رائعة تلك الصورة البانوراميه المدهشة التي كانت تسود أجواء الأسواق الشعبية قديما"..
ومن ذلك سوق الاثنين الشهير بصامطة (بمنطقة جازان )
لا تزال ترتسم في مخيلتي ألوان الطرابيل الصفراء أو الزرقاء التي تغطي فراغ المسافات بين أقباب العشش الكثيرة التي تستفف محلات الباعة .
حينما تختلط روائح الكاذي والبعيثران العطرية .. مع نكهات المعفش والمطبق الممتزجة بطعم الزيت المحلي (السليط)
وأولئك الباعة الجائلين يخترقون صفوف أو تداخلات المتسوقين بصيحاتهم المحببة .. ماء...ماء ..شاي ...شاي .. شمطري .. خضور .. بردقوش ...ويقدمون خدماتهم في أواني ذات ألوان بديعة فإن ذلك قضاء آخر – عالم آخر من البهجة والإنتشاء
وعلى مقربه من السوق الشعبي ينتشر باعة الحبوب في (المحناط ) المكان الذي توزن فيه الحبوب بالصاع وكذلك أسواق القصب .. وباعة الفضة والصاغة ..واصحاب الحدادة
بينما كان لصبيان الحارة في المنطقة المركزية بالأمارة حيث تقع الأمارة والشرطة والسجون والجامع الكبير ومندوبية البنات والمدارس وهيئة الأمر بالمعروف وغيرها نصيب آخر فمن نصيب آخر فمن نكهة التسوق يوم الإثنين
كنت واحدا ممن ينطلقون مستقلين العربات إلى هذا السوق ا مخترقين الشارع الحيوي بالمدينة التي درس بها عشرات من أشهر علماء المنطقة وأدبائها وأعلامها _بل على مستوى الوطن _ وهو الطريق الذي تقع على جنباته أشهر المحلات والدكاكين وباعة القماش والمخابز منذ أكثر من 50 أو 60 سنه , وكلما مررت بهذه (الجادة الطويلة ) والجميلة ذات يوم فإن العبرة تخنقني أسى وحسره على هذا الطريق (التاريخ) الذي كان ممولاً رئيسيا لعشرات القرى الحدودية ومئات الطلبة سعوديون أو من بلدان مجاوره كانوا يتلقون دروسهم العلمية في معاهد ومدارس صامطه الشهيرة التابعة للشيخ القرعاوي قبل توحيد المملكة أو بعد ذلك حينما أدرجت تحت إشراف الجهات التربوية والتعليمية الحكومية وكان الجميع يقصد هنا للتبضع وشراء الحاجيات
تخنقني العبرة أسى وحسره على أن أيا من الجهات المعنية في المحافظة أو البلدية أو المجلس المحلي أو البلدي أو غيرها لم تعرف حق المنطقة المركزية ورجال خدموا وافنوا حياتهم في سبيل خدمة الناس على قلة ذات يدهم .. أو طلبة العلم المعوزين .. الذين كان لهم حضورهم في هذه المواقع
وأستطيع القول أنه لم تظهر لمسة واحدة على هذا الطريق أو الموقع التجاري والعلمي الشهير من قبل بلديه المحافظة لا تطويرا .. ولا حفاظا على هويته التاريخية
هل نسي أهل صامطة بقالة الأمانة لصاحبها الرجل الصالح ( صالح ماطر رضوان ) وكم كان يتسامح مع المحتاج والفقير وأبناءه الكرام ومنهم إبراهيم صالح يرحمه الله.
هل نسو احمد إبراهيم – ومحمد زيد وحسين جبلي والعوجري – وحسين طاهر واحمد مصلح الشعبي – وعبده مصلح الشعبي والحقاري – وسلطان الدوسري – والدغيثر وسليمان القاسم ... وآخرون قبضهم الموت فطواهم النسيان ,إضافة إلى طاهر علي المباركي وإبراهيم القاسم ومخبز القشيع – ومحل كداف وابو عمرين .. وأخرون
وماذا حل بالمدرسة الجميلة التي أقامها المحسن الشيخ ناصر إبراهيم خلوفه وكان يتولى تعليم الفقراء من الاخوه الطلبة اليمنيين والافارقه .. وتتولى بعض الأسر الكريمة في صامطة رعايتهم والصرف عليهم أيضا.
