإن النظرة تولد الخطرة، ثم تولد الخطرة فكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولابد ما لم يمنع مانع، ولهذا قيل: الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده.
كل الحوادث مبدأها مـن النظـر**** ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها**** فتك السهـام بلاقـوس ولاوتـر
والعبـد مـا دام ذا عيـن يقلبهــــا**** في أعين الغيد موقوف على الخطر
يسر مقلتـه مـا ضـر مهجتـه **** لا مرحبا بسرور عاد بالضـرر