عندما تنهار القمم وتتناثر الصخور فإنها تندفع لتصيب القاطنين حولها، ثقة بشموخ تلك الجبال وعظمتها، وقد ينجو منها من نجا.
وعندما تنهار القيم! فلا شيء يضمن أن يسلم أحد من الأذى، فشموخ الروح أقوى من شموخ الجبل.
يستمد الجبل شموخه من التراب ومن حجر بلا روح ، وشموخ الروح بالإيمان بالله ومن الحب والحنان والتسامح والرحمة والارتقاء بالنفس والترفع عما يشينها ، لتكون قمة ليست ككل القمم.
فإن ذهب هذا فلا بقاء ولا قمم! وخاصة عندما يتعلق ذلك بالعلاقات الإنسانية.
فكلنا مرتبط بالآخر كقريب أو صديق أو عزيز أو زميل، ولا تأتي الصعوبة في تكوين العلاقات ، أو جمع الرفقاء والأصدقاء ،ولكن تأتي في استمرار وتشكيل تلك العلاقات في إطارها السليم القادر على تجاوز ضغوط الحياة والمشكلات التي تعترض تلك العلاقات.
ففي الزمن الماضي الجميل بعلاقاته وترابط أفراده كان كل رفيق يعين رفيقه ويحمل معه همومه ، كان لا يجد حرجاً في تفريغ ما يثقل كاهله ويضيق به صدره، ويعلم أن هذا الرفيق خير من يحمل عنه ويسليه.
وفي زمننا الحاضر تغلب على علاقاتنا السطحية والأنانية والتمركز حول الذات ، مهما قربت العلاقة أو الرحم، فضغوط الحياة صرفت الرفقاء عن بعضهم، ليس ذلك فحسب، بل أصبح لكل كلمة مليون معنى ومقصد، وأصبح الكلام يحمل على غير معناه ومقصده.
يحاول البعض العيش بصفاء والاختلاط مع الآخرين بحسن النوايا وتأتي بعض المكدرات أو سوء الفهم ليقطع العلاقات بسبب تفسير بعض التصرفات أو الكلمات حسب مزاج السامع أو رغبته في التفسير.
فأصبح لا بد من تبرير المقاصد والنوايا ، وهكذا تدخل علاقاتنا الإنسانية إلى دهاليز سوداء يكتنفها الشك والريبة ، بعد أن كانت هي ما يميزنا.
تقول كلمة لا ترمي لها بالاً ولا تقصد بها أكثر مما لفظت به ، فتجدها صارت تحمل أكثر من معنى لم يكن أحدها مقصوداً.
وتعود لتشرح وتوضح، فتجد انه صدر حكم عليك وتم تحديد المقصود من قولك واتخاذ اللازم تجاه ذلك إما بتأليب الآخرين أو قطع العلاقة وبترها أو الإيذاء النفسي.
فأين نحن من الحب في الله، والأخوة فيه، كيف تغير بنا الحال وكيف أصبح احتياجنا للتدريب على تكوين وبناء العلاقات الإنسانية يوازي حاجتنا للتعليم والدراسة.
ما الذي تغير؟ كان كل يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وصار كل يريد كل شيء لنفسه.
ونعود للزمن الجميل حين كانت التضحيات تقدم لدعم الآخرين ومساعدتهم على النجاح والوصول للأهداف، ومن ثم رد الجميل واستمرار العلاقة كأجمل ما تكون من حيث المحبة والتفاني والإخلاص،علاقات ألفة ومودة ورحمة لا تحتاج لتبرير كل كلمة تنطق ، فهل نحلم بعودة الزمن الجميل؟!


هند الثميري