وكذلك المدرسة الأميرية التي أصبحت مدرسة الملك خالد كأول مدارس صامطة
وهذه المنطقة التي يوجد بها بيوت معظم أعلام صامطة حينها كالمشائخ عمر جردي المدخلي وهادي بن هادي المدخلي – والشيخ زيد المدخلي والشيخ القاضي علي بن علي المدخلي –والشيخ عبده الجبيلي والشيخ المربي إسماعيل مذكور ومثله الشيخ عثمان المباركي – والأستاذ علي موسى سويدي والشيخ يحي دوم المدخلي والشيخ إبراهيم الحملي و والشيخ محمد أحمد الحكمي شقيق العلامة المعروف حافظ بن أحمد الحكمي وبيوت الأشراف من آل طالب وأل خيرات وآل أبو ذياب
لا تزال خدماتها من الطرق والشوارع والتطوير على حال بها بيس لا يليق بمكانة هؤلاء الأفذاذ ولا بتاريخ هذه المدينة , وإذا كانت هذه الطرق بالكاد تتسع لعربات تجرها البهائم قبل عشرات السنين فإن وضعها الآن لا يكاد يسمح بمرور سيارتين في وقت واحد باتجاه معاكس .
فإذا البلدية الموقرة ترى أن وقتها أثمن من تطوير هذه المنطقة المركزية لجهلها بتاريخها العريق فمن الأجدى على الأقل عمل رسم مساحي وهندسي يقوم على نزع ملكياتها والرفع بطلب تعويض أصحابها أن كانوا أحياء أو أحفادهم , وإنشاء محلات وأسواق مركزيه وخدمات وحدائق بديلا عنها .
أما سوق الاثنين الشهير الذي كان ملتقى لعشرات البضائع المتبادلة مع الأسواق اليمنية المجاورة فكان سوقا لا يرقى لمثله في نظري سوى ( سوقي الخوبه الأسبوعي يوم الخميس والأحد بأحد المسارحه )
حيث يجد فيه المتسوق ضالته من البضائع والمعروضات التي كانت تكفيه وأسرته لمده أسبوع كامل على الأقل وكان يكفيك أن تلقي نظره على مداخل المدينة لترى الوافدين والمتسوقين الذين يتواجدون (غبشه ) للحاق بحيوية السوق ومعروضاته .
وتشير بعض المصادر أن عمر هذا السوق التاريخي يعود لمئات من السنين في موقعهم المعروف .
اليوم وبعد تلك الحقبة التاريخية التي كانت الكثير من الأسر أو القبائل تربط مناسباتها من الأفراح كالزواج والختان والسمايه وغيرها بموعد سوق الاثنين ويعتبره الأحفاد ذكرى لتاريخهم – وفي مدنهم وقراهم ومناسباتهم .
-تقرر بلديه صامطه نقل السوق من موقعه الحالي وبعثرة مواقع العرض والتسوق إلى أماكن ومواقع متباعدة وعشوائية وتفتقد لأبسط مقومات التنظيم وتحويله إلى موقع استثماري لا طعم له أو لون أو رائحة , وهوما جعل الأهالي وأصحاب المحلات القديمة في السوق يتذمرون من هذا القرار ويطالبون بالعدول عنه توسيعا" على الناس ورفع عنهم مشقة التسوق خارج حدود المدينة . حيث لاتوجد مواقع أخرى بديلة بشكل مناسب
والسؤال الذي يطرح نفسه؟– الم تتعلم بلدية صامطة من تجارب البلديات الأخرى كالرياض وجدة والاحساء والمدينة ونجران وغيرها في الحفاظ على هوية المواقع والأسواق التاريخية والقديمة وتحافظ على هوية أسواقها وشوارعها ومدارسها .
وما هو البديل الذي تقدمه للمواطنين والمتسوقين إذا كان الهدف هو التطوير .
لقد كنت أتوقع أن تقوم بلدية صامطة بتحسين وتطوير سوق الاثنين الحالي بطريقة هندسية تراثية تراعي خصوصية وروعة هذا السوق الشهير , بدلا من طرد الباعة وأصحاب المحال وتشويه السوق وتضييق المواقف ومضايقات أصحاب البسطات لتنشأ بسبب ذلك أسواق وتجمعات للمتسوقين والباعة بطريقة غير حضارية مما تسبب في إرباكات مرورية وتنظيمية أعادت إلى الأذهان ذكريات وسط المدينة منذ نصف قرن . وهو قرار ينتظر المراجعة وإيجاد الحلول المثلى بدلا من الإجتهادات العشوائية التي تجاوزها الزمن !!
بقلم الأستاذ/ علي الجبيلي
جريدة الرياض